11 مادة تُشعل غضب المحامين والصحفيين في تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الجديد
أثار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، جدلًا واسعًا وموجة من الاعتراضات على عدة بنود تتعلق بالضبطية القضائية ومأموري الضبط القضائي ونزاهة سير العدالة، حسب ما أعلنت عنه نقابتا المحامين والصحفيين، بالإضافة إلى عدد من المشاركين في جلسات الحوار الوطني، الذي كان قد خرج بتوصيات تتعلق بتقليل مدة الحبس الاحتياطي.
اعتراض المحامين والصحفيين
يأتي ذلك بعد إعلان مجلس الوزراء موافقته على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد المعد من اللجنة الفرعية بمجلس النواب، واعتبره المجلس بديلًا عن جميع مشاريع تعديل قانون الإجراءات الجنائية السابق تقديمها من الحكومة إلى البرلمان.
لكن نقابة المحامين اعترضت بشدة على مشروع القانون واعتبرته خطرًا على العدالة، فيما أعلن نقيب الصحفيين، خالد البلشي، تضامنه مع المحامين في اعتراضهم، لا سيما أن القانون الجديد منح القضاة حق معاقبة الصحفيين أو المواطنين أو المحامين إذا قاموا بالنشر عن القضايا دون تصريح مسبق من قاضي النشر.
وذكرت نقابة المحامين، أن المشروع المطروح على الرغم مما تضمنه من مزايا واستحقاقات دستورية، لم يحظ بالدراسة الكافية حتى يعبر عن الأهداف المتوخاة من التشريع، فضلًا عن أنه لم يسبقه حوار فاعل وموسع في المجتمع القانوني بمختلف طوائفه من القضاة والمحامين وأساتذة وفقهاء القانون ومؤسسات المجتمع المدنى المعنية بحقوق الإنسان.
وأشارت «المحامين»، إلى ما أثارته بعض نصوص المشروع من لغط وجدل كبير في الأوساط القانونية؛ بسبب ما تضمنته من توسع في سلطات الضبط والتحقيق والمحاكمة على حساب حق الدفاع، والمساس بحقوق جوهرية للدفاع مقررة ومستقرة بموجب الدساتير والقوانين المتعاقبة والمواثيق الدولية، الأمر الذي يقلص دور مهنة المحاماة في مباشرة كافة حقوقهم القانونية، وينشئ صراعات ما بين السلطات القضائية والنيابية والمحامين وغيرها من المؤسسات التي تعمل وفق الدستور والقانون، فضلًا عن الاعتداء على الحريات وتقييد حقوق الدفاع أمام القضاء والنيابات.
واقترحت «المحامين»، إعادة المناقشة حول المواد: (15) التى تعطي محكمة الجنايات الحق فى إقامة الدعوة ضد المتهم حالة وقوع أحداث خارج الجلسة من شأنها الإخلال بأوامرها أو بالاحترام الواجب لها، والمادة ( 21) التى تسمح للمجني عليه أو ورثته بقبول الصلح، والمادة ( 25 ) التى تحدد من هم مأموري الضبط القضائي، و(26 ) الخاصة بتلقي مأموري الضبط القضائي البلاغات واتخاذ الإجراءات اللازمة لها، و( 63 ) التى تسمح لمعاوني النيابة العامة بالتحقيق فى قضية كاملة، و(69) التي تسمح للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق المدني حضور جميع إجراءات التحقيق، و(72) التي تنص على أنه لا يجوز لوكيل الخصم الكلام إلا بإذن عضو النيابة العامة بعد تقديم الخصوم الدفوع للنيابة، و(73) التي تسمح بالحصول على صور أوراق التحقيق للمجني عليه، و(120) التي تعطي النيابة العامة الحق في مد مدة الحبس الاحتياطي، بالاضافة إلى المادة (242) التي تنص على تحرير محضر للمحامي فى حالة إحداثه تشويش أثناء الجلسة، و(274) التي تسمح للنيابة والمتهم والخصوم بالحديث بعد سماع الشهود.
حكم البراءة غير نهائي
وتعليقًا على ذلك، تقول الدكتورة صابرين مصطفى، المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إن تعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي ينظم الاستئناف في نص تعديلاته وإن كان في ظاهره خير عظيم للمتهمين؛ إلا أن في باطنه يحمل سوءًا للمتهمين.
وتؤكد المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، في تصريحات خاصة لـ«النبأ الوطني»، أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية له شقين، الشِق الأول: أنه يمكن الاستئناف على الحكم النهائي في الجنايات، بمحاكمة عادلة تكون على درجتي تقاضي الأولى الحكم والثانية الاستئناف على الحكم، وهذا هو الخير العظيم الذي يحمله هذا التعديل للمتهمين.
وأكملت: أن الشِق الثاني يتمثل في أنه إذا حصل المتهم على البراءة؛ يصبح حكم البراءة غير نهائي وفقًا للتعديل الجديد، ويجوز الاستئناف عليه؛ لأنه للنيابة العامة الحق المطلق في أن تستأنف على حكم البراءة؛ للثبوت، وهو ما يحمله التعديل من سوء للمتهمين.
