تعويم قادم لا محالة..
كواليس المشاورات السرية بين الحكومة وصندوق النقد لـ«تعويم الجنيه»
بعد تأجيل دام قرابة عام، يزور وفد من صندوق النقد الدولي، مصر حاليًا؛ لمناقشة المراجعتين الأولى والثانية من برنامج قرض مصر البالغ قيمته 3 مليارات دولار.
وناقش الوفد مع مسئولي الحكومة الإطار الزمني الجديد لبرنامج القرض، وكذلك تفاصيل برنامج الإصلاح الهيكلي وأداء المؤشرات الاقتصادية الأخرى.
وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي، إن بعثة الصندوق موجودة في القاهرة في الوقت الراهن لمناقشة قرض من الصندوق قيمته 3 مليارات دولار وبرنامج إصلاحات.
وأضاف أن المناقشات جارية بخصوص تمويل إضافي لتخفيف الضغوط المرتبطة بالحرب في غزة عن مصر.
وذكر المتحدث، أن البعثة برئاسة إيفانا فلادكوفا هولر ستواصل المناقشات بخصوص المراجعة الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح المصري المدعوم بتسهيل الصندوق الممدد.
ورغم الغموض الذي يحيط بالزيارة، إلا أن «النبأ» حصلت على معلومات مهمة في هذا الأمر، فإن مصر تريد الحصول على قرض بقيمة 8 مليارات دولار، على دفعات متساوية من القرض، أولها نحو 347 مليون دولار، وبدءًا من العام الجاري، ستكون الأقساط بنفس القيمة في مارس وسبتمبر من كل عام، فيما ستكون المراجعات نصف السنوية في يونيو وديسمبر، لتحصل مصر على إجمالي قيمة القرض في سبتمبر 2026، بعد ثماني مراجعات من الصندوق، آخرها في يونيو من نفس العام.
وأضافت مصادر مُطلعة لـ«النبأ»، أن الحكومة المصرية تبحث رفع التمويل المستهدف من 3 مليار دولار على 3 سنوات إلى 8 مليارات دولار، متابعة: «هناك تمويل إضافي لتخفيف الضغوط المرتبطة بالحرب على غزة مع توقع الحصول على دفعة كبيرة كمقدم من هذا التمويل».
وأكدت المصادر، أن الخلاف بين مصر والصندوق كان على مرونة سعر الصرف، حيث يرى الصندوق ضرورة أن يترك سعر الصرف لقوى الطلب والعرض ولا يبقى ثابتًا عند 30.8 جنيه كسعر رسمي في القطاع المصرفي.
وأوضحت المصادر، أن مصر تحاول من خلال المفاوضات الدائرة الوصول لحل وسط، فالحكومة تؤكد أنها لا تستطيع تحرير سعر الصرف بشكل كامل إلا في ضوء مبلغ دولاري ضخم كبير وهي تحتاج للحصول عليه حتى تتم الإجراءات سواء استطاع البنك المركزي القضاء على السوق السوداء أو ما تحتاجه للحزمة الاجتماعية الضخمة للتخفيف عن الناس من ارتفاع الأسعار المتوقع حال التحرير.
ووفقا للمعلومات التي -حصلت عليها «النبأ»- فإن صندوق النقد الدولي طالب من مصر عدة شروط منها الاعتماد الكبير على القطاع الخاص، وتحرير كلي للعملة الأجنبية مقابل الجنيه، إلا أن الحكومة المصرية تسعى بأن يكون التحرير للعملة نسبيا وليس كليا، وأن يكون سعر الدولار مقابل الجنيه في حالة التعويم الجديد ما بين 45 لـ50 جنيها، في حين يرى النقد الدولي أن التعويم النسبي للعملة لن يعالج الأزمة الاقتصادية والقضاء على فارق العملة بالسوق السوداء.
مهلة الصندوق للحكومة
وأعطى صندوق النقد الدولي لمصر مهلة حتى نهاية مارس القادم كحد أقصى لإجراء التعويم، في حين تسعى الحكومة إلى الحصول على القرض دون تعويم في الوقت الراهن؛ نظرًا لعدم التحكم في ارتفاع الأسعار بالسوق المحلي، إلى جانب صعوبة التعويم في الوقت الذي يتم فيه إعداد الموازنة العامة للدولة الجديدة 2024-2025.
خطة مصر لتنفيذ تعليمات الصندوق
وتلتزم الحكومة بتخفيض النفقات وزيادة الدخل القومي، بالإضافة إلى تعديل سياسات نقدية ومالية عامة؛ لدعم أهداف البرنامج الذي اتفقت مصر عليه مع الصندوق.
ومن جهة تقليل الإنفاق، يشمل ذلك إدارة تنفيذ مشروعات الاستثمار العام بطريقة تحقق الاتساق مع مزيج السياسات الكلية في ضمان استدامة الوضع الخارجي للاقتصاد المصري واستقراره، بما في ذلك إبطاء الإنفاق على المشاريع العامة للحد من الضغوط على سوق الصرف الأجنبي والتضخم.
بالإضافة لذلك، ستعتمد مصر على حشد تدفقات نقدية من شركائها الأجانب لسد الفجوة التمويلية المتبقية التي تقدر بنحو 5.04 مليار دولار حتى نهاية يونيو القادم فقط.
لذلك، تتوقع مصر سد هذه الفجوة عن طريق اقتراض 1.1 مليار دولار من البنك الدولي، و400 مليون دولار من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، و300 مليون دولار من بنك التنمية الإفريقي، و300 مليون دولار أخرى من صندوق النقد العربي، ومليار دولار من بنك التنمية الصيني.
