رئيس التحرير
خالد مهران

لغز اختفاء شيوخ الإنشاد الدينى فى مصر

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تعد التواشيح من أبرز ألوان الفن الصوتي الديني الذي كان يعبر عن حالة روحانية خاصة، حيث يتناغم فيها الصوت مع الكلمات الدينية لتصل إلى قلوب المستمعين وتثير فيهم مشاعر من الإيمان والسكينة. 

وتعتبر التواشيح نوعًا من الإنشاد الديني الذي يعتمد على التلحين الجيد والكلمات المؤثرة، ويتميز بارتباطه بالأعياد والمناسبات الدينية مثل شهر رمضان  المعظم، والمولد النبوي الشريف، وغيرها، كما كانت التواشيح تُستخدم أيضًا في الاحتفالات الصوفية وتضفي جوًا من الروحانية على المناسبات. 

وشهد فن التواشيح في القرن العشرين ذروته بظهور العديد من الشيوخ والموهوبين، مثل الشيخ النقشبندي والشيخ نصر الدين طوبار، اللذين أضفيا على هذا الفن طابعًا خاصًا، وجعلاه جزءًا من التراث الثقافي الديني.

والتواشيح تمثل جزءًا مهمًا من التراث العربي والإسلامي، وأسهم شيوخ الإنشاد الكبار في الحفاظ على هذا الفن وتقديمه بشكل راقٍ يعكس جماليات الثقافة الإسلامية. 

ومع اختفاء هؤلاء المنشدين وتراجع الاهتمام بالفن الديني التقليدي، يواجه هذا النوع من الإنشاد تحديات كبيرة في الحفاظ على مكانته، وأصبح هناك شعور عام بتراجع هذا الفن وانحساره، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول أسباب اختفاء هذا النوع من الإنشاد، ولماذا لم يظهر شيوخ جدد يعيدون إحياء هذا الفن.

اختفاء المنشدين

 

في هذا السياق، قال الشيخ طاهر أحمد، مقرئ قرآن، إن السبب في اختفاء المنشدين هو أن فن التواشيح أصبح نادرًا في عصرنا الحالي، قائلا: «نحن لا نملك نفس البيئة التي نشأ فيها هؤلاء الشيوخ، حيث إنهم كانوا يتدربون على هذا الفن في مدارس موسيقية وفى بيئة تشجع على تطوير قدراتهم الصوتية بشكل مستمر اليوم، الوضع مختلف».

وأضاف «أحمد» أنه منذ وفاة هؤلاء العمالقة، لم يظهر جيل جديد لديه نفس الإصرار والتفاني في إحياء هذا التراث، مضيفا أن الأجيال الجديدة أصبحت تنشغل أكثر بالأعمال الفنية التي تواكب العصر، وبالتالي فإن التواشيح لم تعد تحظى بالاهتمام نفسه.

وتابع أن هناك -أيضا- تغيرات ثقافية واجتماعية، حيث كانت التواشيح في الماضي جزءًا من حياتنا اليومية، وكانت تذاع في المناسبات العامة والخاصة، لكن اليوم أصبحت الموسيقى الغربية والموسيقى الحديثة هي السائدة، والناس أصبحوا يفضلونها على الفنون الدينية.

ولفت إلى أن التواشيح كانت وستظل جزءًا من التراث الثقافي والديني الغني الذي يملك القدرة على ربط الأجيال السابقة بالحاضر، رغم التحديات التي تواجه فن التواشيح، يظل هناك أمل في استمرار هذا الفن بفضل الجهود الفردية لبعض المنشدين الذين يحاولون إحياءه، مضيفا أنه لا بد من الاهتمام بتطوير برامج تدريبية، وزيادة الدعم الإعلامي للفن الديني، حتى يعود الإنشاد والتواشيح إلى الواجهة مرة أخرى.

واستكمل أن المستقبل لا يزال مفتوحًا أمامنا لإحياء هذا الفن العظيم، والمهم أن نُعلم الأجيال القادمة كيف يحافظون عليه، لأنه ليس مجرد موسيقى، بل هو جزء من هويتنا الدينية والثقافية.

تراجع اهتمام الشباب بالإنشاد

من جانبه، يعتقد زياد الأزهري، منشد ديني، أن الإعلام لا يمنح الإنشاد الديني المساحة المناسبة له، قائلا: «الفضائيات اليوم لا تروج للموسيقى الدينية كما كان الحال في الماضي، عندما نرى تركيز الإعلام على فنون أخرى، يصبح من الصعب على المنشدين الجدد أن يظهروا، ففي السابق كان الإعلام يساهم في نشر التواشيح ويصل بها إلى جماهير واسعة».

وأشار «الأزهري»، إلى غياب المنصات التعليمية والتدريبية، قائلا: «لا يوجد اليوم اهتمام كافٍ بتدريب الأجيال الجديدة على هذا الفن، فالتواشيح بحاجة إلى تدريب متخصص في الصوت والأداء، ولكن هذه الأنواع من البرامج أصبحت نادرة، ولا توجد مدارس موسيقية تركز على هذا الفن، مما يساهم في تراجع اهتمام الشباب بالإنشاد».

كما يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساعدت في نشر التواشيح وإن كانت بشكل محدود، مضيفا: "اليوم أصبح لدينا منصات مثل يوتيوب وإنستجرام، حيث يستطيع المنشدون نشر أعمالهم والوصول إلى جمهور واسع، لكن رغم ذلك، لا يزال هناك نقص في تقدير هذا النوع من الفنون مقارنة بالفن الموسيقي الحديث".