رئيس التحرير
خالد مهران

«ياما فى السجن مظاليم».. أغرب حكايات البراءة قبل تنفيذ حكم الإعدام (ملف شامل)

إلغاء حكم الإعدام
إلغاء حكم الإعدام
  • أغرب حكايات البراءة قبل تنفيذ حكم الإعدام
  • مأساة «كريمة».. سيدة المنصورة حصلت على البراءة وإلغاء حكم الإعدام بعد 6 سنوات خلف القضبان
  • ورقة زواج عرفى تنقذ شخصا من حبل المشنقة فى قضية اغتصاب طفلة ومحاميه يثبت زواجهما
  • حكم فريد.. محكمة النقض تُرسى 3 مبادئ قضائية بشأن قضايا جلب المخدرات بعد إلغاء حكم الإعدام
  • محامى بالنقض: لا توجد اتفاقية دولية فى العالم تمنع عقوبة الإعدام فهى لا تُطبق إلا على الجرائم الجسيمة
  • مستشارة قانونية: أحكام النقض التى تقضى بالبراءة وإلغاء حكم الإعدام تشهد على نزاهة القضاء المصرى

«ياما في السجن مظاليم».. مثل شعبي يجسد قصة سيدة حُكم عليها بالإعدام شنقًا لكنها حصلت من محكمة النقض على البراءة وإلغاء حكم الإعدام بعد 6 سنوات قضتها خلف القضبان، وهو الأمر الذى لا يتكرر كثيرا في المحاكم المصرية، حيث تكون معظم الأحكام الصادرة من محكمة النقض بالنزول عن العقوبة من الإعدام للمؤبد أو السجن المشدد وهو ما يعرف بتخفيف العقوبة، ولكن أن ينزل للبراءة مباشرة فهو أمر نادر التكرار.

مأساة «كريمة»

وفي هذا الصدد، تستعرض «النبأ الوطني» عددا من القضايا التي قٌضي فيها بـ«الإعدام شنقًا» وتم تبرئتها في النقض، من بينها تلك الواقعة التي دارت أحداثها في مركز محل الدمنة بمحافظة الدقهلية، حينما اتهمت "كريمة.أ"، بإنهاء حياة زوجها «محمد. ع»، عمدا مع سبق الإصرار عن طريق «السم» بأن بيتت النية وعقدت العزم المصمم على قتله، وأعدت لذلك الغرض جوهرا يتسبب عنه الموت عاجلا أم آجلا "مادة سامة -أملاح الفوسفيد" ودسته له بمشروب القهوة وقدمته له قاصدة من ذلك إزهاق روحه فتناوله فحدث به الأعراض السمية الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، وتم إلقاء جثمانه بأحد الزراعات.

أصابع الاتهام كانت تشير إلى زوجته «كريمة. ا» لا سيما بعد اتهام أهل زوجها لها بقتله، ما استدعى ضبطها وبدء التحقيقات معها وقضت محكمة جنايات المنصورة بعد مداولة أوراق القضية بمعاقبتها بـ«الإعدام شنقا» وإحالة أوراقها لمفتى الديار؛ لإبداء الرأي الشرعي في إعدامها، ثم تقدمت المتهمة إلى محكمة النقض وقبلت المحكمة، وتم التقاضي أمام القضاء إلى أن أصدرت محكمة النقض حكمها ببراءة المتهمة نهائيًا وخروجها بعد 6 سنوات قضتها خلف القضبان.

البراءة بعد الإعدام

البراءة بعد الإعدام

واقعة «كريمة» ينطبق عليها المثل الشعبي القائل: «ياما في السجن مظاليم»؛ لكنها ليست الضحية الأولى من نوعها، ففي شمال الصعيد صدر حكم من محكمة جنايات المنيا، بـ«الإعدام شنقًا» على المتهم «أحمد. م. م. ي» بتهمة قتل واغتصاب المجني عليها «خلود. م»، وقضت نفس المحكمة بهيئة جديدة؛ ببراءة المتهم بعد نقض الحكم وإعادة محاكمته بتهمة قتل واغتصاب المجني عليها.

