رافعين شعار «اللهم هجرة».. كواليس هروب الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال إلى الخارج
لجأ الكثير من الأطباء والمهندسين وأصحاب الأعمال المرموقة والسيادية إلى تصفية أعمالهم داخل مصر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية وفرق العملة، أو أخذ إجازة دون أجر ووصلت إلى الاستقالة من وظائفهم للسفر خارج البلاد، وذلك للعمل والاستفادة بفرق العملة الدولارية.
وفي حالة تزايد معدلات الهجرة في الفترة القادمة ورحيل الكوادر المؤهلة ونقص الكفاءات في مصر خاصة في قطاعات الطب والهندسة، وتفضيل رجال الأعمال وأصحاب شركات الاستثمار خارج مصر، جاءت التساؤلات حول تأثير ذلك على الجمهورية الجديدة ورؤية مصر 2030 التي تسعى الدولة لتحقيقها؟ وهو ما سيجيب عنه الخبراء والمتخصصين في السطور التالية.
الوضع الاقتصادي لا يحتمل
وفي سياق ذلك، قال كمال محمد، طبيب أمراض نساء يعمل في السعودية، إن ضعف الأجور والمناخ غير الملائم وضغط العمل، جميعها عوامل دفعته إلى الهجرة في الفترة الأخيرة وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية، لافتا إلى أن الأطباء في مصر يعانون الكثير من المشاكل سواء من ناحية الأجور أو من ناحية بيئة العمل، التي تعتبر طاردة للأطباء وليست جاذبة لهم، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي لا يحتمل، فضلا على أن الكثيرين من زملائه يفكرون أيضا في الهجرة للعمل خارج البلاد.
وأضاف «محمد»، أنه لا ينفي إحساس الأطباء بالمسؤولية تجاه بلدهم وأهلهم، لكن أيضا هناك العديد من العوامل تدفعنا نحو الهجرة هناك ومنها الأجور، ضغط العمل، ضعف الإمكانيات، قلة عدد الأطباء وأخيرا الوضع الاقتصادي.
وتابع أن العجز في عدد الأطباء، يؤدي إلى زيادة الضغط على الطبيب، حيث يقوم بالعمل لأكثر من ساعات العمل الرسمية في أحيان كثيرة، ويجري كشوفات بأعداد كبيرة يوميا، بالإضافة إلى ضعف المردود المادي، بالمقارنة حتى بتكلفة التعليم التي تحملناها أثناء دراسته.
وأشار إلى أنه يتراوح راتب الطبيب بين 3200 و4000 جنيه، أي ما بين 100 و150 دولارا أمريكيا شهريا، وبفرق العملة لا يعتبر راتب مقارنة بالخارج، بالإضافة إلى ضعف الحماية القانونية للطبيب، فالطبيب يتعرض لاعتداءات من المواطنين؛ بسبب الثقافة المنتشرة بأن الطبيب هو المسؤول عن كل أزمات الصحة في مصر.
المناخ المناسب للعمل
ومن جانبه، قال أحمد سالم مهندس مصري يعمل في ألمانيا، إن نحو 20% من خريجي كليات الهندسة في مصر يسافرون للخارج سواء هجرة مؤقتة للعمل بالخليج أو لأوروبا وأمريكا اللاتينية للهجرة والعمل بشكل دائم وهم النسبة الأكبر، مشيرا إلى أن ألمانيا تحديدا خصصت بطاقة زرقاء تسمح للمتخصصين تحديدا في مجال الحاسبات والمعلومات للعمل في الاتحاد الأوروبي ما سهل خروج عدد لا بأس به من الكوادر الشابة في هذا المجال.
وأضاف «سالم»، أن ذلك يرجع إلى عدد من العوامل التي تجعل من السفر تحقيق لكل الأحلام التي لم ولن نقدر على تحقيقها فى مصر، مؤخرا، بسبب الأوضاع الاقتصادية، مشيرا إلى أن هناك المناخ مناسب للعمل والدراسة وبعكس ما يحدث لنا في مصر.
وتابع أنه بسبب فرق العملة اتخذ قرار السفر فورا بعد الوضع الاقتصادي الحالي، مؤكدا أنه يمكن عودته في يوم من الأيام بعد أن يحقق أحلامه.
أزمة هجرة الأطباء
ومن جهته، قال الدكتور خالد عمارة استشاري أمراض الجهاز الهضمي، إن سمعة الأطباء والجراحين المصريين عالمية تعرفها أغلب بلاد العالم، ومعروف عنهم المهارة والخبرة لقوة التعليم الطبي في مصر وقدرته على تخريج مهارات طبية عالية المستوى في كل فروع الطب.
