210 ملايين دولار خسائر قناة السويس.. و150 ناقلة بضائع تستخدم «رأس الرجاء الصالح»
منذ تم الإعلان عن حفر قناة السويس الجديدة، عملت الأجهزة الإعلامية للدولة على تصوير هذا المشروع وكأنه «مشروع القرن»؛ مشيرة إلى أن هذا الكيان سيضاعف إيرادات القناة للضعف، ولكن ما حدث بعد ذلك هو أن الإيرادات تناقصت بعكس ما كانت تروج «الأذرع الإعلامية» للنظام السياسى الحالى.
وقديمًا كان المرور عبر قناة السويس أمرًا لا غنى عنه للتجارة العالمية، وهو ما كان عاملًا مهمًا من عوامل دخول مليارات الدولارات لمصر، لكن هناك العديد من الأزمات التى طرأت مجددًا والتى كانت سببًا فى تراجع عدد السفن التى تمر بالقناة، فى الوقت نفسه، فضلت تلك السفن الدوران حول رأس الرجاء الصالح فى الطرف الجنوبى من إفريقيا، وكان انخفاض أسعار النفط، من أهم العوامل التى أدت إلى هذه النتائج، فضلا عن تجنب دفع الرسوم المكلفة لعبور قناة السويس، والتى قد تصل إلى 350 ألف دولار للسفينة الواحدة.
وأعلن البنك المركزى رسميًا تراجع إيرادات قناة السويس للعام المالى الثانى على التوالى، وهو ما أثار الجدل حول التصريحات التى أطلقها المسئولون وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسى نفسه، والتى كانت تفيد وجود زيادة فى إيرادات قناة السويس، أما الكارثة الكبرى التى ستكون سببا فى مزيد من الخسائر فى عوائد قناة السوس الجديدة، فهى بحث حكومة «بكين» إمكانية استخدام شركات الملاحة للممر الشمالى الغربى، المار عبر القطب الشمالى بدلا من قناة السويس.
وبحسب التقارير التى نشرها «البنك المركزى» على موقعه الإلكترونى، فإنه وبرغم إنفاق ثمانية مليارات دولار على التفريعة الجديدة للقناة، إلا أن الإيرادات استمرت فى التراجع.
وعند مقارنة إيرادات العام الماضى خلال الفترة ذاتها، نجد أنها تجاوزت 2,857 مليار دولار، وفى المقابل حققت إيرادات هذا العام فقط 2,646 مليار دولار. وبحسبة الفرق، نجد أن الإيرادات تراجعت بما يقارب 210 ملايين دولار.
وكشف تقرير البنك المركزى أن إجمالى المتحصلات من قطاع النقل انخفض إلى ما يقرب من خمسة مليارات دولار للفترة ذاتها، وأكد أن العجز الكلى بميزان المدفوعات وصل إلى 3,4 مليار دولار.
فى 16 من أغسطس من العام الماضى، خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، ادعى عبدالفتاح السيسى أن التفريعة الجديدة للقناة استردت تكاليف الحفر التى قال إنها بلغت 20 مليار جنيه.
وقال السيسى، خلال الندوة، إن تكلفة "القناة الجديدة" بلغت 20 مليار جنيه، وزعم أن إيرادات "القناة الجديدة" تمكنت من استرجاع تكلفة القناة بمرور 60 إلى 63 سفينة عبر القناة.
وتناقضت تصريحات «السيسى» مع أرقام مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس الذى قدر خلال برنامج "على مسئوليتى"، الذى تبثه فضائية "صدى البلد"، تكلفة التفريعة الجديدة بـ3,2 مليارات دولار، ما يعادل 24,9 مليار جنيه، بفارق يقترب من 5 مليارات جنيه عما أعلن عنه السيسى، كما أكد أن متوسط مرور السفن فى القناة يوميا ما بين 45 إلى 48 سفينة وهو أيضا ما يناقض تصريحات السيسى. وفى 10 إبريل الجارى وصف مميش الأنباء التى تقول ان إيرادات قناة السويس تراجعت بـ«الشائعات».
وأضاف تقرير «سى إنتل» فى فبراير الماضى، أنه منذ أكتوبر الماضى سلكت 115 ناقلة بضائع طريق رأس الرجاء الصالح فى طريق العودة بعد أن نقلت حمولاتها من دول شرق وجنوب شرق آسيا إلى موانئ دول شمال أوروبا وإلى السواحل الشرقية للولايات المتحدة بحسب ما ذكر موقع سى إن بى سى الاقتصادى الأمريكى.
واعتبر التقرير أن هذه الأنباء تحمل أخبارا سيئة لقناتى بنما والسويس ولفت التقرير إلى أنه خلال العام الماضى، أنفقت مصر 8,5 مليار دولار لتوسعة مجرى قناة السويس، ما يؤدى لعمل قناة السويس باتجاهين، وخفض مدة الانتظار التى يتسبب بها اكتظاظ الممر الملاحى للقناة.
