تقرير حقوقي: الحكومة غير جادة في مكافحة الفساد
كشف التقرير الأولى حول الفساد في مصر، الذي أصدرته مؤسسة عالم واحد للتنمية، عن غياب استيراتيجة واضحة لمكافحة الفساد، وتجاهل الحكومة اصدار تشريعاات في هذا الصد، كما تتجاهل متابعة قضية استرداد الأموال المهربة للخارج.
وقال ماجد سرور مدير عالم واحد للتنمية ان تقرير مؤشر مكافحة الفساد في مصر، هو الاول من نوعه والذي يصدر عن عالم واحد للتنمية في إطار برنامج الشفافية والنزاهة، وذلك بهدف قياس التقدم المحرز في مكافحة الفساد في مصر، وقياس درجة التزام الدولة والمؤسسات الحكومية بالتشريعات ذات الصلة. واضاف سرور بأن التقرير يغطي التقرير الفترة من يوليو وحتى ديسمبر 2015.
واضاف ماجد سرور مدير عالم واحد ان التقرير يتناول عددًا من المحاور التي تعد بمثابة مؤشرات أساسية لمعرفة مدى جدية وفاعلية المؤسسات الحكومية في مكافحة الفساد ونشر مبادىء الشفافية والنزاهة وما يرتبط بذلك من آليات على المستويين التشريعي، والإجرائي والتنفيذي، ويعد الشق الإجرائي هو المقياس الرئيسي لجهود الدولة في مكافحة الفساد، ومن هذه المحاور، القوانين والتشريعات، حرية تداول المعلومات، حماية الشهود والمبلغين، غسير الأموال، استعادة الأصول، دور الأجهزة الرقابية وهيئات مكافحة الفساد.
تناول التقرير في مقدمته عددًا من الأحداث الهامة ذات الصلة وعلى رأسها إلقاء القبض على وزير الزراعة السابق صلاح هلال بعد أن تقدم باستقالته، في إطار إجراء تحقيقات معه في قضية فساد، بالإضافة إلى إعفاء المهندس إبراهيم محلب من رئاسة مجلس الوزراء، وتعيين المهندس شريف إسماعيل وزير البترول الأسبق خلفًا له بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 379 لسنة 2015 وما صاحب ذلك من تغيير وزاري تم بموجبه إجراء تعديل وزاري كان على رأسها وزارات الزراعة والتنمية المحلية والنقل والتعليم والاتصالات والإنتاج الحربي، كما شهدت الفترة محل التقرير تغيير 11 محافظًا و5 نواب وزارات.
واستعرض التقرير عددًا من المحاور وعلى رأسها البنية التشريعية لمكافحة الفساد في مصر، ومنها إصدار القرار بقانون إصدار رئيس الجمهورية قرار بقانون يمنحه الحق في عزل رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية المستقلة، وهو القرار بقانون رقم89 لسنة 2015، والذي أجاز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا بين السياسيين والمعنيين بمكافحة الفساد، والذين اعتبروا القانون غير دستوري بالمخالفة لنص المادة مادة 216 من الدستور، كما أثار القانون جدلا واسعًا فيما يتعلق بإعفاء رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وبخاصة أن قانون الجهاز رقم 144 لسنة 1988 وفي المادة رقم 20 حظرت إعفاء رئيس الجهاز من منصبه.
وفيما يتعلق بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، أشار التقرير إلى أن الفترة محل الرصد لم تشهد إصدار أية بيانات أو تقارير رسمية متعلقة بتحقيق أي من الأهداف قصيرة المدى لعام 2015 والواردة بالخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الصادرة عن مجلس الوزراء في ديسمبر 2014، حيث وضعت الاستراتيجية تفعيل مدونات السلوك كواحدة من سياسات تنفيذ الرقابة الشعبية والمسائلة المجتمعية، الامر الذي لم يتم تنفيذه بالفعل في الأجهزة والإدارات الحكومية العامة، كما حددت الاستراتيجية آلية أخرى لتنفيذ هذا الهدف وهو تفعيل قانون منع تضارب المصالح وميكنة إقرارات الذمة المالية وهو الأمر الذي لم يتم حتى الآن.
ورأى التقرير أنه لم يتم إصدار أو نشر التقارير واتاحتها للرأي العام حتى يتمكن من متابعة آليات الخطة التنفيذية للاستراتيجية، كما لم يتم عقد أي حوار مجتمعي متعلق بالقوانين والتشريعات اللازمة لمكافحة الفساد.
كما أشار التقرير إلى بعض جهود عدد من الأجهزة الرسمية والمحافظات والاجهزة الرقابية في نشر وتعميم الاستراتيجية، ومنها هيئة الرقابة الإدارية وبعض مجالس المحافظات ومنها محافظات قنا والبحر الأحمر على سبيل المثال.
