ارتفاع أسعار تصاريح التصوير بالشوارع والأماكن العامة وراء هروب صناعة السينما للخارج
تُعد صناعة السينما في مصر واحدة من أبرز الصناعات الثقافية التي تساهم في تعزيز صورة البلاد على المستويين المحلي والدولي.
لكن، في الآونة الأخيرة، تواجه هذه الصناعة تحديات اقتصادية كبيرة؛ بسبب زيادة رسوم تصاريح التصوير في الأماكن العامة، وهو ما يهدد استمرارية العديد من المشاريع الفنية.
ومن أبرز هذه التحديات زيادة رسوم التصاريح التي قد تصل إلى 100 ألف جنيه عن اليوم الواحد، وهو ما يعادل أكثر من 1964 دولارًا أمريكيًا وفقًا للسعر الحالي، وهو ما أثار موجة من الاستياء بين صناع السينما وأيضًا المهتمين بالسياحة في مصر.
زيادة الرسوم
تعود هذه الزيادة إلى عام 2021 عندما تم فرض رسوم قدرها 100 ألف جنيه لتصوير الأعمال الفنية في شوارع القاهرة.
ولاقت هذه الزيادة اعتراضات شديدة من قبل العديد من الفنانين والمنتجين الذين اعتبروا أن هذه الرسوم تُثقل كاهل صناعة السينما في مصر وتزيد من الأعباء المالية على المخرجين والمنتجين.
وأعرب الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، عن استيائه من هذا القرار في تصريحات له عام 2021، مؤكدًا أنه من غير المعقول أن تدعم الدولة الفن والفنانين وفي نفس الوقت تفرض رسومًا مرتفعة على التصوير في الأماكن العامة.
وأوضح أن هذا القرار يضر بصناعة الفن، مطالبًا بتخفيض هذه الرسوم لتكون في متناول الجميع.
وأشار أشرف زكي، إلى أن دولًا أخرى مثل لبنان والمغرب توفر تسهيلات أكبر للإنتاجات السينمائية.
تخفيض التكلفة
بعد زيادة الرسوم في 2021، تم الإعلان عن دراسة تهدف إلى تخفيض تكاليف التصاريح للحد من تأثيرها على صناعة السينما.
ولكن على الرغم من هذه الوعود، لم تُنفذ أي تغييرات ملموسة على أرض الواقع.
ويشير العديد من المنتجين إلى أن تكلفة التصوير اليومية في مصر لا تزال تصل إلى 100 ألف جنيه، وهو ما يُعد عبئًا كبيرًا على الصناعة.
هذا الواقع يزيد من التحديات التي يواجهها المنتجون والمخرجون، الذين يضطرون للبحث عن بدائل في الدول المجاورة ذات التكاليف الأقل.
عمرو سعد يثير الجدل
على الرغم من أن هذه الزيادة في الرسوم قد تم فرضها منذ عدة سنوات، إلا أن الجدل حولها عاد، مؤخرًا، إلى الساحة بعد تصريحات الفنان عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي.
وناشد «سعد» المسؤولين بضرورة تقديم تسهيلات وتخفيض الرسوم للتصوير في شوارع وميادين وأماكن مختلفة في مصر.
وقال عمرو سعد، في الندوة التي أُقيمت بمهرجان القاهرة السينمائي، إنه يتفاجأ من الرسوم المبالغ فيها المطلوبة للتصوير في بعض الأماكن، رغم أن العمل الذي سيتم تصويره في هذه الأماكن سيساهم في الترويج لها.
وأضاف: «لدينا منجم ألماظ في مصر يُسمى صناعة السينما، التي تدر عائدًا كبيرًا لمصر يقدر بالمليارات، يجب أن نعتني بهذه الصناعة وبالقائمين عليها».
التسهيلات في الدول المجاورة
مقارنة بمصر، تقدم العديد من الدول العربية تسهيلات كبيرة في ما يتعلق بتكاليف التصاريح. ففي المغرب، على سبيل المثال، تتراوح تكاليف التصوير اليومية بين 500 درهم (ما يعادل 49.66 دولار أمريكي) للتصوير الصغير و20،000 درهم (ما يعادل 1986.59 دولار أمريكي) للتصوير الكبير.
