رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

المعهد العربي للتخطيط يصدر تقريرًا حول خطط التنمية في الوطن العربي

المعهد العربي للتخطيط
المعهد العربي للتخطيط

 أصدر المعهد العربي للتخطيط اليوم، العدد الثاني من تقرير التنمية العربية تحت عنوان "الإدارة الاقتصادية والاجتماعية للنمو الشامل التشغيلي"، والذي يتضمن ستة فصول تركز على النمو الشامل التشغيلي كأساس للارتقاء بالتنمية في الدول العربية.


ينقسم التقرير إلى قسمين؛ الأول يناقش الوضع الاقتصادي والاجتماعي العربي الراهن من حيث خصائص النمو والاختلالات الاقتصادية المترتبة عليه واختلالات الإدارة الاجتماعية، والثاني يناقش النمو الشامل التشغيلي كهدف للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومتطلبات السياسة الاقتصادية والاجتماعية والمتطلبات المؤسسية اللازمة لتحقيقه.


وعرض التقرير أهم خصائص النمو الاقتصادي طويل الأجل التي تشير إلى استمرار انخفاض متوسط معدل نمو دخل الفرد في الدول العربية، إذ سجل خلال الفترة من 1950-2010 حوالي 4ر1%، مؤكدا أن الدول العربية لم تتمكن من تجاوز أزمة انخفاض النمو كليا؛ ما يعكس صعوبة في رفع نسق النمو الشامل التشغيلي دون تغيير أسس نموذج النمو جذريا.


وأوضح التقرير أن معدلات النمو الاقتصادي العربي شهدت تأرجحا بين المعدلات الموجبة والسالبة؛ ما صعب استدامة النمو لفترات طويلة، حيث بلغ متوسط عدد موجات الانكماش حوالي تسع موجات لكل دولة عربية متوسط مدتها 24ر2 سنة، فيما بلغت أقصى فترة انكماش ست سنوات تراجع فيها الدخل بمقدار 3ر5%.


وأشار إلى أن معدل النمو السكاني في الدول العربية شهد ارتفاعا سنويا بلغ حوالي 5ر3% ووصل إلى نحو 5ر5% في دول الخليج العربي؛ الأمر الذي يتطلب مضاعفة معدلات النمو في الدول العربية لتتمكن من تحقيق تقدم في التنمية.


وذكر التقرير أن فجوة الدخل بين الدول العربية سجلت تراجعا ملحوظا؛ بسبب تباطؤ النمو في الدول النفطية وارتفاعه في الدول ذات الاقتصادات المتنوعة، مضيفا أن هذا التقارب في الدخل يشكل منحى جيدا لتعزيز التنمية العربية وتقوية التكامل العربي الاقتصادي.


وبيَّن أن مصادر النمو الاقتصادي - من ناحية الطلب - تدل على ضعف تراكم رأس المال الناجم أساسا عن تدني معدلات الادخار المحلي وطغيان الاستهلاك وارتفاع معدلات خدمة الدين العام وضعف القدرة على تعبئة الضرائب واتساع نطاق القطاعات غير الرسمية.


وقال التقرير إن قطاع الزراعة والثروة السمكية والغابات يشكل أحد أهم القطاعات الداعمة للنمو الشامل، إلا أنه يشكل تحديا أساسيا للنمو التشغيلي نتيجة تراجع إنتاجيته وعدم قدرته على مواكبة الطلب؛ الأمر الذي أضعف مستويات الأمن الغذائي العربي ورفع فاتورة استيراد الغذاء.


وأرجع التقرير، مشاكل الإنتاجية الزراعية إلى عدة عوامل موضوعية، مثل شح المياه، وقلة الأراضي الزراعية، إضافة إلى العوامل الأخرى المرتبطة بإدخال التقنية في الزراعة، والبنية التحتية، وضعف حلقات السلاسل اللوجستية، وعدم توفر القروض الزراعية، وضعف الحماية من المنافسة الأجنبية، وقلة الدعم.


وحول قطاع الصناعة، لفت التقرير إلى أن الدول العربية تعاني من تواضع مستوى الصناعات التحويلية وبطء التحول الهيكلي الصناعي؛ ما يحد من النمو الشامل التشغيلي، إضافة إلى ضعف التوجه نحو الأسواق الدولية، وقلة المحتوى الصناعي التحويلي في الصادرات السلعية العربية، والاعتماد على الموارد الطبيعية لاسيما في الدول النفطية والدول ذات الدخل المنخفض.


وأفاد بأن تنمية الاقتصاد ورفع رفاهية المواطن تتطلب وجود قطاع منافع عامة متطور يشكل دعامة أساسية لتحقيق النمو الشامل التشغيلي في بعده التوزيعي لتحقيق العدالة الاجتماعية.


وأشار إلى التحديات التي تواجه قطاع المياه في الدول العربية، مبينا أن مجمل تلك الدول تعتبر شحيحة الموارد المائية، إضافة إلى أن الاعتماد على المياه الجوفية وتحلية مياه البحر والسدود الكبيرة يعد مكلفا للغاية.


وتوقع التقرير ازدياد العجز المائي وارتفاع وتيرة الفقر المائي؛ ما يهدد متطلبات النمو الشامل المتمثلة في رفع حصص المواطن العربي من الماء الآمن وتوفير كميات كبيرة للصناعة والزراعة لمواجهة الطلب المتزايد على الماء.


