تفاصيل الصراع بين نجوم التنوير.. اسرار تفجير مركز «تكوين» بعد استقالة يوسف زيدان
حقيقة الخلاف بين المفكر والباحث على ابن تيمية والبخاري وعبد الله رشدي
«العلمانية» تضرب العلاقة بين إبراهيم عيسى وصاحب «عزازيل»
سبب استقالة يوسف زيدان المفاجئة
علاقة الشيخ أسامة الأزهري بما يحدث داخل الكيان الوليد
«الشوباشي»: توقعت انهياره منذ الوهلة الأولى لأنه لا يمتلك هدف أو برنامج واضح
مفكر مصري: من يعتقد أن المركز كان سيلقى تأييدا شعبيا واهم ولا يدرك حقيقة الشعب المصري الرافض للتنوير
رئيس مهرجان القاهرة السينمائي السابق: من الصعب أن يتفق «نجوم التنوير الكبار» على رأي واحد
استقالة الدكتور والمفكر والروائي يوسف زيدان من مركز «تكوين الفكر العربي» الذي تأسس منذ اسابيع قليله، أثارت الكثير من الجدل، وطرحت الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، وكانت مفاجأة من العيار الثقيل بالنسبة للكثيرين.
وبعد إعلان استقالته خرجت مؤسسة "تكوين" ببيان لها على وسائل التواصل الاجتماعي لتتقدم له بالشكر، معربة عن تفهمها لقرار استقالته.
وأكدت مؤسسة "تكوين" أنها ستواصل جهودها الحثيثة للارتقاء بوعي المواطن العربي ونشر قيم التسامح والحوار في عالم عربي، انتشرت فيه خطابات الكراهية والتكفير، ولن تنصاع لخطابات التهديد والترهيب، بل ستمضي قدما، تماما مثلما فعل المحدثون على غرار محمد عبده، وطه حسين وفرج فودة وغيرهم.
في سياق منفصل فجر محامي الحكومة - ممثل هيئة قضايا الدولة - مفاجأة أمام محكمة القضاء الإداري، أثناء نظر الدعوى المطالبة بإغلاق مركز «تكوين الفكر العربي»، وسحب ترخيصه.
وكشف محامي الحكومة أن الثابت من رد الجهة الإدارية على موضوع الدعوى، أنه لا توجد مؤسسة مقيدة بالوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي بهذا الاسم، وبالبحث على المنظومة الإلكترونية للجمعيات عن مؤسسة «تكوين» لم يتبين من خلال البحث وجود مؤسسة بهذا المسمى.
وانتهت جلسة المحكمة بتأجيل نظر الدعوى لجلسة 3 أغسطس المقبل لإيداع تقرير هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة.
وكان المستشار مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك السابق، قد تقدم بدعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، ضد أعضاء مجلس أمناء مؤسسة تكوين الفكر العربي، وإلغاء الترخيص الصادر من وزيرة التضامن بإنشاء المؤسسة.
وقد تعرض المركز منذ الإعلان عن انشاءه لحملة شرسة من جانب العديد من الجهات، بدأت بتقديم المحامي عمرو عبد السلام ببلاغ للنائب العام ضد ثلاثة من مجلس أمناء مركز تكوين، إبراهيم عيسى، وإسلام بحيري، ويوسف زيدان، وجّه فيه اتهامات لهم بتلقي تمويلات من الخارج بالمخالفة لقانون الجمعيات الأهلية، واستغلال الدين لإثارة الفتنة بين أطياف المجتمع المصري، والطعن في الثوابت والمعتقدات الدينية بقصد الإضرار بالأمن القومي والسلام الاجتماعي، مثل تشكيك الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى في واقعة الإسراء والمعراج خلال برنامج تلفزيوني، ونفس الأمر للباحث إسلام بحيري والذي يروج لتصريحات تخالف السنة، مما قد يهدد بنشر الفتنة بين الأجيال الجديدة، حسب مقدم البلاغ.
كما قدم برلمانيون ومحامون استجوابات للبرلمان وبلاغات للنائب العام، تطالب بوقف نشاط مركز تكوين للفكر العربي، مُتهمين أعضاء مجلس الأمناء بإثارة الفتنة ونشر الإلحاد، مستندين إلى صدور أحكام سابقة بحق بعض أعضائه في قضايا ازدراء الأديان.
