حرمان 4 ملايين مصري من السفر بسبب فيروس سي
لم تشفع المعاناة من المرض سنوات طويلة لمتعافي «فيروس سي» ليصطدموا بواقع مرير بعد الشفاء والتأكد من التعافي بحرمانهم من السفر والعمل بالخارج خاصة إلى دول الخليج.
قرار اعتماد عدد كبير من الدول العربية تحليل الأجسام المضادة والمعروف بـ«anti body» والذي يثبت وجود أجسام مضادة لفيروس سي في أجساد المتعافين رغم اكتمال الشفاء، كان كالصاعقة على المتعافين.
وتقدر أعداد المتعافين من مرض فيروس سي في مصر بحوالي 4 ملايين مريض -حسب تصريحات الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان.
القضاء على فيروس الالتهاب الكبدي (C) في مصر
وأشار الوزير، إلى أن مصر حققت، خلال السنوات القليلة الماضية، نجاحات مبهرة فيما يخص القضاء على فيروس الالتهاب الكبدي (C)، والذي كان يتسبب في وفاة ما بين 40 إلى 50 ألف شخص سنويًا، حيث استطاعت مصر وضع خطة متكاملة تشارك بها كافة الجهات والقطاعات المعنية، لتحقيق الوقاية وتوسيع نطاق التشخيص والوصول إلى العلاج.
والتقيت «النبأ» بأحد المصابين ويدعى «جمال محمود» البالغ من العمر 40 عامًا، والذي اكتشف إصابته قبل نحو 12 عامًا عن طريق الصدفة حينما كان ينهي إجراءات سفره إلى المملكة العربية السعودية؛ من أجل العمل معلما للغة الإنجليزية ليصطدم بمنعه من السفر لإصابته ب«فيروس سي».
ويروى «جمال» تفاصيل معاناته مع المرض وخوض رحلة العلاج التي استمرت نحو 4 أعوام ليتم شفاؤه تمامًا، ليراوده حلم السفر مرة ثانية إلا أن هناك صدمة أخرى تقف عائقًا أمامه بعد علمه بأن المتعافين من المرض توجد أجسام مضادة تمنعهم من السفر إلى معظم دول الخليج، ما جعله يشعر بالإحباط لعدم وجود حل، قائلًا: «أنا واحد من ضحايا التحاليل الظالمة دي، وعملت مقابلات عمل كتيرة واتقبلت فيها وتحليل الأجسام المضادة هو العائق».
عليا ديون كتير وخسرت فرصة العمل فى السعودية
واختتم «جمال» حديثه لـ«النبأ» متمنيًا حل مشكلته هو والكثيرين من متعافي فيروس سي، مرددًا: «الواحد عليه ديون كتير، والسفر بالنسبة لي هو طوق النجاة».
والتقط أطراف الحديث، متعاف آخر يدعى «سيد علي» يبلغ من العمر 45 عامًا، ويعمل سائقا، قائلًا إنه يعيش في هذه الأزمة منذ 4 سنوات، عندما ساعده أحد أصدقائه في الكويت بإرسال فيزا عمل له والتي كلفته أكثر من 80 ألف جنيه وقتها، ولم يكن يعاني من أي مرض مما دفعه إلى تجهيز أوراق السفر سريعًا والتي من ضمنها تحليل فيروس سي الذي أجراه في معمل تحاليل خاص بمسقط رأسه بمدينة منوف التابعة لمحافظة المنوفية، وأكدت تعافيه من المرض تمامًا.
وأضاف أن صديقه أشار إليه بضرورة إجراء التحليل في المعامل المركزية لوزارة الصحة بالقاهرة لكي يتم اعتماده في السفر، وبتكرار التحليل أكثر من مرة تبيّن وجود أجسام مضادة لفيروس سي تمنعه من السفر.
وتابع: «حد يفيدني أعمل إيه والفلوس اللي صرفتها دي أنا بقيت مديون لطوب الأرض وأنا راجل على قد حالي والفرصة بتروح منى».
فيما يقول مينا مجدى ناجح، من محافظة سوهاج، إنه اكتشف مرضه بالالتهاب الكبدي الوبائى «فيروس سي» منذ أن كان طالبًا جامعيًا وتعافى من المرض بعد فترة لم تتعد الـ4 سنوات، وقام بعمل كل التحاليل اللازمة التي تؤكد تعافيه تمامًا من الفيروس.