وفي الأماكن العامة: رسوم رمزية أو مجانية، أما في لبنان، فتعتبر تكاليف التصوير من بين الأقل في المنطقة، حيث تبلغ نحو 1.15 دولار أمريكي إلى حوالي 500 دولار أمريكي، حسب الموقع وحجم الإنتاج.
عقبة الدراما المصرية
من جانبه، يرى المنتج بلال صبري، إن تكاليف التصوير الخارجي في شوارع مصر مرتفعة، وهذا ما يعوق المنتج من تصوير المعالم السياحية مثل الأهرامات وبرج القاهرة والنيل والمدن الجديدة، مثل العاصمة الإدارية وأكتوبر، متابعًا: «فيلجأ المنتج إلى الطلب من الكاتب بتصوير في شارع صغير أو فيلا لتجنب تكاليف استخراج التصاريح».
وأضاف: «لكي يستطيع المنتج أن يروج للشوارع المصرية، يحتاج إلى إنتاج ضخم».
وأشار إلى المستشار تركي آل الشيخ وكيف يعمل بميزانيات مفتوحة، وهذا هو سبب الإيراد العالي لأفلامه التي تدر عائدًا يقدر بـ100 مليون جنيه، وهذا بسبب المشاهد والصورة المختلفة.
وأوضح «صبري»: «التصاريح في مصر هي المشكلة الأكبر، على الدولة أن تقول للمنتج: صور وأنا سأدعمك».
وأضاف: «حاليًا، تصريح التصوير في اليوم يصل إلى 100 ألف جنيه، غير تكلفة الكرفانات (مكان إقامة صناع العمل)، بالإضافة لمصاريف التصوير، ليصل إجمالي تكاليف اليوم الواحد للتصوير من نصف إلى مليون جنيه، وهذا يُظلم البلد في الترويج لشوارعها وللسياحة».
وتابع: «بعكس السعودية التي تشجع التصوير في شوارعها وبتدعم 40% من تكاليف الإنتاج»
وأكمل: «نحتاج إلى الدولة أن تدعم المنتجين بتصاريح مجانية، وقروض ميسرة من البنوك، وكمان توفر كرفانات للصناع، مثلًا تصنع 20 كرفانا لاستخدامها في التصوير الخارجي».
وأضاف: «لو هذا حدث، سيتطلب من المؤلف أن يضيف السياحة في كل عمل، لأن المنتج سيأخذ دعمًا».
وتابع: «كل منطقة في مصر حلوة، من أسوان للإسكندرية، الـ28 محافظة تستاهل تتشاف».
أمر جيد
فيما يرى المخرج السينمائي طارق رفعت، أن وظيفة السينما أو الدراما هي أساسًا سرد القصة أو الحدوتة، وإذا كانت القصة تساعد في الترويج لقضية أخرى مثل السياحة، فذلك يكون أمرًا جيدًا.
وأضاف: «لكن في الأساس، الدراما ليست مصممة خصيصًا لهذا الهدف، بل قد تجذب السياحة بشكل غير مباشر، على سبيل المثال، فيلم "شورت وفانلة وكاب" الذي تم تصويره في شرم الشيخ أو فيلم "أهواك" لتامر حسني الذي تم تصويره في الجونة وكان له دور في تعزيز السياحة الداخلية».
واستكمل: «هناك مشكلة في ارتفاع ميزانية التصوير بسبب التضخم العام في الصناعة، في مصر والعالم، والنجوم يرفعون ميزانيتهم وأيضًا الفنيين، لذا يمكنني التفكير في فيلم يروج للسياحة بشكل أساسي، لكن بالعكس، قد تطلب وزارة السياحة قصة تروج لمناطق أثرية أو سياحية معينة، وهذا يحدث في جميع أنحاء العالم. ولكن من الممكن أن يكون لدي عمل فني يتطلب تصويرًا في مناطق سياحية مثل معبد أو واحة، وهذا سيساهم بالطبع في الترويج لتلك المناطق».
إيجاد البديل
على الجانب الآخر، قال المخرج المنفذ أحمد محمود عبد العزيز، إنه يجب حدوث تعاون وتسهيلات أكبر لإنتاج فرص أكبر لعمل المسلسلات والأفلام.
