كواليس تأجيل حصول مصر على الشريحة الثالثة لصندوق النقد الدولى
أثار قرار صندوق النقد الدولي، بتأجيل صرف الشريحة الثالثة لمصر من القرض والتى قيمتها 820 مليون دولار حتى 29 يوليو الجاري، تساؤلات حول مسار العلاقات بين الطرفين، وهل ستعود إلى مرحلة الجمود التى وصلت إليها خلال عام 2023؟.
وكان من المقرر حال موافقة المجلس التنفيذي على صرف الشريحة الجديدة البالغة 820 مليون دولار، أن يمهد ذلك الطريق أمام مصر للتقدم بطلب للحصول على تمويل إضافي لمشروعات المناخ، بقيمة 1.2 مليار دولار إضافية من صندوق الصلابة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي.
ويأتي قرار التأجيل في ظل أوضاع اقتصادية صعبة بعد انخفاض الصادرات البترولية 61% إلى 4.6 مليار دولار بين يوليو 2023 ومارس 2024، وبعد انخفاض صادرات الغاز الطبيعي بـ6.2 مليار دولار، والمنتجات البترولية بـ1.2 مليار دولار، مصاحبا للتعديل الوزاري الذي بموجبه تم تعيين أحمد كوجك وزيرا للمالية مما تطلب بعض الوقت لترتيب الملفات.
وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك، إن المجلس التنفيذي للصندوق أرجأ النظر في صرف شريحة قرض قيمتها 820 مليون دولار لمصر حتى 29 يوليو لوضع اللمسات النهائية على بعض التفاصيل المتعلقة بالسياسات، مضيفة أن مثل هذه التأجيلات ليست بالأمر غير المعتاد خلال الظروف الصعبة.
وأضافت «كوزاك»، أن مصر تواصل العمل وسط ظروف إقليمية صعبة ناجمة عن الحرب في قطاع غزة وتصاعد هجمات حركة الحوثي اليمنية على سفن الشحن في البحر الأحمر، وهو ما أدى إلى تراجع إيرادات قناة السويس بأكثر من النصف مقارنة بالعام الماضي.
وأوضحت أنه وسط المخاطر والتحديات الهيكلية، يتعين على مصر أن تواصل اتباع السياسات الاقتصادية التي من شأنها أن تخدم الشعب المصري على أفضل وجه في نهاية المطاف، متابعة: «ويمكنني القول إن فريقنا، بطبيعة الحال، يعمل مع السلطات المصرية عن كثب».
وأكدت أن جهود الإصلاح الجارية التي تشمل التحول إلى نظام سعر صرف مرن وتشديد السياسة المالية والنقدية أوجدت دفعة إيجابية للاقتصاد، ويشمل ذلك تراجع التضخم لأربعة أشهر متتالية وتلبية طلبات متأخرة على النقد الأجنبي وانتعاش نشاط القطاع الخاص بعد انكماش دام لثلاث سنوات ونصف.
كما شهدت الأيام الأخيرة، شائعات حول عودة النشاط في السوق السوداء ووصول السعر إلى 62 جنيهًا وهو ما تم نفيه حينها، ما تسبب في ارتباك بالأسواق وزيادة في الضغط على الدولار، ولكن سرعان ما عادت الأمور إلى الوضع الطبيعي.
ويرى خبراء الاقتصاد، أن رؤية الصندوق عادت إلى التشدد تجاه عدم الالتزام ببعض الشروط، مشيرين إلى أن البعثة في مراجعتها الأخيرة تحدثت عن عدم اكتمال تنفيذ بعض الشروط حسب خطة الإصلاح الهيكلي التي يتبناها الصندوق والتي تفرض تنفيذ:
- إتاحة المجال أكثر للقطاع الخاص للمشاركة في قيادة التنمية الاقتصادية.
- تحرير أسعار المحروقات.
- سداد مديونيات شركات البترول الأجنبية.
