رئيس التحرير
خالد مهران

خاطبوها بالعبرية.. أرعبوها ثم أعدموها بالرصاص


كان البرازيلي مارسيل ليمي أحد مراقبي حقوق الإنسان في فلسطين على وشك مغادرة مدينة الخليل في طريق عودته إلى بلده البرازيل في 22 سبتمبرالماضي، وهو اليوم الذي استشهدت فيه الفتاة هديل الهشلمون على أحد حواجز الاحتلال في مدينة الخليل.

وشاءت الصدف أن يتواجد مارسيل على بعد أمتار قليلة جداً من مكان الحادث، ليتمكن من تصوير الحادث بشكل تفصيلي حيث استخدمت الصور التي قام بالتقاطها بشكل واسع في مختلف وسائل الإعلام العالمية، ولأسباب أمنية بحتة بقي اسم صاحب الصور تلك مجهولاً حيث كان مارسيل في الأراضي المحتلة. وبمجرد وصوله إلى البرازيل سارع العديد من المدونين المشهورين إلى تقديم تقارير عديدة تفيد بشهادة مارسيل على الحادثة، وتؤكد أنه هو مصور الجريمة.

وفي الوقت الذي حاولت فيه العديد من وسائل الإعلام العالمية تمرير الرواية الإسرائيلية التي تدعي محاولة هديل مهاجمة أحد الجنود باستخدام سكينة كانت تحملها قبل أن يطلقوا النار عليها، أثبت مارسيل المتواجد في تلك المنطقة ساعة الحادثة، عن طريق صوره براءة هديل من التهم المنسوبة لها. بل عملت هذه الصور على وضع مصداقية رواية جيش الاحتلال على المحك في جميع الحوادث المتشابهة في مختلف مناطق الضفة الغربية التي تكتظ بالحواجز ونقاط التفتيش.

نعرض في هذا التقرير شهادة مارسيل الكاملة على عمل الاحتلال الإرهابي بحق الفتاة هديل الهشلمون:

في 22 من شهر سبتمر وفي تمام الساعة 7:43 صباحاً، لاحظت عبور امرأة فلسطينية عبر الحاجز رقم 56 والذي يغلق مدخل شارع الشهداء في الخليل. مرت المرأة عبر الحاجز إلا أن آلة كشف المعادن أصدرت صوتاً، وكما هي العادة فقد طلب أحد الجنود المتواجدين على نقطة التفتيش من الفتاة الوقوف في نقطة قريبة من الحاجز.

كان من الواضح أن الفتاة لا تتقن اللغة العبرية، ومع ذلك فقد استمر الجنود في الصراخ عليها مستخدمين كلمات عبرية هي لا تفهمها، ثم عمد الجنود إلى الصراخ عليها باللغة الانجليزية مرددين توقف، توقف! "وارجعي إلى الوراء".

وعلى الفور توقفت الفتاة واستدارات باتجاه الجنود، كانت المسافة بين الفتاة والجندي قرابة المترين، بينما كانت ترتدي الفتاة نقابا أسودا يغطي وجهها. بدى الجندي خائفاً بشكل كبير نظراً لأن الفتاة قطعت جزءًا كبيراً من الحاجز قبل أن يأمروها بالتوقف، حيث لوح الجندي ببندقيته تجاه وجه الفتاة طالباً منها فتح حقيبتها.

( الساعة 7:44)

بينما كانت تحاول هديل فتح حقيبتها أمرها أحد الجنود بالتحرك ببطئ نحو الحاجز الحديدي على طريق الخروج من نقطة التفتيش، خلال تلك اللحظة حافظ الجنود على مسافة مترين بينهم وبين الفتاة واستمروا بالإشارة إليها بالبندقية بشكل مباشر وقد ظهر بشكل واضح مدى خوف الجندي من الفتاة في تلك اللحظات.

(الساعة 7:44)

فوراً بعد تحركها بأمر الجندي ذاك، صوب جندي آخر السلاح في وجهها مباشرة من على مسافة مترين وطول الوقت بقيت الفتاة صامتة  وهادئة و لم تقترب من أي جندي ولو لمقدار سنتيمتر واحد.

(الساعة 7:45)

حال وصول هديل إلى الباب الحديدي ( مخرج الحاجز) والذي يرتفع قرابة 1.2 متر عن الأرض، طلب منها جنود الاحتلال فتح حقيبتها مجدداً، وبدا واضحاً للجميع أنها لم تفهم ماذا طلب منها الجنود في تلك اللحظة خاصة أنهم كانوا يصرخون عليها بشكل كبير وباللغة العبرية فقط حتى أنها لم تتحرك أي حركة أو ترد على الجنود في تلك اللحظة. كانت هديل في تلك اللحظات متجمدة تماماً و يبدو أن الرعب تملكها إثر صراخ الجنود عليها وعدم فهمها الواضح للغة العبرية.

