رئيس التحرير
خالد مهران

الحلال والحرام في تبرعات السيسي وتواضروس لبناء كنيسة ومسجد بـ«العاصمة الإدارية»

تواضروس والسيسي
تواضروس والسيسي


اشتعلت حالة من الجدل بعد إعلان بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني، عن تبرعه بالجائزة التي حصل عليها من «صندوق وحدة الشعوب الأرثوذكسية» في موسكو، لبناء كنيسة ومسجد في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر، وهي الخطوة التي سبقها بشهور تبرع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بـ100 ألف جنيه؛ لبناء صرح ديني، بالعاصمة الإدارية الجديدة، يضم مسجدًا وكنيسة.


وشهدت الفترة الماضية، ومع تزايد الهجمات الإرهابية ضد الأقباط، الدعوات للتبرعات من جانب شخصيات فنية وسياسية وقيادية بالدولة لبناء المسجد والكنيسة، كنوع من التأكيد علي المواطنة، وردًا على الأعمال الخيرية خرجت فتاوى سلفية تحرم تبرع مسلم لبناء كنيسة، في حين يرى أزهريون عدم وجود مانع شرعي في ذلك.


الحديث عن تبرع المسلم لبناء كنيسة، أثير في عهد الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل، عندما أوصى بعد وفاته، بتخصيص جزء من أمواله لبناء كنيسة، وقال «طنطاوي»: «إنه ليس من اللائق، أو من الشرع، وصف المساهمة في بناء كنيسة بأنه معصية»، وأضاف: «إن الشرع لا يمنع المسلم من أن يوصي ببناء كنيسة إذ إنه حر في أمواله»، وتابع: «ليس لدي مانع بل أود أن تبنى كنيسة ومسجد في كل شارع».


وتعرض شيخ الأزهر، وقتها، لسيل من الانتقادات سواء من جبهة علماء الأزهر، أو من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، معتبرين التبرع لبناء كنيسة من المحرمات لكونها ليست من «بيوت الله»، فضلا عن أن المسيحيين، وحسبما تؤكد الإحصائيات يملكون 40 % من ثروة مصر ولديهم رجال أعمال أثرياء يستطيعون القيام بتلك المهمة، وفي هذه الحالة فمن الأولى على المسلم أن ينفق أمواله لسد حاجات المسلمين وهي كثيرة وتحتاج إلى تبرعات لا حصر لها.


وقضية بناء الكنائس حسمتها دار الإفتاء، مؤكدة أنه يجوز للمسيحيين في الديار المصرية، وفقًا للشريعة الإسلامية بناءُ الكنائس فى ظل الدولة الإسلامية، إذا احتاجوا إلى ذلك في عباداتهم وشعائرهم التي أقرهم الإسلام على البقاء عليها، وفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية فى ذلك؛ حيث لم يَرِدْ في الشرع الحنيف المنعُ من ذلك فى شىء مِن النصوص الصحيحة الصريحة، وأنه طبقا لذلك جرى العمل عبر العصور المختلفة، ووفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية فى ذلك الأمر، وذكرت دار الإفتاء، أنه يجوز أيضا بناء المسيحي للمسجد عن طريق التبرعات وتحمل التكلفة كاملا.


من جانبه، أكد الشيخ مصطفى عبد العظيم، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، أنه لا مانع من تبرع المسلم لبناء كنيسة، طالما ذلك سوف يصب في صالح استقرار البلاد، عبر تحقيق المواطنة مع الآخرين.


وأضاف «عبد العظيم»، أن الكنائس «بيوت الله في الأرض»، وما فعله الرئيس السيسي أمر محمود له جزاء كبير عند الله تعالى لكونه يسعى إلى وحدة صف الأمة، مشيرًا إلى أن هناك العديد من المسيحيين يتبرعون لبنا المساجد.


وعن شرعية تبرع البابا «تواضروس» لبناء مسجد، أكد عضو لجنة الفتوى، أن تبرع غير المسلمين لبناء المسجد لا مانع منها، لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدايا الكفار كقيصر والمقوقس، وحيثما جاز للمسلم قبول هدية الكافر وتملكها فلا مانع من جعلها في المسجد، أو غيره من مصالح المسلمين.


وأشار إلى أن الدين الإسلامي أباح قبول هدية غير المسلم، واستخدامها في بناء المسجد، ولا عبرة بكون هذا المال ناشئًا عن حلال أو حرام؛ لأن بناء المساجد - كغيرها من المرافق العامة - لا يشترط أن يكون مصدر ما تشيد به من حلال، ونحو ذلك مما يشترك فيه المسلمون.


من جانبه قال الدكتور عبد الغني سعد، أستاذ الفقه بـ«جامعة الأزهر»، إنه يجوز قبول التبرعات من أهل الكتاب وغيرهم من أصحاب العقائد الدينية المختلفة لبناء المساجد أو دور العلم ومراكز الدعوة؛ لأن الدين يعتبر ذلك نوعا من الهدية للمسلم، فقد قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- هدية المقوقس النصراني ملك مصر، وقبل الهدية من ملك الروم.


وأكد «سعد»، أن ما يحرمه الدين الإسلامي في مسألة تبرع المسيحي لبناء المسجد هو أن يكون للمتبرع ولاية أي (مسئولية) في المسجد، كأن يكون ناظرًا في المسجد أو متصرفًا في أوقافه، أما المشاركة في البناء والتشييد و«التشطيب»، فجائز شرعًا، ولا شيء فيه.


وعن تبرع المسلم لبناء كنيسة، أوضح الدكتور عبد الغني سعد، أن المتفق عليه بين العلماء، تحريم تبرع المسلم لبناء كنيسة في بلاد المسلمين، لأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وهناك من أفتوا بتحريم إعادة تجديد الكنيسة في حالة هدمها، مشيرا إلي أن هناك من العلماء أفتوا بجواز ترميم الكنائس فقط دون عمل توسعات.


على الجانب الآخر، انتقد الشيخ «حامد الشربيني»، الداعية السلفي، تبرع المسلم لبناء كنيسة، معتبرا ذلك غير جائز في الشريعة الإسلامية، وفقا لإجماع العلماء والتابعين، خاصة أن التبرع لسد احتياجات المسلمين «أولى».


وأضاف «الشربيني»، أن علماء السلف الصالح أجمعوا على وجوب رفض بناء الكنائس والمعابد لغير المسلمين في دولة الإسلام، وهناك فتاوى تشير إلى أن بناء دور العبادة لغير المسلمين، ومنها الكنائس في الدول العربية والإسلامية، أشد إثما وأعظم جرما؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة بخصوص النهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب، والله عز شأنه يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}".


وعن تبرع البابا «تواضروس» لبناء مسجد قال الداعية السلفي، إنه يجوز ذلك بشرطين، الأول: ألا يكون لغير المسلم كلمة وقرار في شئون المسجد وإدارته، لأن فيه إقرار وإشراك لهم في دين المسلمين وعباداتهم. أما الشرط الثاني: أن تكون الأولوية في البناء والتشييد للمسلمين على اعتبار أن المساجد من أهم مميزات المسلمين وخصوصياتهم، وعلى دراية كاملة بعملية البناء والتخطيط للمسجد.