علي الهواري يكتب: ماذا يريد ترامب من مصر والعرب؟

الكثير من الساسة وصناع القرار والمحللين السياسيين على مستوى العالم وصفوا التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ توليه الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف شهر يناير الماضي مثل، تهجير سكان غزة والسيطرة على القطاع، وإعادة السيطرة على قناة بنما، وإحتلال جزيرة غرينلاند الدنماركية، بالصادمة والمجنونة وغير المألوفة والخارجة عن الأعراف الدبلوماسية والسياسية المتعارف عليها والمعمول بها منذ مئات السنين، وتتصادم مع قواعد القانون الدولي والإنساني.
فهل الرئيس الأمريكي بالفعل يقصد ما يقوله؟، وهل تصريحاته اعتباطية؟، وهل بالفعل هو يريد أن ينفذ هذه الأفكار؟، وهل كل ما ذكره قابل للتنفيذ على أرض الواقع؟.
الإجابة عن هذه الأسئلة من وجهة نظري كمحلل سياسي وباحث في الأمن القومي والعلاقات الدولية، تتلخص في أن الرئيس الأمريكي يقصد ما يقول، لكنه يدرك أيضا أن هذه الأفكار غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وأنه لن يتم تنفيذها، لكن ماذا يريد؟.
ترامب يريد الحصول على تنازلات من العرب، من خلال تحويل النصر العسكري «الموهوم»، الذي حققته إسرائيل في الحرب على غزة ولبنان إلى نصر سياسي أو إلى مكاسب سياسية، أي تحقيق ما فشلت في تحقيقه إسرائيل عن طريق الحرب والتدمير والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، مثل القضاء على المقاومة أو تحرير الرهائن، وذلك من خلال ترهيب العرب وممارسة سياسة «الضغوط القصوى» عليهم، وهي السياسة التي مارستها الولايات المتحدة على إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية الفترة الماضية، والتي انتهت بالنزول إلى الحد الأدني من مطالبها، وهذه المكاسب التي يريد ترامب الحصول عليها من العرب والفلسطينيين لصالح إسرائيل عن طريق المفاوضات والإرهاب وممارسة سياسة الضغوط القصوى تتمثل في الاتي:
أولا: تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، طوعا أو قسرا، وتصفية القضية الفلسطينية.
ثانيا: ابعاد حركة حماس عن حكم غزة، وهو الهدف الاستراتيجي الذي فشلت إسرائيل في تحقيقه رغم القتل والدمار والإبادة الجماعية، ورغم الضربات القوية التي تعرضت لها المقاومة، وتصفية قادتها مثل إسماعيل هنية ويحيي السنوار ومحمد الضيف وغيرهم، إلا أن المقاومة ما زالت حية وقوية، ولا زالت تسيطر على قطاع غزة وتفرض شروطها على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وظهر ذلك جليا خلال مشاهد تسليم الرهائن لإسرائيل.
وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الذي شدد على أن أي خطة مستقبلية لا تؤدي إلى إنهاء سيطرة حركة «حماس» على غزة ستكون “مشكلة كبيرة”، لأنها ستعيد الصراع إلى النقطة التي كان عليها قبل التصعيد الأخير، وقال “ترك حماس في غزة سيُعيدنا إلى حيث كنا، وهذا أمر غير مقبول”.
وأردف “إذا لم تتمكن الدول العربية من إيجاد طريقة للتعامل مع حماس وسلاحها، فإن إسرائيل ستضطر للقيام بذلك، لكن ذلك لن يكون حلًا حقيقيًا للأزمة”.
وكشف وزير الخارجية الأمريكي أن الولايات المتحدة ستمنح الدول العربية فرصة لتقديم خطة بشأن مستقبل غزة، معربًا عن اعتقاده بأن هذه الدول “تعمل بحسن نية”.
وأوضح الوزير أن هناك اجتماعًا عربيًا مقررًا في السعودية بعد أسبوعين، ستطرح خلاله الدول المعنية تصورًا مشتركًا حول غزة، قبل عرضه على الإدارة الأمريكية.
ثالثا: إسرائيل تريد ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وهذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارا وتكرارا، أخرها خلال اللقاء الذي جمعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض، حيث أعرب ترامب عن دعمه لضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة، مؤكدًا أن الأمر “سينجح”.
