رئيس التحرير
خالد مهران

الحرب الأمريكية على إيران.. «فنجرة بق» هدفها «حَلب» دول الخليج

أرشيفية
أرشيفية


تشهد المنطقة العربية اشتعالًا فى الأجواء السياسية؛ لاسيما بعد تطور الأحداث والتفجيرات التي تُنذر بإشعال الحرب بين بين إيران وأميركا؛ فمنذ وصول دونالد ترامب لـ«كرسي الحكم» في أمريكا وهو يطلق قنابله في كل اتجاه لإشعال العالم من حوله، ليُخير الجميع ما بين إحراق الأرض التي عليها أو سلب أموالهم بدعوى حمايتهم.


وسارعت منطقة الخليج لتسديد فاتورة الحماية لاتقاء شر «ترامب»، ودفعت 400 مليار دولار مقسمة على السعودية والإمارات والكويت وقطر ولكن الأخيرة غردت خارج السرب ورفضت دفع المبلغ معهم ولكنها عانت حصارًا اقتصاديًا خانقًا من تلك الدول إضافة إلى مصر ولكنها رغم خروجها عن الصف إلا أنها دفعت حصتها بصورة أخرى.


كل فروض الطاعة تلك التي أظهرتها دول الخليج كانت على أمل أن تحظى المنطقة باستقرار تحت رعاية العم سام ولكن « ترامب» وهو رجل أعمال يهمه جنى الأرباح في المقام الأول ويعي جيدا من أين تُؤكل الكتف وهو أستاذ في سياسة البلطجة وجني الأموال ويعلم جيدًا أن الجمهورية الإيرانية وما لها من أصابع عدة في إشعال المنطقة هي «البعبع» والخصم الأمثل لمص دماء حكام المنطقة وعليه فقد أصدر ترامب قرارًا بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، والذي أبرمته أمريكا في عام 2015 تحت رعاية الرئيس السابق باراك أوباما ولم يكتفِ بذلك بل سارع بفرض عقوبات اقتصادية عليها محذرا الدول الأخرى من مغبة المضي قدمًا في هذا الاتفاق.


ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وترامب يقرع طبول الحرب لإفزاع دول المنطقة رغم أنه يدرك جيدا أن فاتورة الحرب باهظة الثمن ولن تقوى الولايات المتحدة على دفع ثمنها فرجل الأعمال الذكي هو من يلوح بالحرب لجني ثمارها ولا يدخل في رحاها والمواجهة المباشرة بين إيران وأمريكا ليست في مصلحة الأخيرة فهو (أى ترامب) في المقام الأول يريد أن يحافظ على المكاسب التي حققتها سياسته منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة فقد أنعشت تلك السياسات خزينة الولايات المتحدة الأمريكية.


وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن سوق العمل الأميركي وصلت نسبة البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ خمسين عامًا، فيما يُعتبر التحدي الأكبر الذي نجحت به سياسة الرئيس الأميركي، هو إبقاء نسب التضخم عند مستويات متدنية.


وبحسب أحدث الإحصاءات التي نشرتها السلطات الأميركية فإن نسبة البطالة تراجعت في الولايات المتحدة إلى 3.6% خلال شهر أبريل الماضي بعد أن أضاف سوق العمل أكثر من 263 ألف وظيفة جديدة، بما يعني تسجيل الولايات المتحدة أدنى نسبة بطالة منذ خمسين عامًا، أي منذ العام 1969.


تلك المكاسب تجعل الرئيس الأمريكي لا يغامر بالدخول في حرب مباشرة خاصة وهو على أعتاب التجهيز للانتخابات الرئاسية المقبلة ولكنه يعي أنه بمجرد التلويح فقط بالحرب أو استهداف أهداف ثانوية قد يؤدى بالغرض الذي يعود بالنفع على دولته وخير دليل على ذلك تلك الصفقة التي أبرمتها المملكة السعودية بقيمة 110 مليارات دولار.