فما هي أسباب هذه الاستقالة المفاجأة وغير المتوقعة، وما هو مصير هذا المركز الذي لاقا رفضا شعبيا ودينيا كبيرا عند الإعلان عنه؟.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة عندما دخل الدكتور أسامة الأزهري، مستشار الرئيس للشؤون الدينية، على الخط ودعا جميع أعضاء مركز «تكوين»، وعلى رأسهم الدكتور يوسف زيدان، وإبراهيم عيسى، وإسلام بحيري، وفاطمة ناعوت، وبقية أعضاء المركز إلى إجراء مناظرة «كبرى» معه.
وقال الأزهري إنه نسق للمناظرة مع الأنبا أرميا -الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي وعضو بيت العائلة-، لينضم إليه في بعض فقرات المناظرة، ليرد على من يقولون بالاكتفاء بنصوص الإنجيل فقط ورفض التقليد الكنسي.
من جانبه أعلن الأنبا أرميا بشكل واضح تعاونه مع الأزهري لنشر الوعي والحفاظ على الثوابت الدينية، وإعداد جيل واعٍ قادر على فهم التحديات الحالية، معبرا عن رفضه لأي تيارات غريبة أو أفكار هدامة تهدد السلام المجتمعي، أو تضر الشعب مسلميه ومسيحييه، وتعهد بمواجهتها بكل قوة.
لكن الدكتور يوسف زيدان رفض عقد المناظرة التي دعا إليها الدكتور أسامة الأزهري، لكنه أعلن ترحيبه بلقاء الأزهري للرد على ما طرحه للنقاش، على أن تتم هذه المناقشة بينهما منفردين بعيدا عن وسائل الإعلام، كما أكد أن هذا النقاش سيكون بصفته الشخصية وبعيدا عن مؤسسة "تكوين" وما تهدف إليه من تثقيفٍ عام.
من جانبها ردت الدكتورة فاطمة ناعوت، على دعوة الأزهري، مؤكدة أنها لن تجري أي مناظرات مع أي شخص، موضحة أن المناظرات كانت تجرى من قبل لتعريف الناس بفكر الإخوان.
بعدها أعلن الباحث اسلام بحيري، عضو مجلس أمناء المركز، موافقته على إجراء مناظرة مع الشيخ عبد الله رشدي، الباحث في الدعوة الإسلامية في وزارة الأوقاف، حيث أكد رشدي استعداده لإجراء هذه المناظرة في أي وقت.
لكن يبدوا أن موافقة اسلام بحيري على اجراء هذه المناظرة كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، وكانت بداية لتفجير الخلافات داخل المركز وخروجها للعلن، لا سيما وأن الدكتور يوسف زيدان أكد معارضته لهذه المناظرة.
واعتبر البعض وقتها أن زيدان خشي على البحيري من خسارة المناظرة على غرار ما حدث في مناظرة مماثلة جرت منذ سنوات، خصوصا وأن زيدان سبق أن عبر عن رأي سلبي في شريكه بتكوين إسلام البحيري ووصفه بالجاهل.
وخرج زيدان بعدها معلنا سر رفضه المناظرة بين إسلام بحيري، والشيخ عبد الله رشدي، وقال «فكرة المناظرة لا عملتها قبل كده، ولا أحب حد يعملها، وأكيد شوفنا النتيجة.. حيث إن المناظرة هي التي أودت بحياة فرج فودة»، مشيرًا إلى أن «حوار الأديان شيء فارغ ولا يؤدي لنتائج».
وقال إنه يراهن بقوة على نجاح فكرة «تكوين»، مشيرًا إلى أنها قد تواجه بعض الصعوبات، ولكن هي تجديد الفكر في كافة المناحي، وليس بينها تجديد الفكر الديني نهائيًا.
واعترض زيدان على الظهور الإعلامي المتكرر لبحيري وحديثه حول المركز وأهدافه، وهو ما يتعارض مع ما سبق أن طالب به زيدان بوقف أي مقابلات إعلامية أو مناظرات حول المركز مع الداعية عبد الله رشدي وكذلك الدكتور أسامة الأزهري مستشار الرئيس عبد الفتاح السيسي للشؤون الدينية.