رابعا: توسيع أرض إسرائيل: ردا على سؤال مراسل صحفي حول مدى تأييده لضم إسرائيل للضفة الغربية، قال الرئيس الأمريكي: "إسرائيل صغيرة جدا في الشرق الأوسط، مثل رأس هذا القلم مقارنة بالطاولة. هذا ليس جيدا!".
وأضاف: "إنها قطعة أرض صغيرة جدا. إنه لأمر مدهش ما تمكنوا من فعله عندما تفكر في الأمر، هناك الكثير من القوة العقلية الجيدة والذكية، لكنها قطعة أرض صغيرة جدا، لا شك في ذلك".
وهذا الفكر الترامبي يتوافق تماما مع مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، الذي يسعى إلى تحقيقه المتطرفون في إسرائيل.
خامسا: تثبيت سيادة إسرائيل على هضبة الجولان: في شهر مارس 2019، وخلال ولايته الأولى، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة من سوريا في عام 1967، في خطوة أشاد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو ووصفها بـ "تاريخية"، حيث ظهر نتنياهو، إلى جانب ترامب وهو يوقع القرار، بالإضافة إلى محاولة ضم الأراضي السورية التي سيطرت عليها إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد، وعلى رأسها جبل الشيخ.
سادسا: القدس عاصمة أبدية لإسرائيل: في ديسمبر 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ووصف ترامب هذا التحرك بأنه "خطوة متأخرة جدا" من أجل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط والعمل باتجاه التوصل إلى اتفاق دائم، وفي مايو 2018، تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
سابعا: توسيع دائرة التطبيع العربي مع إسرائيل: وهذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي أكثر من مرة، وخاصة مع المملكة العربية السعودية «الجائزة الكبرى» بالنسبة لإسرائيل، حيث أكد الرئيس الأمريكي أنه يسعى لفرض السلام بالقوة في المنطقة، والتطبيع مع إسرائيل يعني دمجها في المنطقة وقيادتها لها، وهو الهدف البعيد الذي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه.
ثامنا: تحميل الدول العربية الغنية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر فاتورة إعادة إعمار قطاع غزة.
تاسعا: تدمير البرنامج النووي الإيراني والقضاء التام على المقاومة في المنطقة، من أجل توفير الأمن لإسرائيل، والقضاء على أي تهديد لها مستقبلا، من خلال تشكيل تحالف عربي «ناتو عربي»، تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
عاشرا: إحكام السيطرة على منابع الغاز والنفط العربي، من خلال إخضاع الدول العربية والسيطرة عليها، وتحجيم النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.
أخيرا: ما يؤكد صحة تحليلي هو تراجع الرئيس الأمريكي عن خطته، حيث أكد في تصريحات لشبكة فوكس نيوز، أن خطته بشأن غزة جيدة، ولكنه لن يفرضها، وسيكتفي بالتوصية بها.
وتابع ترامب «فوجئت بعدم ترحيب مصر والأردن بالخطة التي طرحتها بشأن غزة، ونحن نقدم لهما مليارات الدولارات سنويا».
كما فجر المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف مفاجأة من العيار الثقيل، عندما أكد على إن مبادرة واشنطن لإعادة إعمار غزة قد لا تصل بالضرورة إلى درجة "خطة إخلاء"، مشيرا إلى أنها تهدف لحث الدول على خطة بديلة.
وقال ويتكوف خلال مؤتمر استثماري سعودي في ميامي، إن مقترح ترامب يهدف إلى تحفيز الدول الأخرى على تطوير بدائل خاصة بها.
وقال المبعوث الأمريكي، في حديثه مع جاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس دونالد ترامب، خلال المؤتمر، عن طريقة إعادة إعمار القطاع: "ستستغرق الكثير من التنظيف والخيال وخطة رئيسية عظيمة"، وتابع: "وهذا لا يعني أننا يجب أن نأتي بخطة إخلاء. عندما يتحدث الرئيس عن هذا، فهذا يعني أنه يريد أن يهز أفكار الجميع للتفكير فيما هو مقنع لهذه المنطقة وما هو أفضل حل للشعب الفلسطيني وسكان غزة الذين يعيشون هناك".
والسؤال الذي يطرخ نفسه الأن هو: هل سيحقق ترامب أهدافه السابق ذكرها؟.