وعن قطاع الطاقة العربي، لفت التقرير إلى أن وضعه "مقلق" بسبب تنامي الطلب على إنتاج الكهرباء، إذ أن معدلات استهلاك الفرد المرتفعة وقلة الاستثمار وارتفاع معدلات الدعم على الطاقة ووجود عدد من البلدان تعتمد كليا على الاستيراد ساهم في تفاقم الضغوطات على القطاع.


وأضاف أن السياسات المالية والنقدية والتجارية تعتبر من أهم الأدوات المتاحة لمتخذ القرار الاقتصادي لتحقيق النمو الشامل التشغيلي، موضحا أن ذلك يتطلب تجنيد الموارد المالية والمادية وتوجيهها نحو تعظيم النمو الاقتصادي، وهذا يتم من خلال رفع حصة الإنفاق الرأسمالي، خصوصا في تطوير البنى التحتية الأساسية، علاوة على توظيف سياسات إعادة التوزيع لتعزيز العدالة الاجتماعية والقضاء على الحرمان والتهميش.


وعلى صعيد السياسات النقدية، ذكر التقرير أن الاقتصادات العربية شهدت تطورات متباينة تميزت بارتفاع السيولة النقدية وعدم التحكم في التضخم، حيث واجهت العديد من الدول هذا التحدي من خلال تطبيق سياسات نقدية متشددة موجهة لتحقيق الاستقرار في الأسعار ومواجهة فائض السيولة.


وتابع أن الأزمة الاقتصادية العالمية المعروفة بأزمة الرهن العقاري دفعت الحكومات إلى تبني سياسات نقدية توسعية لمواجهة أثر الأزمة التي قلل من وطأتها أن العديد من الدول العربية غير مندمجة بشكل كبير في المنظومة الاقتصادية والمالية العالمية.


وأشار التقرير إلى أنه في الدول غير النفطية، يتسبب ارتفاع أسعار النفط في الضغط الشديد على الموازنة ويزيد من عجزها؛ ما يحتم على الدول اللجوء إلى السوق المالية لتمويل عجز الموازنة المتفاقم الذي يدفع بالضغوطات التضخمية ويحتم عليها اتباع سياسات نقدية متشددة.


وأفاد بأن تحقيق النمو الشامل التشغيلي يتطلب بناء شبكات حماية اجتماعية قوية تقلل من الآثار التوزيعية السلبية للنمو والتضخم، خصوصا على الشرائح الضعيفة ذات القدرة المحدودة لدرء الضغوطات الاقتصادية.


كما لفت إلى خصائص شبكات الأمان العربية ودورها في تحقيق التماسك الاجتماعي في مواجهة التحديات الاجتماعية المتعددة مثل الفقر والبطالة والتمكين والحاجة للتوسع في الرعاية الصحية والخدمات التعليمية والحصول على الخدمات الاجتماعية الأخرى.


واقترح التقرير منهجية لتقييم النمو الشامل التشغيلي لتصحيح أوضاع النمو العربي الراهن ودعم الإدارة الاقتصادية والاجتماعية للتنمية تعتمد على الإسهامات التطبيقية في مجال قياس النمو الشامل.


وقال إن نتائج هذه المنهجية في الدول العربية التي توفرت لها بيانات أشارت إلى أن مجموع مكوني النمو الشامل شهدا خلال فترة التحليل نتائج سلبية وأخرى إيجابية، كما تم ربط النمو بفرص التشغيل في قياس النمو الغني بالتشغيل.


وأكد التقرير أهمية التوسع في الاستثمار العام الموجه للفقراء ودور تعبئة الضرائب كأساس لزيادة الإيرادات العامة من خلال مقارنة نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي بالدول العربية مع تلك السائدة في دول أخرى، مشددا على ضرورة العمل لإعادة توجيه السياسة المالية من دورية إلى غير دورية واتباع القواعد المالية بشكل يخدم أهداف النمو الشامل وإعادة استخدام أداة الدعم بالشكل الذي يخدم النمو.


وبيَّن أن تحقيق النمو الشامل التشغيلي يتطلب إعادة النظر في أهداف البنوك المركزية العربية لتشمل النمو الشامل كأحد متطلبات السياسة النقدية، منوها بأهمية الاتساق بين السياسة المالية والنقدية لخدمة النمو الشامل، مع تحديد بعض الأدوات اللازمة للتنسيق بين تلك السياسات.


وأشار التقرير كذلك إلى أهمية الجانب المؤسسي في الحياة الاقتصادية، مستعرضا عددا من المؤشرات المؤسسية الصادرة من منظمات دولية، مثل مؤشر الحرية الاقتصادية الذي يوضح تصنيف دول عربية معينة، باعتبارها تنعم بحرية اقتصادية أفضل.


يذكر أن المعهد العربي للتخطيط هو مؤسسة عربية إقليمية غير ربحية مقرها الكويت تأسست عام 1980 معنية بدعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية من خلال تنمية قدرات الكوادر الوطنية وإنجاز الاستشارات والبحوث العلمية والتطبيقية والدعم المؤسسي ودعم اتخاذ القرار.