كشرت عن أنيابها للاحتلال..
سيناريوهات إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل بسبب الهجوم على رفح
أثار حديث جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إعداد خطة شاملة لشن عملية عسكرية في مدينة رفح الحدودية مع مصر، وخاصة إعلان الاحتلال نيته في دخول أسلحة ثقيلة إلى المنطقة «د» بحجة القضاء على حركة حماس ومطاردتها، حالة واسعة من الترقب والقلق حيال عواقب تلك العملية العسكرية على الحالة الأمنية للحدود المصرية في ظل تكدس نحو 1.4 مليون نسمة بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
ويرى عدد من الخبراء العسكريين والمحللين الاستراتيجيين، خلال حديثهم لـ«النبأ»، أن إقدام إسرائيل على دخول رفح وإدخال أسلحة ثقيلة إلى المنطقة «د» الحدودية يمثل انتهاكا صارخا لبنود اتفاقية السلام المبرمة بين الجانب المصري ونظيره الإسرائيلي وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع.
انتهاك معاهدة السلام
ولم تقف مصر مكتوفة الأيدي تجاه تلك التصريحات الإسرائيلية، بل جاء رد «القاهرة» سريعًا بتحذير «تل أبيب» عن طريق وسطاء غربيين أنها تعتبر أي تحرك لإجبار أهالي غزة ورفح على العبور إلى سيناء بمثابة انتهاك من شأنه أن يعلق بشكل فعلي معاهدة السلام.
وحذرت مصر -عبر الوسطاء- إسرائيل من تدهور العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بسبب تلك العملية العسكرية.
وكررت الحكومة هذا التحذير لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أثناء لقائه بالرئيس السيسي.
وقال مسئولون أمريكيون، إن مصر أوضحت أنها مستعدة لعسكرة حدودها، ربما بالدبابات، إذا بدأ دفع الفلسطينيين إلى سيناء.
وأضاف الأمريكان، أن القوات المسلحة المصرية أرسلت نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرق سيناء، خلال الأسبوعين الماضيين؛ لتعزيز تواجدها على الحدود مع غزة.
وفي وقت سابق، حذر سامح شكري وزير الخارجية، من آثار وخيمة لأي توسع للعمليات العسكرية الإسرائيلية جنوب قطاع غزة.
وقال «شكري»، خلال مؤتمر صحفي، إن العمليات العسكرية في جنوب غزة تنبئ بمزيد من الوضع المأساوي والتطورات في رفح ستؤدي لمزيد من التدهور في القطاع.
وأضاف أن ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي أدت لتداعيات الصراع وهو ما حذرت منه مصر مرارا وتكرارا، مؤكدًا أن الأولوية هي لوقف إطلاق النار ومنع تهجير الفلسطينيين.
على الجانب الآخر، كشف خبراء أمنيون إسرائيليون، عن عدم وجود معلومات دقيقة حول توسيع العملية العسكرية البرية الإسرائيلية تجاه رفح.
وأضاف الخبراء، أنه في حال وجود عملية عسكرية واسعة النطاق تجاه رفح، فسيكون هناك ترتيبات إسرائيلية مسبقة للحفاظ قدر الإمكان على حياة المواطنين المدنيين المقيمين بالمنطقة.
تأزم العلاقات مع إسرائيل
وعن تبعات ذلك، وصف المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، العملية العسكرية البرية الإسرائيلية المرتقبة في رفح بـ«الموضوع الحساس الذي يحتاج التصرف بحكمة».
ويعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي، أن إسرائيل تنوي التقدم بريا نحو رفح، لكن سيتم ذلك بعلم السلطات المصرية.
وأضاف يوآب شتيرن، أن هناك اتصالات بين السلطات الإسرائيلية ونظيرتها المصرية وزيارات متبادلة للنقاش حول الموضوع، في ظل موقف القاهرة الرسمي المعارض لدخول الجيش الإسرائيلي لمسافة قريبة من الحدود المصرية حسب اتفاقية السلام بين البلدين.
وتحدث «شتيرن»، عن وجود قيود على تحركات إسرائيل بالمنطقة الحدودية، ما يتطلب التنسيق مع الجانب المصري في حال أي تحركات موسعة.