من وجهة نظري وتحليلي للأحداث أرى الأتي:
أولا: بالنسبة لتهجير سكان غزة إلى سيناء، فهذا لن يحدث بسبب الصمود الاسطوري لمصر والقيادة المصرية في وجه الإرهاب الترامبي، فمصر منذ الوهلة الاولى للحرب على غزة وقفت حائط صد منيع أمام تنفيذ مخططات إسرائيل الرامية إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية رغم الضغوط الهائلة التي تمارس عليها من قبل الإدارة الأمريكية، سواء السابقة أو الحالية، وما زالت مصر رغم هذه الضغوط لم تتراجع قيد أنملة للوراء.
لأن مصر بقيادتها الرشيدة القوية وجيشها العظيم ودبلوماسيتها العتيقة الخبيرة تدرك أن إسرائيل لن تتوقف عند تهجير سكان غزة من أراضيهم، ولكنها ستعمل على تنفيذ مخططها القديم، وهو تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.
ولا أتوقع أن تتزحزح مصر عن موقفها قيد أنملة مهما كانت حدة الضغوط التي تتعرض لها من قبل الإدارة الأمريكية.
أنا متأكد أن هذه المخططات سوف تفشل بفضل الصمود المصري الاسطوري والتاريخي، لا سيما وأن مصر دفعت أثمانا باهظمة من أجل القضية الفلسطينية ومن أجل تحرير أرضها من دنس الاحتلال الاسرائيلي الفاشي، هذا الصمود الأسطوري سوف يسجله التاريخ بأحرف من نور، لا سيما وأن هذا الصمود مدعوم شعبيا وعربيا ودوليا بقوة، والدعم الشعبي الكبير وغير المسبوق للقيادة السياسية على مواقفها المشرفة سوف يزيد من صمودها وصلابة مواقفها الفترة القادمة.
الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر أكثر من مرة عن موقف مصر الصلب والثابت من قضية تهجير الفلسطينيين، حيث أكد أكثر من مرة أن تهجير الفلسطينيين من أرضهم خط أحمر، ولن يسمح به تحت أي ظرف.
وفي مؤتمر صحفي جمعه بالرئيس الكيني وليام روتو في القاهرة، رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي بشدة، ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني، ووصف ذلك بأنه ظلم لا يمكن أن تشارك مصر فيه.
وأكد الرئيس:« لا يمكن أبدا التنازل عن ثوابت الموقف المصري التاريخي للقضية الفلسطينية»، مؤكدا أن "الحل هو إقامة دولة فلسطينية بحقوق تاريخية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
واعتبر أن ما يتردد حول تهجير الفلسطينيين لا يمكن أبدا التساهل أو السماح به، لتأثيره على الأمن القومي المصري.
ثانيأ: بالنسبة لابعاد حركة حماس عن حكم غزة، أرى أن حماس يجب أن تتعامل مع الموقف بمسئولية، وأتوقع أنها سوف تنحني للعاصفة، وسوف توافق على مقاربة مصرية وعربية لإدارة قطاع غزة الفترة القادمة، مع وجود ضمانات لمشاركتها في العملية السياسية لاحقا، حماس ليست هي المقاومة، المقاومة لن تنتهي، ودروس التاريخ تعلمنا ذلك، دروس التاريخ تعلمنا أن وجود احتلال يعني بالضرورة وجود مقاومة، جمرة المقاومة سوف تظل مشتعلة في قلوب الفلسطينيين ولن تهدأ إلا بتحرير أرضهم مهما دفعوا من أثمان، المقاومة فكرة وعقيدة، والأفكار والعقائد لا تموت.
وهذا ما كشف عنه مصدر مصري مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة، في تصرحات لقناة «القاهرة الإخبارية»، أن هناك اتصالات مصرية مكثّفة لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية إغاثة وإعادة إعمار القطاع.
وقال المصدر المصري المطلع في تصريحات لـ "القاهرة الإخبارية"، إن حركة حماس تؤكد التزامها باتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث.
وأوضح المصدر أن حماس أكدت عدم مشاركتها في إدارة القطاع خلال المرحلة المقبلة.
ثالثا: بالنسبة للضفة الغربية، أرى أن ترامب سوف ينجح في ضم بعض الأراضي والمستوطنات التي سيطرة عليها إسرائيل العقود الماضية كجزء من صفقة تنص على إقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من الضفة وغزة.
رابعا: بالنسبة للقدس: في ديسمبر 2021، مررت الجمعية العامة ثلاثة قرارات متعلقة بقضية فلسطين والجولان السوري، وأحد القرارات يتعلق بمدينة القدس حيث يؤكد أن أي إجراءات تُتخذ لتغيير طابع المدينة "لاغية وباطلة ويجب وقفها" وأن أي حل دائم لمدينة القدس يجب أن يراعي حقوق الطرفين وحرية العبادة للأديان السماوية الثلاثة.
