رئيس التحرير
خالد مهران

«غرام وانتقام».. قصة تحول العلاقات بين دول الخليج والإخوان

شعار جماعة الإخوان
شعار جماعة الإخوان


في فجر 5 يونيو الماضي، ودون سابق إنذار، أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين وتبعتهم مصر، قطع علاقاتها مع قطر، وذكرت الدول الأربع في أسباب اتجاهها لهذه الخطوة، أن قطر تحتضن جماعات إرهابية وطائفية منها جماعة الإخوان، وأعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين غلق جميع المنافذ البحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة إلى قطر، وسحب رعاياها ومنع القطريين من القدوم إلى بلدانها.

وكشفت البيانات الصادرة عن الدول الأربع وما تلاهما من تصريحات ولقاءات مع مسئوليها، أن جماعة الإخوان كانت من المحاور الأساسية التي دفعت الدول الأربع لمقاطعة قطر؛ لأنها تأوي قياداتها وتوفر لهم الدعم الإعلامي والسياسي.

ولم تكتف الدول الأربع بهذه الخطوة لمحاصرة الإخوان، فرغم أن ثلاثة منها تصنف الإخوان جماعة إرهابية منذ 2013، ورغم أن أغلب قيادات الجماعة في السجون، ولكن أرادت الدول إجبار قطر على تسليم قيادات الصف الثاني للإخوان، وقيادات الجماعة الإسلامية البارزين والمعروفين بتأييدهم المطلق للجماعة، فأصدرت في 9 يونيو، وبعد 4 أيام من إعلان المقاطعة، قائمة شملت عددا من الأسماء والكيانات كان من بينها قيادات بجماعة الإخوان والجماعة الإسلامية المتواجدون في قطر.

وفي نهاية الشهر الماضي أرسلت الدول المقاطعة لقطر قائمة من 13 مطلبا اشترطت على قطر تنفيذها ومنحتها مهلة 10 أيام تم مدها ليومين إضافيين، وانتهت في 5 يونيو الجاري، وخصت الدول المحاصرة لقطر جماعة الإخوان بـ4 بنود من تلك المطالب، إذ طلبت من قطر قطع علاقاتها مع كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وإدراجها ككيان إرهابي، وضمها إلى قوائم الإرهاب المعلن عنها من الدول الأربع، وإقرارها بتلك القوائم، وإيقاف جميع أشكال التمويل القطري للجماعة وأفرادها، بالإضافة إلى تسليم أعضاء الجماعة المطلوبين لدى الدول الأربع، وتسليم قواعد البيانات الخاصة بهم، وإيضاح كل أنواع الدعم الذي قدم لهم.

مع تصاعد العداء من الدول الأربع لجماعة الإخوان، يبدو موقف النظام المصري الذي يعلن الحرب على الإخوان منذ وصوله للسلطة؛ بسبب إطاحته بالرئيس المنتمي لها، وتمسك الجماعة بشرعيته واعتباره انقلابا عليها، مفهوما للجميع، ولكن مواقف الدول الخليجية اعتراها كثير من التناقض؛ فهي تتحالف مع الإخوان في أماكن مختلفة مثل اليمن وغيرها، في حين تعلن العداء لهم وتطالب قطر بتسليمهم والتخلي عنهم فلماذا تعادي الدول الخليجية الثلاث جماعة الإخوان وكيف تحول الود والدعم إلى عداء مستحكم.

بالنسبة للسعودية التي تعد الدولة الخليجية القائدة، فإن علاقتها بالإخوان بدت براجماتية طوال تاريخها، وتنوعت ما بين العداء حينا والتفاهم أحيانا والدعم في أحايين أخرى.

لم تؤسس الجماعة تنظيما رسميا لها في السعودية، كالتنظيمات التابعة لها في الدول الأخرى، والتي يقودها شخص يسمى المراقب العام لتلك البلد، ويتبع التنظيم الدولي لها.

وقد طرح حسن البنا، مؤسس الإخوان، تأسيس فرع لجماعته في السعودية، على الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة، في ثلاثينيات القرن الماضي، والذي رد على الطلب بقوله: «كلنا إخوان مسلمون»، ورأى الإخوان أنه من الأفضل فعليا ألا يكون هناك عمل تنظيمي للجماعة في السعودية؛ لأن الشريعة مطبقة فعليا في السعودية.

