رئيس التحرير
خالد مهران

خطة ترامب لاستغلال صندوق النقد الدولى في الضغط على مصر لقبول التهجير

صندوق النقد الدولى
صندوق النقد الدولى وترامب

مع تأجيل المراجعة الرابعة لصرف قرض صندوق النقد الدولي والذي قيمته، 1.2 مليار دولار، بدأت توقعات حول استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جميع أوراقه والتي من بينها قرض صندوق النقد الدولي للضغط على مصر للموافقة على تهجير الفلسطينيين، حسب ما ذكره خبراء اقتصاد.

ويرى عدد من الخبراء أن ثقة ترامب في تنفيذ مخطط التهجير، قد يرجع لوجود عدد من الأوراق الاقتصادية الهامة في يده قد يلجأ إليها للضغط على مصر، وهو ما سنكشف عنه خلال السطور التالية.

وتبلغ قيمة الشريحة الرابعة نحو 1.2 مليار دولار، وتعد الأكبر منذ بداية البرنامج في 2022، واعتبارًا من ديسمبر الأول الماضي، أصبح من حق مصر، المطالبة بالحصول على تمويل إضافي من صندوق الصلابة والاستدامة التابع لصندوق النقد، بقيمة 1.3 مليار دولار سواء كاملًا أو على دفعات.

ونهاية شهر فبراير الماضى، أكدت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، أن الصندوق ملتزم ببرنامجه مع مصر بغض النظر عن أي  ضغوط سياسية ممكنة، والذي يقوم على الإصلاحات ويبقى الاقتصاد أولوية للصندوق، موضحة أن الصندوق يحترم القرارات الجريئة التي تتخذها مصر بشأن سعر الصرف وبرنامج الخصخصة، وكلما تقدمت البلاد في إنجاز ما هو مطلوب كلما أصبح مركزها أقوى.

وأوضحت جورجييفا، أن التقدم الذي تحرزه الحكومة المصرية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من الصندوق يساهم في تعزيز المركز المالي للبلاد.

وأضافت المديرة التنفيذية للصندوق، أن دعم الاقتصاد المصري يمثل أولوية وسيظل كذلك، قائلة: ما يهم الصندوق هو الوضع الكلي للبلاد، مع التركيز على الاقتصاد، بينما تبقى المسائل السياسية خارج اختصاصه ولسنا الجهة الأفضل للتعليق عليها.

وكشفت عن أن فريق العمل المعنى بمصر سيقدم لمجلس إدارة الصندوق المراجعة الجديدة لبرنامج هيكلة وتمويل الاقتصاد المصري، حيث سيقوم المجلس بمناقشتها واتخاذ القرار المناسب.

وتابعت أن المراجعات والتنسيق مع الحكومة المصرية يتمّان وفقًا للجدول الزمني المحدد.

وجاء ذلك في الوقت نفسه مع التأكيدات المتكررة من قبل الحكومة على التزامها الكامل ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المُتفق عليه مع الصندوق.

ومن المقرر أن يعقد مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق النقد الدولي الاجتماع الشهر الجاري، المراجعة الرابعة لبرنامج القرض مع مصر بقيمة 1.2 مليار دولار، وتمويل صندوق الصلابة والاستدامة بنحو 1.3 مليار دولار المتوقع صرفه على شرائح، هذا بالإضافة إلى مناقشة المجلس نتائج كل من مشاورات المادة الرابعة والتي انتهت منها مصر، والمراجعة الرابعة للتسهيل الائتماني الممنوح، والتي يترتب عليها صرف الشريحة الرابعة بقيمة 1.2 مليار دولار.

ويدعم صندوق النقد الدولي برنامج مصر للإصلاح الاقتصادي بقرض بقيمة 8 مليارات دولار ينتهي في سبتمبر 2026.

وبحسب جولي كوزاك المتحدثة باسم الصندوق، تترقب مصر موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة -خلال الأسابيع المقبلة- تمهيدا لصرف 1.2 مليار دولار من القرض. 

في إبريل وأغسطس الماضيين تلقت مصر نحو 1.64 مليار دولار على دفعتين بعد اعتماد أول 3 مراجعات على البرنامج.

