الدكتور محمد حمزة يكتب.. هل يعلم رئيس الوزراء والجهات التنفيذية قيمة الرموز بقرافة السيدة نفيسة والإمام الشافعي؟
لو كان دولة رئيس الوزراء وحكومته والجهات التنفيذية يعلمون ويعرفون بحق مفردات وتفاصيل وقيمة الرموز والنخب والقامات المقبورة في مقابر القرافة الجنوبية (السيدة نفيسة والإمام الشافعي ومحيطهما شرقا وجنوبا) وكيف استطاع هؤلاء مع غيرهم ممن لم يقبروا في هذه القرافة تشكيل تاريخ مصر الحديثة في كافة المجالات السياسية والعسكرية والنيابية والقضائية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والطبية والأدبية والموسيقية والغنائية والفنية ومن ورائهم جيش من المهندسين والمعلمين والمعماريين والبنائين والحجارين والمرخمين والنجارين والخطاطين الذين شادوا تصميما وإخراجا وتشكيلا وفنا وخطا هذه الروائع وتلك الابداعات فكل اسم منهم يحتاج ان يفرد له ولتاريخه وإسهاماته متحف خاص به على غرار المتاحف الخاصة التي نفذت بالفعل؛ وهو ما لم يحدث للغالبية منهم ؛ وممازاد الطين بله قيام الجهات المسؤولة بهدم العديد من القبور في مخالفة صريحة ومباشرة للدستور والقانون؛ ومايزال الهدم جاريا ولم يتوقف رغم صرخات المصريين ودعوات المختصين والخبراء وغيرهم؛ ورغم توجيه الرئيس بتشكيل لجنة لتقييم الموقف وطرح البدائل والحلول؛؛؛ ورغم نداءات وسائل التواصل الاجتماعي من كافة المصريين العاشقين والمحبين لتراب وطنهم وتراثه والذين انبروا وتكاتفوا من أجل التوثيق والتصوير وجمع التحف من الشواهد والتراكيب والنقوش والمفردات والعناصر الفنية والمعمارية ولايحركهم في ذلك سوي واجبهم الوطني وحبهم الفطري له وحرصهم الشديد على الحفاظ على تراثه؛ وذلك على النقيض من الجهات المسؤولة عن الآثار والتراث والأوقاف فلم يحركوا ساكنا ووقفوا مكتوفي الايدي رغم ان هذه المقابر خاضعة قانونا لهم وهم الأولى بحمايتها وحفظها مع تسجيلها والإبقاء عليها وترميمها سواء وزارة السياحة والآثار أو وزارة الثقافة أو وزارة الأوقاف أو محافظة القاهرة وبالتالي فإن هذه الجهات المسؤولة يجب ان ترحل عن المشهد وتقدم استقالتها أو تقال؛ فضلا عن محاسبتهم في ما ارتكبوه واقترفوه من ذنب لا يغتفر ولن ينساه
التاريخ في حق التراث المصري العظيم الذي يصعب تعويضه.