بعد موجة الصرخات تلك، قام الجنديان بإطلاق رصاص على الأرض قرب أقدام هديل، وعادوا مجدداً يصرخون عليها بالعبرية، في تلك اللحظات بدأت هديل فتح حقيبتها، ويبدو أنها فهمت ما أراده الجنود منها، وفجأة قبل أن تكمل فتح حقيبتها قام الجندي المتواجد على الجانب الأيسر منها بإطلاق النار تجاه هديل.

لم تكن المسافة الفاصلة بين الجنود وهديل سوى 3 أمتار أو أقل. أطلق الجندي النار على هديل 3 مرات متتالية.ب النسبة لي لم يكن من السهل علي التأكد إن كانت الرصاصات قد أصابت هديل مباشرة أم لا، في تلك اللحظات لم تتحرك هديل من أمام الحاجز الحديدي أبداً، ولم تقم بأي رد فعل على هذه الطلقات التي استهدفتها بل بقيت هادئة ولم تتحرك بينما استمر الجنود بالصراخ عليها بالعبرية.

في تلك الأثناء وصل أحد الفلسطينيين إلى النقطة التفتيش تلك، ويبدو أنه كان بصدد التوجه لمنطقة باب الزاوية وعلى الفور توجه صوب الفتاة ووقف خلفها طالباً من جنود الاحتلال وقف إطلاق النار على الفتاة، وتحدث بشيء من العبرية مع الجنود واقترح عليهم التوقف عن إطلاق النار على الفتاة.

حينها استدارت هديل باتجاه الرجل القادم والذي شرح لها بالعربية ما يريده منها الجنود وأوضحت له أنها لم تفهم طلباتهم لأنها لا تتقن العبرية.

(الساعة 7:45)

بعد ذلك جاء جنديين آخرين إلى مكان الحادث، تحدث الرجل الفلسطيني شيئاً بالعبرية إلى الجنود وحاول مساعدة الفتاة على مغادرة المنطقة ببطئ نحو منطقة الخروج من الحاجز أي على الجانب الآخر من الحاجز الحديدي. خلال هذه الأحداث بقيت المسافة بين الجنود والفتاة قرابة 3 أمتار.

فور تحرك الفتاة نحو مخرج الحاجز بدأ الجنود بإطلاق النار على الفتاة بشكل كثيف – أكثر بثلاث مرات من ذي قبل- حتى مع تواجد الرجل الفلسطيني الذي صرخ عليهم بالعبرية طالباً إيقاف إطلاق النار عليها.

(الساعة 7:45)

ابتعد الرجل الفلسطيني عن الفتاة تحت تأثير الطلقات مسافة مترين. رغم كل إطلاق النار هذا بقيت الفتاة هادئة وواقفة لم تتفاعل أو تصرخ أو حتى تتحدث. لم تقم إلا بالمشي ببطء شديد لطريق الخروج من الحاجز نحو منطقة باب الزاوية على الجانب الآخر من الباب الحديدي.

(الساعة 7:45)

بينما كانت تسير ببطئ نحو مخرج الحاجز الحديدي، أي بعيداً عن الجنود تماماً، صاح الجنود شيئاً باللغة العبرية، الأمر الذي دفع هديل للتوقف مباشرة عن المشي رغم أنها لا تفهم ماذا يريدون منها، حيث أنها ظلت صامتة وجامدة طيلة الوقت. في هذه اللحظة احتوى المشهد على أربعة جنود إسرائيليين بالإضافة إلى الفتاة والحاجز المعدني الفاصل بين الفتاة والجنود ومسافة 1.2 متر بين الفتاة وأقرب جندي لها.

(الساعة 7:46)

ظلت الفتاة جامدة مكانها، كان يوجد وراء ظهرها جدار. لم تتحرك هديل ولم تتكلم أو تصرخ أو حتى تتفاعل مع الحدث، فقط بقيت جامدة مكانها دون حراك. لم تحاول في تلك اللحظة التحرك أو مهاجمة أي من الجنود بل لم تقم بمحاولة الاقتراب منهم حتى. ومن مسافة بين الفتاة والجنود تقدر ب 3 أمتار أطلق الجنود النار عليها خمس أو ست مرات بشكل مستمر.

(الساعة 7:46)

صمدت هديل في وقوفها لبضع ثواني بعد إطلاق النار عليها بهذه الكثافة، لكنها سرعان ما سقطت على الأرض ولم يفصل بينها وبين الجندي سوى 1.5 متر.

(الساعة 7:47)

إطلاق النار الكثيف على هديل جعلها غير قادرة على الحراك أبداً، حيث سقطت على الأرض في طريق الخروج من الحاجز والذي يقود إلى منطقة باب الزاوية في الخليل. ومع ذلك، عاد الجنود الاسرائيليون لإطلاق النار عليها مجدداً وهي ملقاة على الأرض رغم كونها فاقدة للوعي تماماً ولم تكن هناك أي سكينة أو أداة حادة بجانبها كما ادعت قوات الاحتلال.