- تنفيذ خطة إعادة رسملة البنك المركزي المصري وتقييم احتياجاته من إعادة الرسملة واستكمال البنك المركزي الامتثال لمعايير المحاسبة المصرية.
- إصدار اللائحة التنفيذية لقانون إدارة المالية العامة، بالإضافة إلى تحرير كامل لسعر صرف العملة.
مفاوضات جديدة
وفي هذا السياق، قال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية، إن تأخر صرف الشريحة الثالثة من صندوق النقد يرجع إلى تشكيل الحكومة الجديدة وتغيير وزراء المجموعة الاقتصادية بشكل كامل.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أنه من المقرر بدء مفاوضات أخرى بين وزراء المجموعة الاقتصادية وصندوق النقد للوصول إلى رؤية للإصلاح الاقتصادي ترضي جميع الأطراف.
وأشار «عامر»، إلى أن قرار التأجيل ليس يعني رفض صرف الشريحة الثالثة لقرض صندوق النقد الدولي ولكنه وضع مؤقت وليس دائم، لحين الاجتماع مع الحكومة الجديدة.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن مصر التزمت بجميع شروط صندوق النقد الدولي، وبعضها في طريقها للتطبيق مثل رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء.
وحول إمكانية عودة السوق السوادء، أكد أن الحكومة تعمل بكل طاقتها لإحداث التوازن في سعر الصرف والقضاء على السوق السواء بشكل نهائي، ولذلك يجب أن يتبعه مجموعة من المراقبة والضبط المخالفين الذين يروجوا لتنشيط السوق السوداء، قائلًا: «بالفعل السوق السوداء لا تزال قائمة ولكن ليس بشكلها القديم ولذلك يجب القضاء عليها بشكل نهائي».
عدم استيفاء بعض الشروط
من جانبه، قال الدكتور على الإدريسي، وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري، إن هناك عددا من الأسباب وراء تأجيل صرف الشريحة الثالثة لصندوق النقد الدولي، أبرزهم عدم استيفاء مصر ببعض الشروط، بجانب التشكيل الجديد للحكومة.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن تغيير وزراء المجموعة الاقتصادية يجب أن يقابله الاتفاق بين الطرفين، متابعًا: «الصندوق يحتاج إلى أن يرى هناك أي تعديلات من جانب الحكومة الجديدة على الشروط أم الاتفاق السابق هو الذي سيستمر».
وأشار «الإدريسي»، إلى أنه بالنسبة للشروط التي لم تتطبق حتى الآن أهمهم رفع الدعم عن المحروقات، وبند الصروفات الخاص بالموازنة العامة للدولة، خاصة مع وجود تحديات مهمة مرتبطة بأن هناك 48% من مصروفات العام القادم ستكون سداد ديون، كما أن الدين العام يتوسع ليقترب من 96% من الناتج المحلي الإجمالي، بجانب الرغبة في زيادة الاحتياطي النقدي، والعجز في الميزان التجاري.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الصندوق يرى نقاط إيجابية في الاقتصاد المصري، بعد تحرير سعر الصرف وزيادة الاحتياطي النقدي، ورفع أسعار المحروقات والكهرباء بداية العام.
وتابع: «لكن صرف الشريحة الثالثة من القرض يحتاج إلى إجراءات وشروط أكثر من الشريحتين الماضيتين، ولكن القرارات التي ستتطبقها مصر الفترة القادمة ذات طابع تضخمي وهو ما يصعب الأمر على البنك المركزي في الوصول إلى معدلات تضخم لرقم أحادي».
وتوقع أستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري، صرف الشريحة الثالثة في وقت قريب، وخاصة مع التزام مصر بعظم الشروط التي وضعها الصندوق.
وعن عودة السوق السوداء، استبعد الأمر، قائلًا: «الدولار في حالة استقرار الفترة الحالية، كما أنه انخفض بعض الشئ في البنوك، ولكنه بالطبع يتأثر بالتحديات التي تواجه العملة الأجنبية في مصر».