وعلى ذلك لو كان هؤلاء ممن ذكرنا يعرفون اهمية التاريخ والحضارة والآثار والتراث والثقافة بالنسبة لكل بلد عامة ومصر خاصة لمافرطوا في تراث هؤلاء القامات وتلك الرموز الوطنية فهل ننسى اول عميد مصري لكلية طب قصر العيني د علي باشا ابراهيم ؛ وهل ننسى أمير الشعراء احمد شوقي وهل ننسى شاعر النيل حافظ ابراهيم؛ وهل ننسى الزعماء احمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول ومحمد فريد؛ وهل ننسى ابو التعليم على باشا مبارك؛ وهل ننسى اول نقيب للمحامين في مصر الهلباوي باشا؛ وهل ننسى وزير الشئون الاجتماعية جلال باشا الذي الغي إلبغاء في مصر 1949م؛؛ وهل ننسى الدرملي باشا وشاهين باشا كنج؛؛ وهل ننسى احمد تيمور باشا ويحي حقي وحسين السيد واحمد فؤاد نجم(الفاجومي) وهل ننسى عميد الأدب العربي د طه حسين؛ وهل ننسى قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت؛ وهل ننسى موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب ؛؛ وهل ننسى كوكب الشرق ام كلثوم و العندليب عبد الحليم حافظ وملك العود فريد الأطرش ؛؛ وهل ننسى البرنس يوسف كمال؛؛ وهل ننسى على باشا فهمي؛ ومصطفى باشا فهمي ودوره في إحياء الطراز القومى المصري في العمارة خلال الفترة الليبرالية (1919_1952م) بجناحيه المصري القديم(الفرعوني) والمصري الإسلامي؛ وهل ننسى العلامة حسن عبد الوهاب ودوره في تمصير علم الآثار المصرية الإسلامية؛؛ وهل ننسى خطاط الحرمين الشريفين وكسوة الكعبة الشريفة عبدالله زهدي؛؛ وهل ننسى يوسف أحمد الذي ايقظ الخط الكوفي من رقدته واحياه من جديد؛؛؛ وهل ننسى عائلات يكن باشا وذو الفقار باشاو شريف باشا؛؛؛ وهل ننسى محمد محمود باشا رغم ان له شارع بإسمه بجوار مبنى الجامعة الأمريكية بالتحرير كان له دور في إحداث ثورة25يناير2011م؛؛ وهل ننسى احمد شفيق باشا؛؛ وهل ننسى الملكة فريدة؛؛؛ وهل ننسى الغرباء ممن إحتضنتهم مصر فاتخذوها موطنا ومقبرة لهم ولعائلتهم مثل عائلة الأطرش وعائلة العظم
وغيرهم؛؛؛ وهل ننسى عميد الأدب العربي ووزير المعارف الذي نادي بمجانية التعليم وإنه كالماء والهواء وصاحب مستقبل الثقافة في مصر؛؛؛
والحق إن هدم مقابر هؤلاء المقامات والرموز بعد كل ماجملناه إن دل على شئ فإنما يدل على عدم معرفتهم اصلا من الجهات المسؤولة أو الجهل بتاريخهم ودورهم أو إما نوع من التجاهل لتنفيذ المطلوب وخلاص على اعتبار أن الحي ابقي من الميت وان دي مشروعات قومية يهون في سبيلها كل شئ زي مابيقولوا في وزارة الآثار وغيرها؛؛ ونحن مع المشروعات القومية والتنموية بقضها وقضيضها ولكن ليس على حساب التاريخ والآثار والتراث والهوية والذاكرة الجمعية للأمة المصرية وهذه اللي وجه إليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبات عديدة بضرورة الجمع بين الأصالة والمعاصرة أو بين التراث والعصرنة حفاظا على أهمية المنطقة بابعادها التاريخية والتراثية ومقومات تفردها.
