بعد تصريحات «مدبولى».. التسعيرة الجديدة للأدوية تهدد صحة المواطنين وتنذر بإغلاق الصيدليات
تعاني الدولة من أزمة كبيرة ومستمرة في زيادة أسعار الأدوية منذ عامين إلى أن وصلت المشكلة إلى النقص الشديد في الدواء، حتى العلاج البسيط غير متوفر في الصيدليات الخاصة والعامة ومستشفيات التأمين الصحي، إضافة إلى نقص أدوية الأمراض المزمنة من ضغط وسكر وجميع أمراض الأورام السرطانية، مما أثار قلق وذعر بين المواطنين والصيادلة المهددين بإغلاق صيدلياتهم؛ بسبب عدم قدرتهم على تحمل زيادة أسعار الأدوية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وتعقدت الأمور بشكل أكبر بعد تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بأن الدواء المصري أرخص 50 مرة من الدواء بالخارج وهو ما يزيد من القلق ويؤكد التوقعات بزيادة أسعار الدواء، خلال الفترة المقبلة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي، في تصريحات سابقة حول تعامل الحكومة مع مشكلة النقص في بعض الأدوية، إن قطاع إنتاج الدواء جزء كبير منه هو عبارة عن شركات خاصة.
وأردف قائلا: «بالفعل الدولة لها تواجد من خلال الشركات القابضة وبعض الشركات المملوكة للدولة، ولكن الجزء الأكبر من هذا القطاع هو مملوك للقطاع الخاص»، مضيفا أن المشكلة الحقيقية في تسعير الأدوية في مصر.
وأكد على حرص الدولة على تثبيت سعر الدواء، لافتا إلى الإجراءات المتخذة في هذا الشأن، والتي جعلت سعر الدواء المصري من أرخص الأسعار على مستوى العالم، ونتيجة لذلك هناك العديد من الضبط لعمليات التهريب للدواء المصري من خلال أجهزة وزارة الداخلية والجهات المعنية، وذلك بالنظر لانخفاض سعر الدواء المصري بنحو من 20 إلى 50 ضعفا عن الأسعار العالمية.
ونوه إلى القدرة في التنسيق مع شركات الأدوية بالقطاع الخاص؛ للوصول إلى عملية التوازن، لكن الذي يتحكم في إنتاج الدواء مدى توافر المواد الخام التي يتم استيرادها، لافتا إلى جهود الدولة لتوفير العملة الأجنبية للشركات المنتجة بالسعر الرسمي، على الرغم من وجود سوق موازية لتوفير العملة الأجنبية في هذا الوقت، وذلك في مقابل توفير الدواء، ومع تطبيق الإجراءات التصحيحية وتوحيد سعر الصرف، تم الاتفاق مع الشركات على تحريك محسوب ودقيق بنسب مقبولة للأدوية.
وأشار إلى أن تدخل الدولة من خلال هيئة الدواء ووضع خطة لتطبيق هذا التحريك في أسعار لبعض المجموعات الدوائية حتى آخر العام، وذلك بما يضمن عدم حدوث أي نقص في الأدوية، خلال الفترة المقبلة، مؤكدًا على المتابعة المستمرة لهذا الملف ومختلف عمليات الإنتاج، وصولا للانتهاء من مشكلة النقص خلال الأسابيع القليلة القادمة.
تصدير الأدوية إلى الخارج
وفي السياق ذاته، قال الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء، إن الهيئة تتبع سياسة عدم تصدير أي من الأدوية التي بها نقص في السوق إلا بعد التنسيق لضمان توافر كمية كافية تلبي احتياجات السوق لفترة تتراوح بين ما بين شهر إلى 3 أشهر.
وأضاف «الغمراوي»، أن الهيئة تستهدف توطين صناعة الأدوية الحيوية على اختلافها، وذلك لتوفير الفاتورة الاستيرادية.
وتابع أن القطاع الخاص يلعب دورا محوريا في صناعة الدواء، فمن بين كل 100 عبوة بالسوق نجد 91 عبوة يتم صناعتها محليا، لافتا إلى أن الهيئة تدعم توجهات الدولة المصرية بدعم الاستثمار، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال دعم نفاذ المنتج المحلى.
واختتم: «إجمالي الصادرات المصرية من المستحضرات البشرية والمستلزمات الطبية لدول العالم منذ بداية العام وحتى نهاية مارس 2024 بلغت 432.2 مليون دولار».
صدمة وذهول
وفي السياق، قال محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، إن تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بأن الدواء المصري 50 مرة من الخارج ولا بد من رفع أسعار الأدوية، شكلت صدمة وذهول، نظرا لهذا المفهوم غير الحقيقي.
وأضاف «فؤاد»، أن تحريك الأسعار المتتالي من لجنة إعادة التسعير الخاصة بهيئة الدواء بداية 2023، نتج عنه تحريك أكتر من 1000 صنف بأسعار تراوحت بين 25% إلى 60% على اعتبار أن هذا الأصناف تواجه خسارة.
وتابع أن مصر عانت، خلال آخر عامين، من ظاهرة نقص متتال، بسبب أن المواد الخام للصناعة تأتي عن طريق الاستيراد، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة وتذبذب أسعار الصرف.
وأكد أن مصر شهدت تراجعا في وجود عشرات المئات من الأصناف الحيوية حتى طالت الأزمة الأصناف التي تعد (منقذة للحياة) أو الأصناف بسيطة التصنيع في مصر سواء الأدوية المثيلة أو البديلة حتى أصبح هناك طوابير يومية ممتدة في صيدليات الشكاوي بوسط القاهرة وعواصم المحافظات.
