مساعدات الخليج لـ"السيسي".. الدول لا تبنى بـ"التبرعات"
رغم تلقى مصر أكثر من 30 مليار دولار مساعدات مالية من دول الخليج الثلاثة، المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، والكويت، خلال أقل من سنتين، إلا أن هذه المساعدات لم يكن لها أى مردود على حياة المواطنين المعيشية، وبعد توقف تلك المساعدات تعرض الاقتصاد المصرى لأزمة طاحنة مازالت تعصف به حتى الآن، فهل توقف هذه المساعدات كشف عن «هشاشة» الاقتصاد المصرى، واعتماده على المنح والمساعدات الخارجية، وهل دول الخليج سوف تتدخل فى اللحظة الأخيرة لإنقاذ الاقتصاد المصرى من الانهيار التام؟ وإلى متى سيظل الاقتصاد المصرى يعتمد على المنح والمساعدات الخارجية؟
وحسب الخبراء فإن هناك عدة سيناريوهات تحدد مستقبل المساعدات الخليجية لمصر منها:
السيناريو الأول: يتمثل فى توقف المساعدات بشكل نهائى، وهذا ما أشارت إليه مجلة «فورين بوليسى» التى ذكرت أنه فى حال واصلت أسعار النفط تراجعها، فإن دول الخليج ربما لا تكون قادرة على مواصلة تدفق أموال المساعدات لدول الشرق الاوسط وشمال إفريقيا الذين لا يتمتعون بمخزونات كبيرة من الغاز الطبيعى والنفط مثل مصر والمعرب.
السيناريو الثانى: هو تحويل المساعدات النقدية إلى استثمارات ومساعدات نفطية بالتقسيط، وهذا ما تأكد خلال زيارة الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين لمصر، والتى أعلن من خلالها تدشين عدد من المشروعات الاستثمارية دون منح مصر أى أموال نقدية، كما قام بعقد اتفاقية تقوم خلالها المملكة العربية السعودية بامداد مصر بالمواد البترولية مقابل 23 مليار دولار تسدد على اقساط بفائدة 2%.
السيناريو الثالث: أن تقوم تلك الدول بالتدخل فى الوقت المناسب لإنقاذ الاقتصاد المصرى من الانهيار، من خلال وضع بعض الأموال فى البنك المركزى كودائع لتأمين الاحتياطى النقدى، ووقف تدهور الجنيه المصرى أمام الدولار.
فى سياق متصل أكد الكثير من الخبراء أن دولة كبيرة مثل مصر من الصعب ان تعتمد على الدعم أيا كان مصدره، مؤكدين أن مصر تستطيع الاعتماد على نفسها إذا ما تم استغلال الامكانيات الكبيرة التى تمتلكها، مشيرين إلى أن الاعتماد على الدعم فكرة مؤقتة جدا ولا يصح اللجوء اليها إلا وقت الأزمات الشديدة، لكن بناء اقتصاد قوى لا يمكن أن يعتمد على الدعم، لكن يتم الاعتماد على الموارد الذاتية المملوكة للدولة.
كما أكد بعض الخبراء أن القروض والمنح الخليجية التى تم إيقافها مرة واحدة فى 2014 كان الهدف منها تعطيش البلد، من خلال مساعدة مصر فى الدخول فى مشروعات عملاقة، ثم يقوم بسحب يده منها بسرعة، لتحقيق أهداف سياسية، مؤكدين أن هذه الدول لم تقدم المساعدات لمصر لوجه الله، ولكن لتحقيق مصالحها.
ويشير الكثير من الخبراء إلى أن الدعم المالى لمصر لم يتوقف لكنه انخفض بشكل كبير، وأن تلك المساعدات قدمت فى الأساس لأسباب سياسية، نتيجة دعم دول الخليج باستثناء قطر وقتها، للتخلص من حكم جماعة الاخوان المسلمين، لافتين إلى أن انخفاض الدعم المقدم لمصر تم عن طريقين، إما فى قلة الأموال المقدمة الى مصر، او فى صورة وعود لم تنفذ، لعدم وجود ضمانات للدول الممولة بخصوص طرق انفاق الاموال التى تمنحها الى مصر.
ومما يؤكد على استخدام تلك المساعدات لأهداف سياسية هو عدم تنفيذ الإمارات للكثير من المشروعات التى أعلنت عنها فى مؤتمر شرم الشيخ، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وبناء مليون وحدة سكنية، وغيرها من المشروعات، كما أن المشروعات السعودية التى تم الكشف عنها اثناء زيارة الملك سلمان لمصر وعلى رأسها كوبرى الملك سلمان وجامعة الملك عبد الله وغيرها، أصبحت مرهونة بمصير جزيرتى تيران وصنافير.
وكان وزير شئون الرئاسة الاماراتى منصور بن زايد آل نهيان، قال فى اكتوبر 2013، إن الدعم العربى لمصر لن يستمر طويلا، وقد قامت الامارات بتكليف «بنك لازارد» الفرنسى لتقديم تقرير عن الحاجات التمويلية لمصر وأهم مشاكلها الاقتصادية، وانتهى التقرير الى ان مصر تحتاج الى 30 مليار دولار سنويا لمدة 4 سنوات، منها 15 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية للمصرف المركزى للحفاظ على مستوى آمن للاحتياطى من النقد الاجنبى، اضافة الى 15 مليار دولار اخرى فى صورة استثمارات لتحقيق معدل نمو بنسبة 5% فى المتوسط خلال الاربع سنوات المقبلة.
كما أكد الخبراء أن الاعتماد على المساعدات الخارجية لن يحل مشكلة الاقتصاد المصرى، لكن الحل يكمن فى التراجع عن اطلاق المشاريع القومية العملاقة التى تمتص السيولة من السوق، وتدر عوائد على المدى البعيد، كخطوة أساسية فى طريق الخروج من الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر، وكذلك الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى لدعم الجنيه المصرى ومنح الاقتصاد المصرى ثقة دولية، بالإضافة إلى إدراك أن السياحة والاستثمار الأجنبى مرهونان باستقرار الوضع الأمنى، وكل ذلك يحتاج إلى إعادة النظر فى استراتيجية إدارة الوضع الداخلي.
ويؤكد الخبراء والمراقبون، أن الاقتصاد المصرى لا يمكنه الاعتماد على المساعدات الخارجية، وأن خروج الاقتصاد من كبوته يتطلب من الدولة وضع خطة اقتصادية واضحة، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعدم الاعتماد على المشروعات الاقتصادية الكبرى فقط، وإيجاد حلول تقلل من معاناة المواطن المصرى الذى أصبح ضحية السياسة الاقتصادية الفاشلة التى تتبعها الحكومة الحالية، والتى تقوم على جمع الأموال وطباعتها، دون الاهتمام بالجانب الإنتاجي.