تفجير الناقلات النفطية ليس عملًا جديدًا، كما أنّ توجيه أصابع الاتهام لإيران ليس أمرًا غريبًا فهذا الأمر حدث من عقود طويلة، وتحديدًا منذ تفجير ناقلات النفط الكويتية إبان الحرب العراقية – الإيرانية.


فقد اتّهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران بالوقوف خلف هجوميين استهدفا ناقلتي نفط في بحر عمان رغم نفي طهران، في حرب كلامية تعكس التوتر المتصاعد في هذه المنطقة الحيوية.


وتعرضت ناقلتا نفط نيروجية ويابانية لهجمات لم يحدّد مصدرها فيما كانتا تبحران قرب مضيق هرمز، الممر الاستراتيجي الذي يعبر منه يوميا نحو ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحرًا.


ويأتي ذلك بعد شهر على تعرّض أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط في 12 مايو لعمليات "تخريبية" لم يكشف عمن يقف خلفها. وأشارت واشنطن في حينها بالاتهام إلى طهران.


فور اتهام «ترامب» لطهران بالوقوف خلف تفجير الناقلتين سارع وزير الخارجية جواد ظريف، بنفى الأمر وقال إن الهجوم على النّاقلتين العِملاقتين أمر “مُريب” ومُثير للشّبهات، لاسيما أن الناقلتين تحمِلان نِفطًا إلى اليابان في وقتٍ يتواجد فيه رئيس وزرائها شينزو آبي في طِهران، ليلتقي المُرشد العام علي خامنئي والرئيس حسن روحاني في إطار وِساطَة لتخفيف التوتّر بين إيران وأمريكا ومنع اندِلاع الحرب.


فيما أكد «ترامب» في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" أن "إيران قامت بهذا الأمر"، مستندًا إلى تسجيل مصوّر بالأبيض والأسود نشرته القيادة الوسطى في الجيش الأميركي وقالت إنّه يظهر زورقًا سريعًا للحرس الثوري الإيراني يزيل "لغما مغناطيسيا لم ينفجر" عن جسم إحدى الناقلتين.


حرب تفجير الناقلات النفطية ليست وليدة اليوم فقد عاشت المنطقة العربية نفس الأجواء من قبل وتحديدًا منذ الحرب الإيرانية - العراقية ومنذ ذلك الوقت عرفت التفجيرات النفطية طريقها إلى مياه الخليج والمنطقة إبان تلك الفترة؛ فإيران أرادت الردّ على هجمات العراق على مرافقها النفطية آنذاك باستهداف الكويت، وتحديدًا ناقلاتها النفطية.


وبعد فشل الوساطة وقتها، لجأت الكويت إلى الرئيس الأميركي، حينها، رونالد ريجان، الذي وافق على منح الحماية، وانخرطت واشنطن في عملية عسكرية كبيرة ضد نشاطات إيران الملاحية في مياه الخليج.


ولأن القانون الأميركي يمنع قيام القوات الأميركية بحماية سفن أجنبية، جرت إعادة تسجيل السفن الكويتية ورفع العلم الأميركي عليها. بين عامي 1987 و1988، حيث كانت الناقلات الكويتية تبحر بمرافقة القوات البحرية الأميركية، دارت معارك في تلك المنطقة، أغرقت فيها قوارب إيرانية ونفذت عمليات سرية في عرض البحر ضد مواقع إيرانية تولت مهام زرع الألغام البحرية، ووصل التوتر إلى مرحلة أن أسقطت خطأ طائرة إيرانية مدنية فوق مياه الخليج، عندما أطلقت البحرية الأميركية صاروخًا أصاب الطائرة وقتل ركابها المائتين والتسعين. انتهت حرب الثماني سنوات سريعًا بعدها.


المؤيدون لفكرة ضلوع إيران فى تلك التفجيرات يرون أن تلك التفجيرات ستزيد من أسعار النفط عالميًا، وبناءً عليه قد يضطر الرئيس الأميركي للتراجع، وإنهاء الحصار الاقتصادي. وبالتالي، ليس هناك ما يدعو للشك في أن إيران خلف الهجمات، ولها دوافع واضحة وتنسجم مع تهديداتها المتكررة صراحة على لسان مسئوليها باستهداف الملاحة في مياه الخليج.


