أسرع هزيمة في التاريخ الإسلامى
وقعت تلك المعركة في العراق ما بين قوات المسلمين
بقيادة "خالد بن الوليد" والقوات الساسانية ومعها جموع من قبائل العرب النصارى، وتقع "عين التمر" غربي الأنبار وهي منطقة أسسها الفرس؛ لحماية حدودهم، فبعد سقوط "الحيرة" على يد خالد بن الوليد عام 633 ميلادي توجه إلى الحامية الفارسية الكبيرة التي كانت
في "عين التمر" الواقعة على الطريق إلى "دومة الجندل"، وكان يقطنها العرب النصارى الموالون للفرس. وكانت الحامية مؤلفة من قسمين الأول فارسي تحت قيادة القائد الفارسي "مهران بن
بهرام" والثاني عربي من قبائل "النمر" و"تغلب وإياد" بقيادة "عقة بن أبي عقة"، تميزت هذه المعركة
الغريبة بسرعة انتهائها، حيث لاذ العرب النصاري بالفرار قبل أن تبدأ المعركة فعليًا.
أسرع هزيمة في التاريخ:
خرج "عقة" المغرور ومن معه من العرب
المتنصرة من المدينة للصدام مع المسلمين، وأوغل في الصحراء غرورًا منه؛ لمبادرة المسلمين
بالهجوم، ووصل إلى منطقة "الكرخ" وعبأ قواته النصرانية، ووصل المسلمون إلى
أرض المعركة وعبأ "خالد" الجيش بسرعة، واستعد للقتال، ولم يكن "خالد"
قد رأى "عقة" من قبل، ونظر إليه نظرة الفاحص الخبير بنفوس المحاربين، فعلم
أن هذا الرجل شديد الغرور.
فقرر القيام بحيلة بارعة شجاعة، جريئة في نفس
الوقت، وهي خطف القائد "عقة" نفسه في عملية فدائية أشبه ما تكون بعمليات الصاعقة،
فانتخب مجموعة خاصة من أبطال المسلمين، وأطلعهم على الفكرة الجريئة، فوافق عليها الجميع،
فالكل أبطال، والجميع "خالد"، وبالفعل انقض "خالد" ومجموعته الفدائية
على صفوف العدو -وهم يقدرون بعشرات الآلاف- كما ينقض الأسد على فريسته، وكان "عقة"
مشغولًا بتسوية الصفوف، واندهش العدو من هذه المجموعة الصغيرة التي تهجم على عشرات الآلاف،
ولم يفيقوا من هول الصدمة وإلا و"خالد" قد أسر "عقة" وحمله بين يديه
كالطفل الصغير وعاد به إلى صفوف المسلمين، وعندها تجمدت الدماء في عروق العرب المتنصرة،
وركبهم الفزع الشديد، ففروا من أرض المعركة دون أن يسلوا سيفًا واحدًا في أسرع هزيمة
في التاريخ.
واصل المسلمون سيرهم بعد هذه الضربة الخاطفة حتى
وصلوا إلى أسوار المدينة، وكان "مهران" وحاميته الفارسية قد عرفوا بما حل
للمغرور "عقة" ومن معه، ففروا هاربين تاركين أعوانهم النصارى لمصيرهم المحتوم، عندها أسقط في يد النصارى في المدينة فأرسلوا لطلب الصلح مع خالد، ولكن "خالدًا" علم
أن هؤلاء الذين يطلبون الصلح هم المحاربون الذين انهزموا في أرض المعركة وهم بالتالي
لا يستحقون الأمان والصلح، وإنما أجبرهم على ذلك قرب أجلهم، ودنوا هزيمتهم.
فرفض "خالد" الصلح معهم، إذ لا أمان مع هؤلاء الخونة الكفرة، الذين باعوا أنفسهم للمشركين الأصليين عباد النار، وقاتلي بني جلدتهم وأهل كتاب مثلهم، لا لشيء إلا بدافع الحقد والحسد، أصر "خالد" على عدم الصلح حتى ينزلوا على حكمه، وهذا معناه في عرف الحروب أن يكون "خالد" مخيرًا في فعل أي شيء معهم: يقتلهم، يسبيهم، يعفو عنهم، المهم أنهم تحت حكمه وأمره، فلما يئس المتنصرة من نجدة الفرس لهم نزلوا على حكم "خالد بن الوليد"، فألقى القبض على جميع من يقدر على حمل السلاح ثم حكم في الحال بإعدام المحاربين، وبدأ بزعيمهم الأحمق "عقة" وسبى الذرية والأموال.
ليس في ذلك قسوة ولا غدر كما يظن البعض ممن يتعاطفون مع المنهزم وينسون إجرامه، فما حدث لهم جزاء وفاقًا لهؤلاء المحاربين الذين خرجوا وفي نيتهم استئصال المسلمين بدافع من الحقد الصليبي المحض، كما أن هذا الحكم هو حكم الله كما حدث يوم أن حكم الصحابي "سعد بن معاذ" بنفس الحكم على إخوانهم في الحقد والشقاء يهود "بني قريظة"، فقال الرسول : "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات".
وقد وجد المسلمون بمدينة "عين التمر" كنيسة يتعلم فيها أربعون صبيًّا الإنجيل، فلم يتعرض لهم "خالد" بالقتل، بل اعتبرهم من جملة السبي، وذلك من عدل الإسلام، فلم يأخذ هؤلاء بجريرة بني جلدتهم المقاتلين، وكان من بينهم شاب اسمه "نصير" هو أبو الفاتح الكبير "موسى بن نصير" فاتح الأندلس، وأيضًا "سيرين" أبو عالم زمانه، ومفتى الأمة في عصره "محمد بن سيرين".
وبتلك المعركة استطاع المسلمون إخلاء المنطقة الواقعة بين "الحيرة" و"دومة الجندل" من أي قوات معادية للمسلمين، وهي مساحة تقدر بـ500 كيلومتر مربع.