وينص قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 بقيام دولتين فلسطينية ويهودية ومنح القدس وضعا قانونيا خاصا تحت وصاية الأمم المتحدة.
ولا أتوقع أن تقدم الدول العربية والإسلامية أي تنازلات بالنسبة لموضوع القدس، فالقدس مدينة ذات أهميّة دينية عند المسلمين، وللقدس مكانة عظيمة في نفوس العرب والمسلمين، ففي القدس المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ليلة الإسراء، ومنه عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى، وقد كان قبلة المسلمين الأولى قبل تحويلها إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة، وهو ثالث المساجد التي تشد الرحال إليها، ومن ثم فللقدس رمزية دينية خاصة عند المسلمين تصل لحد التقديس.
خامسا: بالنسبة للتطبيع، توسيع دائرة التطبيع العربي مع إسرائيل مرهون فإقامة دولة فلسطينية، فالمملكة العربية السعودية متمسكة بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، قبل التطبيع مع إسرائيل، وهذا ما نصت عليه مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت 2002، فإذا ما تم التوصل إلى صيغة توافقية لإقامة دولة فلسطينية ووافقت عليها الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر فسوف تطبع كل الدول العريية مع إسرائيل.
سادسا: بالنسبة للجولان والأراضي السورية المحتلة، فأرى أن إسرائيل لن تنسحب من الجولان ولا من الأراضي التي احتلتها من سوريا مؤخرا بسهولة، وسوف تظل هذه الأراضي بؤرة صراع مشتعلة جديدة بين العرب وإسرائيل، ويمكن حلها باتفاق شامل مع إسرائيل.
سابعا: بالنسبة لتدمير البرنامج النووي الإيراني والقضاء التام على المقاومة في المنطقة، من أجل توفير الأمن لإسرائيل، والقضاء على أي تهديد لها مستقبلا، من خلال تشكيل تحالف عربي «ناتو عربي»، تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، أرى الأتي:
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية حاولت أكثر من مرة تشكيل تحالف عربي ضد إيران ولكنه فشلت، بسبب رفض مصر الصريح من الانضمام لهذا التحالف، واعتقد أن مصر لا تزال على موقفها الرافض للإنضمام لأي تحالفات أو أحلاف في المنطقة.
ثانيا: لا استبعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية قوية للمنشأت النووية الإيرانية بالتنسيق مع إسرائيل وبعض الدول الغربية، بهدف اخضاعها للإرادة الأمريكية، وأرغامها على الموافقة على إبرام اتفاق نووي جديد بالشروط الأمريكية، يضمن أمن إسرائيل، ويقضي على ما تبقى من قوة أذرع إيران في المنطقة بالطرق الدبلوماسية.
في النهاية العرب يدركون جيدا أن أطماع إسرائيل لن تتوقف عند تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، بل سيكون هدفها القادم هو تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، من النيل للفرات.
العرب يدركون أن الأحلام الإسرائيلية لن تتوقف عند تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، بل أنها سوف تمتد إلى الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية، وهذا ما كشف عنه الكاتب والسياسي الإسرائيلي آفي ليبكين، الذي قال أن حدود إسرائيل ستمتد من لبنان إلى السعودية، وذلك بعد ضم مكة المكرمة والمدينة المنورة وجبل سيناء.
وقال ليبكين في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي "أعتقد أن حدودنا ستمتد في نهاية المطاف من لبنان إلى الصحراء الكبرى، أي المملكة العربية السعودية، ثم من البحر الأبيض المتوسط إلى الفرات، ومن الجانب الآخر من الفرات سيكون الأكراد، والأكراد أصدقاؤنا".
وأضاف "إذن، لدينا البحر المتوسط خلفنا والأكراد أمامنا، ولبنان الذي يحتاج حقا إلى مظلة حماية إسرائيلية، وأعتقد أن بعد ذلك سنأخذ مكة والمدينة وجبل سيناء، وسنعمل على تطهير تلك الأماكن".
تصريحات ليبكين تتطابق مع وثيقة تدعى "وثيقة ينون" للصحفي الإستراتيجي الإسرائيلي أوديد ينون، وتحمل عنوان "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات"، والتي تستند إلى رؤية مؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل.