وبرز نشاط الإخوان المسلمين في السعودية بشكل واضح في فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز، ملك السعودية في الفترة بين (1964 - 1975)، وقتها كانت العلاقات بين السعودية ومصر والتي كان يرأسها وقتئذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أقصى توترها، ما جعل الملك السعودي يرحب بالإخوان في بلاده، وبعد رحيل عبد الناصر، وحدوث تقارب بين الرئيس أنور السادات والملك فيصل بن عبد العزيز، سعى فيصل لإحداث تقارب بين الإخوان والسادات.

سيطر المنتمون للإخوان المسلمين على المناحي التعليمية في الجامعات السعودية تحديدا في عقدي السبعينيات والثمانينيات، وكذلك على المنابر الإعلامية خاصة في فترة حكم الملك فيصل في السعودية، وتوترت العلاقات بين النظام السعودي والإخوان في أثناء حرب الخليج الثانية، بسبب موقفهم الرافض لمشاركة قوات غير مسلمة في قتال العراق.

بدأ الإخوان في تجميع أنفسهم في تيار عرف باسم «تيار الصحوة» بدأ تشكيله في السبعينيات، وصنعوا لهم شقّا حركيا تأثر بشكل واضح بفكر الإخوان المسلمين، وكان على رأس هذا التيار سفر الحوالي، وسلمان العودة، وناصر العمر، بالإضافة لعائض وعوض القرني.

ومع معارضتهم لموقف النظام، قرر الملك إيقاف الحوالي والعودة عن الدروس ومنع أشرطتهم، وردًا على تلك الخطوة ظهرت "لجنة الحقوق الشرعية" التي أسسها مجموعة من الحركيين بقيادة محمد المسعري وأيدها سلمان العودة، وشرعت للمطالبة العلنية بالإصلاح الحكومي، وتطور الأمر إلى مظاهرات واعتصامات، وبدأت السلطة في قمع تيار الصحوة وعزله شعبيًا واعتقال رموزه وعلى رأسهم سلمان العودة وسفر الحوالي، استمر ذلك حتى نهاية التسعينيات، وبعدها هدأت الأمور وتم الإفراج عن رموز ذلك التيار، بعد اشتراط عدم معارضتهم العلنية للنظام.

ظل الوضع هادئًا حتى قيام ثورة يناير، وصعود تيار الإخوان في دول الربيع العربي، وهو ما لم يلق قبولا لدى النظام السعودي الذي خشي من عودة الإخوان لمعارضته وتشكيل بديل له، فدعم الإطاحة بهم في الدول التي صعدوا لحكمها، وتضامن مع نظام السيسي في مصر، وفي مارس 2014 أعلنت وزارة الداخلية السعودية جماعة الإخوان المسلمين في السعودية وخارجها، جماعة إرهابية وهو التصنيف الذي استمر حتى الآن.

أما في الإمارات، فيبدو أن العداء للإخوان أصبح هو الأساس بالنسبة لنظام الحكم، الذي اعتقل رموز الإخوان في الإمارات، وسعى لمواجهتهم في دول مختلفة.

وبدأ ظهور الإخوان في الإمارات شأن دول الخليج بشكل كبير مع اضطهاد نظام عبد الناصر لهم، واستقر عدد من الإخوان في الإمارات، وأسسوا بعد ذلك جمعية لهم عرفت باسم جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، تأسست سنة 1974، ويترأسها حاليا سلطان كايد القاسمي، المعتقل مع عشرات النشطاء المنتسبين للحركة.

بارك حكام الإمارات تلك الجمعية وسمحوا لها بتأسيس مجلة تعبر عنها هي "مجلة الإصلاح"، حتى أن الأرض التي أقيم عليها مقر الجمعية كانت منحة من الشيخ زايد في أبو ظبي، وكان دعاتها يركزون على التمسك بالهوية العربية الإسلامية والنهل من العلوم العصرية في آن واحد، ويشنون حملات إعلامية مناهضة للفساد الأخلاقي.

خرجت بعدها من رحم الجمعية، «اللجنة الإسلامية للإغاثة» 1987، والتي عملت على رعاية الفئات المحتاجة ودعمها ابتداء من رعاية الطلبة والحج والعمرة ومساعدة المناطق المتضررة من الكوارث والحروب. 

