رئيس التحرير
خالد مهران

"بي بي سي": دوران السفن حول إفريقيا أقل تكلفة من المرور بـ "قناة السويس"

قناة السويس
قناة السويس

قالت بي بي سي عربي، تحت عنوان :"تراجع أسعار النفط يعيد السفن إلى مسارات أوائل القرن 19"، إن تهاوي أسعار النفط في السوق العالمية كان له الكثير من المآلات، من بينها أنه بات دوران السفن حول أفريقيا أقل تكلفة من مرورها عبر قناة السويس.

وأضافت كان مشروع قناة السويس أحد أهم المشروعات الهندسية في القرن التاسع عشر، لقد كانت مهمة جسيمة، إذ استغرق إنشاؤها نحو 20 سنة، وقُدر عدد العمال الذين شاركوا فيها بنحو 1.5 مليون عامل، ومات منهم الآلاف في خضم عملية الإنشاء.

ولكن عندما افتُتحت قناة السويس في النهاية سنة 1869، بات بوسع السفن الإبحار من البحر الأحمر، أي بين أفريقيا وآسيا، إلى البحر المتوسط، مختصرةً أسابيع من زمن رحلتها. لقد أحدثت القناة ثورة في عالم التجارة.

ومنذ ذلك الحين، بات المرور عبر قناة السويس أمرًا لا غنى عنه تقريبًا للتجارة العالمية. إذ تدفع مؤسسات الشحن مليارات عديدة من الدولارات سنويًا لهيئة قناة السويس، وهي شركة تمتلكها الحكومة المصرية، لتنال امتياز عبور القناة.

ولنأخذ مثالًا على ذلك، ففي الرحلة الحديثة من سنغافورة إلى روتردام في هولندا، تختصر قناة السويس نحو 3 آلاف و500 ميل بحري، ما يعادل 6 آلاف و480 كليو مترًا، لتوفر على مالكي السفن الكثير من الوقت والمال.

لكن عدد السفن التي قررت عدم المرور عبر قناة السويس تزايد مؤخرا، والتي تؤثر في المقابل الدوران حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي من أفريقيا. فقد عمدت 100 سفينة إلى الدوران حول أفريقيا بين أواخر أكتوبر 2015 ونهاية ذلك العام.

تقول ميشيل ويس بوكمان، من مؤسسة أوبيس تانكر تراكر، للتحليل في مجال النفط : "أتابع كل ما يخص سفن الشحن في السنوات الثمانية الأخيرة، ومن النادر للغاية أن تجد هذا الحجم من السفن يتخذ طريق رأس الرجاء الصالح" ولكنها الأن تراقب عن كثب ست سفن محملة بالديزل ووقود الطائرات تتخذ هذا المسار.

وتقول بوكمان مفسرةً، إن من أهم العوامل التي أدت إلى ذلك هو انخفاض أسعار النفط، وهذا يعني أن "وقود السفن"، وهو الوقود الثقيل والسميك الذي تدار به السفن نفسها، بات زهيد الثمن في الوقت الحالي.
 
فقد هبطت أسعار سنغافورة لهذا الوقود بالفعل من نحو 400 دولار، ما يعادل 286 جنيهًا استرلينيًا للطن المتري في مايو 2015 إلى نحو 150 دولارًا، ما يعادل 107 جنيهًا استرلينيًا اليوم.

ومن ثم، باتت الرحلات البحرية أقل تكلفةً مما كانت عليه في السنوات الأخيرة. ولكن هل من المعقول أن تستغرق رحلتك وقتًا أطول مما ينبغي؟.

تُقدر شركة ميرسك لصناعة السفن أن السفينة التي تسير بسرعة 13.5 عقدة تستغرق 11 يومًا إضافيًا عندما تتخذ طريق رأس الرجاء الصالح. ولكن لماذا تتحمل هذا العناء والمشقة؟.

