رئيس التحرير
خالد مهران

دعوة للتطبيع مع العرب

فهمي هويدى
فهمي هويدى


الأسوأ من انفجار الموقف بين بعض الأشقاء فى منطقة الخليج، ذلك الدور السلبى الذى قامت به وسائل الإعلام، وكان له إسهامه فى تأجيج المشاعر وإثارة الفتنة. أما الأشد سوءا فإنه لم يعد فى العالم العربى «كبير» يبادر إلى إطفاء الحريق وكبح جماح الانفعالات التى أفسدت أجواء الخليج وتناثر رذاذها فى الفضاء العربى.

أعترف ابتداء بأننى لم أفهم لا سر الانفجار المفاجئ ولا أسباب التدهور السريع فى علاقات الأشقاء. ولم أقتنع بأن الوقائع ــ أو المزاعم ــ التى ذكرت كافية وحدها لإيصال الأمور فيما وصلت إليه، بحيث ظل العالم العربى خلال الأيام القليلة الماضية مسرحا لتجاذبات وتراشقات قدمت نموذجا محزنا لما يمكن أن نسميه «صراع الفضائيات»، ورغم أننى شاهد لم يفهم شيئا من خلفيات الحاصل هذه الأيام فى منطقة الخليج، فإننى لا أستطيع أن أكتم عدة ملاحظات أوجزها فيما يلى:
* إن اختلاف السياسات والمواقف والأمزجة أمور طبيعية لا غضاضة فيها. وليس بوسع أى طرف فى المنطقة أن يطالب الآخرين بالتطابق معه فى كل شىء، لكننى أفهم أن ثمة حدودا للاختلاف، وأن هناك «مصالح عليا» يتعين التوافق عليها، علما بأن التراشق العلنى عبر وسائل الإعلام يحرج الجميع ويهتك الأواصر التى يعد الحفاظ عليها ضروريا لحماية تلك المصالح، خصوصا أن ثمة قنوات دبلوماسية يعد احتواء الخلافات من وظائفها الأساسية.
* ما أفهمه أنه حين تظهر فى بعض النشرات الإعلامية تصريحات سيئة منسوبة إلى القيادة القطرية، ثم يتم نفيها وتعلن الدوحة أن موقع وكالة الانباء الرسمية تعرض للقرصنة والاختراق الإلكترونى، فالوضع الطبيعى أن يتم التحقيق فى واقعة الاختراق على الفور للتثبت من حقيقة الأمر. وفى ضوء ذلك التحقيق يتم التعامل مع النتيجة بما تستحق. أما أن يتم تجاهل النفى وتصر بعض وسائل الإعلام على أنه لم يحدث رغم نفى «الواقعة» فذلك يعد استباقا محيرا يثير التساؤل ويبعث على الدهشة.
* تتضاعف الحيرة حين نلاحظ أن القصف الإعلامى بدأ فور إذاعة التصريحات المسيئة، ولم يكن القصف فى شكل تسجيل للمواقف ورد للإساءات المفترضة، ولكنه تم من خلال لقاءات استضافت آخرين وبرامج جرى بثها، الأمر الذى لا يفسر إلا بأحد أمرين: إما كفاءة خرافية فى التحرك والإعداد، أو ترتيب مسبق يسير إلى علاقة بين الطرف الذى قام بالاختراق وبين المنابر الإعلامية التى سارعت إلى استثماره.
* فى هذه الأجواء الساخنة، سارعت بعض أطراف الاشتباك الخليجى إلى حجب بعض المواقع الاخبارية، وفوجئنا فى مصر بحجب ٢١ موقعا بدعوى دعم الإرهاب والتطرف ونشر الأكاذيب. ولم يكن دخول مصر على الخط مقصورا على ذلك المجال وحده، لأن بعض القنوات التليفزيونية المصرية انخرطت فى الاشتباك الخليجى، وشاركت فى القصف، على نحو يثير الانتباه والدهشة.

* ما جرى جاء دالا على أن ثمة تراكمات ورواسب غير مرئية تحتاج إلى تصفية واحتواء رشيد، وللأسف فإن الساحة العربية تفتقد إلى من يقوم بذلك الدور. وفى ظل انهيار النظام العربى فإن الجامعة العربية تحولت إلى كيان عاجز لا دور له، ولم يعد يذكر لأمينها العام أى إسهام فى تسكين أو ترشيد الصراعات العربية.
ما جرى فى الخليج هزيمة لنا جميعا، نحن الذين ظللنا نحلم بوحدة الأمة، واحتفينا بتشكيل مجلس التعاون الخليجى، ورحبنا بالجسر الذى أقيم بين السعودية والبحرين، وعلقنا آمالا كبيرة على مشروع الجسر بين قطر ودولة الإمارات ونظيره الذى كان يفترض إقامته بين قطر والبحرين. ومن المخزى أن تتراجع فكرة الجسور بين دول الخليج، وأن تتكاثر الجدران ومعها الغيوم بين الأشقاء العرب. ومن المفجع والمخزى أن تتقطع تلك الأواصر بمضى الوقت، فى الوقت الذى نرى فيه جسورا تعد وأخرى أقيمت بالفعل بين بعض الدول الخليجية وإسرائىل. إن ما يجرى بين الأشقاء فى الخليج جزء من المحنة الكبرى التى يعيشها العالم العربى، وليس أدل على عمق تلك المحنة من أننا صرنا نحتاج إلى «مرافعة» لكى ندافع عن «التطبيع» مع الدول العربية والإسلامية.
نقلًا عن "الشروق"