خطة أمريكا وإسرائيل «القذرة» لإسقاط الجيوش العربية
على وقع ما يحدث في العالم العربي من ثورات وانتفاضات منذ نهاية 2010 وحتى الآن، تعرضت الجيوش العربية لاختبار صعب، فمنها من سقط وتحول إلى ميليشيات متناحرة ومتصارعة، كما في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، ومنها من صمد وظل متماسكا مثل الجيشين المصري والتونسي، وهذا طرح الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، حول دور الجيوش العربية في الانتفاضات والثورات التي بدأت تجتاح العالم العربي منذ ثورات الربيع العربي في نهاية 2010، وهل كانت مجبرة على هذا التدخل، وحقيقة المؤامرة التي تتعرض لها الجيوش العربية، وهل هي ضحية الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة كما تقول بعض الدراسات ؟
دروس الربيع العربي
في سبتمبر 2018، وفي دراسة تم نشرها على موقع «المركز العربي للبحوث والدراسات»، الذي يترأس مجلس إدارته الكاتب الصحفي عبد الرحيم على، ومديره العام هو المفكر السيد ياسين (3 سبتمبر 1933 - 19 مارس 2017) بعنوان «استجابة الجيوش العربية لموجة الاحتجاجات الثورية: دراسة مقارنة بين مصر وسوريا» جاء فيها: شهدت المنطقة العربية احتجاجات شعبية واسعة النطاق منذ أواخر عام 2010 أدت إلى الإطاحة بأنظمة سلطوية كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، كما تزعزعت أركان أنظمة أخرى ولكن لم تسقط حتى وقت كتابة هذه الدراسة كما حدث في سورية، وهي الأحداث التي باتت تعرف لاحقًا بالربيع العربي، حيث كانت البداية في تونس، ثم مصر التي وصفتها معظم الأدبيات السياسية بأنها تحولت إلى أيقونة سياسية لباقي دول ثورات الربيع العربي.
وكما الحال في معظم الدول التي تشهد حدوث احتجاجات شعبية واسعة النطاق، والتي يكون هدفها إسقاط الحكومة أو حتى النظام بأكمله، عادة ما تلجأ القيادات السياسية - كوسيلة لقمع المتظاهرين- إلى طلب مساندة الجيوش، وذلك بعد أن تتراجع قوات الأمن أمام صمود المتظاهرين. وعليه يصبح البقاء السياسي للحكام، مرهونًا بالإجابة على هذا التساؤل "هل سيطيع الجيش الأوامر بالتصدي للمتظاهرين وإطلاق النار أم لا؟"، خاصة وأنه بحسب الأدبيات المتعلقة بالعلاقات المدنية العسكرية فإن دعم الجيش للثورة أو على الأقل حياده يمثل شرطا ضروريا لنجاح الفعل الثوري في إسقاط القيادة السياسية بالبلاد.
وفي اختبار عملي لمواقف الأجهزة الأمنية وخاصة مواقف الجيوش، فقد اختلفت ردود فعل الجيوش في البلدان العربية إزاء الأحداث رغم تشابه البيئة السلطوية، ففي تونس ومصر انحاز الجيش لصف المتظاهرين، أما في اليمن وليبيا فقد انقسم الجيش إلى نصفين واستطال الصراع، بينما في سورية فقد انحاز الجيش إلى النظام السياسي وقام بقمع المتظاهرين بالقوة مما أدى إلى بدء مرحلة من الصراع المسلح الذي سيطر على كافة أنحاء البلاد.