وفي حكم فريد من نوعه، أصدرت محكمة النقض ببراءة متهم وإلغاء حكم الإعدام في قضية جلب مخدرات من الخارج؛ وبعد الحكم؛ أرست المحكمة 3 مبادئ قضائية بشأن قضايا جلب المخدرات، قالت فيه: «التحريات دون مصدر افتراضية، والعلم في القصد الجنائي يجب أن يكون ثبوته فعليا لا افتراضيا، ودور المستخلص في إنهاء الإجراءات فقط لا يعني علمه ما بداخل الرسائل وتحركاته لاستلام الشحنة بموجب تفويض محدد»، وذلك في الطعن المقيد برقم 17930 لسنة 87 القضائية، حيث استمر المتهم في ارتداء البدلة الحمراء لمدة 5 سنوات حتى صدور حكم تبرئته.

وفي محافظة الغربية؛ حصل المدعو «ل.م»، 47 سنة، على حكم البراءة من محكمة النقض؛ بعد تأييد حكم إعدامه شنقًا بتهمة مواقعة أنثى بغير رضاها، لم تبلغ من العمر ثمانية عشر عاما كاملة حال كونه من المتولين تربيتها وملاحظتها، وذلك من خلال ورقة زواج عرفي أنقذته من حبل المشنقة ومحاميه يثبت زواجهما، وصدر الحكم في الطعن المقيد برقم 18149 لسنة 89 القضائية.

نص حكم الإعدام

وتعليقًا على ذلك، تقول الدكتورة صابرين أحمد مصطفى، ماجستير في القانون والمحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إن أحكام الإعدام لا تصدر إلا بعد أن يخلو القاضي إلى نفسه لدراسة الأوراق وفحص الأدلة، وذلك لجسامة تلك العقوبة، وبالنظر إلى نصوص القانون الخاصة بعقوبة الإعدام لتؤكد أن المشرع أحاطها بضمانات عدة وضوابط عديدة ومنها على سبيل المثال ما نصت عليه المادة 381 إجراءات جنائية: «بأنه لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكما بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها ويجب عليها قبل أن تصدر حكما بالإعدام أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية، ويجب إرسال أوراق القضية إليه فإذا لم يصل رأيه إلى المحكمة خلال الـ10 أيام التالية من إرسال الأوراق إليه حكمت المحكمة في الدعوى».

الدكتورة صابرين أحمد مصطفى ماجستير في القانون والمحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة

وتؤكد المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، في تصريحات خاصة لـ«النبأ الوطني»، أن أحكام النقض التي تقضي بالبراءة وإلغاء حكم الإعدام؛ تشهد على نزاهة القضاء المصري، وترسخ مبدأ بحث القضاء المصري عن الحقيقة فضلًا عن أن الحكمة من هذا الإجراء هي توافر الإجماع قبل الحكم، وذلك خلافا للأحكام الأخرى جنائية كانت أم مدنية.

الخطأ في عقوبة الإعدام

من ناحيته، يقول المستشار عمرو عبدالسلام المحامي بالنقض، إن المادة 169 من قانون المرافعات تنص على أنها تصدر الحكم بأغلبية آراء أعضاء المحكمة لكن المشرع خرج على هذه القاعدة بالنسبة لعقوبة الإعدام مشترطا إجماع آراء أعضاء المحكمة مقدرا في ذلك جسامة هذه العقوبة وعدم قابليتها للرجوع فيها متى اتضح خطأ القضاء بعد تنفيذها، ومن ثم أحاط هذا الحكم بضمانات تقلل من احتمالات الخطأ في صدور عقوبة الإعدام بإجماع الآراء.

ويضيف المحامي بالنقض في حديثه لـ«النبأ الوطني»، أن الضمانة الثانية لعقوبة الإعدام هي أخذ رأى فضيلة المفتي وإرسال الأوراق إليه قبل إصدار الحكم لكي يبدى رأيه خلال 10 أيام من تاريخ إرسال أوراق القضية إليه، وهنا يبطل الحكم إذا أصدرته المحكمة دون أخذ رأى المفتي أو قبل انقضاء المدة المقررة قانونا دون انتظار رأيه، ولكن إذا أرسلت الأوراق فلا تلتزم المحكمة بانتظار رأيه أكثر من 10 أيام، وإذا لم يصل خلال تلك المدة كان للمحكمة أن تحكم في الدعوى، ولا تتقيد المحكمة برأي المفتى، فإذا خالفته لا تكون ملزمة بالرد عليه أو تفنيده بل ليس عليها أن تبيّن رأيه في الحكم.

