رئيس التحرير
خالد مهران

الدكتور محمد عبود يكتب: سيديه تيمان.. معتقل جهنم

الدكتور محمد عبود
الدكتور محمد عبود يكتب: سيديه تيمان.. معتقل جهنم

ضرب وصعق بالكهرباء وقتل واعتداءات جنسية واغتصاب هذه هي قائمة الانتهاكات اليومية ‏التي يلقاها الأسرى الفلسطينيون في معتقل جهنم الإسرائيلي منذ بدء العدوان على غزة. أثناء ‏هذا العذاب المقيم يُقيد الأسير الفلسطيني من يديه ورجليه، وتٌعصب عينيه، ويمنع من النوم ‏أيامًا طوال حتى يخضع لتحقيقات يتخللها ضرب وتعذيب عنيف بحثا عن معلومات لا يملكها!‏

الفظائع التي تجري يوميا في معتقل "سيديه تيمان" لا تقل بشاعة عما جرى في معتقل ‏جوانتامو بعد غزو العراق. 

الأوامر مشددة للحراس الملثمين بعدم التقاط صور وفيديوهات ‏حتى لا تتحول إلى أدلة إدانة أمام "الجنائية الدولية"‏‎.‎‏

 يقع معتقل جهنم في قلب صحراء النقب ‏بعيدا عن التجمعات السكنية حتى تُرتكب الجرائم دون رقيب أو حسيب‎.‎‏ ‏

الاسم "سيديه تيمان" أو "حقل اليمن" بالعربية لا يوحي بأن الحديث يدور عن معسكر أقامه ‏الاحتلال البريطاني قبل عقود لمواجهة النازي، ثم استغلته تل أبيب، وحولته إلى معتقل نازي ‏يمتد على مساحة شاسعة. ينقسم إلى 4 مناطق للاحتجاز، في كل منطقة أقفاص حديدية ‏مكتظة أشبه بالحظيرة، ويحتجز في كل واحدة أكثر من 100 فلسطيني في ظروف غير إنسانية ‏وبلا مقومات حياة‎.‎

في ديسمبر الماضي انتشرت صور لجيش الاحتلال يسوق أسرى فلسطينيين بالملابس الداخلية ‏نحو الاعتقال. مجلة "سيحا ميكوميت" اليسارية التقت أربعة من هؤلاء الأسرى بعد خروجهم ‏محطمين. في اللقاء يحكي الأسرى أنهم تعرضوا للتعذيب والمهانة، ورأوا زملائهم يٌقتلون أمام ‏أعينهم في جهنم اليهودية‎.‎

على الرغم من أن غالبية الأسرى مدنيون لا علاقة لهم بالمـ.قـ..اومة لكن الحراس لا يفرقون بين ‏فلسطيني وآخر. حسب المجلة العبرية يُربط الأسرى في الجدران لساعات، ويتناوب الحراس ‏ضربهم بالعصي والهراوات وأعقاب البنادق، ويتنافسون على إطفاء السجائر في أجسادهم ‏النحيلة، وفي رقابهم وظهورهم، ثم التبول عليهم، وإيذائهم بالصواعق الكهربائية، وحرق ‏جلودهم بولاعات السجائر، والبصق في وجوههم، ومنعهم من النوم وحرمانهم من الأكل ‏والشرب، وقضاء الحاجة حتى يضطروا للتبول اللاإرادي.‏

في ظل هذه الظروف القاسية والمؤذية يخضع الفلسطينيون لتحقيقات يجريها محققو الوحدة ‏‏504. الأسير الفلسطيني "ماهر" الذي خضع للتحقيق يروي لمجلة "سيخا ميكوميت" أن ‏التحقيق بدأ بسؤالٍ وجهه جندي الاحتلال: "ما اسمك؟ ثم بدأ يركلني في بطني، ويلكمني في ‏وجهي. ويتهمني أنني التحقت بصفوف "حـ.مـ..ـاس" منذ عامين. أخبرته أنني لا أنتمي لحــمـ..اس، ‏وأنني طالب في جامعة الأزهر. هنا تدخل جنديان آخران، وفتحا ساقي عن آخرهما، وراح ‏يركلانني هناك بمنتهى الجبروت، ثم تناوبا على ضربي باللكمات. ومن شدة التعب صرخت ‏وقلت للجندي إنني أموت من شدة الألم، فجأة توقف، وسألني أين تشعر بالألم؟ قلت في ‏بطني، فانهال على وجهي وبطني باللكمات حتى تفجر الدم من فمي وأنفي وفقدت الوعي‎".‎

فظائع معتقل جهنم اليهودي لم تعد حكرا على الصحافة العبرية فقد نشرت "نيويورك تايمز" ‏طرفا منها، وروى فلسطينيون محررون أن العشرات استشهدوا نتيجة هذه الظروف المأساوية.  ‏وتمكن محامي حقوقي من عرب 48 من زيارة المعتقل، وخرج يسجل شهادته، وتحدث لوسائل ‏الإعلام. ‏

تكشُّف الوقائع المروعة والحديث الإعلامي عنها أجبر تل أبيب على الادعاء بأنها سوف تحقق في ‏الأمر، والدافع بالطبع هو التهرب من ملاحقتها هي وجنودها أمام الجنائية الدولية. غير أن كل ‏هذا التناول الإعلامي المحدود والإجراءات القانونية الصورية من طرف الاحتلال لا ترتقي لحجم ‏الجريمة النكراء التي جرت وتجري حتى كتابة هذه السطور في "جوانتامو الإسرائيلي" الذي إن ‏تكشفت تفاصيل الفظائع التي تجري فيه، سوف يتبين أننا أمام وصمة القرن، وجريمة ضد ‏الإنسانية التي لا تضاهيها وصمة ولا جريمة أخرى‎.‎

 

الدكتور محمد عبود

استاذ اللغة العبرية  في جامعة عين شمس

وخبير في الشؤون الإسرائيلية 

ومترجم لغة عبرية