ومن بين النتائج التي توصلت لها الدراسة: أنه لا يوجد جيش بعيد عن السياسة، نظرًا لأن الجيش كمؤسسة يتعامل يوميًا مع شئون الحرب والدفاع، وقضايا أخرى ذات صلة بالأمن القومي، والتي تتراوح بين شئون عسكرية بشكل خالص، ومسائل متعلقة بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة، وهذا الأمر ينطبق على الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية، وكلما كانت تركيبة الجيش تعكس أغلبية لجماعة معينة سواء دينية إثنية عرقية كلما زادت احتمالية أن يقوم الجيش بقمع الاحتجاجات المطالبة وبالإصلاح وعلى العكس كلما كانت تركيبة الجيش تعكس المجتمع بفئاته المتنوعة، كلما زادت احتمالية أن يكون الجيش أكثر تسامحًا مع الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح.
أما توصيات الدراسة فجاءت كالآتى: تعطي أحداث الربيع العربي فرصة جيدة لجميع الدول العربية لمراجعة علاقاتها، المدنية العسكرية، بما يناسب طبيعة العلاقات المدنية العسكرية والتطور السياسي والتاريخي بكل دولة وبما يحقق مصالحها الوطنية في نهاية المطاف، وتأتي أهمية هذه التوصية خاصة في ضوء ما اتسم الربيع العربي بعلامة مميزة تمثلت في كيفية إدراك دور الجيوش العربية، حيث عادت الجيوش العربية بشكل أو بآخر لتلعب دور مشابه للدور السياسي الذي لعبته فيما قبل سبعينيات القرن الماضي، وذلك نظرًا للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الدول ما بعد الربيع العربي.
وعليه توصي الدراسة ببدء الدول العربية كل على حدة برنامج احترافي يهدف إلى مراجعة علاقاتها المدنية العسكرية يتعامل مع الجيش كمؤسسة وطنية ممثلة لجميع فئات المجتمع بما يحقق للجيش قدر من الاستقلالية المهنية مع الخضوع في ذات الوقت لمؤسسات الحكم المدني، فكما شكلت هزيمة يونيو 1967 نقطة انطلاق لبدء بعض الجيوش العربية تحديث جيوشها، يجب أن تشكل أحداث الربيع العربي فرصة تاريخية شاملة لجميع الدول العربية باختلاف درجة احترافية جيوشها للقيام بهذه المراجعة، لأنه وكما ترى الدراسة ليست من باب الرفاهية بل تؤثر مباشرة في صميم أمن واستقرار البلاد، فدروس الربيع العربي تثبت بما لا يقطع مجالا للشك أن الدرجة المرتفعة من تسييس الجيوش قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك وانهيار الدول.
خطة إسقاط الجيوش العربية
وفي أغسطس 2014 نشر موقع الأهرام تقريرا تحت عنوان «خطة أمريكا لدعم الإرهاب وإسقاط الجيوش العربية فى الشرق الأوسط»، جاء فيه: تمر منطقة الشرق الأوسط بأخطر مراحلها فى الوقت الحالى فبعد ثورات الربيع العربى تعرضت المنطقة لهجمة شرسة من جماعات إرهابية تحاول أن تسيطر على مجريات الأمور، والدخول فى عمليات اقتتال مع الجيوش النظامية كما يحدث فى سوريا والعراق وليبيا، وبجانب الحرب الشرسة التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
كل ما يحدث هدفه تغيير الوجه الحقيقى لمنطقة الشرق الأوسط وتقسيمها الى دويلات لتبقى إسرائيل القوة الوحيدة فى المنطقة، وتستطيع الولايات المتحدة أن تتمتع بالقدر الأكبر من ثروات تلك المنطقة الحيوية.
وإذا نظرنا بعمق على توجهات الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط نجد أنها تنفذ خططا طويلة الأجل من أجل تدمير القوة العربية كاملة وتفتيت الدول لدرء أى مخاطر عن مصالحها بمساندة بعض دول المنطقة، وبخاصة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الموسع، والقضاء على محور الشر الذي أعلن عنه من قبل الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش فى عام 2001 بعد أحداث 11سبتمبر، وكان يقصد وقتها العراق وإيران وسوريا.