وأشارت بعض المصادر، إلى أن يوسف زيدان قرر الانسحاب من تكوين بعد أن أدرك أنه مشروع فاشل ولن ينجح ويرى النور، وخاصة أن الصراعات الداخلية فيه بدأت تخرج للعلن، فأراد القفز من المركب قبل غرقه، بحجة التفرغ للكتابة.
خروج الخلافات إلى العلن
بعدها قال الكاتب والروائي يوسف زيدان، إنه يوجد نقاط خلافية بين أعضاء مؤسسة تكوين، ولكن المتفق عليه كبير، وهذا ما يجمعنا، والمؤسسة لم تقترب من التفسير أو علوم الدين.
وأضاف يوسف زيدان، لدي خلافات مع إبراهيم عيسى بسبب العلمانية، وهناك خلافات أيضًا مع إسلام البحيري وانزعجت بسبب هجومه على الإمام البخاري والإمام أحمد ابن حنبل، وقلت ذلك في وقته، ولم يعجبني».
وذكرت بعض المصادر من داخل المركز، أن أحد اسباب الخلاف داخل المركز، والتي دفعت الدكتور يوسف زيدان إلى تقديم استقالته، هو الهجوم العارم الذي واجهه المركز من قطاعات كبيرة، سواء رسمية أو شعبية، وعدم تقبل الرأي العام للمركز، فضلا عن وجود خلافات داخلية بين الأعضاء حول برامج المركز ونشاطاته واستعانته ببعض الباحثين في ملف الإسلام السياسي غير المعروفين وغير المؤهلين ولا يمتلكون خبرات كافية، وتمت دعوتهم للعمل فيه لمجرد أنهم أصدقاء أحد أعضاء المركز.
وأضافت المصادر أن هناك خلافات سابقة بين زيدان وبحيري، بسبب تصريحات عدائية بينهما، حيث وصف زيدان في وقت سابق آراء إسلام بحيري بـ "الجهل" وعدم وجود تكوين علمي لديه، في المقابل، هاجم بحيري زيدان بسبب آراء الأخير حول ابن تيمية.
كما ذكر زيدان أنه يختلف أيضا مع إسلام بحيري، وقال: "انزعجت جدا من رأي بحيري في الإمام البخاري، والإمام أحمد بن حنبل، وهذا موقف معلن لي منذ زمن".
وأكد إسلام بحيري على خلافه مع يوسف زيدان فكريا حول ابن تيمية، كما أكد أنه لا يزال على رأيه الذي لم يتغير بشأن ضرورة عدم نشر أفكار ابن تيمية أو الاستعانة بها
وحول رفض عقد المناظرات، قال إسلام بحيري إنه شخصيا لا يرفض عقد المناظرات، وقد قام بعقد مناظرات شهيرة أمام الملايين من المشاهدين على شاشات التلفاز قبل سنوات، لكن مجلس أمناء مؤسسة تكوين قرر منذ البداية بأغلبية الآراء عدم عقد مناظرات مع أي شخصيات، وذلك بغرض عدم تخندق المؤسسة في خندق مقابل للمؤسسة الدينية، وهو الأمر الذي تناوله الكاتب يوسف زيدان أكثر من مرة حيث رفض بشكل قاطع عقد المناظرات، بل وهدد بالاستقالة في وقت سابق إذا عقدت مناظرة بين الداعية عبد الله رشدي والباحث إسلام بحيري أو أي عضو من أعضاء تكوين.
الشيخ عبد الله رشدي يشمت
وقد لاقت استقالة الدكتور يوسف زيدان من مركز تكوين الكثير من ردود الأفعال، حيث كتب الدكتور عبد الله رشدي منشورًا عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، هاجم فيه مؤسسة تكوين.وقال: "استقال الدكتور يوسف زيدان كبير الكواينةِ إثر ما نشرناه عن كل فردٍ من أفراد مجلس أمناء هذا التنظيم في سبعِ حلقاتٍ تقريبا، والحمد لله أن استعْمَلَنا اللهُ لبيانِ حقيقةِ هذه المؤسسة للناس"، مؤكدا أنه سيستمر في سلسلة فضح هذا التنظيم حتى يعلمَ عمومُ الناسِ مقصدَهم الخبيث وسريرتَهم السَّوداء، حسب قوله.
