رئيس التحرير
خالد مهران

"بلومبيرج" تسير على خطى "إيكونوميست".. لماذا فتح إعلام الغرب النار ضد نظام السيسي؟

السيسي والإيكونوميست
السيسي والإيكونوميست _ أرشيفية


بنظرة هادئة ومدققة على وسائل الإعلام المصرية من صحف ومجلات وفضائيات وقنوات إذاعية، ستجد أن غالبيتها يسير في ركب النظام، فتفرد الجرائد القومية صفحاتها للتهليل لـ"انجازات ومعجزات" الرئيس، و"صولات وجولات" عبد الفتاح السيسي الخارجية؛ التي أعادت لمصر مكانتها الدولية، بحسب زعم تلك "الأذرع الإعلامية" التي أصبحت "بوقًا" للنظام الحالي، في تكرار "واضح فاضح" لإعلام عبد الناصر ومحمد حسني مبارك.


على الجانب الأخر من النهر، فتحت صحف ومجلات الغرب النار على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، لاسيما مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، واستمرار مشكلات "شح الدولار"، والحديث المتواصل عن رفع الدعم، ورفع سعر تذكرة المترو، وزيادة أسعار شرائح الكهرباء، وعدم جدوى المشروعات الكبرى التي أطلقها الرئيس السيسي، والتي عمل "إعلامه" على التسويق لها باعتبارها ستكون "مشروعات القرن"؛ لإنقاذ مصر من عثرتها الاقتصادية.



"إيكونوميست" تهز عرش الرئيس

ربما لم تكن "إيكونوميست" البريطانية، أول مجلة اقتصادية تهاجم نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد سبقتها العديد من وسائل إعلام الغرب التي فتحت النار على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية للنظام والتي لم يشعر المواطن المصري بجدوى حقيقية لها.


لكن "إيكونوميست" كانت الأعنف والأكثر صراحة، وضراوة في شدة الهجوم، لاسيما أنها خصصت غالبية عددها الآخير لانتقاد سياسيات النظام من خلال تقارير صحفية حملت عنوان: "تخريب مصر بعد الربيع العربي"، و"القمع وعدم كفاءة عبد الفتاح السيسي يشعلان الانتفاضة القادمة".

 

وذكرت الصحيفة في تقاريرها أن مصر تعاني التخريب تحت حكم السيسي؛ مدللة على ذلك بتخريب الاقتصاد، وتزايد الغضب الشعبي.

 

وقالت المجلة الاقتصادية الأعرق، والمقربة من دوائر صنع القرار في الغرب: "إن القمع السياسي وعدم الكفاءة الاقتصادية مقلقان بدرجة أكبر في مصر تحت قيادة عبد الفتاح السيسي"، منوهة إلى أن الرئيس الذي وصل إلى السلطة عبر "انقلاب 2013"، يراهن على أنه أكثر قمعًا من حسني مبارك، الذي أسقطه الربيع العربي.

 

وقالت "إيكونوميست" إن البطالة تنتشر بقوة في العالم العربي؛ وهو ما يزيد من فرص "غضبة الشباب"، ضد نظم الحكم، مشيرة إلى الاعتقالات المتواصلة للشباب، وإلقائهم في غياهب السجون، ومن يفلت من الاعتقال، يكون مصيره العيش في "فقر مدقع"، أو الهجرة خارج الدولة.


اتهمت "إيكونوميست" الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعدم الكفاءة في إدارة مصر، ونصحته بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2018.


 

غضب رسمي من "إيكونوميست"

كان للتقارير التي نشرتها "إيكونوميست"، لها صدى محلي وعالمي؛ خاصة أن هذه المجلة الاقتصادية معروفة برصانتها الشديدة، وقربها من دوائر صنع القرار، وأخذ حكومات الغرب بما تنشره من تقارير وتحليلات اقتصادية.

 

المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، هاجم المجلة، وركز في بيانه الذي نشره على حساب وزارة "الخارجية" عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، على الرد على وصف المجلة للسيسي بعدم الكفاءة، ومطالبته بالتنحي بعد انتهاء فترته الرئاسية، وعدم ترشيح نفسه في انتخابات 2018، وكذا وصفها ما جرى 3 يوليو 2013 بـ"الانقلاب".

 

وقال "أبو زيد"، إن المجلة عمدت إلى تجنب أي مظهر من مظاهر التحليل الموضوعي، وتجاهلت العديد من النجاحات والإنجازات، واهتمت بتوجيه إهانات لشخص الرئيس، واتهم ملف إيكونوميست بأنه قائم على التحليل الركيك، والقراءة السطحية للاقتصاد المصري، وطبيعة التحديات التي تواجها الدولة.


وتابع "أبو زيد" في مقال حمل عنوان: "تخريب الإيكونوميست": "تزعم المجلة أن الرئيس السيسي جاء إلى السلطة عبر انقلاب، وهو زعم يستخف بشكل كامل بإرادة المصريين، سواء الملايين الذين تظاهروا من أجل إزاحة رجل الإخوان المسلمين محمد مرسي، أو الملايين الذين صوتوا بأغلبية كاسحة لانتخاب الرئيس، فالمقال يتهمه بعدم الكفاءة في إدارة السياسات الاقتصادية في مصر، ويتجاهل أن هذه السياسات تستند إلى مشورة مجموعة من الخبراء الاقتصاديين البارزين".