واستطاع البنتاجون الأمريكى أن يضع خططه من أجل الوصول لذلك الهدف من خلال تدمير الجيوش العربية وجعلها بلا قوة قد تعمل على مواجهة أى خطط ترغب فى تنفيذها، وجاءت البداية فى عام 2003 وبعد الاحتلال الأمريكى للعراق، ومع تعيين بول بريمر كأول حاكم أمريكى للعراق قام باتخاذ قراره الأول بحل الجيش العراقي، وهو الأمر الذى لم يحدث فى أى دولة فى العالم من قبل، فالجيش يعنى هوية الدولة، كما يعنى الاستقرار لها ومواجهة أى عمليات داخلية أو خارجية، وحتى لو كان منكسرا بعد حرب لا يمكن أن يتم حله إلا لو كانت هناك أسباب تهدف إلى ذلك، وهي أسباب تصب جميعها فى مصلحة الولايات المتحدة، وأهمها جعل العراق بلا هوية لإعادة تشكيلها من جديد والعمل على تقسيمها دون أية مقاومة، إلا أن المخطط الأمريكى ازداد شراسة مع دخول تنظيم القاعدة فى الأراضى العراقية وتم تدمير ما تبقى من كيان وهوية الدولة العراقية، مما جعل العراق تبتعد عن الصورة الإقليمية ؟، بعد أن كانت قوة مؤثرة بشكل كبير فيها.
جيوش في خبر كان
وفي 2016 نشر موقع الوطن تقرير بعنوان «جيوش «فى خبر كان»: سقوط مرعب للقوات المسلحة «على أساس طائفى»، جاء فيه:
الربيع.. أحد فصول السنة الذى يتميز بالمناخ المعتدل، وتفتُّح الزهور، والأجواء الهادئة، ينتظره الإنسان من عام إلى آخر للتنزُّه والاستمتاع، إلا أنه بظهور ربيع جديد فقد يكون المعنى تغيَّر لدى البعض فى منطقة الشرق الأوسط، لما أتى به على عدد من الدول العربية، فالمناخ المعتدل تحول إلى قارِّى، و«ماتت» الزهور والورود، واشتعلت الأجواء.. إنه «الربيع العربى» الذى انتهى بانهيار 4 جيوش عربية نظامية فى المنطقة، حتى لم تعُد قادرة على حماية شعوبها من الصراعات أو الإرهاب.
الجيش الليبى، الذى يعانى عديدًا من الانشقاقات، كان أول ضحايا الجيوش العربية من «الربيع العربى»، لولاء كل مجموعة لتيار معيَّن، أو بسبب النظام القبلى القائمة عليه ليبيا.
أما عن اليمن، فيقول الدكتور حمزة الكمالى، عضو مؤتمر الحوار الوطنى والناشط السياسى، إنه «بعيدًا عن الربيع العربى، لم يكُن لليمن جيش وطنى»، واصفًا إياه بـ«جيش عائلى» يخدم مصالح الرئيس السابق على عبدالله صالح وأسرته على مدار 3 عقود، ولم يقف يومًا فى صف الشعب اليمنى، مشيرًا إلى أن فى اليمن الآن عدة تشكيلات عسكرية، أولها الحرس الجمهورى الذى ساعد الرئيس السابق، والذي كان يقوده نجله أحمد على عبدالله صالح، ويضم 24 لواءً، والفرقة الأولى مدرعات التى قال إن موقفها كان وطنيًا إلى نهاية المطاف، وثالثًا الأمن المركزى وعدة تشكيلات أخرى.
