الحزام والطريق الصينية مقابل ممر بايدن.. حدود التنافس والنجاح
في قمة العشرين الأخيرة في نيودلهي، دفعت الولايات المتحدة باتجاه مشروع طموح يربط الهند بأوروبا عبر طرق متعددة. ووصف الرئيس الأمريكي جو بادين حينها الاتفاق المبدئي بخصوص هذا المشروع مع بعض القادة المعنيين بأنه اتفاق "تاريخي".
لكن على الفور تعالت أصوات تقول إن هذا مشروع الممر الاقتصادي الذي يتوخى ربط الهند وإسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بأوروبا بطرق متعددة لا يمكن اعتباره شأنا لا علاقة له بالصراع الذي بات استراتيجيا بين الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. وللوهلة الأولى، اعتبره المحللون خطة مواجهة ومنافسة للمشروع الذي تدفع به الصين-- مبادرة "الحزام والطريق".
لكن هل هذا المشروع من الممكن أن يخرج إلى النور أم أنه ولد ميتا مثل غيره؟ وما هي العقبات التي تعترضه؟ وهل يستهدف فعلا الحزام والطريق أم مكمل لها؟
--الحزام والطريق في الخلفية
قبل الخوض في هذا المشروع، يتعين إلقاء نظرة على الخلفية. ولا يمكن ان تكتمل الصورة العامة بتجاهل مبادرة الحزام والطريق. ويصادف هذا العام 2023 الذكرى السنوية العاشرة لمشروع البنية التحتية الصيني الضخم. فمنذ أن أنشئت مبادرة الحزام والطريق في 2013، وعلى مر السنين، تمكنت من توسيع نطاقها وجاذبيتها، وقد وفرت للصين والدول المشاركة فرصا ومساحات كبيرة لتعزيز التعاون والمشاركة وبالتالي تعزيز قوة الصين العالمية، حيث زادت تجارة الصين مع دول مبادرة الحزام والطريق بنسبة 162% وأثبتت المبادرة قدرة على معالجة قضايا ومخاوف اقتصادية محلية.
وحسب الأرقام الرسمية حتى يونيو، وقعت الصين أكثر من 200 اتفاقية تعاون مع 152 دولة و32 منظمة دولية في إطار مبادرة الحزام والطريق، لكن مع استمرار جاذبية المبادرة--حسبما تقول مجلة مودرن دبلوماسي في دراسة لها--لم تسلم المشاريع التي تم بناؤها في إطار مبادرة الحزام والطريق من الانتقادات الغربية. وتحت شعارات "فخ الديون" و"الاستعمارية الجديدة"، اندفع الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى العمل مع الدول ذات التفكير المماثل إلى البحث عن سبل لمواجهة النفوذ الصين المتنامي، وتطوير اتفاقيات وشراكات مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ في عام 2018، ومجموعة I2U2 في عام 2021، والبوابة العالمية للاتحاد الأوروبي في عام 2021، ومبادرة لمجموعة السبع في عام 2022. ومع ذلك، في ظل غياب الترابط بين هذه المجموعات وانخفاض المساعدة والدعم الماليين، فشلت مثل هذه التحركات في التأثير على قوة مبادرة الحزام والطريق ومدى انتشارها وشعبيتها.
لقد استثمرت الصين في إطار المبادرة حوالي تريليون دولار أمريكي حتى مارس 2021، مع التركيز على المشاريع الكبيرة والاستراتيجية والحيوية التي توسعت وساعدت العديد من الدول الشريكة. لكن على الجانب الآخر، استمر الانخراط المتزايد في المبادرة في إثارة قلق الولايات المتحدة ما دفع تحت ضغط دولا غربية مثل إيطاليا إلى التفكير في الخروج من مبادرة الحزام والطريق وإطلاق الممر الاقتصادي الجديد.