تتدخل السياسة في الاقتصاد 

وفي هذا السياق، قال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، ومدير عام مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، إنه من المتوقع استخدام الرئيس ترامب ورقة قرض صندوق النقد الدولي، للضغط على مصر، لافتًا إلى أن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد هي السبيل الوحيد أمام أمريكا للموافقة على التهجير.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن صندوق النقد الدولي ولاؤه الأول للولايات المتحدة الأمريكية، متوقعًا أن تأجيل المراجعة الرابعة لصرف 1.2 مليار دولار سببها قضية التهجير.

وأشار «عامر»، إلى أن الدبلوماسية المصرية والقادة الساسية، ستكون على تواصل مع صندوق النقد الدولي وأمريكا لحل نقاط الخلاف ورفض قضية التهجير، مع سرعة المراجعة لصرف القرض.

وأكد الخبير الاقتصادي، أن مصر دولة مركزية وتعمل من أجل السلام في المنطقة وعليه لا يجب أن تتدخل السياسة في الاقتصاد، مشيرًا إلى أنه في حالة وصول الحكومة مع صندوق النقد الدولي لاتفاق سيتم صرف القرض خلال شهر مارس الجاري.

تحديات واضحة للجميع

ومن ناحيته، قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري، إن هناك ضوابط تتم بين الجانب المصري وصندوق النقد الدولي، سواء على مستوى المالي والنقدي والإصلاحات المطلوبة لصرف القرض المقرر بقيمة 1.2 مليار دولار.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أنه بالفعل هناك همينة أمريكية على صندوق النقد الدولي بشكل أو بآخر، وهو ما يؤدي إلى التأثير على قرار المراجعة وصرف الشريحة.

وأشار «الإدريسي»، إلى أن تأجيل صرف القرض يضر بالوضع الاقتصادي لمصر، لافتًا إلى أن ذلك يزيد من مخاوف المستثمرين الأجانب ويؤثر على تصنيف مصر الائتماني.

وتابع: «هناك تحديات واضحة للجميع أمام مصر، وخاصة مع التوقعات السلبية لسعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال 2025 وارتفاعه في العقود الآجلة لـ59 جنيه، ومعدلات التضخم لا تزال مرتفعة، ودخول شهر رمضان يزيد أزمة الأسعار، حيث شهدنا ارتفاعات في اللحوم والأسماك والدواجن».

وأكد الخبير الاقتصادي، أنه على الحكومة تنفيذ جميع الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها الصندوق، والتي منها تعزيز دور القطاع الخاص، والإصلاحات الضريبية، وشبكة الأمان الاجتماعي، لافتًا إلى أن جميع هذه الشروط لم تنطبق بالشكل المطلوب.

وأوضح أن هناك نسبة تقصير من جانب الحكومة، وتأجيل لبعض القرارات والتي ساهمت في تأجيل صرف الشريحة الرابعة لصندوق النقد الدولي أيضًا.

إرباك المشهد المالي

من جانبه، يرى الدكتور سعد عبد المنعم أستاذ الاقتصاد الدولي، أن العقوبات الاقتصادية هي الورقة الأبرز أمام ترامب للضغط على مصر في حالة رفض تهجير الفلسطينيين، وبالتالي التأثير سلبًا على الاقتصاد المصري، وقدرة الدولة على سداد التزاماتها الخارجية، وإرباك المشهد المالي بشكل عام، وممارسة ضغوط إضافية على الجنيه المصري.

وأوضح «عبد المنعم»، أن من أبرز تلك الأدوات وقف أو تقليص المساعدات الأمريكية لمصر، إذ تمنح واشنطن القاهرة 2.1 مليار دولار سنويًا، منها مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليارات دولار، و815 مليون دولار معونات اقتصادية، كما تمتلك أمريكا ضغوطا على المؤسسات المالية وأسواق المال الدولية، مثل صندوق النقد الدولي بعدم التعامل مع مصر وعرقلة الحصول على شرائح من القروض القائمة والتي تمت الموافقة عليها بالفعل في وقت سابق.

وتابع: «منها صرف باقي شرائح قرض صندوق النقد الدولي والبالغ قيمتها الإجمالية ثمانية مليارات دولار تم صرف ثلاث شرائح منها بقيمة تقل عن ملياري دولار».

وأشار إلى أن صندوق النقد يتلكأ منذ شهور في الإفراج عن الشريحة الرابعة من القرض والبالغ قيمتها 1.2 مليار دولار، وتأجيل صرف تمويل إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار ضمن برنامج الصلابة والاستدامة، وتلعب أمريكا خلال الفترة الحالية لمنع حصول مصر على تلك الأموال.

