أتون القدر «31»
واستصرخت إسرائيل أمريكا التي فتحت لها خزائن ترسانتها العسكرية على مصرعيها وبدأت جسرًا جويًا هائلًا إلى إسرائيل يزودها بمئات الدبابات والطائرات والمدافع وكانت كلها معدات حديثة تمامًا لم يتم استعمالها.
وبدأ الضغط الإسرائيلي على الجبهة السورية يؤتي ثماره في صورة خسائر ضخمة للجيش السوري وبدء تراجعه في الجولان واستنجد الأسد بالسادات طالبًا منه دفع الجيش المصري إلى منطقة المضايق وسط سيناء لتخفيف الضغط اليهودي على الجيش السوري، واتخذ السادات أكبر قراراته العسكرية خطأ وإن كانت لها ما يبررها سياسيًا لمساعدة حليفه السوري فقد أمر السادات بتقدم الفرقة الرابعة المدرعة إلى وسط سيناء عند المدخل الغربي للمضايق.
وبمجرد خروج الفرقة من نطاق حماية حائط الصواريخ المصري إنهال عليها الطيران الإسرائيلي وفي عضون أربع ساعات كان قد دمر حوالي 246 دبابة من دبابات الفرقة البالغ عددها 250 أي أنه أباد الفرقة عمليًا وعندما علم قائد المنطقة الفريق سعد مأمون بهذه الكارثة سقط مغشيًا عليه وأصيب بأزمة قلبية شديدة ونقل على أثرها فورًا للمستشفى.
ودار لغط شديد حول هذه الكارثة وحاول السادات تحميل رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي بهذا الخطأ، الذي كان من نتائجه تمكن إسرائيل من فتح ثغرة عمقها حوالي عشرة كيلو مترات في منطقة المفصل بين الجيشين المصري الثالث في منطقة السويس والثاني في منطقة الإسماعيلية وتمكن القائد الإسرائيلي شارون من اقتحام الثغرة المذكورة وعبور البحيرات المرة إلى الضفة الغربية للقناة بسبع دبابات برمائية فتحت الطريق خلال ايام إلى عبور سبع لواءات إسرائيلية مدرعة حوالي (700 دبابة) نجحت في الاتجاه جنوبًا وحصار الجيش المصري الثالث كله الموجود غرب القناة من الخلف حتى وصلت لميناء الأدبية.
وقفت مصر ووقف العالم في حالة انبهار بل ذهول بما يجري جيش مصر ينجح في تدمير خط بارليف ويعبر القناة إلى الضفة الشرقية ويتمسك بالجسر الذي احتله منها ويقاتل قتال المستميت دفاعًا عنه وجيش إسرائيل ينجح في عبور معاكس لقناة السويس في منطقة المفصل بين الجيشين المصري الثاني والثالث ويطوق الجيش الثالث من الخلف غرب القناة وتوقف الأمم المتحدة القتال على هذا الوضع يوم 22 أكتوبر.
وهنا جاءت لحظة أمريكا الذهبية لدخول الساحة بوزير خارجيتها الذئب الصهيوني العجوز هنري كيسنجر لتملي على المنطقة الحلول التي تناسب مصالح أمريكا وحدها أولًا وأخيرًا بالنسبة لإسرائيل أدركت تمامًا أن بقاءها مرهون برضاء أمريكا وإنه لولا الجسر الجوي الضخم الذي أنقذها من الدمار التام لما بقيت دولة، وبذلك لم يعد هناك مكان للعنجهية التي أبدتها إسرائيل سنة 1967 بعد نصرها الخاطف والذي بدأ بتعبير زعمائها مثل موشيه ديان يرددون أن إسرائيل قد أصبحت قوة كبرى ذاتية لا تحتاج لحماية من الخارج أصبح واضحًا تمامًا لها شعبًا وحكومة أن رضاء أمريكا من رضاء الله وأن أوامرها سفر جديد يضم إلى أسفار التوراة.
وبالنسبة للسادات والأسد أصبح أمله في مكاسب سياسية بجنونها من الحرب مرهون بمساعدة أمريكا لإرغام إسرائيل على الانسحاب من الأرض العربية وكان هدف الذئب العجوز الصهيوني كيسنجر هو إخراج مصر تمامًا من الصراع الإسرائيلي تمهيدًا لحله مستقبلًا حلًا أمريكيًا نهائيًا.