--ممر بايدن الجديد
جاءت قمة مجموعة العشرين الأخيرة في الهند لتطلق شرارة جديدة في المنافسة بين الصين والولايات المتحدة باعلان بايدن عن إطلاق الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. ويعد المشروع حسب تقارير جزءا من الشراكة العالمية من أجل البنية التحتية والاستثمار التي أطلقتها مجموعة السبع في عام 2021 لتحل محل مبادرة الولايات المتحدة لإعادة بناء عالم أفضل بعد فشلها في التأثير على مبادرة الحزام والطريق.
ومع قيام الهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بالتوقيع على اتفاقية الممر، طُرحت أسئلة حول ما إذا كان ينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية أم مكمل لها أم أنه ولد ميتا.
تقول "مودرن دبلوماسي" إن العديد من الخبراء السياسيين يجادلون بأن المشروع له أهمية تاريخية جيوسياسية واقتصادية ومن شأنه أن يسرع التنمية والترابط والتكامل بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وتحويل المنطقة إلى مركز جديد لمركز القوة العالمية، حيث أن المشروع المقترح سيتكون من شبكات للنقل البري والسكك الحديدية والسفن التي تربط الهند بأوروبا عبر شبه الجزيرة العربية. ومع تقسيم الممر إلى قسمين الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي والممر الشمالي الذي يربط الخليج بأوروبا فهو يشتمل أيضا على كابل كهرباء وخط أنابيب هيدروجين وكابل بيانات عالي السرعة.
ونظرا لأن الممر موجه لتحويل وتسهيل التجارة من خلال طريق الربط في الدول الشريكة فيمكن أن يؤدي إلى تقليل التوتر السياسي في شبه الجزيرة العربية، وتعميق المشاركة الاستراتيجية للهند مع شبه الجزيرة، وتقديم ميزة وفرصة استراتيجية للولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين في المنطقة، ويمكن أن يمتد إلى إفريقيا لتعزيز خطة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتطوير ممر عبر إفريقيا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يبدو أن هناك اتفاقا بأنه سينعكس على تعزيز الحركة السلسة للبضائع، وتقليل أوقات النقل، وتعزيز النمو الاقتصادي في الدول الشريكة. علاوة على ذلك، فإنه سيسهل إمدادات الطاقة والموارد الآمنة، ويتم الاستفادة منها بشكل استراتيجي لتطوير المناطق الاقتصادية الخاصة وتعزيز النمو الاقتصادي في البلدان الشريكة.
--الحزام والطريق مقابل الممر
هناك أوجه تشابه بين المشروعين الضخمين العابرين للحدود-- مبادرة الحزام والطريق وممر بايدن-- إلا ان الأولى أكبر من الثاني من حيث الحجم، والعديد من أعضاء الممر مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيطاليا هم جزء من مبادرة الحزام والطريق.
لكن فيما يتعلق بمسألة الحزام والطريق مقابل الممر، لم تتحدث وثيقة سياسة الممر عن الصين أو مبادرة الحزام والطريق أو أن المشروع بديل للعالم. وبما أنه من الواضح أن مبادرة الحزام والطريق تسبق الممر بعقد من الزمان، فسيتم الانتهاء من اتفاق الممر عندما تجتمع الدول الشريكة مرة أخرى بعد شهرين لضبط تفاصيله الدقيقة، وبالتالي قد يصبح من الواضح كيف سينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية في سياق التنافس الجيوسياسي المتنامي بين الولايات المتحدة والصين.
هناك البعض يجزم بأن الممر يهدف إلى مواجهة مبادرة الحزام والطريق وتقويض الوجود والنفوذ الصيني لكن لا يمكن التأكد من ذلك بسهولة. في ضوء المعطيات، هناك ميناء بيريوس ومشروع الاتحاد للسكك الحديدية وهما جزء من مشروع الاتصال للممر، ولا يمكن تجاهل الوجود الصيني في أوروبا والشرق الأوسط. ميناء بيرسوس اليوناني يتم التحكم فيه من قبل شركات صينية والدول الشريكة في الممر تدرك هذا الوضع.