وتابع: «تكلفة التصوير في الشوارع والأماكن المفتوحة والسياحية مرتفعة، ما يجعل الصناع يبحثون عن حلول بديلة لتوفير النفقات».
وأشار إلى أن هناك نقصًا في تصوير الأماكن الحقيقية، مثل وسط البلد، والكوربة، والمعز، كما أن التصوير في المحافظات خارج القاهرة، مثل الإسماعيلية، بورسعيد، بني سويف، حلايب وشلاتين، وسانت كاترين بجبالها، لا يتم بشكل كافٍ، متابعا: «لاحظنا أماكن التصوير قليلة هناك، ولكن يجب أن تتوفر الأماكن بشكل أكبر».
وأضاف: «لدينا طبيعة خلابة في مصر، لكن إلى الآن لا أتذكر عملًا مصريًا صور جبل علبة في حلايب وشلاتين أو أعلى جبل سانت كاترين، حيث أماكن الغروب هناك ساحرة».
وأكمل: «في كثير من الأحيان، يتم ضغط التصوير في مناطق سياحية مثل واحة سيوة على مدار 4 أو 5 أيام لترشيد تكاليف الرسوم بدلًا من أسبوعين كاملين، ما يؤدي إلى ضياع فرصة كبيرة على السياحة المصرية والدراما».
وأوضح أن أعمال الدراما المختلفة أصبحت متشابهة في مشاهدها الداخلية، معقبا: «نحن بحاجة إلى تصوير أماكن مختلفة واستعراض مختلف الثقافات المصرية وتوثيقها عبر التصوير».
وأشار إلى أن المشكلة لا تكمن في المال فقط، بل أيضًا في البيروقراطية المتعلقة بالحصول على التصاريح، حيث يستغرق الأمر وقتًا طويلًا يصل إلى شهرين في بعض الأماكن السياحية.
وأضاف: «في بعض الأحيان يكون لدينا ضغط ومواعيد لا تسمح بالانتظار، ما يضطرنا للبحث عن بدائل مثل مدينة الإنتاج الإعلامي، والتي تساهم بشكل كبير، لكن التصوير في الأماكن الحقيقية يظل أفضل».
وأكد أن هناك بعض الأعمال الأجنبية التي تُضطر لتصوير مشاهدها في السعودية أو المغرب؛ بسبب سهولة التصاريح في تلك البلدان، متابعًا: «التصوير لمن هم من خارج مصر معقد جدًا، حيث يجب تسجيل معداتهم ذات الأرقام التسلسلية بشكل رسمي وياخذ وقتا طويل، ما يضيع علينا فرصًا لاستضافة صناع لديهم خبرة كبيرة في السينما الأمريكية أو الأوروبية».
وتابع: «برصد تجربة شخصية أن بعض صناع الأعمال السينمائية الأجانب من قبل حاولوا التصوير في مصر، لكنهم واجهوا صعوبة في إدخال المعدات ولم يحصلوا على الموافقات لمدة شهرين، ما دفعهم للسفر إلى المغرب للتصوير هناك، هؤلاء الأشخاص غير معتادين على الإجراءات الطويلة، وبدلًا من مصر، يصورون في المغرب أو دبي، على سبيل المثال، فيلم Mission Impossible لتوم كروز تم تصويره عند برج خليفة لما يقدم لهم من تسهيلات».
وأعرب «عبد العزيز» عن ضرورة طرح هذا الملف على المسؤولين، مع تسهيل التصوير في شوارع القاهرة، خاصة للطلاب في معهد السينما الذين يرغبون في تصوير أفلام دون ميزانيات ضخمة ويحتاجون دعم وتسهيلات.
وأكد أن صناعة السينما في مصر هي الأكبر في الشرق ومازالت تتمتع بالريادة رغم وجود منافسي، متابعًا: «لدينا نجوم وحرفيون، والفرصة لا تزال في أيدينا».
وأشار إلى أن مهرجانات مثل الجونة والعلمين جيدة، لكنها ليست أساس الصناعة، فالقلب هو الفيلم نفسه الذي يعرض في هذه المهرجانات.