وأشار إلى أنه يوجد في مصر نحو 17 ألف صنف مسجل رسميا تتم صناعة نحو 90% منهم، وهناك 176 شركة تمتلك 7 شركات قطاع أعمال و22 فرعا لشركات أجنبية و1200 شركة تجارية لا تمتلك مصنعا بتصنيعهم.
وأكد أن مبيعات الدواء في مصر بلغت نحو 3 مليارات دولار في عام 2023 دون مبيعات القوات المسلحة والداخلية ومناقصات وزارة الصحة لذلك تعد مصر من أكبر الأسواق في المنطقة من مبيعات عدد الوحدات الدوائية والسوق الثاني ماليا في المنطقة.
وأوضح أن قرار التسعير مازال غير عادل وليس على أسباب علمية محددة بما يدخل بالدواء المصري إلى «مطرقة وسندان الشركات» التي تتحكم في سياسات العرض والطلب وتجعل منه سلعة تباع لمن يستطيع.
ولفت إلى أن مصر تعداد شعبها 105 ملايين، نحو 63% منهم لديهم تأمين صحي بالنظام القديم وهناك ملايين أخرى هم الأشد احتياجا لديهم مشاكل حقيقية في الحصول على الأدوية.
وأشار إلى أن مصر منذ عشرات السنوات كانت، تخضع لتسعير الأدوية بقرار من وزير الصحة بنظام التسعير الأقل للدول المجاورة وفقا للقرار 413 لسنة 1991، وهو (حساب التكلفة وهامش ربح شركات التوزيع ثم الصيدليات ثم الأرباح) وفقا للتسعير الإجباري الذي بدأ عام 1988، حينها سعرت مصر الدواء وفقا لأرخص سعر في دول المرجعية التي حددتها منظمة الصحة العالمية بـ36 دولة ( للاسترشاد بأسعارها وعلى الوزير الأخذ بها أو رفضها) مع ملاحظة أن الدولة المرجعية هي الدول الصناعية الكبرى وبها قوانين تأمين صحي وهو ما تفتقده مصر، ما يعد نظاما ظالما.
وأكد أن التسعير الخاص بالأدوية معمول به في كل دول العالم إلا الولايات المتحدة الأمريكية وكندا فقط.
ولفت إلى أن الدواء ليس سلعة تباع، فعندما صدر القرار 499 لسنة 2014 أنهى بشكل رسمي مفهوم التسعير الجبري للأدوية لأنه سيؤدي لارتفاع الدواء البراند والمثيل، وهو نظام ليس موجودا في دول العالم الصناعية الكبرى، مضيفا أن هذا القرار شوه التسعير، وأصبح هناك صنف واحد للدواء بثلاثة أسعار، وضرب أكثر من 80 ألف صيدلية وزاد من معاناتها، كما أنها ستواجه مشكلة كبيرة في استيعاب هذه الزيادات؛ مما سيهدر بعضها والبعض الآخر مهدد بالإغلاق.
وتابع أن الدواء خضع لقوانين وآليات السوق والعرض والطلب وشبهات الاحتكارات خاصة أن هذه خدمة توفرها الدولة لمواطنيها، مشيرا إلى أن قرارات التسعير القادمة ستكون صعبة على قدرات المواطن المصري الذي يئن من مشاكل أخرى.
وحذر المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء من خطورة زيادات متوقعة كبيرة في الأسعار لعدم وجود أسانيد تعزز مواقف الشركات التي تضع الشعب والحكومة بين مخالبها، مؤكدا أن الحق في الدواء جزء لا يتجزأ من الحق في الصحة، وأقرت هذا الحق المواثيق الدولية بأن الصحة حق من حقوق الإنسان.
مقارنة ظالمة
ومن جانبه، قال الدكتور كريم كرم، أمين صندوق المركز المصري للحق في الدواء، إن مقارنة أسعار الدواء المصري بأدوية الخارج «مقارنة ظالمة»، لأن مستوى الدخل المصري غيرهم نهائيا.
وأضاف «كرم»، أن ارتفاع أسعار الدواء يضر بالصيادلة والمواطنين، لافتا إلى أن منظومة التأمين الصحي الشامل لم تطبق في جميع المحافظات لتغطية مظلة أكثر من 40 مليونا من العمالة غير المنتظمة وغير المشاركين في التأمين الصحي، وبدونها ارتفاع أسعار الأدوية يكون عبئا على المواطن.
وتابع أن ارتفاع أسعار الأدوية يكون أيضا عبئا على الصيدلي قائلا: «لأن العلبة اللي بتاخدها بـ50 تيجي تشتريها مرة تاني بـ70 و80 والفرق ده بيأثر على ميزانية الصيادلة وبياكل من رأس المال».
وأشار إلى أن العديد من الصيدليات أغلقت بسبب الخسائر المادية الفادحة، مضيفا أن مبيعات الصيادلة من 2000 جنيه لأقل يوميا مهددة بالإغلاق، لأن هذا المبلغ غير قادر على تغطية مصاريف الصيدلية أو احتياجاته الشخصية.
واستكمل أمين صندوق المركز المصري للحق في الدواء، أن الحل في توطين صناعة الدواء، مشيرا إلى أن مصر تستورد 94% من المواد الخام، 90% من كل أدوات الصناعة، معقبا: «لو استطعنا توطين هذه المواد في مصر وحققنا اكتفاء ذاتيا سنوفر أرقاما خيالية، حيث إن مصر من أفضل الأماكن لتوطين الصناعة والتصدير عالميا».