 

واستطرد: "وفي ذات السياق، تفترض إيكونوميست وبسخافة أن الاقتصاد المصري يعتمد على التدفقات النقدية من الخليج، والمساعدات العسكرية الأمريكية، وهو أمر أبعد ما يكون عن الحقيقة، فالمجلة لم تلحظ انخفاض المساعدات الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، كما أننا لا نعول على مساعدة من أى طرف، وبالرغم من إدراكنا لحجم الصعوبات الاقتصادية، والتحديات الهيكلية التي تواجهها مصر، فإن أى تحليل موضوعي، وذي مصداقية، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الأزمة الحادة التي مرت بها البلاد منذ يناير 2011 وما خلفته، ولاتزال، من تداعيات مالية".


 

إعلام النظام يهاجم المجلة البريطانية

بدورها هاجمت الصحف القومية المجلة البريطانية، وظهر ذلك واضحًا في تعليق الكاتب الصحفي ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "أخبار اليوم"، على تقرير "تخريب مصر"، حيث قال: "إن إيكونوميست فقدت جزءا كبيرا من مهنيتها؛ عند تناولها الشئون الاقتصادية، والوضع الراهن في مصر، بشكل أبعد ما يكون عن الاحترافية".

 

وقال "رزق" أيضًا: "من غير المستبعد أن يكون وراء ذلك الهجوم غير المبرر، قيادات إخوانية تسعى للتخريب والفوضى وتشيع مغالطات غير صحيحة وبعيدة عن الحقيقة".


 

"بلومبرج" على خطى "إيكونوميست"

على خطى "إيكونوميست"، سارت شبكة "بلومبرج" الأمريكية، ونشرت تقريرًا، ذكرت فيه أن "الرئيس عبد الفتاح السيسي يتحمل مسؤولية فشل الاقتصاد المصري"، منوهة بأن مصر، الغارقة في حالة من الركود الاقتصادي، مع ارتفاع لمعدلات البطالة، والتضخم؛ تحتاج بالتأكيد إلى مساعدة، لكن إذا كان التاريخ الحديث يحمل أي دلائل، فمن المرجح أنها تهدر المزيد من الأموال".


وأضافت: "حكومة عبد الفتاح السيسي تلقت بالفعل عشرات المليارات من المساعدات، لكن معدل البطالة الرسمي نحو 13 %، ومعدل البطالة بين الشباب يصل إلى أضعاف هذا العدد، كما أن عجز الميزان التجاري يصل لنسبة 7 % من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز الميزانية من 12 % من الناتج المحلي الإجمالي.

،

وتابعت: "جزء من الأزمات التي تعاني منها مصر؛ سبب انهيار قطاع السياحة منذ ثورات الربيع العربي؛ وبخاصة بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء، العام الماضي، وكذلك حادثة سقوط طائرة مصر للطيران في مياه البحر المتوسط، في مايو الماضي، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، ونقص حاد في العملة الأجنبية، وكذلك انخفاض الاحتياطي الرسمي على مدى السنوات الخمس الماضية.


وقالت أيضا: "لكن جزءا كبيرا من المسؤولية يتحمله مباشرة الرئيس السيسي؛ الذي بدد المساعدات السابقة على المشروعات الضخمة مثل حفر توسعة قناة السويس، وتخصيص أموال قليلة لمشروعات البنية التحتية الضرورية"، مضيفة: "لحسن الحظ، فإن حلمه لبناء مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذي تصل تكلفته إلى 45 مليار دولار، يبدو أنه تم إلغاؤه".


وذكرت "بلومبرج": "مسؤولو صندوق النقد الدولي اعترفوا عمليا بأن الحزمة الجديدة من المساعدات لمصر، هي في معظمها لأغراض التجميل، الصندوق، وأصدقاء السيسي في الخليج بحاجة إلى الإصرار على الإصلاح الحقيقي، فيجب على مصر أن تستثمر، في البنية التحتية البسيطة مثل: الطرق والمدارس وشبكات إمدادات المياه، كما أنَّها عليها تسهيل إمكانية الحصول على قروض مصرفية للشركات الصغيرة والمتوسطة".


 

هل يسمع السيسي أو يرى؟

الهجوم المتواصل من وسائل الإعلام الغربية، على النظام يطرح سؤالًا هامًا وهو: هل يسمع السيسي أو يرى هذه التقارير التي تكشف فساد إدارته للدولة؟! أم أنه لايزال يعتمد على تقارير الأجهزة الأمنية، التي تدير الأزمات الاقتصادية، والسياسية في الدولة؟.


ربما تكون تقارير وصحف إعلام الغرب التي هاجمت الرئيس عبد الفتاح السيسي، كشفت بحق مدى خطورة الأزمة الاقتصادية، التي تضرب الدولة الآن، وربما أيضًا تكون أزعجت النظام، لكنها في الوقت ذاته؛ مثلت إنذارًا حقيقيًا، عما آلت إليه الأوضاع في مصر، من تدن على المستويات السياسية، والاقتصادية، كافة لكن: هل يسمع السيسي أو يرى؟!