وأكد أن السينما والدراما هما اللتان تعيشان، مثل فيلم إعدام ميت الذي صور في طابا لأسباب سياسية وقتها، وفيلم جزيرة الشيطان لعادل إمام الذي ما زال يُشاهد حتى اليوم.
وأوضح أن الأخبار والنشرات تعرض لوقتها لكن الفيلم يعيش ويحفظ الرسالة.
أداة لترويج السياحة
وفي السياق ذاته، أكد سامح سعد، مستشار وزير السياحة الأسبق، أن السينما والدراما لهما دور كبير في الترويج للسياحة، مستشهدًا بتجربة تركيا التي شهدت زيادة كبيرة في السياحة بعد عرض مسلسل "نور ومهند".
وأضاف: «البيروقراطية في مصر تمثل عقبة أمام صناع السينما، ومن الضروري إنشاء مجلس أعلى لتصوير الأفلام برئاسة رئيس الوزراء، ليقوم بتذليل العقبات وتقديم حوافز للمستثمرين في هذا القطاع».
وتابع «سعد» قائلًا: «الدول مثل السعودية ودبي والمغرب تقدم حوافز مادية كبيرة لتشجيع التصوير، وتستغل هذه الصناعة لتوليد دخل كبير، ومن الضروري أن نتبنى هذه السياسات في مصر لتشجيع التصوير السينمائي والترويج للسياحة».
وأضاف: «في فترة وجودي بمنصب مستشار وزير السياحة، قمنا بإنتاج أغنية للترويج للسياحة شارك فيها الفنان محمد منير ونخبة من الفنانين تحت اسم "مصر قريبة"، وقد شهدت تدفقًا كبيرًا من الأخوة العرب في الصيف الذي تلاه، بعد فترة، قابلني أحد الأشخاص العرب وقال لي: بعد مشاهدة تلك الأغنية شعرت بالحنين لمصر وبالاطمئنان للذهاب إليها، رغم التحديات الأمنية التي كانت موجودة آنذاك».
وأضاف مستشار وزير السياحة الأسبق، أن مشكلة التصاريح الأمنية والتكلفة العالية جعلت صناع الدراما يتجهون إلى دول أخرى تقدم تسهيلات أكبر.
لجنة موحدة للتصاريح
فيما يرى مجدي شاكر، كبير الأثريين، أنه يجب تصوير الأعمال الفنية في الأماكن التاريخية المصرية.
وأضاف: «حتى لو كانت القصة تتعلق بعلاقة عاطفية، فإنها يمكن أن تساهم في الترويج للسياحة، مثلما حدث في المسلسلات التركية، حيث يمكن استخدام الأماكن التاريخية في مصر في أعمال فنية مختلفة».
وأشار إلى أنه يمكن تصوير عمل فني باستخدام قصة «أم سيتي»، والتي يمكن أن تجري أحداثها بين لندن ومصر لجذب السياحة.
واستكمل: «للأسف، العديد من الأعمال العالمية التي تناولت التاريخ المصري تم تصويرها في دول مثل المغرب والأردن، بسبب التكاليف الأقل في تلك البلدان».
وتابع «شاكر»: «في مصر، لا توجد جهة موحدة لاستخراج التصاريح، ما يجعل العملية معقدة، على عكس المغرب، حيث يوجد نظام تسهيلات أكبر لصناعة السينما، ويمكن استخدام مواقع التصوير بعد الانتهاء منها كمزارات سياحية أو أعمال سينمائية أخرى».
وأضاف: «نحتاج إلى إنشاء جهة موحدة وسريعة لاستخراج التصاريح، لتسهيل الأمور على صناع السينما، كما يجب أن تكون هناك لجنة لمراجعة الأعمال الدرامية والتأكد من صحة الخط التاريخي للأماكن، لتكون هذه الجهة داعمة لصناع السينما وتساهم في الترويج للسياحة في مصر».
وأشار إلى أن الأعمال التي تصور في مصر يمكن أن تساهم في الترويج للسياحة، كما حدث مع فيلم «عماد حمدي» الشهير بجملة «لا تشرب الدواء فيه سم قاتل»، الذي صور العديد من شوارع القاهرة القديمة في منطقة العتبة، ما أظهر جمال تلك الأماكن في الماضي وجعلها نقطة جذب سياحي.