أول صلح عربي إسرائيلي:
كان واضحًا أنه بدون مصر لا يمكن للعرب شن حرب على إسرائيل ولذلك يتعين إخراج مصر من الصرع ودون الدخول في كل تفاصيل الخطوات التي تمت على الساحتين السياسية والعسكرية ساعدت أمريكا السادات على صلح منفرد مع إسرائيل بمعاهدة كامب ديفيد سنة 1979 بين مصر وإسرائيل ولكن طبعًا كانت المعاهدة تكبل مصر بقيود إبقاء سيناء منزوعة السلاح ودخول مصر دون مواربة في منطقة النفوذ الأمريكي عسكريًا بتغيير تسليح جيشها إلى السلاح الأمريكي بدلًا من الروسي واقتصاديًا بانفتاح الاقتصاد المصري تمامًا على الاقتصاد الغربي وتحوله إلى اقتصاد استهلاكي تابع أدى لقيام طبقة جديدة من فاحشي الثراء الفجائي ليس عن طريق تصنيع وانتاج أساسًا وإنما عن طريق الوكالة أساسًا للإنتاج الغربي والأمريكي في السوق المصرية وأصبحت هذه الطبقة عامة حكم السادات التي يختار منها الوزراء بل والأصهار لأسرته ولدائرته الضيقة وكان طبيعيًا والحالة هذه أن يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرًا حتى تصل الأوضاع إلى درجة الانفجار الاجتماعي نتيجة موجة غلاء فجائية في أسعار السلغ الغذائية الأساسية.
وكان الانفجار يومي 18 و19 يناير سنة 1977 وهنا ارتكب السادات غلطة عمره فسمى الانفجار انتفاضة حرامية وبدل أن يعالج جذوره الاجتماعية أطلق قوى أقصى اليمين الفاشي الديني من عقالها، وأخرج الكثير من سجناء الإخوان المسلمين من سجونهم حتى يقفوا معه في حربه ضد اليسار الذي كان في اعتقاده وراء انتفاضة الحرامية وسنعطى تفصيلًا في الفصل القادم كيف نشأ الإسلام السياسي الحديث وتطور حتى دخل مع الدولة في عدة مواجهات دامية كان النصر فيها دائمًا للدولة.
المهم هنا هو أنه عندما انطلق اليمين الديني الفاشستي من عقاله على يد السادات استطاع بسرعة فائقة إعادة تنظيم صفوفه وتشكيلاته السياسية والعسكرية السرية المسلحة ولما حاول السادات وضع حد لنفوذ هذا التيار قامت خلايا مسلحة تابعة له باغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981 وهو يحتفل بذكرى نصر أكتوبر وسط جيشه.
نعود للذئب العجوز كيسنجر وموقفه مع سوريا بعد اتفاق وقف القتال سنة 1973 قرر ألا يعطي للأسد ما أعطاه للسادات من إعادة أرضه المحتلة له حتى ولو كانت منزوعة السلاح، فلم تنسحب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة واكتفى كسينجر بترتيب انسحاب محدد جدًا وبذلك ضمن اتساع الخلاف بين سوريا ومصر، وبدأ شريكا الحرب يتبادلان الاتهامات بالخيانة والعمالة ونحوها من الشعارات العربية الشهيرة.
ووجد السادات أن لم يعد في حاجة إلى جبهة عربية تسانده فقد حصل على ما يريد فأدار ظهره للعرب وسار في صلحه المنفرد مع إسرائيل الذي وقعه سنة 1979 وكانت النتيجة أن حشدت سوريا أغلبية دول الجامعة العربية وعلى رأسها العراق والسعودية في صفها فيما عرف بجبهة الصمود والتصدي وتم تجميد علاقات مصر مع الجبهتين حتى انتهى الأمر بطرد مصر من الجامعة العربية فر ربيع سنة 1979 بمجرد توقيعها لمعاهدة الصلح مع إسرائيل كما نقل مقر الأمانة العامة للجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.