وفي الفترة من التأسيس وحتى عام 1994، لقيت الجماعة دعما رسميا من الدولة، وكانت الرئاسة الفخرية للجمعية لكل من محمد بن خليفة آل مكتوم والحاج سعيد لوتاه، صاحب فكرة أول مصرف إسلامي في العالم الحديث، والمسمى ببنك دبي الإسلامي.

استمر الوضع مستقرا بشكل كبير حتى قيام ثورات الربيع العربي في 2011، إذ شن النظام الإماراتي حملة اعتقالات شملت 70 من قيادات الجمعية، خشية نهجهم نهج جماعة الإخوان في مصر، وبعدها أعلنت السلطات الإماراتية أنها فككت مجموعة كانت تعد مخططات ضد أمن الدولة، واتهم قائد شرطة دبي، ضاحي خلفان جماعة الإخوان المسلمين بالسعي إلى الإطاحة بالأنظمة الخليجية، مؤكدا انتساب أعضاء جمعية الإصلاح الإسلامية لفكر الإخوان، وبدأت السلطة مواجههة شاملة للجمعية وصلت لسحب الجنسية من كل من ينتمي للجمعية.

وفي البحرين، اتخذ الإخوان ذات الاسم وأسسوا جمعية أيضا باسم جمعية الإصلاح في مايو 1941، وظلت العلاقات بين الجمعية ونظام الحكم في البحرين جيدة، إذ يختلف الإخوان المسلمون في البحرين عن غيرهم في الدول العربية؛ لكونهم موالين للسلطة الحاكمة، واعتمد عليهم نظام الحكم في البحرين؛ من أجل صد المد الناصري في منتصف القرن الماضي، واحتفظ بعلاقات جيدة معهم بعد ذلك.

وفي عام 2000، بدأت المملكة إصلاحات سياسية، ودعت لانتخاب برلمان ممثل للشعب، وأسست جمعية الإصلاح، حزبا لها تحت اسم "المنبر الوطني الإسلامي"، الذي حمل فكر وتوجه الإخوان المسلمين، وتمكّن المنبر في انتخابات عام 2002 من الفوز بـ7 مقاعد نيابية من أصل 8 مقاعد كان يتنافس عليها، الأمر الذي تكرر في انتخابات 2006، ولكن في مقابل ذلك تراجع عدد مقاعد المنبر في انتخابات عام 2010 إلى مقعدين فقط.

على عكس الإمارات والسعودية، ازداد تحالف البحرين مع الإخوان بعد 2011، حيث اندمج الإخوان في التجمع السني الذي ناهض الحركة الاحتجاجية الشيعية التي انطلقت في 14 فبراير 2011، وذلك ضمن ما يُعرف بـ"تجمّع الوحدة الوطنية"، وسعد النظام البحريني بوصول الإخوان إلى الحكم، ولكنه بعد الإطاحة بهم أبدى النظام في البحرين حذرًا واضحًا إزاء التطورات الإقليمية، ولم يبد أي موقف سلبي أو إيجابي إزاء سقوط نظام محمد مرسي، على عكس السعودية والإمارات اللتين دعمتا النظام الجديد في مصر، ومع إعلان الدولتين الإخوان جماعة إرهابية، لم تقدم البحرين على ذلك، ولكن بدأ الفتور في العلاقة مع الجماعة تحت ضغط السعودية التي أنقذت نظامها من السقوط وحركت قوات درع الجزيرة في 2011 للدفاع عنه، وقت الهبة الشيعية على النظام.

ومع تحالف السعودية والإمارات ضد قطر انضمت البحرين إلى هذا التحالف على مضض بضغط من السعودية، ففي الوقت الذي تطالب فيه دول الحصار من قطر تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وتسليم أعضائها، لم تعلن البحرين الإخوان منظمة إرهابية، وقد حرصت على التعاون مع السعودية لحمايتها من أي تهديد داخلي للشيعة الذين يمثلون غالبية سكان البحرين، في حين ينتمي الملك للسنة، وكذلك على عدم عداء الإخوان بشكل واضح؛ خشية تحالفهم مع الشيعة ضد نظام الحكم بها.