وشدد المحلل السياسي الإسرائيلي، على أن إسرائيل تحترم المصالح القومية المصرية، ولا تهدف لتأزم العلاقات مع مصر، لكنها لن تسمح بوجود مناطق آمنة لحماس فقط لكونها قريبة من الحدود المصرية، ولذلك يجب حل هذه المعضلة.
أخطر ملفات الأمن القومي
وفي السياق ذاته، قال اللواء محمد سالم الخبير العسكري والاستراتيجي، إن مصر موقعة مع إسرائيل 3 اتفاقات مشتركة وهي «معاهدة كامب ديفيد، معاهدة السلام، معاهدة المعابر».
وأضاف أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، قسمت سيناء لثلاث مناطق هي «أ - ب - ج»، وتضمنت وجود المنطقة «د» بعمق 4 كيلو مترا على الجانب الآخر.
وأكد «سالم»، أنه لا يمكن تواجد أكثر من 4 آلاف جندي إسرائيلي بالمنطقة «د» بتسليح مشاة ميكانيكي فقط، دون وجود مدرعات أو مدفعية أو طيران، ولذلك فإن أي دخول لقوات مدرعة أو مدفعيات أو مجنزرات للمنطقة هو اختراق إسرائيلي واضح لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ومعاهدة كامب ديفيد، واتفاقية المعابر.
ويرى «سالم»، أن وقتها يحق لمصر اتخاذ كافة الإجراءات لحماية الأمن القومي المصري، مؤكدًا أن مصر ترفض المساس بحدودها أو إشعال الحرائق وإثارة الأزمات بالقرب منها خاصة إذا تعلق الأمر بواحد من أهم اتجاهاتها الاستراتيجية وأخطر ملفات الأمن القومي.
وعن سيناريو التعامل مع الأزمة، قال الخبير العسكري، إن مصر في هذه الحالة من حقها رسميا تعليق معاهدة السلام، وإخبار الرأي العام العالمي بذلك، وهنا يتطلب الأمر تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لكونها شريكا أساسيا في معاهدة السلام، وفي حالة الفشل من حق مصر الدفاع عن أمنها القومي، بكل قوتها العسكرية.
وتوقع الخبير العسكري، عدم إقبال نتنياهو على تلك الخطوة، لأن أمريكا لن تسمح له بتوسيع الحرب بالمنطقة، متابعًا: «الأمر الأهم أن تل أبيب تدرك قوة مصر، ولا تريد الصدام معها في الوقت الحالي، خاصة وأن نتنياهو يلقى هزيمة كبيرة منذ اندلاع عملية «طوفان الأقصى».
وأوضح اللواء محمد سالم، أن تصريحات نتنياهو وإصراره على توسيع نطاق العملية العسكرية إلى رفح يعني إزاحة أهل غزة إلى داخل الأراضي المصرية؛ وهو ما يدركه الجيش المصري منذ 7 أكتوبر، واتخذ على الفور تدابير عسكرية وأمنية لحماية الاتجاه الاستراتيجي الشرقي كاملا والاستعداد التام للتعامل مع أي خطر يحيق بالأمن القومي لمصر.
تنسيق كامل مع مصر
وفي السياق ذاته، يرى الدكتور محمد عبد التواب الخبير في الشأن الإسرائيلي والمحلل السياسي، أنه في حالة قيام نتنياهو بالحرب على رفح سيكون هناك حوار بين إسرائيل ومصر بوساطة أمريكية لتشكيل تفاهمات واضحة حول حجم التواجد الإسرائيلي والفترة التي سوف تنتشر خلالها القوات الإسرائيلية في رفح، مشيرًا إلى أن الانتشار العسكري لإسرائيل في رفح سيكون حسب الحاجة.
ولفت «عبد التواب»، إلى أن العملية الإسرائيلية البرية المرتقبة في رفح، سوف تؤثر سلبا على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
ويرى الخبير السياسي، أن العملية الإسرائيلية الممكنة في رفح تعني الإطاحة بالأعراف والقوانين الدولية وتقويض اتفاقية السلام مع مصر ولذلك ترفض السلطات المصرية تلك الخطوة تمامًا، وتطالب تدخل مجلس الأمن والأمم المتحدة، معقبًا: «ولذلك مصر حريصة على وجود اتصالات مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية لمنع أي تصعيد محتمل».
