في ذكرى وفاتها.. محطات روحانية في حياة السيدة عائشة أم المؤمنين

يحل علينا اليوم الإثنين 17 رمضان، ذكرى وفاة السيدة عائشة بنت ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها فبعد موقعة الجمل، عادت السيدة عائشة فلزمت بيتها حتى حضرتها الوفاة في ليلة الثلاثاء 17 رمضان 57 هـ وقيل 58 هـ وقيل 59 هـ، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابني محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ودفنت في البقيع.
السيدة عائشة رضي الله عنها
عائِشة بنت أبي بكر التيميَّة القُرَشِيّة ثالث زوجات الرسول محمد وإحدى أمهات المؤمنين، والتي لم يتزوج امرأة بكرًا غيرها، وهي بنت الخليفة الأول للنبي، أبو بكر بن أبي قحافة.
تزوجها النبي بعد غزوة بدر في شوال سنة 2 هـ، وكانت من بين النساء اللواتي خرجن يوم أحد لسقاية الجرحى.
اتُهمت عائشة في حادثة الإفك، إلى أن برّأها الوحي بآيات قرآنية نزلت في ذلك وفق مُعتقد أهل السُنَّة والجماعة بشكل خاص.
كان لملازمة عائشة للنبي دورها في نقل الكثير من أحكام الدين الإسلامي والأحاديث النبوية، حتى قال الحاكم في المستدرك: «إنَّ رُبْعَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ نُقِلَت عَن السَّيِّدَة عَائِشَة.».
وكان أكابر الصحابة يسألونها فيما استشكل عليهم، فقد قال أبو موسى الأشعري: «مَا أُشكلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ، إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا»، وكانت من الفصاحة والبلاغة ما جعل الأحنف بن قيس يقول: «سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم وَالْخُلَفَاءِ هَلُمَّ جَرًا إِلَى يَوْمِي هَذَا، فَمَا سَمِعْتُ الْكَلامَ مِنْ فَمِ مَخْلُوقٍ، أَفْخَمَ، وَلا أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ فِي عَائِشَةَ رضي الله عنها»
تختلفُ نظرة أكبر طائفتين إسلاميتين إلى عائشة اختلافًا ملحوظًا، فبينما يجُلَّها أهلُ السُنَّة ويُحيطونها بالحفاوة والتكريم، ينتقدها الشيعة الاثنا عشريّة انتقادًا كبيرًا يصلُ عند طائفةٍ واسعة منهم إلى حد اللعن والتبرؤ والسب، ويتهمونها بعداء أهل البيت وبتسميم الرسول مُحمَّد، وكان هذا التباين الواسع في النظرة سببًا رئيسيًا في توسيع الهوَّة بين أهل السُنَّة والشيعة الاثنا عشريَّة، وعُنصرًا محوريًا في الخلاف السُني الشيعي، وقد حاول بعضُ العلماء الشيعة القضاء على الفتنة، فأصدروا العديد من الفتاوى الشرعيَّة التي تُحرّم سب عائشة والصَّحابة أو التعرُّض لها بأي شكلٍ مُهين، مُعتبرين أنَّ ذلك إهانة لِشرف الرسول مُحمَّد وخدمة لأعداء الإسلام.
نسب أم المؤمنين عائشة
أمُّ المؤمنين عائشة هى بنت الخليفة أبي بكر الصِّديق رضي الله عنهما، خليفة رسول الله الأوّل، وهو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميميّ، وأمُّها هي أمُّ رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة الكنانيّة.
زواج السيدة عائشة بالنبي
قبل الهجرة بسنتين وبعد وفاة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي محمد تسأله أن يتزوج، فسألها: «وَمَن؟»، قالت: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا»، فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟» فذكرت له البكر عائشة والثيب سودة بنت زمعة، فقال: «فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ.» فذهبت خولة إلى أم رومان بنت عامر أم عائشة، وذكرت لها الأمر، فقالت: «اِنْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرَ آتٍ». وكان المطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، فأتى أبو بكر المطعم، فقال: «مَا تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ؟» فسأل المطعم زوجته، فقالت لأبي بكر: «لَعَلَّنَا إِن أَنْكَحْنَا هَذَا الفَتَى إِلَيْكَ تُصِيْبَهُ وَتُدخِلَهُ فِي دِيْنِكَ الَذي أَنتَ عَلَيْهِ»، فرأى أبو بكر في ذلك إبراءً لذمته من خطبة المطعم لعائشة، وقال لخولة: «قُولِي لِرَسُولِ الله فَلْيَأْتِ»، فجاء النبي محمد وخطبها.
هاجرت عائشة إلى المدينة بعد هجرة النبي محمد بصحبة طلحة بن عبيد الله وأخيها عبد الله وأمها أم رومان وأختها أسماء، وزيد بن حارثة وأبي رافع مولى النبي محمد وابنتي النبي محمد أم كلثوم وفاطمة وسودة بنت زمعة وأم أيمن وابنهاأسامة بن زيد. وبنى النبي محمد بعائشة بعد غزوة بدر في شوال 2 هـ، فكانت عائشة تقول: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولَ اللَّه كَانَت أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي» وتروي عائشة قصة يوم زواجها، قائلة: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا وَمَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ هَهْ هَهْ حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتًا فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ». وقد وصفت عائشة جهاز حجرتها فقالت: «قَالَتْ:إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ».
وتروي عائشة حديثًا عن النبي محمد أنه رأى في منامه جبريل، وقد جاء بها في ثوب من حرير، وقال له: «هَذِهِ امْرَأَتِك»، فرد النبي بقوله: «إنْ يَكُن هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمضِهِ»، وفي حديث آخر أن جبريل قال: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُنيَا وَالآخِرَة».
علم عائشة بنت أبي بكر
بلغت السيدة عائشة -رضي الله عنها- مرتبةً رفيعةً في العلم، فكانت من أفقه نساء المسلمين وأكثرهنَّ علمًا، فقد كانت من المُكثرين لرواية الحديث، وروى عنها كذلك كثير من كبار التابعين.
جهاد عائشة رضي الله عنها
شاركت السيدة عائشة في بعض الغزوات كغيرها من أمّهات المؤمنين والصحابيّات رضي الله عنهنَّ، ففي غزوة أُحُد شاركت عائشة -رضي الله عنها- في ملء قِرَب الماء لجنود جيش المسلمين،وقد حدَّث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن ذلك، فقال: (ولقد رأيتُ عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ وأمَّ سُلَيمٍ، وإنّهما لمُشَمِّرَتانِ، أرَى خَدَمَ سوقِهما، تُنْقِزَانِ القِرَبَ على مُتُونِهما، تُفرِغانِه في أفواهِ القومِ، ثمّ تَرجِعانِ فتَملآنِها، ثمّ تَجيئانِ فتُفرِغانِه في أفواهِ القومِ).