وعن الجيش السورى، أرجع المحلل السياسى السورى تيسير النجار انهياره إلى عام 1963، حين كان الجيش السورى جيشًا وطنيًا، قبل ما حدث من انفصال فى ستينات القرن الماضى، مشيرًا إلى أن مجموعة آنذاك كانت تتحرك من أجل عودته جيشًا وطنيًا، وبعدها كان أتباع حزب البعث فى الجيش هم المنظمين الوحيدين، الذين استطاعوا تسريح الناصريين فى الجيش، وبعدهم الضباط الوطنيون، ثم السنيون، وبعثيُّو العراق أيضًا، ليتبقى فقط أتباع البعث السوريون، مما أضعف الجيش السورى، إلى أن أُطلِقَ اسم «جيش الأسد» على الجيش السورى، فى الثمانينات، وأصبح يحمى أسرة «الأسد» وتَغيَّرَت كل أهدافه.
أما الجيش العراقى، فقال الدكتور حسن الجنابى، أستاذ العلوم السياسية وعضو البرلمان العراقى السابق، إن بداية انهيار الجيش العراقى كانت فى 2003 عندما قرَّر الاحتلال الأمريكى حلّ الجيش وتدمير الأجهزة الأمنية فى البلاد للسيطرة على النفط، بعد أن كان جيش الأمة العربية، وحارس البوابة الشرقية للأمة العربية، وتَصدَّى لإيران ضد التطلعات الفارسية، مضيفًا أن «الجيش العراقى بُنِى بعد ذلك بطريقة خاطئة، عندما جاء الاحتلال الأمريكى بعصبة من المافيا يمتلكون الجنسية العراقية وتسجلهم وزارة الدفاع»، مؤكدًا أنهم غير قادرين على حماية المواطنين، وأنه فى 2015 فقط استُشهد 25 ألف مواطن على أرض العراق.
وأضاف «الجنابى» أن «داعش» له دوره، باعتباره «أكذوبة كبيرة صنعتها أمريكا للتدخل فى أرض العراق لتحارب ما تبقى»، مشيرًا إلى أنه عبارة عن «منظومة» من «المنظومات الصغيرة» التى يصنعها الموساد الإسرائيلى.
وأكد «الجنابى» أن العقيدة العسكرية العراقية الآن «منتهية»، وأن أفراد الجيش عبارة عن قطع شطرنج جاءوا من أجل الرواتب، ولكن العقيدة التى من الممكن الاستشهاد من أجلها غير موجودة، مضيفًا: «لا بد أن يُعاد بناء الجيش على أساس وطنى لا طائفى، عن طريق تجنيد المواليد المناسبة من كل أطياف الشعب العراقى، ويتم تسريح المذهبيين والطائفيين، مشيرًا إلى أن 56 فيلقًا من القوات الأجنبية دخلوا الجيش العراقى، فيجب تطهيرهم لأنهم ينفذون العمليات الإجرامية بالبدلة العسكرية، وبذلك نضمن تكوين جيش جديد له حِسّ وطنى، وولاء للبلاد، بعيدًا عن الطائفية والمذهبية المتفشية في الجيش.
الجيش المصري الصامد
و قال اللواء محمد الشهاوى، رئيس أركان الحرب الكيميائية السابق، ومستشار كلية القادة والأركان في تصريحات له، إن هناك مخططا تنفذه الدول الأوروبية؛ لتفتيت الدول العربية وتدمير الجيوش وهو ليس وليد اليوم ولكنه حدث بعد الحرب العالمية الأولى، ووعد بلفور 1917 وإنشاء وطن قومي لليهود، بالإضافة إلى أنه عام 1907 كان رئيس وزير بريطانيا قد أصدر وثيقة بـ3 محاور أولها «تفتيت الدول العربية وعدم توحدها ومنع التكنولوجيا المتقدمة عن الدول العربية وإغراقها في الجهل، فضلا عن إثارة الفتن الطائفية والنزاعات العرقية وزرع الكيان الإسرائيلي في المنطقة»، وأشار إلى أنه حينما غزت أمريكا العراق في 2003 قام الحاكم الأمريكي بريمر بحل الجيش العراقي وهو أقوى الجيوش العربية، وفى سوريا الآن وليبيا واليمن تكرر نفس السيناريو، ولم يبق إلا جيش مصر الذي يعد «عامود الخيمة» للدول العربية، واستطاعت ثورة 30 يونيو التي قام بها الشعب وساندها الجيش إحباط هذا المخطط.