واتحدى اي واحد من المسؤولين الذين نفذوا مسلسل الهدم الذي بدأ ولم ينته بعد؛ ان يقول لنا نوع اي خط من الخطوط التي تم هدمها لك نهم غير متخصصين في هذا المجال ولايحيطون علما بكل شئ؛ وماهي قواعد كتابته وخصائصه ونسبته الذهبية فهذه الخطوط نفسها تعقد لها الندوات والمؤتمرات والمسابقات والمعارض في جميع أنحاء العالم بل إن دول الخليج نفسها قد سبقتنا في هذا المضمار وتنفق عليها بالملايين؛ وانا أشارك فيها بصفة دورية ومنظمة كل عام أو عامين ومن ذلك ندوة الخط العربي في مصر بدبي والتي صدرت في مجلدين من مجلة حروف عربية التي تصدرها دائرة الثقافة والفنون بدبي؛؛؛ فاين نحن من كل هذا ياسادة يا كرام يامسؤولين؛؛
ومن المنطقي إنه لايوجد انسان كامل يعي ويلم ويعرف كل شئ ويحيط به؛ وقديما قالوا ومايزال يقال ادي العيش لخبازة؛؛ ومن هنا وجدنا الكثير من المؤسسات والقيادات بها يحرصون على وجود المستشارين في العديد من التخصصات سواء على مستوى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو على مستوى الوزارة أو مستوى المحافظة أو مستوي الجامعة ؛ ولذلك اطالب بأن يضاف إلى قائمة المستشارين بكل جهة مستشار متخصص في التاريخ والآثار ليكون خير عون له فيما يخص القضايا التاريخية والاثرية والتراثية ويبرز له قيمتها واهميتها قبل القيام بتنفيذ اي من المشروعات القومية أو مشروعات التنمية السياحية المستدامة في المناطق التاريخية والاثرية والتراثية و بالتالي يستطيع المسؤولوالجهات المسؤولة ان تاخذ القرار المناسب وتبحث عن البدائل والحلول للمحافظة على هذه المناطق التاريخية والاثرية والتراثية بدلا من هدمها كمايجري الان في المقابر الواقعة في محور صلاح سالم وهذا هو عين ما وجه إليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تدقيق البيانات والدراسات وتقييم الموقف وطرح الحلول والبدائل الممكنة؛ وذلك حفاظا على أهمية المنطقة بابعادها التاريخية والتراثية ومقومات تفردها.
ولما كان الجهل بالشئ لايبرر خطأ الوقوع فيه؛ وهو في ذلك مثل الجهل بالقانون؛ ولذلك قيل ويقال إن القانون لايحمي المغفلين والجهلاء به؛ وبناءا عي ذلك فإن الجهل بالتاريخ و عدم ادراك اهمية تلك الروائع والإبداعات المعمارية والفنية ومتحف الفنون والخطوط المتنوعة القابعة داخلها؛ ولم تكتحل العين بها الا للاقلية من المهتمين والمختصين من جهة؛ وكذلك عدم ادراك قيمة هذه الرموز وتلك القامات المقبورة بتلك المقابر وما اثروا به تاريخ الحياة المصرية في شتى المجالات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين من جهة ثانية لايبرر للجهات المسؤولة الوقوع في الخطأ الذي لا يغتفر بهدم ماهدم من هذه المقابر التراثية بل والاثرية( لان عدم تسجيلها ليس لعيب أو نقص أو قلة قيمة فيها وإنما الإهمال جسيم وتقصير كبير من قبل المجلس الأعلى للآثار وقطاع الآثار الإسلامية واللجنة الدائمة للآثار الإسلامية طبقا للمادة 2من القانون؛ كما أنها مسجلة على قوائم الحصر كطراز معماري وفني متميز طبقا للقانون144لسنة2006َم) وما سوف يهدم ولذلك اناشد السيد الرئيس ودولة رئيس الوزراء بوقف أعمال الهدم والاز الة فورا حفاظا على مابقى من هذه المقابر حتى لايضيع التراث والتاريخ والهوية والذاكرة الوطنية إلى الابد من جهة وتعيين مستشار متخصص عالم بحق في التاريخ والآثار ليكون عونا وسندا لاي مسؤول وقيادي في القضايا التاريخية والاثرية والتراثية أسوة بغيرة من المستشارين في تخصصات أخرى مثل المستشار القانوني والمستشار العلمي والمستشار الصحي أو الطبي والمستشار العسكري والمستشار الفني وخلافه.
حفظ الله مصر أرضا وشعبا وهويةوقيادة وجيشا وشرطة وحكومة رشيدة وقوة ناعمة وعلماءا وخبراءاوتاريخا وأثارا وحضارة وثقافة وتراثا إلى أن يشاء الله وحتى يرث الأرض ومن عليها اللهم أمين يارب العالمين.
بقلم:
الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا