رئيس التحرير
خالد مهران

الاتصالات السرية جدًا بين إسرائيل ودول الخليج لـ«دفن» القضية الفلسطينية

نتنياهو فى عمان -
نتنياهو فى عمان - أرشيفية


تشهد الفترة الحالية جدلًا موسعًا؛ بسبب زيادة وتيرة التطبيع العربي مع إسرائيل في الفترة الأخيرة، وعودة الحديث عن نظرية كنز إسرائيل الاستراتيجي، ما أثار كثيرًا من الأسئلة وعلامات الاستفهام، لاسيما في ظل الحديث عن صفقة القرن وتحول العداء العربي لإسرائيل إلى إيران.  

 

الكنز الاستراتيجي لإسرائيل

وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن إليعيزر، هو أول من أطلق مصطلح «كنز إسرائيل الإستراتيجي»، على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في شهر مايو 2010، عندما قال في تعليقه على نتائج زيارة نتنياهو إلى مصر واجتماعه مع «مبارك» في شرم الشيخ: «إن اللقاء الذي استمر ساعة ونصف الساعة سادته أجواء رائعة للغاية، الأمر الذي يؤكد أن حسني مبارك بمثابة كنز استراتيجي بالنسبة لإسرائيل»، ما أثار موجة من الغضب في الأوساط السياسية والشعبية في مصر، لاسيما وأن بن إليعيزر كان قائدا لوحدة «اشكيد» في جيش إسرائيل التي ثبت أنها قتلت 250 جنديا مصريا من وحدة كوماندوز مصرية في مدينة العريش في شهر يونيو عام 1967.


قطار التطبيع ينطلق

يبدو أن قطار التطبيع بين بعض البلاد العربية وبين إسرائيل قد انطلق رسميا، ويبدو بأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي برفقة وفد رفيع المستوى إلى سلطنة عمان ولقائه بالسلطان قابوس بن سعيد كانت تتويجا لزيارات العديد من الوفود الرياضية الإسرائيلية التي تم إرسالها من قبل إلى أبو ظبي والدوحة والمنامة، أو في الاتجاه المقابل زيارات بعض الوفود العربية إلى القدس بشكل غير رسمي ولكن بعلم ومباركة السلطات كـ«الوفد البحريني» أو السعودي.


وشاركت الإمارات وإسرائيل مؤخرا في مناورات عسكرية مشتركة في اليونان، ونشرت صحيفة «هآرتس» تقريرًا لمراسلها يانيف كوبوفيش، ذكر فيه أن عددا من الطائرات الإسرائيلية تشارك إلى جانب العشرات من طائرات القوات الجوية الأخرى في مناورات تحمل اسم «Iniohos» التي تقام سنويا.


وأشارت الصحيفة، إلى أنه إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وبريطانيا وقبرص واليونان، شاركت إسرائيل والإمارات في المناورات، لافتة إلى أنها "ليست المرة الأولى التي تشارك فيها الإمارات في المناورات إلى جانب إسرائيل باليونان".


كما اعتبر وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد أن لإسرائيل حقا في الدفاع عن نفسها؛ بسبب ما اعتبره استباحة إيران لدول المنطقة.


وقال الوزير في تغريدة على "تويتر"، "طالما أن إيران أخلت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر".


وأشاد وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، بموقف البحرين المؤيد للقصف الصاروخي الأخير على ما قيل إنها أهداف تابعة للقوات الإيرانية في سوريا، واصفا إياه بـ"دعم تاريخي".


كما انهمرت دموع وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف خلال عزف النشيد الإسرائيلي في العاصمة الإماراتية أبو ظبي حيث أحرز أحد الرياضيين الإسرائيليين الميدالية الذهبية في بطولة العالم للجودو.


