بعد فشل مفاوضات سد النهضة ..
تحركات مصر لاستخدام القوة ضد إثيوبيا تنفيذا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة
دخلت أزمة سد النهضة مرحلة جديدة خطرة يعتبرها البعض مرحلة لا رجعة فيها، حيث أثار البيان المصري بانتهاء «مسار التفاوض» بشأن سد النهضة واحتفاظ مصر بالدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر، والذي قابله بيان إثيوبي يتهم القاهرة بالتحريف.
وأثارت التصريحات الأخيرة، العديد من التساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة، خلال الفترة المقبلة، وما هي الأوراق التي في يد مصر حاليا؟، وهل إعلان مصر حقها في الدفاع عن أمنها المائي يعني إمكانية القيام بتوجيه ضربة عسكرية للسد كخيار أخير أمامها.
وخرجت وزارة الري ببيان مفاجئ للجميع، أعلنت خلاله انتهاء الاجتماع الرابع والأخير، من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا، الذي سبق إطلاقه في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بإعداد الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد خلال 4 أشهر.
وتحدث وزير الري عن تعنت الجانب الإثيوبي ضد مطالب دولتي المصب، مصر والسودان، حيث أكدت القاهرة أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، مع احتفاظها بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر.
ومن جانبها، قالت الخارجية الإثيوبية، إن القاهرة «حرفت» مواقف أديس أبابا في المحادثات، مضيفة أن مصر لا تزال لديها عقلية العصر الاستعماري ووضعت حواجز أمام جهود التقارب.
وأفادت وزارة الخارجية الإثيوبية، بأن إثيوبيا تظل ملتزمة بالتوصل إلى تسوية ودية عن طريق التفاوض تلبي مصالح الدول الثلاث، وتتطلع إلى استئناف المفاوضات.
ولطالما عارضت مصر مشروع سد النهضة بسبب المخاوف المتعلقة بإمداداتها المستقبلية من المياه من نهر النيل الذي تعتمد عليه اعتمادا كبيرا، وعبر السودان أيضا عن قلقه إزاء تنظيم وسلامة إمدادات المياه والسدود الخاصة به.
من جانبها، كشفت مصادر، عن أن سبب تصاعد الأزمة، مؤخرا، هو توصل مصر لمعلومات تتعلق بقيام إثيوبيا الشروع في بناء سد جديد خلف سد النهضة الذي يشكل دائرة صراع وحلقة طويلة من التفاوض منذ عام 2011.
وأضافت أن الجانب الإثيوبي بدأ في بناء سد جديد خلف سد النهضة، مما يساهم في تفاقم الأزمة مع مصر والسودان، خاصة في ظل فشل مفاوضات سد النهضة التي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
كما أن إثيوبيا تستغل الأزمة في السودان وانشغال الحكومة هناك بالصراع الداخلي، بجانب انشغال مصر والمجتمع الدولي بأزمة غزة، وكذلك مجلس الأمن.
تعقيد الموقف
وذكرت المصادر، أن مصر تأكدت من خلال عدة تقارير تجاه أديس أبابا للشروع في بناء سد جديد ربما يتم وضع حجر الأساس له مطلع العام المقبل، مما سيساهم في تعقيد الموقف مع مصر والسودان.
وتتحسب «القاهرة» لهذه الخطوة، التي ربما تقدم عليها إثيوبيا، خلال الأيام المقبلة، وهو ما يظهر من خلال دور الدبلوماسية المصرية في حشد الموقف العالمي حول هذه القضية، وضمان تأكيد أحقية مصر في الدفاع عن حقوقها المائية في ظل التجاوزات الإثيوبية.
وأضافت المصادر، أن السدود على النيل الأزرق الهدف منها التحكم في تصرفات المياه الذاهبة لمصر والسودان، بالإضافة إلى الأهداف المعلنة من توليد كهرباء، وكلما زادت سعة التخزين زادت القدرة على التحكم في المياه، مثلا سد النهضة يستطيع تخزين سنة ونصف من مياه النيل الأزرق، مما يعنى القدرة على تخزين مثلا 50% من حصص مصر والسودان لمدة 3 سنوات، وبالتالي التأثير سلبا على دولتي المصب لـ3 سنوات أو أكثر، ويزداد التأثير كلما زاد عددهم ومجموع سعاتهم.
ويرى محمود أبو زيد، وزير الري الأسبق، أن لدى مصر عدة خيارات متاحة وعلى رأسها إشراك مجلس الأمن الدولي بشكل رسمي في نتائج المباحثات، وإيضاح مدى الضرر الذي يقع على مصر والذي يمس أمنها القومي.
وأضاف أنه يجب أن تعمل مصر بشكل دولي لإيقاف الملء الخامس من خلال إعداد دراسة وافية معترف بها من قبل الخبراء المختصين الدوليين بمدى الضرر الذي سيقع على السودان ومصر والذي قد يصل إلى مرحلة الجفاف وتقديمها إلى مجلس الأمن، وفق حديثه.