(الساعة 7:47 – 7:48)

بعد دقيقتين من إطلاق النار على الفتاة وسقوطها على الأرض، حاول الكثير من الفلسطينيين القاطنين قرب الحاجز العسكري ذاك الوصول إلى مكان الحادث، لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى هناك بسبب منع قوات الاحتلال لهم وإغلاقها لشارع الشهداء وحاجز 56 المؤدي إلى مستوطنة تل الرميدة.

وهو ما دفع العديد من الفلسطينيين إلى التجمهر على مسافة 40 متراً بعيداً عن الحاجز كأقصى نقطة استطاعوا الوصول إليها بسبب الإغلاق.

اضطرب الجنود الستة المتواجدين في مكان الحادث وبدأووا بالتحرك حول الفتاة المصابة دون إدراكهم ما يجب فعله حيال ذلك. لم يقم الجنود بأي إجراء وقائي لانقاذ حياة الفتاة، حيث تم إجراء المكالمة الأولى من قبل الجنود بعد 5 دقائق من سقوط الفتاة أرضاً بعد إطلاق النار عليها.

(الساعة 7:52)

مباشرة بعد إجراء المكالمة الهاتفية من قبل الجنود المتواجدين على الحاجز توافد العديد من الجنود إلى المكان بالإضافة إلى عدد من رجال شرطة الاحتلال. تجمع القادمون حول الضحية والتقطوا العديد من الصور معها. لم يسمح لأحد بالاقتراب من مكان الحادث حتى جاء مجموعة من المستوطنين ووصلوا إلى مكان سقوط هديل بعد 8 دقائق على سقوطها على الأرض.

(الساعة 7:59)

جاء أحد أفراد الرعاية الطبية الإسرائيلية إلى مكان الحادث لكنه لم يقدم للفتاة أي اسعاف أولي، نظر إلى الضحية وأجرى اتصالا هاتفيا وأؤكد دون تقديم أي مساعدة طبية لها. في هذه الأثناء كان الجنود والمستوطنون يتحدثون إلى بعضهم البعض ويلتقطون العديد من الصور للفتاة المصابة التي كانت فاقدة للوعي وملقاة على الأرض.

(الساعة 8:01)

في تمام الساعة 8:01 قام الجنود أخيراً بسحب جسد الفتاة تحت الحاجز الحديدي وصولاً إلى مكان تواجد الجنود ساعة إطلاق النار عليها. كانت الفتاة في تلك اللحظات واعية بشكل بسيط، وبمجرد أن قامت بتحريك رأسها بشكل بسيط قام الجنود بتوجيه أسلحتهم نحو وجهها من مسافة قريبة جداً ما تسبب في سقوطها مجدداً فاقدةً للوعي.

(الساعة 8:01)

تبع ذلك تواجد مجموعة من المستوطنين قريبين من جسد الفتاة حيث التقطوا صوراً عديدة لها ولجسدها المصاب بعد أن قاموا بنزع حجابها الأسود حتى يتمكنوا من رؤية وجهها والتقاط الصور معه.

(الساعة 8:03 – 8:05)

بعد 20 دقيقة من حادثة إطلاق النار على الفتاة وسقوطها على الأرض أبعد رجال شرطة الاحتلال المستوطنين عن جسد الفتاة وعملوا على عزل المنطقة المحيطة بالضحية. خلال تلك الفترة لم ألحظ تقديم الموجودين أي رعاية طبية للفتاة المصابة، حتى جاء شرطي وطلب مني مغادرة المنطقة على الفور.

هناك التقطت الصورة الأخيرة وذهبت عبر شارع الشهداء الذي يوصل إلى تل الرميدة وانضممت إلى حشد الفلسطينيين الذي كان يقف وراء المنطقة المغلقة على بعد 40 متراً من مكان الحادث.

(الساعة 8:07) ملاحظة الشاهد:

تواجدت في نقطة التفتيش هذه عدداً كبيراً من المرات، كنت أرى كل حادثة تحدث هناك من مسافة 7-8 أمتار. حاولت التجول حول مكان الحادث في محاولة العثور على مكان آمن وأفضل زاوية لرؤية المشهد والتقاط الصور. غادرت المنطقة في تمام الساعة 8:07 أي بعد عبور المرأة للحاجز ب 24 دقيقة و بعد إطلاق النار عليها ب 20 دقيقة.

علمت لاحقاً أن الضحية تدعى هديل الهشلمون وتبلغ من العمر 18 عاماً وأن الرجل الفلسطيني الذي حاول تقديم المساعدة لها يدعى فواز أبوعيشة.

أؤكد للجميع أن الضحية لم تحاول أبداً الاعتداء على أي جندي اسرائيلي تواجد هناك. ولم تحاول مطلقاً رفع سكينة بل لم تقترب لمسافة قريبة من الجنود لأنها لم تتمكن من عبور الحاجز 56 إلا بعد أن قام الجنود باطلاق النار عليها وهم من قاموا بسحبها نحو الحاجز بعد أن سقطت على الأرض فاقدة للوعي ومغشياً عليها.