وأضاف «عمارة»، أن أزمة هجرة الأطباء تتزايد يوما بعد يوم بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث ترك أكثر من 13.5 ألف طبيب وظائفهم في مصر بين عامي 2021 و2022، 2023؛ مما زاد الضغط على المستشفيات وسط تقلص الأعداد المتاحة من الأطباء المؤهلين.
وأكد استشاري أمراض الجهاز الهضمي، أنه بالرغم من أنه ليس طبيبا في مقتبل العمر أو طبيب يبحث عن فرصة ولكنه مع كل الضغوط والظروف الاقتصادية الحالية يفكر جديا في الانتقال إلى دول الخليج أو الخارج حتى يجد التقدير الكافي ماديا وعلميا وأدبيا، لافتا إلى أن أي دكتور سيجد الفرصة لن يتردد لحظة للعمل بالخارج مهما كان منصبه، أو عائده المادي.
الجمهورية الجديدة
وفي نفس السياق، قال الدكتور السيد خضر الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بمعاهد الجزيرة العليا ومدير مركز الغد للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، إنه في ظل استمرار تصاعد وتيرة الأزمات والصراعات العالمية ومدى تأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية الداخلية، خاصة في ظل عدم تحقيق التوازن بين المدخلات والمخرجات والتأثير على ارتفاع الأسعار والتضخم مما زاد من الأعباء الإضافية للمواطنين، وساهم في التفكير واللجوء إلى السفر والهجرة إلى الخارج.
وأضاف «خضر»، أن الهجرة تزايدت في فترة الحالية؛ بسبب الأوضاع والضغوط الاقتصادية الصعبة، وفرق العملة الدولارية، مؤكدا أن كثرة الهجرة في الوقت الحالي ستؤثر إيجابيا وسلبيا على الاقتصاد.
وتابع أن ظاهرة زيادة الهجرة للأطباء والمهندسين وأصحاب الأعمال المرموقة المصريين إلى الخارج ترجع إلى تدنى مستوى الأجور وانعكاس ذلك على انخفاض مستوى المعيشة؛ مما يؤثر على رؤية مصر 2030 والجمهورية الجديدة بعدة طرق منها التأثيرات السلبية من خلال نقص المهارات والكفاءات، حيث يؤدي رحيل الكوادر المؤهلة إلى نقص المهارات والكفاءات في مصر، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطب والهندسة، بالإضافة إلى صعوبة تلبية احتياجات السوق المحلية بسبب هذا النقص.
وأشار إلى أن تبديد الاستثمارات يؤدي إلى رحيل أصحاب الأعمال المرموقة، حيث يفضل بعض المستثمرين توجيه استثماراتهم وخبراتهم في الخارج بدلًا من دعم التنمية الاقتصادية في بلدهم، وفقدان الموارد البشرية، حيث يعتبر رحيل الأطباء والمهندسين والكفاءات العليا خسارة للموارد البشرية في مصر، كما تتأثر القدرة على تطوير البنية التحتية وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة في رؤية مصر 2030 والجمهورية الجديدة.
وأكد أن هناك تأثيرات إيجابية من خلال تحويل الأموال، حيث يمكن أن يساهم العائد المالي الذي يرسله المصريون المغتربون إلى أسرهم في مصر في تعزيز الاقتصاد من خلال زيادة تحويلات العاملين بالخارج في حالة ثبات سعر صرف الدولار وكذلك القضاء على السوق السوداء ودعم النمو الاقتصادي.
تحسين الظروف الاقتصادية
ومن جانبه، قال محمود عليان باحث في شؤون الهجرة، إن هجرة الأطباء ازدادت في الفترة الأخيرة، وليس الأطباء فحسب بل الطبقة العليا من مهندسين وعلماء ومخترعين وأصحاب الجهات السيادية، بسبب عدم وجود المناخ الذي يساعد على الابتكار والنجاح في مصر، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الحالية، وذلك لتحقيق أحلامهم المادية أو العلمية.
وأضاف «عليان»، أن نحو 20% من الأطباء يلجئون إلى الهجرة؛ بسبب الظروف الاقتصادية التي تعد عاملا تعجيزيا لهم أو نقص فى التشريعات والقوانين، لافتا إلى أنه وفقا لآخر إحصاء أن نحو 15% من المهندسين يجرون وراء فرصة الهجرة للدول الجاذبة للعمل مثل ألمانيا وإنجلترا وأمريكا.
وتابع الباحث في شؤون الهجرة، أن الحكومة، في الآونة الأخيرة، أدركت المشكلة وتسعى لتحسين الظروف الاقتصادية، وتعد مشاريع وقوانين لحل هذه الأزمة، وتسعى لإيجاد حلول لها في ظل الجمهورية الجديدة التي تسعى الدولة لتحقيقها، ولكن هناك معوقات اقتصادية كبيرة تقابل الحكومة وتعمل جاهدة لحلها.