وزارت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف مسجد الشيخ زايد، في الإمارات العربية المتحدة، الذي يعتبر من أهم معالم أبو ظبي الإسلامية السياحية، وأيقونة في الهندسة المعمارية الإسلامية، أثناء زيارتها  لأبو ظبي لحضور بطولة العالم للجودو هناك، حيث فاز لاعب الجودو الإسرائيلي بالميدالية الذهبية.


وقالت الوزيرة الإسرائيلية بعد أن زارت المسجد: «أنا هنا في مسجد الشيخ زايد بن سلطان الأب المؤسس..هذا الجامع العملاق هو أضخم مسجد في العالم بعد مكة والمدينة.. مشيت هنا.. أنا هنا مع محمد المسئول عن الرياضة في البلد.. ويوسف المسئول عن المسجد.. الجوهر من الرسالة للمسجد هو وحدة الأخوة والسلام».


ونشر تغريدة على "تويتر" قال فيها: "جلبت لنا فخرا عظيما حيث تم بفضلك عزف نشيدنا الوطني لأول مرة في أبو ظبي".


وقال نتنياهو إن "تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية ودولة إسرائيل القوية تجري مباشرة أمام عيوننا على نطاق كان من الصعب أن نتخيله في السابق"، ورأى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن علاقات بلاده مع الدول العربية تتطور بشكل "يفوق الخيال"، معتبرا أن التهديد النابع عن إيران أسفر عن "تطبيع" بين إسرائيل ودول عربية، مؤكدا أن الزعماء العرب ليسوا عائقا أمام توسيع علاقات إسرائيل مع جيرانها من الدول العربية، مشيرا إلى أن الحاجز الذي تصطدم فيه إسرائيل وتخشاه دائما هو الشعوب العربية والرأي العام العربي.


وقال نتنياهو: "العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي"، مشيرا إلى أن هناك "تعاونا مثمرا بين إسرائيل ودول عربية وهو بشكل عام أمر سري إلا أنني واثق من أن العلاقات معهم ستستمر بالنضوج حيث سيسمح لنا ذلك بتوسيع دائرة السلام"، مشددا على أنه "دون اختراق الرأي العام العربي، فإن السلام سيظل باردا"، وتابع قائلا: "ومع ذلك فالسلام البارد أفضل من الحرب الساخنة".


وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأن علاقات إسرائيل بعدد من الدول العربية آخذة في التنامي، وأن هذه العلاقات مبنية على التصدي لتهديدات مشتركة وعلى قدرة إسرائيل على تزويد شعوب عربية بالمياه وبخدمات الطب والاتصالات".


وذكرت القناة العاشرة العبرية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التقى وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي بن عبد الله، في مدينة ميونخ الألمانية، في شهر فبراير، وأنه يسعى إلى زيارة دولة خليجية إضافية، من المرجح أن تكون البحرين.


وقالت عضو لجنة السياسة الخارجية والدفاع في الكنيست، كسينيا سفيتلوفا، لـ"نيزافيسيمايا غازيتا": ""من المعروف أن اتصالات إسرائيل مع دول الخليج بدأت قبل الاتفاق النووي الإيراني بفترة طويلة. من الواضح الآن غياب الاهتمام بالصراع مع إسرائيل. هناك (في الخليج)، على العكس، يتفهمون الحاجة إلى الخروج بطريقة ما من هذه المواجهة، لأنها غير مربحة لا لإسرائيل ولا للدول العربية.


ونشر الكاتب الإسرائيلي، شمعون آران، في تغريدة له على صفحته الرسمية على "تويتر"، أن دولة إسرائيل في تقارب، غير مسبوق، مع دول الخليج، حيث تشهد هذه الأيام ثلاثة أحداث، غير عادية، لم يسبق أن تكررت أو على الأقل، وقعت من قبل.


وأوضح المحلل السياسي لهيئة البث الإسرائيلية "كان"، شمعون آران، أن الأحداث الثلاثة تتمثل في لقاء رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مع السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، في العاصمة العربية، بالتوازي مع مشاركة فريق الجمباز في قطر، وكذلك فريق الجودو في الإمارات العربية المتحدة.


صفقة القرن وراء تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية

عن هذا الموضوع يقول الدكتور رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنه بعد المبادرة العربية التي أطلقتها السعودية عام 2002 في القمة العربية ببيروت بدأت نظرة الدول العربية لإسرائيل تتغير، وبدأت الدول العربية تحول عداوتها لإسرائيل إلى إيران، أو بينهم وبين بعضها، إلى جانب ظهور ما يسمى بصفقة القرن، والتي تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية، وهذه الإستراتيجية بدأ الآن تنفيذها، من خلال قيام المسئولين الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بزيارة بعض دول الخليج، ومشاركة الفرق الرياضية الإسرائيلية في بطولات في بعض دول الخليج، مثل سلطنة عمان والبحرين وقطر، والطيران الإسرائيلي أصبح يمر في الأجواء السعودية، ويطير من الرياض إلى تل أبيب.


وبالتالي: أصبح هناك توجه جديد في العالم العربي، وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وزاد من هذا التراجع الخلافات الفلسطينية الفلسطينية من ناحية والخلافات العربية العربية من ناحية أخرى، وهذا أدى إلى اعتماد الدول العربية وخاصة الدول الخليجية أمنيا على الولايات المتحدة بدرجة كبيرة، سواء في التسليح أو الحماية من خلال القواعد العسكرية الموجود في دول الخليج، بالإضافة إلى أن العالم العربي يمر بمرحلة ضعف شديدة جدا، تجسد في تدمير عدد من الدول العربية مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا، وكلها خصم من قوة الدول العربية، والمستفيد الأول من هذا الضعف هي إسرائيل، كما أن السعودية أصبحت تنظر لحركة حماس على أنها منظمة إرهابية، وهذا يتطابق مع موقف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من الحركة.     

                          

مستشارون يهود في دواوين الحكم بـ«دول الخليج»

ويقول الدكتور سعد الزنط مدير مركز الدراسات الإستراتيجية، إن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك هو أفضل من أدار علاقته بوعي وذكاء مع إسرائيل، وهو لم يقترب أو يبتعد في علاقته مع إسرائيل إلا طبقا للمصلحة العربية والمصرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.


وأضاف«الزنط»، أن أغلب الاستثمارات الموجودة في إسرائيل خليجية، وهناك مستشارون يهود في دواوين الحكم في دول الخليج، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قام بزيارة سلطنة عمان وسوف يقوم بزيارة دول خليجية أخرى قريبا، وبالتالي الخليج أصبح كنزا استراتيجيا لإسرائيل، لافتا إلى أن صفقة القرن التي يتم الحديث عنها برعاية الأمير محمد بن سلمان ستكون صفقة اقتصادية بين إسرائيل والدول العربية.


العرب يتآمرون على أنفسهم ثم يتهمون الغير بالتآمر عليهم

ويضيف الدكتور مختار غباشي، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن نظرية الكنز الاستراتيجي لإسرائيل محيرة، لكنها مرتبطة بعجز العالم العربي في معالجة قضاياه وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن الكنوز العربية بالنسبة لإسرائيل موجودة في العالم العربي ولها حقائق كثيرة مثل، العجز العربي لحل القضية الفلسطينية، وترك القوى الدولية تتحكم في مقدرات الأمة العربية، وتقبل العالم العربي لإهانات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكررة، وتسليم مصير المنطقة لقوى إقليمية ودولية، دون أن يكون هناك أي دور للدول العربية أو حتى لجامعة الدول العربية.


ولفت «غباشي» إلى أن العرب يتآمرون على أنفسهم ثم يتهمون الغير بالتآمر عليهم، متسائلا: أين المؤامرة في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بعد اعتراف المملكة رسميا بقتله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول؟ مؤكدا أن الوضع في العالم العربي محرج للغاية.