وأشار التقرير إلى أنه فى حال أرادت هيئات القناتين الإبقاء على خيار المرور خلالها اقتصاديًا، فإنه يتعين على قناة بنما أن تخفض رسوم المرور بها بنسبة 30%، بينما يتعين على قناة السويس أن تخفض قيمة الرسوم بنحو 50%.
ولفت التقرير إلى أن القرار بسلوك طريق رأس الرجاء الصالح سيكون له أثر بيئى سلبى، حيث إن زيادة استهلاك الوقود تعنى إضافة نحو 6800 طن فى المتوسط من انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون. وأوضح التقرير أن تهاوى أسعار النفط يعنى أن السفن بإمكانها أن تسلك طريقا أطول بسرعة أعلى، مستغرقة نفس الوقت الذى تستغرقه لخوض الرحلة وصولًا للقناة والمرور بها.
ووفقا للتقرير فإن الدوران حول سواحل جنوب أفريقيا من شأنه أن يوفر مبلغا قدره 235 ألف دولار للرحلة الواحدة، وهو ما من شأنه دعم نقص السيولة الذى يواجه بعض هذه الرحلات، لافتا إلى أن رحلات العودة قد توفر مزيدا من النفقات فى حال خفض معدلات سرعة الناقلات فى أعالى البحار.
من جانبة أعلن الدكتور محمد عبد التواب، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية انخفاض إيرادات قناة السويس بقيمة 34,4 مليون دولار خلال نوفمبر الماضى، رغم زيادة عدد السفن المارة بالقناة بنسبة 2% فى 2015، ليبلغ 17,483 سفينة.
وقال الخبير الاقتصادى، إن انخفاض إيرادات قناة السويس يرجع إلى انخفاض أسعار النفط وقلة حركة ناقلات البترول؛ مما جعل المعروض أكثر من الطلب، بالإضافة إلى أن حركة التجارة العالمية قلت بنسبة 25%، ما أثر بشكل ملحوظ على إيرادات القناة.
وأوضح أن حركة التجارة العالمية بدأت تأخذ مسارات جديدة للتجارة, فأصبحت لا تعتمد على المسارات التقليدية للتجارة مثل التجارة من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، بل زاد الاهتمام بالتجارة البينية مثلما يحدث بين دول أوروبا.
وأشار إلى وجود عوامل أخرى لانخفاض عائد قناة السويس من أبرزها انخفاض أسعار النفط الذى أدى لاتجاه الناقلات البحرية إلى اتخاذ الطريق الطويل من خلال الالتفاف حول إفريقيا لتجنب الرسوم الجمركية الضخمة التى تدفعها خلال مرورها بقناة السويس. فقد خسرت مصر خلال شهر فقط عدم مرور أكثر من 150 ناقلة بضائع بعد ان سلكت طريق رأس الرجاء الصالح.
وأبدى الخبير الأقتصادى تخوفه من تزايد خسائر قناة السويس بعد إعلان شركات الملاحة فى الصين استخدام الممر الشمالى الغربى المار عبر القطب الشمالى، الذى فتح بفضل التغير المناخى، لتقليل الزمن الذى تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسى والهادئ بهدف توفير الوقت والمال، متفادية بذلك عبور قناة السويس ما سيكون له تداعيات سلبية على مصر التى تعانى أزمة شح الدولار.
وبفضل هذا الممر ستتمكن شركات النقل البحرى الصينية من توفير الوقت والمال، فعلى سبيل المثال تكون الرحلة البحرية من شنغهاى إلى ميناء هامبورغ الألمانى عبر الممر الشمالى الغربى أقصر بـ 2800 ميل بحرى عن الطريق المار عبر قناة السويس.
وكشف أن الخطورة أنه عندما تعتاد السفن على استخدام هذا الطريق، سيغير ذلك وجه الملاحة التجارية العالمية مما سيكون له أثر كبير على التجارة العالمية والاقتصاد العالمى وتدفق رؤوس الأموال واستغلال الموارد الطبيعية، خاصة أن هناك عددًا كبيرًا من شركات الملاحة تدرس هذا الطريق؛ لبحث استخدامه خلال الفترة المقبلة.
وقال الدكتور محمد رفعت، خبير الملاحة والنقل البحرى بالأكاديمية البحرية، إن مصر مطالبة باتخاذ بعض القرارات الهامة لجذب السفن للمرور بالقناة، منوها إلى أنه من أهم هذه الإجراءات خفض تكلفة عبور الشاحنات للقناة إلى ما يقرب من 30%، متوقعا إقدام الحكومة على تلك الخطوة قبل الإعلان عن الرسوم الجديدة.
وكشف خبير الملاحة، أن جميع التجارب السابقة أثبتت فشل طريق الممر الشمالى الغربى التى سوف تلجأ إليه الصين؛ نظرا لتعدد مخاطر الطريق من حيث وجود مخاطر مناخية، وكثرة وجود الثلوج ويكفى أن نشير إلى أنه يمر بهذا الطريق سنويا 50 سفينة فقط.