وتابع: «إذا وسعت إسرائيل العملية العسكرية لتشمل رفح، فستكون مصر في موقف صعب، ولكنها لن تتردد في اتخاذ كافة التدابير التي تؤمن حدود الأمن القومي، ولن تسمح بإذابة جغرافيا الدولة الفلسطينية كما فعلت دائما بالحرص على تاريخها».
ويرى المحلل في الشأن الإسرائيلي، أن نتنياهو لن يقبل على خطوة الهجوم على رفح، بل هو يسعى لتكون ورقة ضغط على حماس والعالم لقبول صفقة تبادل الأسرى، خاصة وأن حماس تتمسك بفرض شروطها وأهمها وقف الحرب نهائيًا وهو ما يرفضه نتنياهو نظرا لموقفه المهزوم أمام شعبه.
جبهة موحدة للرد على تل أبيب
وعلى المستوى الرسمي، قال الدكتور ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إن مصر لن تكتفي بالإجراءات الرمزية في حال تعلق الأمر بتهديد الأمن القومي وتصفية القضية الفلسطينية.
وأضاف أن مصر لديها جبهة موحدة وحزمة كبيرة من الإجراءات والوسائل ما يُمكنها من الدفاع عن أمنها، ومنها في بعض المراحل اتخاذ إجراءات ذات طبيعة رمزية مثل سحب سفير أو طرد سفير، متابعًا: «وهناك إجراءات فعلية وصلت إلى إسرائيل، ووصلت إلى من يوصلون إليها تلك الرسائل ما قد يترتب عليه أي تحرك عسكري غريب في المناطق الحدودية.
وأكد «رشوان»، أن مصر لن تقبل بالمساس بأراضيها أو تصفية القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أن مصر تلعب أدوارًا في ملف الوساطة لا يمكن الاستغناء عنها.
خطوط مصر الحمراء
وفي هذا الصدد، قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن هناك تسريبات خرجت من الجانب الإسرائيلي أكدت أن مصر وضعت لـ«تل أبيب» خطوطا حمراء لا تساهل في تجاوزها.
وأضاف «فهمي»، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن مصر تضع بشكل محدد سيناريوهات للتعامل مع الجانب الإسرائيلي في حال التصعيد بداية من إلغاء بروتوكول الأمن وقطع التنسيق والاتصالات المنصوص عليها باتفاقية «كامب ديفيد»، وصولًا بتعليق اتفاقية السلام بشكل كامل.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن مصر طالبت إسرائيل بضرورة التركيز في قدرة مصر وإدراك مع من تتعامل «تل أبيب»، خاصة وأن الدولة المصرية لم ولن تتهاون قط بشأن أمنها القومي وحماية حدودها وأراضيها.
وأشار «فهمي»، إلى أن إسرائيل تعي جيدًا قدرات مصر العسكرية ولن تجرؤ على المخاطرة في هذا الصدد، متابعًا: «هي لا تريد الصدام العسكري مع القوات المسلحة المصرية، علاوة على أن إسرائيل هي الجانب الأكثر حرصًا على معاهدة السلام مع مصر».
وأضاف أن الجانب الإسرائيلي يعكف حاليًا على وضع استراتيجية للتعامل مع الجانب المصري واسترضائه وضمان عدم الوصول إلى أي صدام مع القاهرة أو القوات المسلحة المصرية لأنه أمر لن تقدر عليه إسرائيل».
ولفت «فهمي»، إلى أن تلك المعطيات تقول إن إسرائيل لن تنفذ عملية اجتياح شاملة لمدينة رفح وستكتفي ببعض العمليات النوعية في محاولة لتحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
ومن جانبه، يرى اللواء أحمد العوضي، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن قيام إسرائيل بعملية اجتياح لمدينة رفح يعد إخلالًا صريحًا لبنود اتفاقية السلام، معتبرا مجرد الحديث عن ذلك تهديدا غير مباشر لمصر.
وأضاف «العوضي»، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن مصر لن تسمح لأحد بتهديد أمنها القومي أو المساس بأراضيها من قريب أو من بعيد.
وأوضح رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن وجود قوات إسرائيلية بالمنطقة «د» خرقا لمعاهدة السلام حتى ولو لم تدخل تلك القوات إلى الأراضي المصرية، معقبًا: «المعاهدة تنص على أن تلك المنطقة عازلة لمنع حدوث أي توترات عسكرية».