الوثيقة التي نشرت لأول مرة في فبراير/شباط 1982 تركز على إقامة "إسرائيل الكبرى"، وتشكل حجر الزاوية في سياسات القوى السياسية الإسرائيلية المتمثلة في الحكومة الحالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكذلك في سياسات مؤسستي الجيش والاستخبارات الإسرائيليتين.
وعمل ينون مستشارا سابقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، فضلا عن عمله في وزارة الخارجية الإسرائيلية، بالإضافة إلى كونه صحفيا في جيروزاليم بوست.
وتركز الخطة على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقا، كجزء من المشروع التوسعي الصهيوني، وتشير أيضا إلى توسيع الاستيطان بالضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من فلسطين وضم الضفة وقطاع غزة إلى إسرائيل، حيث تضم "إسرائيل الكبرى" وفقا للوثيقة أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية.
وفي هذا السياق تقول الباحثة والإعلامية الفلسطينية منى حوا في تعليقها عن تصريحات ترامب وقراراته منذ توليه الرئاسة، "إن ما يفعله ليس مجرد هراء سياسي، بل هو تلاعب استراتيجي محسوب يعتمد على خلق واقع وهمي بحيث تصبح الأفكار المستحيلة قابلة للنقاش، والمشاريع غير القابلة للتنفيذ تبدو وكأنها سيناريوهات مطروحة".
وأضافت في تدوينة مطولة على حسابها على منصة «إكس»: هذه ليست سياسة مرتجلة، بل أسلوب مدروس مستوحى من نظريات سياسية وإعلامية تستهدف إعادة تشكيل الوعي العام ودفع الخصوم إلى مواقع دفاعية بدلًا من إبقائهم في موقع الهجوم".
ويقول اساتذة القانون الدولي، أن التفاوض يعد علم وفن يتأثر بالسلوك الشخصي بين المتفاوضين، ومن خصائص التفاوض هو الرغبة والقناعة في الوصول إلى غاية معينة، ويتم فية الترغيب والترهيب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث يتم مزج المساومة مع التفاوض مع الضغط واللين والتهديد من اجل الوصول إلى تحقيق الهدف.
وكما تعلمنا في الأكاديمية العسكرية للدراسات السياسية والاستراتيجية على يد اساتذتنا في العلوم السياسية والعسكرية، فإن توازن القوى بين أطراف النزاع الدولي تلعب دورا اساسيا في مسار التسوية، حيث يؤدي التفاوت في توزيع القوة بين الدول إلى تحقيق مصلحة لطرف على حساب الطرف الأخر، والإذعان لمطالب الطرف الأقوى، من خلال أساليب مثل المساومة والضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية
كما أن الإقناع جزء من عملية التفاوض، وهو يعني فرض أحد الأطراف ارادته على الطرف الأخر، بما يضمن التغلب على اعتراضاته، أو استمالته كي يسلم بالشروط التي يفرضها عليه الطرف الأخر.
كما يعتبر التنازل جزء من عملية التفاوض، الذي يعني الإذعان لمطالب الطرف القوي بين أطراف متحاربة انتصر فيها طرف على أخر عسكريا، فيستسلم الطرف المهزوم دون قيد أو شرط.
في النهاية: لا شك أن الرفض المصري الأردني المدعوم عربيا ودوليا لخطة ترامب التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية قد ساهم بشكل كبير في تراجع ترامب عن خطته الشيطانية، وهذا ما دفعه إلى القول، بأنه فوجئ بموقف مصر والأردن من الخطة.
وهنا أقتبس تصريح اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية لـ "العربية.نت" و"الحدث.نت"، فعندما سئل عن وجهة نظره لمواجهة مخطط التهجير وعدم السماح بتصفية القضية الفلسطينية؟
أجاب قائلا: أن مقترح التهجير لا يزال في أجندة الإدارة الأمريكية، وتدعمه إسرائيل بشكل غير مسبوق، لأنه يتماشي مع مخططاتها، ومن ثم فإن الموقف العربي القوي والواضح والواقعي لا يزال يمثل حائط الصد الأول، بل الأخير في مواجهة ليس فقط هذا المقترح، ولكن في مواجهة أية مشروعات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية من جهة، والتأثير على الأمن القومي العربي من جهة أخرى.
حفظ الله مصر وجيشها وشعبها وقيادتها والأمة العربية من كل شر وسوء.