ويوضح أنه أثناء عمله في تجارة الملابس الجاهزة كبائع متجول ونظرًا لضيق المعيشة فكر في السفر لأي دولة للعمل بالخارج لتحسين مستوى المعيشة، وقام أحد أصدقائه في الخارج بإرسال فيزا عمل له مما دفعه لتصفية عمله ومصدر دخله الوحيد للحصول على هذه الفيزا.
بدأ «ناجح» في الإجراءات الخاصة بالسفر، خلال فترة جائحة كورونا، ونسي تمامًا إصابته بـ«فيروس سي»، وبإجراء التحاليل اللازمة تبيّن وجود أجسام مضادة للفيروس تمنعه من السفر بعدما افتقد مصدر دخله الوحيد بتصفية تجارته من أجل الغربة.
وأضاف أنه عرف فيما بعد أن التحاليل الطبية التي تطلب قبل السفر تتضمن تحليل الأجسام المضادة لفيروس سي وفي حال وجود ذلك يمنع من السفر إلى دول الخليج.
بينما تروي الدكتورة منى مصطفى، معاناتها مع الأمر نفسه، لافتة إلى أنها تعيش أزمة حقيقة هددت حياتها الزوجية وجعلتها على وشك الدمار.
وتضيف: «تمت خطبتى منذ 3 سنوات وكان خطيبى يعمل طبيبًا بإحدى دول الخليج، ثم اتفقنا على أن نقوم بكتب الكتاب كى أتمكن من السفر إليه لنستقر سويًا هناك، وعلى هذا الأساس تممنا زواجنا وسافر سريعًا حيث لا توجد إجازات لديه، وكان المتفق عليه أن أقوم بالسفر بعد أشهر قليلة حتى انتهي من الأوراق المطلوبة».
وتابعت: «ولكنى فوجئت بنتيجة تحليل الأجسام المضادة التى أثبتت وجود أجسام مضادة لدي رغم أنى تعافيت من الفيروس منذ زمن، حاولت أن أجد حلا لكن دون جدوى، وما زلت على هذا الوضع حتى الآن ولا أدرى إلى متى سيظل هذا الوضع».
عدم قبول المتعافين بالخليج يحتاج لحل سياسى ولا علاقة له بالطب
وفي السياق ذاته، تقول الدكتورة دعاء محروس، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي وفيروس سي، والمسئولة السابقة في إحدى إدارات الطب الوقائي، إن الأجسام المضادة لها فائدة كبيرة داخل الجسم فهي تقوم بمهاجمة الفيروسات، مضيفة أنه في حالة عدم مقدرة الأجسام المضادة على التخلص من فيروس سي يُستخدم علاج السوفالدي.
وأوضحت «محروس»، أن الأجسام ستظل داخل الجسم مدى الحياة وغيابها يقلق الطبيب، لأنه مؤشر لوجود الأمراض كالإيدز مثلا، معقبة: «وجود أجسام مناعية تعطي راحة للطبيب المعالج».
وتابعت أن وجود الأجسام المضادة عند إجراء التحليل المبدئي لفيروس سى لا تعنى الإصابة، فالأجسام المضادة ستظهر في التحليل حتى بعد الشفاء من الفيروس والفيصل في تحليل الـ«البي سي آر».
وأكدت أخصائي أمراض الجهاز الهضمي وفيروس سي، أن عدم قبول المتعافين من فيروس سي للعمل في دول الخليج رغم شفائهم من الفيروس يحتاج إلى حل سياسي على مستوى الدول ولا دخل للطب به، متمنية اعتماد تحليل الـ«PCR» في أسرع وقت.
خاطبنا مجلس التعاون الخليجى لاعتماد تحاليل «البى سى آر» بدلًا من «الأجسام المضادة» دون جدوى
على الجانب الآخر، أكد الدكتور محمد العماري، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن معامل وزارة الصحة تعتمد على تحليل الأجسام المضادة في الدم، وهذا النوع من التحليل يظهر الأجسام المضادة حتى بعد الشفاء.
وأضاف وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، أن البرلمان يتحرك في هذا الملف، موضحًا أنه بالفعل تمت مخاطبة مجلس التعاون الخليجي لاعتماد تحليل «البي سي آر»، وكانت هناك مجموعة من النقاشات بين لجنة الشئون العربية، ولجنة السفارات الخارجية، ولجنة وزارة الصحة لحل هذه المشكلة ولكن دون جدوى.
وأكد «العماري»، أن الحل يتمثل في موافقة مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء العرب لاعتماد تحليل الـ«بي سي آر» رسميًا بدلًا من تحليل الأجسام المضادة، ونسعى جاهدين لذلك.
شارك