وتدين الغارات في اليمن
المنظمة العربية تحذر من تحول جذري نحو حرب إقليمية شاملة
تجدد المنظمة العربية لحقوق الإنسان إدانتها لاستمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بغطاء أمريكي – بريطاني مخجل، وتعرب عن عميق قلقها إزاء تداعيات هذا العدوان على السلم والأمن في المنطقة وما يشكله من تهديد بالغ الخطورة للسلم والأمن الدوليين، لا سيما بعد قيام كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالاعتداء على أجزاء من اليمن، والتصريحات الاستفزازية الخطيرة التي أدلى بها رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتانياهو" حول احتلال محور صلاح الدين ( المعروف أيضًا بمحور فيلادلفيا) الواقع على الحدود بين قطاع غزة ومصر.
تعمد توسيع رقعة الصراع
وتعكس الغارات الأمريكية البريطانية في مناطق سيطرة ميليشيا "الحوثي" في اليمن تطورًا جديدًا في توسيع رقعة الصراع منذ أن تم توسيعها في مراحل سابقة بالمشاركة الأمريكية العملياتية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل، سواء من خلال الانتشار البحري الأمريكي شرق المتوسط، والذي على رغم تراجعه، وكذا مع استمرار الدعم الاستخباراتي والميداني وتدفق الإمدادات العسكرية الأمريكية لجيش الاحتلال والتي جرى استخدامها على نطاق واسع في العدوان على المدنيين قطاع غزة المحتل، فضلًا عن قيام القوات الأمريكية المنتشرة حول المنطقة بالإغارة المشتركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي على مواقع الجماعات المساندة للفلسطينيين في سوريا والعراق.
وتأتي هذه الغارات على اليمن في ظل اشتعال الموقف على الجبهة اللبنانية بين جماعة "حزب الله اللبناني" وقوات الاحتلال الإسرائيلي والتي واكبها عمليات اغتيال لقيادات من المقاومة، وأدت جميعها لمقتل العشرات من المدنيين اللبنانيين، فضلًا عن مئات من عناصر الحزب والمقاومة الفلسطينية.
وترى المنظمة أن هذه المرحلة الجديدة تدعم توسعة الصراع في المنطقة في تناقض صارخ مع التصريحات الأمريكية، وتصب مزيد من الزيت على النار المشتعلة فوق برميل بارود جاهز للانفجار، خاصة وأن الملاحة في البحر الأحمر قد تضررت بصورة مضاعفة عقب هذه الغارات، والتي من شأنها أن تُفاقم الوضع الإنساني الكارثي في اليمن نفسها، وترفع حدة التوتر بين ميليشيا "الحوثي" ودول الجوار الخليجي، فضلًا عن الانهيار المتتابع للاستقرار في منطقة القرن الأفريقي المحاذية.
مخاطر أكبر على الأمن والسلم الدوليين
ومن ناحية أخرى، تقوم قيادة الاحتلال الإسرائيلي بالاستثمار في هذه التطورات المؤلمة لرفع حدة التهديد القائم في المنطقة عبر التصريحات الاستفزازية لرئيس وزراء الاحتلال التي عاد من خلالها ليؤكد نوايا الاحتلال العدوانية للسيطرة على محور صلاح الدين الذي يبقى المنفذ الوحيد الآمن لدخول المساعدات للسكان المدنيين في قطاع غزة، وكذا لإجلاء لجرحي العدوان المعرضين لخطر الوفاة.
وتأتي هذه التصريحات الاستفزازية رغم تأكيدات الحكومة المصرية التي صدرت بمناسبة تصريحات استفزازية سابقة لمسؤولي الاحتلال بأنها لن تسمح باحتلال محور صلاح الدين ولن تقف مكتوفة الأيدي إزاء مثل هذه المحاولة، وذلك اتساقًا مع واجباتها الأخلاقية والأخوية تجاه الشعب الفلسطيني، فضلًا عن التزاماتها القانونية التي يفرضها القانون الدولي على دول الجوار لتقديم المساعدة لسكان الأقاليم المنكوبة. ولذا فإن مثل هذه التصريحات تشكل رفعًا إضافيًا لحدة التوتر في المنطقة، فضلًا عما قد تشكله انتقال هذه الفكرة من الأقوال إلى الأفعال باعتبارها مهرب محتمل لتفريغ أزمات حكومة الاحتلال، وهو ما سيكون من شأنه تقويض ما تبقى من استقرار نسبي شديد الهشاشة في كافة الاتجاهات المنطقة.
ومما يدلل على تخبط سلطة الاحتلال ومخاطر تصرفاتها العشوائية المحتملة هو التناقض بين تصريحات رئيس وزراء الاحتلال مساء 13 يناير الجاري مع الإدعاءات الكاذبة للفريق القانوني الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية يوم 12 يناير الجاري بشأن سيطرة مصر الكاملة على منفذ رفح الحدودي، وهي المزاعم التي سبق وأن كذبتها الوقائع منذ قيام الاحتلال بقصف المنفذ يوم 9 أكتوبر/تشرين أول 2023 لمنع تدفق المساعدات المصرية.