وتجادل الصين بأن مشروع الممر الأمريكي سيكون بمثابة خطة سكك حديدية أمريكية أخرى لن تحقق أي تقدم لأنها تواجه مشكلات داخلية تتعلق بالبنية التحتية وستخدم فقط كأداة سياسية وجعل الدول الأخرى رهنا للولايات المتحدة والضغط على التأثير العالمي المتنامي للصين.
--عقبات أمام الممر
والواضح أن الطريق أمام المبادرة الصينية لن يكون سلسا في السنوات المقبلة بالنظر إلى التنافس الجيوسياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين وتباطؤ الاقتصاد الصيني. وكذلك هو الحال أيضا مع مشروع الممر الذي يتطلب ترجمته على التغلب أولا على عقبات.
ويقول جيمس دورسي الباحث بكلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية: " أقامت الإمارات العربية المتحدة والبحرين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 2020. ومع ذلك، فإن العقبات التي تعترض المشروع قد لا تكون أقل صعوبة. وترى مجموعة من الدول القوية، بما في ذلك الصين وروسيا وتركيا وإيران ومصر، أن ممر السكك الحديدية والشحن والألياف الضوئية والكهرباء والهيدروجين المقترح منافس محتمل أو تهديد لخططها البديلة المختلفة التي لا تقل طموحا.
وتخشى روسيا وإيران من أن ينتقص مشروع الممر من ممر النقل بين الشمال والجنوب الذي يبلغ طوله 7200 كيلومتر، والذي من شأنه أن يربط الهند وإيران وأذربيجان ودول آسيا الوسطى وروسيا بأوروبا. ومن جانبها، تشعر مصر بالقلق من احتمال قيام الممر بتحويل حركة المرور من قناة السويس الاستراتيجية، خاصة إذا ثبت أن الشحن عبر الممر أسرع وأرخص وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من الشحن عبر القناة. وقامت مصر بتوسيع القناة عام 2015 بتكلفة 8 مليارات دولار".
لكن القضية الأكبر بالنسبة لدروسي هي إقامة علاقات دبلوماسية محتملة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.وقال إن "المملكة العربية السعودية قد طالبت بضمانات أمنية، إن لم يكن باتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، كجزء من صفقة سعودية إسرائيلية. وإذا تمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق مرادها، فلن تتخلف الإمارات العربية المتحدة كثيرًا عن تكثيف علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة".
وفي حديثه الشهر الماضي مع قناة فوكس نيوز، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن بلاده وإسرائيل تقتربان من إقامة علاقات رسمية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متحمسا بنفس القدر في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأوضح دروسي أنه "من المرجح ألا يؤدي تشديد العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة إلى تعطيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول الخليج والصين، ولكنه من شأنه أن يحد من تعاونها الاستراتيجي مع جمهورية الصين الشعبية". وأردف أن " التزام الشرق الأوسط تجاه الممر من شأنه أن يتعارض مع التقدم الأخير في توسيع نفوذ الصين الإقليمي".
وقد ذكر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن هذا المشروع "سيختصر وقت نقل البضائع من الهند إلى أوروبا بمقدار ثلاثة إلى ستة أيام. وسيختصر الوقت، ويوفر المال، وهو أكثر أمانًا وكفاءة". وأضاف "الأمر لا يتعلق فقط بنقل البضائع وبناء السكك الحديدية والموانئ بل يتعلق بربط الشبكات وشبكات الطاقة وكابلات البيانات وغيرها من الأشياء التي ستفيد أوروبا والشرق الأوسط والهند. إنها صفقة كبيرة بالنسبة لنا ولأوروبا والهند".
وقد قلل بعض المحللين من أهمية الممر في التنافس بين الولايات المتحدة والصين مثل جاي بيرتون، مؤلف كتاب "صراعات الصين والشرق الأوسط: الرد على الحرب والتنافس من الحرب الباردة إلى الوقت الحاضر"، والذي قال إن الممر "يعكس تنوع العلاقات الدبلوماسية في العالم متعدد الأقطاب الحالي والناشئ". وأضاف بيرتون: "لذلك، لا أعتقد أن فكرة أنه سيكون مشروعا مناهضا للصين موجودة بالفعل في الخليج".