رئيس التحرير
خالد مهران

"الإفتاء" توضح صحة تلبس الجن بالإنسان

مفتي الجمهورية دكتور
مفتي الجمهورية دكتور شوقي علام

أُثِيرَت في الأيام الماضية قضية دخول الجن بدن الإنسان، وأن هذا مستحيل عقلاً ‍!! بسبب الإختلاف في أصل الخلقة، إذ خلق الإنسان من طين وخلق الجن من نار، وإن الشياطين لا تملك سوى الوسوسة ولم يجعل الله لها سلطة على الإنسان، وقد قامت عدد من البرامج بتجارب عمليه لخروج الجان من جسد الانسان، مما جعله حديث الصباح والمساء داخل الشارع المصري، وفي اطار هذا الأمر فقد أصدرت دار الافتاء فتوى رقم ،"(9270)  حول  " مدى صحة تلبس الجن للإنسان، وهل فعلاً يمكن للسحر أن يمنع عن الإنسان شيئا كتبه الله له،" وكانت الإجابة .

"الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله الذي يقرره العلماء في كتبهم في هذه المسألة هو ما جاءت به ظواهر الأدلة من جواز وقوع المس، وتخبط الشيطان بالإنسان، وصرعه ودخول بدنه، وذلك في قوله عز وجل: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275.

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلاَتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ. فَقَالَ: ابْنُ أَبِي الْعَاصِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ! عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي. قَالَ: ذَاكَ الشَّيْطَانُ, ادْنُهْ. فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ، وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ:
اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَالَ: الْحَقْ يعَمَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بعْدُ. رواه ابن ماجة

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: "قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن الإنسي؟ فقال: يا بني يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه"

ويقول الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله - في جملة ما حكاه من عقائد أهل السنة -:
"وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه" انتهى. "مقالات الإسلاميين" (1/296) وأما السحر فهو موجود أيضا، وذكره القرآن الكريم، ولكنه لا ينفع ولا يضر إلا بإذن الله تعالى، فقال عز وجل: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى ا لْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا
يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة/102.

ومع ذلك نقول: إن ما وقع لكثير من الناس هذه الأيام من نسبة كل ضرر يصيبهم إلى السحر والعين: هو من المبالغة الظاهرة، وإخراج الأمور عن حد الاعتدال، بل وصل إلى حد الوسواس المذموم، ونسوا أن المسلم تحفظه الملائكة التي سخرها الله عز وجل لحمايته من الغوائل، كما قال سبحانه: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11.

والحياة مليئة بالابتلاء، وقد كان الأنبياء أشد الناس بلاء، وبعدهم الصالحون المتقون، ولم يكن من هديهم إلا الصبر والاحتساب، وليس التسخط إلى حد الوسواس بوقوع السحر والحسد. والله أعلم.")

وتعليقا على فتوى دار الإفتاء ،يري الدكتور سعد الحسيني استاذ الفقة بجامعة الازهر ،أن  الإمام الشافعي  قال من يدعي  إنه يرى الجن فاسق لا تقبل شهادته لأنه يناقض قول الله تعالى: “إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم”.

ويضيف: لقد ثبت أن للشيطان وحيا.. هكذا قال الله تعالى في سورة الأنعام “وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون”.

وتفسير الآية في جميع التفاسير المعتمدة أن وحي الشيطان هو الخواطر السيئة التي يلقي بها في قلب وليه، وولي الشيطان هو الذي يستجيب له ويترك هدى الله الذي بينه في القرآن الكريم.  أما مس الشيطان فهو كناية عن الصرع، وهناك حديث نبوي يؤكد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، وهي كناية عن ملازمته، كما يقول الإنسان لصاحبه أو صديقه: أنت في قلبي وفي عيني.

ويقول: يستند بعض الناس في ادعاءاتهم بالمس إلى الآية الكريمة في سورة البقرة “فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه” ولا يتوقفون أمام الآية اللاحقة لها “وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله” ومعلوم أن أول الآية “واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان” فهي تتحدث عن زمان مضى في عهد نبي سبق. أما في عهد محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فالآية من سورة “فصلت” فيها العلاج كله وهي قوله تعالى: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله” فاليقين أننا إذا قلنا نعوذ بالله من الشيطان فإن شر الشيطان يذهب كله.

ويؤكد  الدكتور الحسيني  إلى  أنه لم يرد عن علماء المسلمين عبر العصور المتعاقبة أن الجن يلبس الإنسان أو يؤذيه، أو أن هناك آيات يمكنها علاج هذه الادعاءات، وما نراه من بعض الذين يزعمون أن الجن يركب أجسادهم ما هو إلا وساوس شيطان وأمراض نفسية تحتاج إلى أطباء لا إلى دجالين.

ويتساءل استاذ الفقة  قائلا: هل العفاريت متخصصة في ركوب ا لمسلمين وحدهم؟ لماذا لم يشك ألمان أو يابانيون من احتلال الجن لأجسادهم؟ إن سمعة الدين ساءت من شيوع هذه الأوهام بين المتدينين وحدهم .

وحول مس الجن للإنسان يقول الدكتور حامد  الشربيني، عضو لجنة الفتوي  إن الجن يسكنون هذه الأرض ا لتى نعيش فوقها، ويكثر وجودهم فى الخرابات والخلوات، ومواضع النجاسات كالحمامات، والمزابل، والمقابر، ويكثر وجودهم فى الأماكن التى يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق، ودخول الجن فى بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس) وفى صحيح الحديث (إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فى العروق  .

بينما يرى الدكتور احمد على عثمان أستاذ  سيكولوجية الاديان بالجامعة الامريكية ، أن مسألة المس الشيطانى كانت محل خلاف وجدل بين العلماء، إلا أنه فى الوقت نفسه يرى أن القرآن الكريم به إشارات تؤكد أن الجن يدخل جسد الإنسان ويصيبه، مثل ما ورد فى سورة الرحمن "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان"، مشيرا إلى أن النبى -صلى الله عليه وسلم- كان يستعيذ بالشيطان الرجيم ويدعو الصحابة إلى الرقية الشرعية، وفى سورة الجن ورد قوله تعالى "وإنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن"، فالاتصال بين الأنس والجن يرهق الروح. ويواصل: من يعمل بمجال الاتصال بالجن، مصاب وينشر العدوى بين الناس، فالجن يصل إلى قلب الإنسان ويسرى الشيطان فى عروق الإنسان مسرى الدم، حتى أن كثيرًا من أولياء الله الصالحين رأوا الجن.

و يؤكد أن مسألة الجن والأنس من أهم المسائل الخلافية بين العلماء، و الذى يترجح هو قول أئمة المحققين، أن الجن قد يمس الأنس بأذى وسوء ومن ينكرون ذلك من المعتزلة ومن سار على دربهم، والذين يعتقدون أن هذا الأمر بالعقل غير ممكن، هى أقوال غير صحيحة، فعلماء أهل السنة يقولون بمس الجنى للإنس، وهذا لا يعنى أن جسم يحل فى جسم بل هذا من باب قول الله تعالى "يتخبطه الشيطان من المس" حتى أن النبى بين شيئا من هذا فقال "أن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فى العروق" وليس كما يقال أ ن يحل الشيطان كجسم مادى أو محسوس بطريقة أو بأخرى .