رئيس التحرير
خالد مهران

علي جمعة يستعرض قصة طالب بالمدينة كشفت عن المعني الحقيقي للزهد

النبأ

أوضح الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر،عن المعني الحقيقي للزهد،وكيف تكون من الزهاد؟، جاء ذلك ردًا على سؤال أجابه من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك. 

وقال علي جمعة: سيدنا رسول الله ﷺ علمنا الزهد في هذه الحياة الدنيا، وتوظيف هذا الزهد للآخرة، وتوظيف ذلك الزهد بأن نجعل الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا لعبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس، ومعنى الزهد أيضًا بأنه ليس هو الفقر؛ فإن الزاهد يزهد من وجود؛ فلا بد أولًا أن تكون الدنيا معه، أما الذي ليس معه شيء ففيم يزهد؟! هو أصلًا ليس معه شيء؛ ولذلك هناك قصة يرويها أهل التربية أن رجلًا ذهب يعتزل الناس معتقدًا أن العزلة، وترك الحياة الدنيا وعمارة الأرض سيمكنه الله من الخلو بنفسه، وذكر الله، والتدبر، والتأمل، ويكف شره عن الناس، ويكف عن نفسه شر الناس، فذهب إلى مكانٍ بعيد في الصحراء أو بجوار نهرٍ معزول وجلس يعبد الله سبحانه وتعالى كشأن العُبّاد في العصور الأولى التي كانت قبل الإسلام.

 وكان هناك أحد التلاميذ له يتردد عليه، ويخدمه إذا كانت هناك خدمة يقوم بها؛ فقال له في مرة: أنت تنزل المدينة؟ قال: نعم، قال: هذا عنوان أخي في الله كنا سويًا في طلب العلم، وكنا سويًا في الحياة الدنيا إلى أن اعتزلت أنا هنا في ذلك الشِعْب من شعب الجبال فاذهب إليه، وسلم عليك، وقل له: إن أخاك فلان يُرسل إليك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويطلب منك الدعاء.

وتابع “جمعة”: هذه القصة تبين معنى الزهد الحقيقي، وأنه أمرٌ متعلقٌ بالقلب، وبالسلوك، وليس متعلقًا بالرسوم والشعائر-.

فعندما نزل الطالب المدينة، وذهب إلى العنوان المقصود فوجئ بأنه أمام قصر منيف وله حدائق غناء -ويدل على أن هذا الرجل إما أن يكون ملكًا، وإما أن يكون ثريًا، وإما أن يكون وجيهًا-. فسأل عنه، فقيل له إنه في عمل، ويأتي بعد قليل، فلما جاء الرجل جاء وهو يركب فرسًا، وحوله الحشم، والخدم، وهيئة عجيبة غريبة، دخل وأتى بالرجل، نعم أيها الضيف العزيز أكْرِموه.

قال: أنا أتيتك من أخيك فلان المعتزل في شِعب الجبل؛ ويرسل إليك السلام ويخصك بالتحية والإكرام. قال: بلغه مني السلام، وقل له: يا فلان أما آن لك أن تُخرج الدنيا من قلبك؟ فاغتاظ الطالب عن أي دنيا يتكلم ؟! أستاذي الذي في شِعب الجبال الدنيا موجودة في قلبه، وهذا الرجل الذي في القصر المنيف وحوله الحشم والخدم.... وكذا إلى آخره، أين الدنيا وأين الآخرة إذن؟ فذهب في عادته فقال له شيخه: هل وصّلت الرسالة؟ قاله: نعم، ولكن أنا غير سعيد، وقال لي أُخبرك رسالة ولكنى لا استطيع أن أقولها.

قال الطالب بتعجب: صدق؟ قال له: والله يا بني وأنا أصيد السمكة خائف هل ستخرج أم لا، -متعلق بها-، وعندما أنام أخاف أن يأتي ثعبان أو عقرب يلدغني أم لا، عندما أجوع أخاف أن تتأخر عليَّ بالأكل؛ فالدنيا في قلبي.

وشدد:  إذن فوجود الدنيا في القلب ليس بقلة الحيلة، ولا بقلتها في اليد بل هذا أمرٌ قلبي.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - بِمَنْكِبِى فَقَالَ « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ». [البخاري] يعني تعامل مع الدنيا على أنك غريبٌ فيها، وأنك ضيفٌ فيها، الذي يتعامل معها بهذا الشأن عينه دائمًا على الآخرة، وهذه العين التي على الآخرة تتحكم في سلوكه فلا يظلم أحد، ولا يأخذ رِشوة، ولا يسرق، ولا يغتصب لا أرضًا ولا عِرضًا، إذن دائمًا التعلق بالآخرة يمنع الإنسان ويحميه من كل هذه المصائب.

ودعا علي جمعة قائلا: «اللهم أخرج الدنيا من قلوبنا، واجعلها في أيدينا، ومكنا منها، ثم ارزقنا حسن التصرف فيها».