ويرى أستاذ الاقتصاد الدولي، أن أمريكا لها تأثير قوي على صناع القرار في مؤسسات مالية دولية أخرى تتعاون مع مصر، خلال السنوات الماضية، مثل البنك الآسيوي للتنمية، والبنك الإفريقي للتنمية، والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، والبنك الإسلامي للتنمية وغيرها، وكذا على مؤسسات التقييم الدولية مثل موديز وفيتش وستاندرد أند بورز، وصناديق الاستثمار الكبرى، وكذلك التحكم في المؤسسات الشقيقة أو التابعة لها مثل مؤسستي التمويل الدولية والتنمية الدولية ووكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف ومجموعة العمل المالي الدولية (الفاتف)، المسئولة عن مكافحة الجرائم المالية وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في حين يرى الدكتور محمود الشريف الخبير الاقتصادي، أن أوراق ترامب التي يمكن استخدامها ضد القاهرة فرض رسوم جمركية على الصادرات المصرية للولايات المتحدة وإدخالها أسوة بما يحدث مع الصين وكندا والمكسيك، وقيمة تلك الصادرات بلغت 1.9 مليار دولار فقط في عام 2023، وبما يمثل 4.6% من صادرات مصر للعالم، قياسًا إلى 2.3 مليار دولار في العام 2022.

وأضاف: «الصادرات المصرية للولايات المتحدة ليست كبيرة وضخمة وفرض رسوم لن يمثل تهديدا اقتصاديا لمصر، ولكن في ظل الظروف الاقتصادية الحالية قد تمثل تأثيرًا حتى لو كان محددًا على توفير العملة الأجنبية في  ظل ضخامة الأعباء الخارجية من أقساط ديون».

وأوضح الخبير الاقتصادي، أنه من الأوراق الأمريكية -أيضًا- احتمال ممارسة ضغوط أمريكية على قناة السويس، لخفض رسومها أسوة بما يجري حاليا مع قناة بنما، كما يمكن لترامب ممارسة ضغوط على بعض الدول الأوروبية والدولية والعربية الدائنة لمصر وحثهم على عدم مد آجال سداد الودائع الدولارية لدى البنك المركزي ومطالبة القاهرة بسدادها في الموعد المحدد، وعدم تحويلها إلى استثمارات مباشرة، كما جرى في فترات سابقة من قبل دول الخليج، ولكن هذا الأمر قد يواجه برفض من الدول الخليجية الداعمة لمصر، ولكن هو أمر متاح من جانب دول أوروبا والتي قد تستجيب للضغوط الأمريكية وسط المصالحة السياسية.

ورقة السياسة القديمة

في السياق ذاته، يرى الدكتور عبد السلام النويري، الخبير السياسي، وعضو جمعية التنمية العربية الاقتصادية، أن أمريكا قد تلعب بورقة ضغط على مصر في ملف حقوق الإنسان وسجناء الرأي، وهي ورقة قديمة استخدمها رؤساء سابقين.

وأشار «النويري»، إلى أن مصر لديها مجموعة أدوات ضغط، منها مثلًا التهديد بإعادة النظر في اتفاقيات مثل اتفاقية «الكويز» التي صُممت عام 1996 من قبل الكونجرس الأمريكي، مستهدفة بناء علاقات اقتصادية جيدة بين إسرائيل وجيرانها مثل مصر والأردن.

وأضاف: «كما تمتلك مصر أدوات للضغط أهمها التهديد بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد وتجميد معاهدة السلام، في حالة قطع المعونة العسكرية والاقتصادية لكونها مرتبطة بالاتفاقية، ووقف كلّ أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال، مع التنسيق مع دول  في المنطقة وغيرها في هذا الشأن، مثل السعودية، وتركيا، وإيران، وباكستان».

وأشار إلى أن المساعدات الأمريكية ليست منحة مجانية، بل هي التزام قانوني نابع من اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، ومصر تلتزم دائما بجميع تعهداتها الدولية دون أي إخلال ومع ذلك، فإن التاريخ يشهد أن مصر لم ترضخ أبدا لأي محاولات ابتزاز أو ضغط، بل عملت على تعزيز استقلالية قرارها السياسي والاقتصادي وتنويع مصادر تمويلها وتسليحها.