التطرف العلماني داخل المركز
يقول الكاتب والمفكر الدكتور شريف الشوباشي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي السابق، أنه كان يتوقع انهيار مركز تكوين منذ الوهلة الأولى من الإعلان عن تأسيسه، قائلا«المركز لم يكن له هدف واضح، ولا برنامج واضح، ويتكون من بعض نجوم التنوير الكبار، الذين من الصعب أن يتفقوا على أمور موحدة، لذلك كنت متوقعا تماما أن هذا الكيان لن يستمر طويلا بهذه الصورة على الأقل.. أرى أن البعض يتصور أنه مالك للحقيقة، وبالتالي من الصعب أن يتفاهم مع الأخرين، وليس من السهل أن يتقبل أراء الأخرين».
وأضاف الدكتور شريف الشوباشي، أن أي مؤسسة لا بد وأن تقوم على تنازلات متبادلة للوصول للهدف، مشيرا إلى أن الجهة التي تقف وراء مركز تكوين اشترطت منذا البداية أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة للدكتور يوسف زيدان، وتقبل الجميع هذا احتراما لسنة، لكن كان من الصعب أن يقبل نجوم الثقافة أي تنازل ويتفقوا على برنامج أو رؤية موحدة.
وأكد الشوباشي، على أنه من الخطأ اختزال التيار التنويري في مركز تكوين، مشيرا إلى أن هذا المركز هو محاولة من بعض نجوم التنوير والفكر، لوضع لبنة لمشروع تنويري كبير، لافتا إلى أن التنوير لا يأتي من خلال مؤسسات، لكنه يأتي من خلال أفراد ومجهود فردي، تدعمه الدولة، مشددا على أنه كان يعلم منذ اليوم الأول أن هذه التشكيله بها عناصر التنافر والانهيار.
وتابع الشوباشي، قائلا « إذا كان هذا التكوين يعتقد أنه سوف يلقى تأييدا ومساندة جماهيرية كبيرة فهو واهم وغير مدرك لحقيقة المجتمع المصري، المجتمع المصري في مجمله الأن ضد فكرة التنوير»، مشيرا إلى أن فكرة التنوير ظهرت في أوروبا، وكان من نجومها المفكر الألماني العظيم إيمانويل كانط، ولم يستبعد الشوباشي أن يكون التطرف العلماني داخل المركز هو أحد اسباب الخلاف، قائلا «بالتأكيد يوجد تطرف علماني، ومن المكن أن يكون أحد اسباب الخلاف»، موضحا أنه كان يجب على أعضاء تكوين أن يتفقوا على أرضية مشتركة ينطلقون منها.
وأضاف الشوباشي، أنه مع إجراء المناظرات الفكرية، وأنه شخصيا قام بإجراء أكثر من مناظرة مع رجال دين وفكر متطرفين ومعتدلين، وكان لديه الأسانيد والحجج التي تدعم رأيه ووجهة نظره لمواجهتهم، منتقدا رفض الدكتور يوسف زيدان للمناظرات قائلا «ما دام قبلت أن تكون رمزا لمؤسسة تنويرية عليك أن تتحمل التبعات والمسئولية، وبالتالي كان عليه أن يقبل بمناظرة من يرفض أفكاره ومحاولة إقناعه، واقناع المجتمع برأيه وقناعاته ورؤيته للتنوير».
وعبر الشوياشي، عن اعتقاده أن مركز تكوين لا يمثل خطرا على المجتمع كما يزعم البعض، مشيرا إلى أن التنوير مطلوب في كل مجتمع من المجتمعات، لا سيما مع التطور الذي يحدث في العالم، لافتا إلى أن الدولة تستوعب كل التيارات ولا تقف ضد تيار معين ما دام أنه ملتزم بالمبادئ الأساسية للمجتمع، منوها أن مركز تكوين يمثل تيار من المجتمع، وإذا وصل لحد التطرف يجب وقفه.
كما أكد، أنه ليسس من هواة نظرية المؤامرة، وإنه لا يعتقد أن هناك مؤامرة وراء انشاء مركز تكوين، مشددا على إيمانه بالرأي والرأي الأخر وعلى أن الفكر يواجه بالفكر وأن الحقيقة تظهر من خلال احتكاك الأفكار.