وعلاوة على القروض، ستبيع مصر ما تصل قيمته إلى 2 مليار دولار من أصولها إلى مستثمرين أجانب، وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي، الذين تعهدوا أيضًا بعدم مطالبة مصر بودائعهم الموجودة في البنك المركزي المصري بقيمة تصل إلى 28 مليار دولار حتى سبتمبر 2026.
وخلال العام المالي القادم، ستبيع مصر أصولا بقيمة 4.6 مليار دولار، يتبعها أصول بقيمة 1.8 مليار دولار في 2024.
ومن جهة أخرى، وافقت مصر في المفاوضات على سياسات متعددة لزيادة دخل الدولة، بما في ذلك التنفيذ الكامل لآلية ربط أسعار الوقود بالأسعار العالمية، والنظر في إدخال آلية لربط الأسعار المحلية للغاز الطبيعي بالأسعار العالمية، وفرض ضرائب إضافية على الوقود.
أما بالنسبة للسياسات العامة، وافقت الحكومة على التحول لنظام سعر صرف مرن، لكنه مقترن بإمكانية تدخل البنك المركزي لضبط سعر الصرف في حالة «التقلب المفرط في أسعار الصرف»، إلا أنه لن يكون هناك لجوء إلى تدخلات النقد الأجنبي أو استخدام صافي الأصول الأجنبية للبنوك بقصد تثبيت أو ضمان مستوى سعر الصرف.
وفي إطار الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية والتواصل، سيقوم البنك المركزي بنشر تقارير نصف سنوية عن الاستقرار المالي باللغتين العربية والإنجليزية.
كما سيتعين على الحكومة تعزيز الشفافية والحوكمة في شركات الدولة القائمة، إذ سيطلب من جميع الشركات المملوكة للدولة تقديم حسابات مالية إلى وزارة المالية على أساس نصف سنوي، والتي ستضمن بدورها الوصول المفتوح إلى هذه البيانات.
وستعمل السلطات على تحقيق تكافؤ الفرص من خلال إلغاء المعاملة التفضيلية للشركات المملوكة للدولة على شركات القطاع الخاص.
وعلى المدى القصير، ستعمل الحكومة على نشر معلومات يسهل الوصول إليها في غضون 30 يومًا من نهاية كل شهر عن جميع عقود المشتريات التي تتجاوز 20 مليون جنيه في ذلك الشهر، إلى جانب معلومات عن جميع العطاءات المقدمة، والعطاء الفائز، وأسماء مقدمي العطاءات الفائزين.
وفي السياق نفسه، ستوضح السلطات الشروط التي يبرر بموجبها التعاقد المباشر بين الكيانات العامة وبعضها البعض، وإزالة الإعفاءات الضريبية للشركات المملوكة للدولة، وتعزيز معاملة الشركات المملوكة للدولة بموجب قانون المنافسة
وستعطي الحكومة جهاز حماية المنافسة سلطة التصرف بشكل مستقل ضد الممارسات الاحتكارية، عن طريق موافقة البرلمان على تعديلات قانون المنافسة فيما يتعلق بإضافة فصل جديد حول عمليات الاندماج والاستحواذ.
وطلب الصندوق من الحكومة معالجة الفقر وعدم المساواة، من خلال الإنفاق الإضافي على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، إذ ستقوم السلطات بتوسيع برنامج تكافل وكرامة ليشمل خمسة ملايين أسرة بحلول نهاية الشهر الجاري.
ووفقا للمعلومات أيضا، فإن صندوق النقد الدولي قد يصرف الشريحتين الثانية والثالثة من قرض مصر المؤجل منذ عام، وأن مصر لجأت إلى حلفاء بالنقد الدولي على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على النقد الدولي لإعطاء تسهيلات كبيرة لمصر للحصول على القرض دون قيود تعجيزية.
المحطة الأخيرة
من جانبه، أكد الدكتور محمود الشريف الخبير الاقتصادي، أن زيارة صندوق النقد الدولي إلى مصر الحالية هي المحطة الأخيرة للصندوق لتحديد مواقف مصر المالية ومنها بحث إمكانية زيادة القرض التي تحصل عليه مصر من الصندوق.
وأضاف، أنه بمجرد تحرك بعثة صندوق النقد إلى مصر ودمجه للمراجعات السابقة خلال الزيارتين الماضيتين، فيما يتعلق بمناقشة تحرير سعر الصرف والسياسة النقدية، فإن ذلك سيحدث تقدما كبيرا في أوضاع السياسة المالية لمصر في الفترة المقبلة.
وتابع: «صندوق النقد الدولي يناقش تحريك سعر الصرف دون تحديد نسبة معينة حتى الآن، والمؤشرات الأولية واضحة بشكل كبير لدى الخبراء والاقتصاديين، ووثيقة مجلس الوزراء الأخيرة أثبتت ذلك، وهناك قروض في صندوق النقد يتم مناقشة تمديدها إلى سنتين وثلاثة في الفترة المقبلة».
وأوضح «الشريف»، أن قرض الصندوق لن يعالج الأزمة الاقتصادية الحالية، خاصة وأن مصر ملتزمة بسداد الديون الخارجية والمطلوبة في النصف الأول من العام الجاري، ومصر في حاجة ملحة لنحو 15 مليار دولار، خلال الأيام المقبلة.