المستشار عمرو عبدالسلام المحامي بالنقض

ويتابع: «والحكمة من هذا الإجراء حتى يكون القصاص مستوفيا لأحكام الشريعة الإسلامية، وإن كان هذا الإجراء بعد أن أصبح رأى المفتي غير ملزم للمحكمة، فقد أضحى إجراء شكليا محضا، إلا أنه لا بد من اتباعه حتى يدخل في ردع المتهم المحكوم عليه بالإعدام اطمئنانا إلى أن الحكم الصادر بإعدامه إنما يجيء أيضا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وجدير بالذكر أنه إذا ما قضت محكمة النقض بنقض الحكم، فستصبح محكمة النقض هي محكمة الموضوع حسب التعديلات الأخيرة للقانون».

إلغاء عقوبة الإعدام

وردًا على تساؤل حول وجود مطالب بإلغاء عقوبة الإعدام، يقول «عبدالسلام» إنه لا توجد اتفاقية دولية في العالم تمنع عقوبة الإعدام، لا سيما أن عقوبة الإعدام تطبيق على الجرائم الجسيمة التي تختلف من بلد لآخر وداخل البلد الواحد وفقا لكل زمن، مشيرًا إلى أن هناك عشرات الدول توقع عقوبات الإعدام ليس مصر فقط، كما أن هناك ضمانات للمحكوم عليه بالإعدام كثيرة، منها وجوب الطعن على الحكم وإجراءات كثيرة أخرى، وفى النهاية القاضي لا يتأثر بالحديث عن الإعدامات ولا يحكم إلا بقناعته فهو ينظر مدى ارتكاب المتهم للجرم، ومن لا يرتضي بحكم معين فليطعن أمام جهة الطعن الأعلى، وهذه هي وسيلة التعبير عن رفض الحكم، أى أنه يجوز الاعتراض على أحكام القضاء بشكل قانونى.

التعويض عن السجن

وعن التعويض عن السجن، تقول الدكتورة صابرين أحمد مصطفى، ماجستير في القانون والمحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إنه يحق للشخص الصادر لصالحه حكم البراءة المطالبة بالتعويض من وزير العدل بصفته، ورفع دعوى قضائية أمام القضاء المدني للمطالبة بالتعويض عن الخطأ القضائي الذي سبب له أضرارا مادية حيث تتوفر في حالة هذا المحكوم ضده عناصر المسئولية التقصيرية وهي الخطأ في الحكم من قبل القضاء، وعنصر الضرر في سجنه ظلما المدة التي قضاها، وعلاقة السببية بينهما استنادا للمادة 163 من القانون المدني والذي تنص على: «كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض»، فيما تنص المادة 174 من القانون المدني على: "يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها، وتقوم رابطة التبعية، ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه، متى كانت له عليه سلطة في رقابته وفي توجيهه».

قيمة التعويض

«ستكون بمقدار الأضرار المادية والمعنوية التي أصابته»، بهذه الكلمات تؤكد المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، قيمة تعويض المتهم عن أيام السجن التي قضاها خلف القضبان، مضيفة: وسيشمل التعويض ما فاتها من كسب وما لحق بها من خسارة، وقد ورد حكم نقض بذلك: «واستقر على أن التعويض مقياسه الضرر المباشر الذي أحدثه الخطأ شموله عنصرين هما الخسارة التي لحقت بالمضرور والكسب الذي فاته وللقاضي تقويمهما بالمال شرطه ألا يقل أو يزيد عن الضرر متوقعا كان أو غير متوقع، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 1733 لسنة 62 ق جلسة 1 فبراير 2000 – كما سبق لمحكمة النقض أن أصدرت حكما مماثلا بالتعويض عن الخطأ القضائي في الطعن رقم 2484 لسنة 65 قضائية.