وتابع: «ومازالت حرب الإرهاب بالوكالة عن هذه الدول دائرة في مصر إلا أن الجيش العاشر على العالم هو الذي يحمى الأمن القومي المصري والعربي ويحقق إنجازات في الحرب على الإرهاب، بالإضافة إلى أن دولًا ذات ثقل عسكري مثل روسيا تطلب تدريبات مشتركة والولايات المتحدة الأمريكية أيضا للاستفادة من الخبرات المصرية في المجال العسكري وهذا يدل على صمود الجيش رغم كل محاولات التفتيت.
ويقول اللواء عبد الرافع درويش الخبير العسكري والاستراتيجي، إن هناك خوفًا ورعبًا في إسرائيل من تنامي قوة الجيش المصري، لأنه يقف حجر عثرة أمام تحقيق حلم إسرائيل «من النيل إلى الفرات»، كما أن قوة المقاتل المصري تقلق إسرائيل، ويجعلها تعيش دائما في رعب، لاسيما وأنها تشعر أن الدخول مع مصر في حرب ستكون الغلبة لصالح الجيش المصري.
وأضاف «درويش» أنّ أمريكا تسعى لضمان أمن إسرائيل لمائة عام قادمة، من خلال تدمير الجيوش العربية كما حدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وكما يحدث الآن مع السعودية والإمارات ومصر، وتأليب الشعوب العربية على جيوشها، وهذا يتطلب من الدول العربية التعاون وإنتاج السلاح وعدم الاعتماد على الدول الأخرى، مؤكدا أن الخطة الأمريكية تقوم على إسقاط الجيوش العربية كمقدمة لإسقاط الدول العربية، وكله يدخل في إطار المؤامرة الدولية على الدول العربية.
لا تسعى إلى السلطة
من ناحيته، يرى اللواء محمود زاهر، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن الكثير من الجيوش في العالم، وخاصة الجيوش العربية، لا تسعى إلى السلطة، ولكنها تضطر للتدخل في العمل السياسي، لأنها المؤسسة الوحيدة في الدولة المتخصصة في مسائل الأمن القومي ولديها دراسات عن الوضع الداخلي للدولة، بالإضافة إلى أن الشعوب العربية غير مهيأة لإدارة نفسها بنفسها.
وأشار «زاهر» إلى أنّ الجيوش التي تسعى إلى القمع والبطش مع شعوبها تصبح عرضة للثورات، أما الجيوش التي تتمسك بالأمانة والصدق وتعامل شعوبها بكرامة وليس لديها مطامع في السلطة فتكون مقبولة ومحبوبة من جانب الشعوب مثل الجيش المصري الذي أصبح مثالا يحتذى به في الأمانة في العالم العربي، لأنه اكتسب الكثير من الخبرة، كما أن الجيوش التي تقوم على الأيديولوجية والمذهبية تكون عرضة للسقوط والانقسام والتفتت، كما حدث مع الجيش اليمني والليبي، مؤكدا وجود مؤامرات حقيقية لإسقاط الجيوش العربية، وعلى رأسها الجيش المصري، من أجل إسقاط الدول العربية وتقسيمها طبقا للمخطط الأمريكي الإسرائيلي.
الدولة المدنية الحديثة
ويقول العميد صفوت الزيات الخبير العسكري والاستراتيجي، إن السبب الرئيسي في تدخل الجيوش العربية في العمل السياسي، هو عدم وجود الدولة المدنية الحديثة، التي تقوم على وجود مؤسسات وتداول للسلطة والفصل بين السلطات والاحتكام للقانون والدستور وحقوق الإنسان، وكذلك بقاء الحكام في السلطة مدة طويلة، وعدم قيامهم ببناء الدولة المدنية الحديثة، مثل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، الذي ظل في الحكم أكثر من 40 عاما، والرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح، والرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي ظل في السلطة ما يقرب من 30 عاما، وكذلك عدم وجود صيغة محددة تحكم العلاقة بين المدنيين والعسكريين أو ما يسمى بالعلاقات المدنية العسكرية.