وأشارت إلى أنه قبل التعديل في قانون الإجراءات الجنائية كان غير مسموح للنيابة العامة بأن تستأنف على أحكام البراءات بل كان يجوز لها أن تستأنف على الحكم بالإدانة فقط، وهو ما تم تعديله وأصبح الاستئناف على البراءة فقط، موضحة أن القانون في بدايته وسوف يتم استكمال التعديلات خلال الجلسات اللاحقة بمجلس النواب، وفي مجمله هو في صالح الجميع ما عدا الأعباء التي يتكبدها المتهمون في زيادة نفقات جديدة بسبب الدرجة الثانية من التقاضي.
المحاكمة التأديبية للمحامين
ونوهت أن المادة (375) في تعديل قانون الإجراءات الجديد؛ إحدى المواد التي تثير غضب المحامين، وتمثلت في أنه فيما عدا حالة العذر أو المانع الذي يثبت صحته يجب على المحامي سواء أكان موكلًا من قبل المتهم أم كان منتدبًا من قبل النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو رئيس محكمة الجنايات بدرجتيها أن يدافع عن المتهم في الجلسة أو ينيب محاميًا غيره وإلا حكم عليه من محكمة الجنايات بدرجتيها بغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية إذا كان لذلك مقتضى، وللمحكمة إعفاؤه من الغرامة إذا ثبت لها أنه تعذر عليه أن يحضر في الجلسة بنفسه أو أن ينيب عنه.
وتطرقت، في حديثها، إلى الجزء الأخير من المادة (419 مكررًا) في التعديلات الجديدة من القانون؛ حيث وصفته بأنه يمثل «ثغرة صعبة»، خاصة أنه يجوز للمحكمة وفقًا للتعديل الجديد، أن تنتدب محاميًا آخرًا لتفصل في القضية دون الرجوع للمحامي الأصيل، مؤكدة أنه إذا لم يمثل المحامي الأصيل في القضية أمام المحكمة، أو لم يأخذ باله بأن القضية قد نزلت في الرول المحدد للجلسة، يكون للمحكمة الحق في التصدي للقضية بأن تنتدب محاميًا آخرًا لتفصل فيها.
وتوضح المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أنه قبل التعديل كان إذا تعذر حضور المحامي، يمثُل عنه أمام المحكمة أي محام زميل له، ويطلب التأجيل في القضية لحين حضور المحامي الأصيل؛ نظرًا لظرف عارض أو طارئ له، وكان يتم تأجيل القضية، إضافة إلى إجراءات أخرى، مؤكدة أن المحكمة حاليًا بعد التعديل الجديد لم تؤجل القضية، وتنتدب محام آخر لتفصل فيها، وتم حذف إجراءات عديدة بهدف تسريع الفصل في القضايا المركونة والمكدسة بالمحاكم؛ بسبب تأجيلها والفصل فيها أمام محكمة النقض.
واستطردت قائلة: «ويمثل الجزء الأخير من هذه المادة سالفة الذكر ظلمًا بائنًا للمتهمين، في حالة فصل المحكمة بإدانة المتهم، بعد تعذر حضور المحامي الأصيل في القضية أو من ينيب عنه، حيث يكون قد أصدر القاضي حكمًا على المتهم بـ«الإدانة»؛ في حين أن دليل براءته كان لدى المحامي؛ ولكن تعذر حضوره لتعرضه لحادث سير أثناء ذهابه إلى المحكمة، أو لأي سبب آخر منعه من الحضور أو من ينيب عنه دون تقديم عذر للمحكمة».
الحد من مدد الحبس الاحتياطي
من ناحيته، قال النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن قانون الإجراءات الجنائية الجديد جاء نتيجة تسلسل التعديلات الدستورية التي أُدخلت على دستور 2014، والتي تطلبت إعادة النظر في العديد من القوانين بما يتصل اتصالًا وثيقًا بحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
وأضاف « رضوان»، أن المشروع أتى بتعديلات لتكون أكثر توافقًا مع مبادئ حقوق الإنسان، حيث نص على ضمانات واضحة لكفالة المحاكمة العادلة، والحق في الاستعانة بمحام، وحق المتهم ودفاعه في الوثوق على ما ينسب إليه من اتهام وتنفيذ كافة الإجراءات الخاصة بمحاكمته، بدءًا من مرحلة التحقيق وانتهاءً بالحكم الذي تصدره المحكمة الجنائية المختصة.
وأوضح رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أن مشروع القانون تضمن نصوصًا تحقق التوافق والتوازن بين الحق في التعبير وإبداء الرأي بما لا يصطدم بالنصوص الجنائية في قانون العقوبات، وكذلك تضمن الاتجاه للحد من مدد الحبس الاحتياطي، وهو أمر يتماشى مع حقوق الإنسان ونادت به المنظمات الحقوقية على مدار سنوات طويلة، حتى لا يتحول الحبس إذا طالت مدته إلى عقوبة سالبة للحرية.
وأشار إلى أن مشروع القانون الجديد تضمن تنظيم حالات التعويض ببعض حالات الحبس الاحتياطي، فضلًا عن بدائل للحبس كتتبع حركة المتهم بسوار على نفقته الخاصة أو غيرها من السبل وهو أمر مطبق دوليًا، مضيفًا أن تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة من خلال الوسائل الإلكترونية من شأنه إحداث نقلة نوعية في هذا الإطار، ويضمن مواكبة التطور التقني، وإعادة تنظيم حق الطعن في الأحكام الغيابية عن طريق المعارضة بالشكل الذي يُحقق التوازن بين كفالة الحق في التقاضي وضمانات حق الدفاع وبين كفالة تحقيق العدالة الناجزة وسرعة الفصل في القضايا.