وفيما يتعلق بضمان حرية تداول المعلومات فقد رأى التقرير أن الفترة لم تشهد أية خطوات إيجابية فيما يتعلق بضمانات وصول الأفراد والمواطنين للمعلومات، تنفيذًا واتساقًا للمادة الدستورية رقم 68، مشيرا إلى ما أثارته بعض التحقيقات الصحفية من جدل بين الصحفيين حول نية مجلس الوزراء لاعتماد قانون تداول المعلومات الذي تعده لجنة الأمن القومي، والذي تنص مواده على توقيع عقوبة الحبس ضد كل من يروج الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أن القانون لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي.
وحول قانون حماية الشهود والمبلغين رأى التقرير أنه على الرغم من وجود قانون لحماية الشهود والمبلغين كأحد الأدوات التشريعية الواردة بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، بالإضافة إلى مطالبات متواترة لعدد من منظمات المجتمع المدني المعنية، إلا أن الفترة محل التقرير لم تشهد تحقيق أية خطوات تُذكر في ملف حماية الشهود والمبلغين والخبراء.
كما أشار التقرير إلى ما أثارته قضية اتهام إحدى الناشطات النسويات و18 آخرين في حادث مقتل شيماء الصباغ، وتحويلها من شاهد عيان إلى متهم، والتي صدر في حقهم حكم نهائي بتأييد البراءة من محكمة استئناف قصر النيل، الأمر الذي أثار جدلا حول حماية الشهود والمبلغين فى القانون المصرى، وكيفية تفعيل مادتى الدستور الجديد 85 ،96 اللتين ألزمتا الدولة بحماية المبلغين.
وحول مؤشر غسيل الاموال فقد شهدت الفترة محل التقرير موافقة مجلس الوزراء علي التعديلات المقترحة علي قانون سوق المال، والتي كان أبرزها إلغاء الأسهم لحامله استجابة للتوجهات العالمية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وعلى الرغم من انتهاء من تعديلات قانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992، وموافقة مجلس الوزراء عليها إلا أنه القانون لم يصدر بعد، وربما يأتي ضمن حزمة التشريعات التي تنتظر مجلس النواب لمناقشتها والموافقة عليها.
أما عن استعادة الأموال المنهوبة للخارج فرأى التقرير أنه على قدر ما شهدت الفترة محل الرصد الكثير من التصريحات الرسمية من قبل وزارة العدل بالقيام بمجهودات عديدة من أجل استعادة الأموال المهربة للخارج، على قدر ما خلت من أية إنجازات تُذكر، ذلك على الرغم من تشكيل اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودة فى الخارج وفقا لقرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء. أن حجم الاموال المهربة للخارج، والأصول المنهوبة لم يتم الإفصاح عنه من قبل الجهات الرسمية المعنية، ويبقى جحم الأموال المهربة متروكًا لتقدير وتكهنات الجهات غير الرسمية، وأشار التقرير إلى أن الفترة محل الرصد لم تشهد إصدار أية أحكام نهائية بحق الرئيس السابق مبارك والمتهم في قضايا فساد.
أما عن دور الجهات الرقابية فأشار التقرير إلى أن الفترة محل الرصد لم تشهد إجراء أية تعديلات تشريعية فيما يتصل بمنع تداخل الاختصاصات في عمل الأجهزة الرقابية وكانت قد شهدت عددا من التصريحات الاقتصادية الحكومية التي تتعلق بأعمال وقرارات المجموعة الوزارية الاقتصادية، كان من أهمها تجاوز الفساد 600 مليار جنية بحسب الجهاز المركزي للمحاسبات، الأمر الذي دفع رئاسة الجمهورية إلى تشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية لتقصى الحقائق ودراسة ما جاء في هذه التصريحات وأثار قرار رئيس الجمهورية جدلا واسعًا بشأن تشكيل لجنة تقصي الحقائق في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات باعتبار ان اللجنة تم تشكيلها من جهات تابعة للسلطة التنفيذية والتي تقع تحت نطاق اختصاص الجهاز للقيام بإجراء الرقابة المالية عليها.
وحول إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد فقد أشار التقرير أن الفترة محل الرصد لم تشهد أية تصريحات رسمية بشأن إنشاء هيئة مستقلة معنية بمكافحة الفساد في مصر، الامر الذي يجعل من اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، هي الكيان الرسمي المعني بتفعيل الإنفاذ الفعلى لأحكام إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة وأشار التقرير إلى أن اللجنة أنشئت وفقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2890 لسنة 2010، أي منذ عهد الرئيس الأسبق مبارك والمتهم في جرائم فساد.
وأكد التقرير على أن وجود هيئة مستقلة معنية بمكافحة الفساد غير تابعة للأجهزة التنفيذية للدولة يعد اتجاهًا هامًا من أجل مراقبة التزامات مصر بتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وكذلك متابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، ما تسفر عنه تقارير الجهات الرقابية وما يتخذ حيالها من إجراءات تنفيذية.