إيران لن تكتفي بضرب بضع ناقلات أخرى لاحقًا، حتى الآن أصابت ستًا. والأرجح أنها ستتجرأ على ما هو أبعد من ذلك، باستهداف مرافق بحرية ثابتة، كما فعلت إبان حرب الثمانينات، حتى تدفع بالأمور نحو المواجهة أو التنازل لمطالبها.


فالحرب المباشرة ليست هى الخيار الأمثل فتلك الحرب لا تريدها دول الخليج ولا حتى الولايات المتحدة؛ لأن تلك الدول تجد في العقوبات الاقتصادية سلاحًا مريحًا لها. إيران تنزف ماليًا واقتصاديًا كل يوم، وستصل إلى مرحلة من الضعف، وحتى الانهيار، لو استمرت هكذا لفترة من الزمن، ولأنها تعرف ذلك جيدًا فهي تريد فرض واقع مختلف. وهنا، بسبب التصعيد، قد تلجأ الدول المستهدفة، تحديدًا السعودية والإمارات، إلى خيار الثمانينات؛ ببناء قوة دولية بحرية في الخليج تتعقب القوارب الإيرانية المكلفة التلغيم، ومواجهتها وملاحقتها. قد تتطلب خطوات كهذه موافقة مجلس الأمن، وستجد تأييدًا من الجميع، ربما باستثناء روسيا التي غالبًا ستقبل وفق صيغة مناسبة.


من جانبه قال الدكتور محمد السعيد إدريس مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والخبير في الشأن الإيراني لـ "النبأ": «ليس من الوارد حاليًا قيام حرب بين من الولايات المتحدة والجمهورية الإيرانية رغم تصاعد حدة الأزمة والحرب الكلامية بينهما فهناك صراع إرادة تحاول فيه الولايات المتحدة بشتى الطرق إسقاط النظام وإخضاع إيران لرغباتها عبر إيجاد نظام حليف لها لا يقف حجر عثر أمام تسيد إسرائيل المنطقة العربية».


وتابع: «فهي الدولة الوحيدة التي تعارض مشروع السلام الأمريكي بالمنطقة ويقف التمدد الإيراني حائط صد أمام تمرير هذا المشروع الذي عقد أولى خطواته بالمنامة منذ عدة أيام للتطبيع مع إسرائيل بموافقة عدة دول عربية على عكس الجمهورية الإيرانية التي لا تعترف بدولة إسرائيل حتى الآن وتدعم كل سبل المقاومة والمنظمات التي تعارض ذلك ويترتب على ذلك وصف تلك الكيانات بالإرهابية لمجرد أنها تعارض ذلك المشروع ولذلك فإسقاط النظام الإيراني هو غاية لكل من أمريكا وإسرائيل والإثنى عشر شرطًا الذي تحدث عنهم وزير خارجية أمريكا لاستئناف مفاوضات بلاده مع إيران دليلاُ على ذلك والتي جاء فيها التخلي عن البرنامج النووي وتطوير الصواريخ التي تعد مصدر تهديد بالغ القوة على دولة إسرائيل فالتخلي عن تلك البرامج سواء النووية أو الصاروخية يعد مسمارًا في نعش النظام الإيراني ويتحول بموجبه من نظام شرس يستطيع اليوم أن يضرب إسرائيل مباشرة أو عبر أطراف أخرى إلى نظام مستأنس سهل القضاء عليه».


وأضاف «إدريس»: «ستستمر الإدارة الأمريكية في فرض العقوبات الواحدة تلو الأخرى لخنق النظام حتى تدفع الشعب الإيراني لخلع النظام فرغم توحد الشعب لمواجهة الخطر الخارجي إلا أنه في مرحلة ما سينفجر من جراء الوضع الاقتصادي الخانق المفروض عليه دوليًا فالأزمة تلقي بظلالها على المنطقة كلها وتصب في مصلحة إسرائيل وأمريكا التي تجني عشرات المليارات من جراء بيع صفقات السلاح لدول الخليج تحسبًا لحرب وشيكة مع إيران.