وأشار إلى أنه يمكن لـ«القاهرة» الحديث مع الولايات المتحدة، وعدد من دول الخليج؛ لإقناعهم أن أمان مصر في ظل الحروب الحالية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها ما يحدث في غزة والسودان، يحتم الدفاع عن الأمن القومي للقاهرة بالضغط على الجانب الإثيوبي للوصول إلى اتفاق مرضي لجميع الأطراف.
أسباب التصاعد الأخير
وفي ذات السياق، أكد الدكتور عادل فهمي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، أن سبب تصاعد الأزمة، مؤخرا، بين إثيوبيا ومصر والسودان، هي المعلومات التي حصلت عليها مصر عن نية إثيوبيا وضع حجر الأساس لأحد السدود الثلاثة الكبرى على النيل الأزرق، ولذلك كان الرد الحاسم من مصر بحقها في الدفاع عن أمنها المائي، وعرض الملف كاملًا أمام المجتمع الدولي لضمان حق الرد على ذلك.
وأشار إلى أن أحد السيناريوهات المطروحة أمام مصر حاليًا والسودان هو رفع هذه الاجتماعات الأربعة السابقة بشأن المفاوضات إلى مجلس الأمن، رغم أنه لم يتخذ إجراءً مناسبًا عندما تقدمنا إليه عامي 2020، 2021، إلا أن العودة إليه الآن من منطلق آخر وهو خفض التخزين فى سد النهضة إلى السعة الحالية على الأكثر؛ نظرا للخطورة الشديدة على أمن السودان ومصر حال انهيار السد نتيجة زلازل أو فيضانات قوية أو غيره من العوامل الطبيعية أو البشرية، وما حدث في درنة الليبية في سبتمبر الماضي ليس ببعيد، بهذه الخطوة تستوفى مصر ومعها السودان ملف سد النهضة كاملا أمام المجتمع الدولي؛ للحفاظ على حقوقنا المائية في المستقبل، خاصة إذا شرعت إثيوبيا في بناء سد آخر من السدود الثلاثة الكبرى على النيل الأزرق كما هو في الخطة المستقبلية لها.
وأوضح «فهمي»، أن المعطيات السابقة للموقف الإثيوبي من قضية سد النهضة، والشروع في بناء سدود جديدة، يكشف أن الموقف المصري سيصبح أكثر حدة في التعامل مع الجانب الإثيوبي، وليس فقط بالطرق الدبلوماسية والتفاوضية معهم، حيث إن معطيات الموقف الحالي تشير إلى أن القاهرة قد نفد صبرها على الموقف الإثيوبي المتعنت، وهو ما قد يدفع نحو رد فعل مصري قوي على أديس أبابا وتهيئة الموقف الدولي لهذا الأمر لضمان أحقية مصر في الدفاع عن حقوقها.
وتوقع الخبير المائي، لجوء مصر إلى التهديد بضرب السد كورقة قد تكون الأخيرة لها، وهي ورقة قد تستخدمها في أى مفاوضات وحوارات دبلوماسية وتفاوض مع الشركاء الآخرين وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
القانون الدولى تجاه موقف مصر
وعن تصريحات مصر بحقها في الدفاع عن أمنها المائي، قال الدكتور رجب عبد المنعم أستاذ القانون الدولى، إنه من حق مصر المشروع الدفاع عن أمنها المائي، وهناك مواثيق دولية تعطي لها الحق في ذلك وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة.
وحسب نص المادة «يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال، فيما للمجلس -بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه».
ولفت إلى أن مصر قد استنفدت كافة الوسائل والسبل الدبلوماسية طوال السنوات الماضية؛ من أجل التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة بما يراعي المصالح المائية لمصر والسودان وإثيوبيا، إلا أن المفاوضات تعثرت واصطدمت بالتعنت والإصرار الإثيوبي على فرض الأمر الواقع بإقامة المشروع دون التقيد بأي التزامات تجاه دولتي المصب، إلى جانب قيام إثيوبيا ببناء سد جديد يعني إعلان حرب مع دول المصب، والقوانين الدولية تعطي الحق لردع إثيوبيا حتى لو استخدمت مصر القوى العسكرية ضد السد.
وأضاف أستاذ القانون الدولي، أن مصر تمتلك الحق المشروع في الدفاع عن نفسها باعتبار أن أمنها المائي القومي مهدد بالخطر الداهم جراء إنشاء سد النهضة وتشغيله دون اتفاق يحفظ حقوق دولتي المصب، محذرا: «أيًا كانت النتائج».
ودعا «عبد المنعم»، المجتمع الدولي إلى إلزام إثيوبيا باحترام القانون الدولي، وعدم المساس بحقوق مصر المكتسبة والتاريخية، وتوقيع اتفاق قانوني ملزم ينظم قواعد تشغيل السد بما يضمن حصص مياه مصر والسودان.