كما كذبتها تقارير وتصريحات مسؤولي الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة التي لطالما عبرت عن معاناتها من القيود الإسرائيلية على تدفق المساعدات وفرق الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة، فضلًا عن القيود المفروضة على تحركاتها في أي بقعة داخل القطاع على نحو ما أوضحه مدير منظمة الصحة العالمية قبل ثلاثة أيام، وكان لذلك أهميته في سعي مصر والمجموعة العربية لإنشاء آلية المراقبة الأممية التي نص عليها قرار مجلس الأمن 2722 لضمان وصول المساعدات ومنع العراقيل التي يضعها الاحتلال من خلال التضييق على تدفق الإغاثة عبر نقل المساعدات إلى نقطة بعيدة جغرافيًا وتعمد التباطؤ في تفتيشها عبر التفريغ والتفقد وإعادة التحميل قبل السماح بإعادة نقلها وتسليمها لطواقم الإغاثة.
جرائم حرب بالجملة وإمعان في ارتكاب الإبادة الجماعية والتهجير القسري
وأكد "علاء شلبي" رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن "قطاع غزة لا يزال يقع تحت الاحتلال الإسرائيلي بموجب القانون الدولي، وأن الأمم المتحدة - وعبر الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان - قد تبنت رؤية المنظمة العربية لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الفلسطينية بأن ما أسمته حكومة الاحتلال "إنسحابًا أحاديًا" العام 2005 لا يعدو سوى أن يكون "إعادة انتشار عسكري"، حيث بقيت سلطة الاحتلال تسيطر على القطاع سيطرة تامة تشمل واقع وكافة مقومات الحياة فيه".
ووفقًا لمبادئ القانون الإنساني الدولي وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة 1949 المتعلقة بتنظيم قواعد معاملة المدنيين وقت الحرب وتحت الاحتلال، فإن سلطة الاحتلال مسؤولة حصريًا عن توفير مقومات العيش الآمن للسكان في الأقاليم الخاضعة للاحتلال، ورغم محاولتها التنصل من مسئولياتها عن القطاع، فقد اضطرت تحت الضغط الدولي لفتح معابرها الستة لتدفق البضائع والبشر لكي تتجنب تكثيف المطالبة بالعقوبات ضدها.
لكن هذا التراجع النسبي لسلطات الاحتلال منذ بدء الحصار الشامل الدائم على القطاع في 25 يونيو 2006 لم يعني التراجع عن الإمعان في فرض سياسات العقاب الجماعي على السكان المدنيين التي تشكل جريمة حرب بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص على: "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيًا. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب"، كما تحظر "السلب"، وتحظر أيضًا "تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم".
وتحظر المادة 23 من الاتفاقية نفسها فرض قيود على ".. حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصرًا إلى سكان طرف متعاقد آخر المدنيين، حتى لو كان خصمًا. وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس".
وتقضي المادة 59 من الاتفاقية نفسها بأنه: "إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان وتوفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح به وسائلها"، و"تتكون هذه العمليات التي يمكن أن تقوم بها دول أو هيئة إنسانية غير متحيزة كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، على الأخص من رسالات الأغذية والإمدادات الطبية والملابس"، وتقرر المادة أيضًا بأنه "على جميع الدول المتعاقدة أن ترخص بمرور هذه الرسالات بحرية وأن تكفل لها الحماية".
فيما تجرم المادة 49 من الاتفاقية التهجير القسري للسكان داخل أو خارج الإقليم المحتل، حيث تنص على: "يُحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيًا كانت دواعيه"، كما تنص أيضًا على: "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".
ويشكل تقييد المساعدات الإغاثية عملًا منهجيًا تنفذه سلطات الاحتلال على الأرض وتؤيد وقوعه التقارير الأممية، فضلًا عن التصريحات شديدة الوضوح لمسئولي الاحتلال، وتُعد معها القيود على المساعدات أحد الأفعال المنهجية المعتمدة لسلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي لتدمير وإهلاك السكان الفلسطينيين في قطاع غزة دون خجل أو مواربة، ما يوفر ركنًا جوهريًا في ارتكاب الاحتلال لجريمة الإبادة الجماعية بحق سكان القطاع، حيث تنص المادة (6) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أفعال تشمل:
أ) قتل أفراد الجماعة.
ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ج) إخضاع الجماعة عمدًا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليًا أو جزئيًا.
ومع التفاؤل بما ستنتهي إليه محكمة العدل الدولية، فإن الواجب الملقى على عاتق الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة يبقى قائمًا وبصورة ملحة نحو توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين، وملاحقة الجناة عن الجرائم التي اقترفوها ويقترفونها.
كذلك، تجدد المنظمة مطلبها لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بالتوقف عن التراخي الذي حكم تفاعله من الملف الفلسطيني منذ بدء ولايته في يونيو 2021، وأن يشرع فورًا في إصدار أوامر التوقيف بحق القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين في الجرائم التي اعترفوا رسميًا بارتكابها، بما يشكل الحد الأدنى للوفاء بمسئولياته لحين استكمال التحقيقات في المئات من الجرائم التي أدت لقتل 30 ألف مدني فلسطيني على الأقل، بينهم 7 آلاف تحت أنقاض المباني المدمرة، وأكثر من 60 ألف جريح.