ونوه بأن إسرائيل هي مثال واضح على تلك العلاقة، لافتا إلى أن الكثير من الجيوش العربية تضطر إلى إدارة الدولة بعد قيام الثورات، منعا لانهيار الدولة وسقوطها، وبالتالي العيب ليس في الجيوش فقط، ولكن في المدنيين الذين يصبحون غير مؤهلين لإدارة شئون البلاد بعد سقوط الأنظمة، وبالتالى جوهر المشكلة في العالم العربي التي تدفع الجيوش للتدخل في العمل السياسي هي عدم وجود الدولة المدنية الحديثة وعدم وجود علاقات مدنية عسكرية وهذه العلاقات تحتاج الى قناعة من المدنيين والعسكريين معا، وهذه العلاقة هي من تحدد طبيعة العلاقة بين مؤسسة الحكم وبين المؤسسة العسكرية بحيث يتفرغ العسكريون لشئون الدفاع ويتفرغ المدنيون لإدارة شئون الدولة.
وتابع: وهذا يؤدي إلى زيادة فكرة الترابط الداخلي للجيوش لأن الجيوش عندما تنغمس في السياسة يحدث قدر من الانفصال وتعدد الآراء والانقسام كما يحدث الآن في السودان، التي تدفع الآن ثمن 30 عاما من الحكم العسكري الاستبدادي، الذي أدى لتأخر وتخلف الدولة، وفي ليبيا حول القذافي الجيش الليبي إلى كتائب منفصلة وعين أقاربه لقيادة هذه الكتائب، وبالتالي عندما قامت الثورة ووصل الثوار إلى العاصمة وانتهى عصر القذافي لم يجدوا دولة ولا مؤسسات دولة، والعيب الأساسي هو عدم وجود دولة مدنية حديثة في العالم العربي، وعدم وجود حرية تعبير أو فكر وعدم وجود تداول سلمي للسلطة وعدم وجود نخب قوية تستطيع إدارة شئون الدولة، وعدم وجود برلمانات منتخبة حرة وعدم وجود نخب سياسية قادرة على ادارة شئون الدولة، وهذا هو جوهر المشكلة.
وأكد أن الجيوش انهارت فى هذه الدول؛ لأنه لا يوجد دولة مدنية حديثة، وعندما تصبح هناك دولة مدنية حديثة وتداول سلمي للسلطة وفصل بين السلطات وحريات في العالم العربي فسوف لا نرى تدخلًا من الجيوش في السياسة، مؤكدا أن إسرائيل من مصلحتها إضعاف الجيش المصري، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإضعاف الجيش المصري لصالح إسرائيل، وبالتالى الجيوش العربية مظلومة ومضطرة للتدخل في العمل السياسي لأن هناك من يستدعيها للقيام بهذه المهمة ثم تستهلك في الحياة السياسية وتصبح غير مرضي عنها لأن إدارة الشأن السياسي فيها رضى وفيها عدم رضا.
وأكد أنه من أنصار تفرغ الجيوش للمهمة الأساسية وهي مهمة الدفاع وهذا لن يحدث قبل قيام الدولة المدنية الحديثة وعندما تكون هناك علاقات مدنية عسكرية وعندما يخضع القائد العسكري للرئيس المدني المنتخب مثلما يحدث في إسرائيل وعندما نتفق جميعا على الشفافية والمحاسبة والمسئولية، وتفرغ كل طرف في تخصصه، وعندما يحدث ذلك فلن نجد ما يحدث الآن، وبالتالي لا يجب أن نظلم الجيوش العربية.