تقول شركة ميرسك إن السبب الرئيسي هو تجنب دفع الرسوم المكلفة لعبور قناة السويس، التي قد تصل إلى 350 ألف دولار، أي ما يعادل 249 ألف جنيه استرليني للسفينة الواحدة. هذا بالإضافة إلى بعض التكاليف الجانبية الأخرى.

فكانت روز جورج، مؤلفة كتاب "في أعماق البحار والنقل إلى خارج البلاد" على متن سفينة أثناء عبور قناة السويس منذ بضع سنوات، وذكرت أن السفن تُلزم باستخدام المرشدين الملّاحين بقناة السويس أثناء اجتياز القناة.

وقالت جورج: "كان من الواضح أن هؤلاء (ملّاحي قناة السويس الذين يصعدون السفينة) لا يفعلون أي شيء يُذكر سوى الاستماع إلى مذياع صغير وكانوا يحاولون بيع هدايا تذكارية، مضيفةً أنه كان لزامًا على السفن في الغالب أن تدفع "ضريبة" سجائر.

"فكل رحلة عبر قناة السويس تُكلف السفينة نحو 400 دولار مقابل السجائر فقط، ناهيك عن الكثير من الحلوى والشيكولاتة من خزانة السلع التي لم تستوف عنها الرسوم الجمركية بالسفينة".
وبغضّ النظر عن كل هذه المضايقات، لا يمكن إغفال ما تنطوي عليه اقتصاديات أسواق النفط والشحن من صعوبات.

تقول بوكمان إن هذا يرجع إلى أن التُجار حاليًا يتلاعبون بما يسمى "تأجيل التسليم" ، إذ تزايدت كميات النفط والمنتجات النفطية المكررّة التي يُخزنها التجار سواء في البحر أو في المخازن ترقبًا لارتفاع الأسعار مرة أخرى.

وفي الوقت الحالي، توجد وفرة في إمدادات النفط الخام حول العالم. وعلى الرغم من أن لدينا من النفط الخام أكثر مما نحتاج، فإن الطلب على الجازولين، وهو منتج نفطي مكررّ، لا يزال مرتفعًا. وقد أدى هذا الوضع إلى تقلّب السوق، الذي يجني منه التجار المال.

وأضافت بوكمان: "من بين استراتيجيات التداول والمتاجرة أن التجار يتذرعون بأنهم لم يبيعوا الشحنة ويحتاجون إلى المزيد من الوقت".

وأضافت أن في بعض الأحيان قد ترسو السفن بعيدًا عن الشاطئ، وتعرف هذه الحالة باسم "التخزين العائم"، في انتظار رجحان كفة البضاعة التي يحملونها على متن السفينة في السوق.

وتقول بوكمان: "في ديسمبر الماضي بلغت مدة التخزين العائم أقصاها، إذ امتدت طيلة خمس سنوات، وفي الواقع لم تقل مدة التخزين العائم منذ ذلك الحين بفارق كبير".

أما عن مُلاك السفن، فإن الكرة باتت في ملعبهم الأن، فلهم أن يختاروا أن يبقوا في البحر لمدة أطول في حالات معينة ويتخذوا مسارات أطول، وربما يشتروا شحنة من بين الشحنات غير المباعة في مختلف الموانئ من آسيا وأفريقيا إلى أوروبا، بحثًا عن المشتري المناسب في الوقت المناسب.


فيجب أن يتناسب حجم السفن مع الميناء، وأن تلبي المنتجات على متنها المعايير المعمول بها في السوق المحلية، ولكن طالما سيشتري هذه الشحنة في نهاية الأمر مشترٍ مناسب، وبالسعر المفضل، فإن التجار رابحون، وإذا لم تُبع، فقد يخسرون أموالهم.


أما الآن، فبعض السفن قررت أن تقطع آلاف الأميال الإضافية بالدوران حول رأس الرجاء الصالح، على أمل أن يجنوا أرباحا في نهاية الرحلة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو غريبًا، إلا أنه في عالم النفط، قد يكون من الأفضل لك أن تسلك الطريق الأطول في بعض الأحيان.