رئيس التحرير
خالد مهران

«أتون القدر 40»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



موجات التطرف الديني والإرهاب:



دون مقدمات وقع في سنة 1965 حادث ضخم في تاريخ الإسلام السياسي وهو المعروف بقضية سيد قطب الذي بدأ حياته ناقدًا أدبيًا ثم سافر للدراسة في أمريكا.



ولد سيد قطب في إحدى قرى أسيوط سنة 1920 ومنذ سن مبكر كان له نشاط سياسي ديني إلى جانب ولعه بالنقد الأدبي وفي سنة 1948 سافر إلى أمريكا لمدة عامين في منحة دراسية أصدر خلالها أول كتاب ديني له بعنوان «العدالة الاجتماعية في الإسلام» سنة 1949 وعند عودته لمصر سنة 1950 بدأ نشر مقالات ينتقد فيها المجتمع الأمريكي من كافة جوانبه واصفًا إياه أحيانًا بأنه مجتمع مادي عنصري سطحي ينتقص الشعور الفني ويعيش كالحيوانات في اختلاط رجاله ونساءه.



كان سيد قطب أحد ضحايا حادث المنشية سنة 1954 الذي اعتبر محاولة اغتيال عبد الناصر ودخل السجن وتم تعذيبه ضمن سجناء الإخوان المسلمين وألف وهو في السجن أهم كتابين له وهما «في ظلال القرآن» و«معالم في الطريق» وهو الكتاب الذي كان بمثابة دستور التطرف الديني وصف فيه المجتمع القائه بأنه جاهلي كافر يتعين هدمه لبناء مجتمع إسلامي صحيح فوق أنقاضه.



وخرج سيد قطب من السجن في نهاية سنة 1964 بوساطة من الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف وبعد ثمانية أشهر فقط أعيد اعتقاله في أغسطس سنة 1965 بتهمة محاولة قلب نظام الحكم عن طريق تنظيم سري يرأسه ويهدف لاغتيال عبد الناصر وكبار رجال دولته.



وحوكم سيد قطب وصدر الحكم بإعدامه مع ستة آخرين من أعضاء الإخوان المسلمين، وأعدم سيد قطب في أغسطس سنة 1966 ومنذ إعدامه أصبح الشهيد سيد قطب وكتابات وأفكاره هي المرجع الرئيسي لتيار الإسلام المتطرف والأساس الفلسفي للعنف والاغتيالات السياسية التي سارت عليه العديد من جماعات الإرهاب الديني التي نشأت بعد ذلك ولا يتسع المجال لسرد التاريخ التفصيلي لكل من هذه الجماعات وسنكتفي هنا بأهم خطوات هذا التطرف الديني الذي وصلت إليه مصر اليوم.



كانت الهزيمة العسكرية الساحقة للجيوش والأنظمة العربية في حرب يونيو سنة 1967 الفرصة الأولى لضحايا سجون ومعتقلات عبد الناصر من أعضاء الإخوان المسلمين والتيارات الدينية الأخرى للتشفي في نظام الحكم العسكري القائم وإحياء الأمل في اسقاطه وكان لسان حال هذه التيارات الدينية بوجه عام يقول أن العرب قد جربوا حكومات الليبرالية العلمانية ثم انتهى بها الأمر إلى أن أوصلهم إلى ضياع فلسطين ثم جربوا الحكومات اليسارية خلال فترة الحرب الباردة التي كان الاتحاد السوفيتي حليفهم الرئيسي فيها.



ثم انتهت بهم هذه الحكومات إلى الهزيمة المنكرة سنة 1967 ولذلك فعليهم الآن أن يجربوا العودة إلى الله لعله ينقذهم مما هم فيه من هزيمة وضياع ووجد هذا النوع من الشعارات آذانا صاغية وسط الملايين من السذج المتدينين بحكم النشأة والذين كانت هزيمة سنة 1967 قد مزقت مشاعرهم.



ولذلك كانت الأرض السياسية خصبة جدًا لزراعة بذور التطرف وحصاد نتائجه بسرعة وكانت شعارات الإخوان المسلمين وغيرهم فيما بعد بأن «الإسلام هو الحل» جزءًا من منظومة الإسلام السياسي ووسائلها في تجنيد الأتباع وبينما كانت أغلبية الإسلام السياسي التي يمثلها الإخوان المسلمين تتجه إلى العمل ببطء في التغلغل في المجتمع وبناء شبكات تربطه بهم عن طريق عدد من طرق الدعوة واستخدام المساجد في تقديم خدمات اجتماعية وصحية لاتباعهم بعد أن عانوا من سنوات طويلة من التعذيب البشع في سجون النظام القائم دون أن يصلوا إلى الحكم.



وكانت هذه الأغلبية تستغل أي ثغرة في المجتمع القائم تسمح بها القوانين لممارسة نشاطها وإثبات وجودها مثل الاشتراك في الانتخابات العامة للفوز بأي عدد من مقاعد المجالس النيابية والمحلية مهما كان النظام يمارس من تزوير فاحش لهذه الانتخابات.



بينما كانت أغلبية التيار الإسلامي السياسي تفعل ذلك كانت هناك جماعات متطرفة تستعجل نتائج الصراع للوصول للحكم حتى تحسم ما تراه معركة بين الإيمان والكفر أو بين الله والشيطان سريعًا عن طريق العمل المسلح الإرهابي سواء منفردة أو مع شيء من التعاون والتنسيق مع الأغلبية.



وكانت أفكار سيد قطب خاصة كتابه «معالم في الطريق» هي المرجع الأساسي لهذه الجماعات شديدة التطرف والمنبع الأساسي لأفكار أعضائها.



ونكتفي هنا بذكر ثلاث من أشد محاولات الإرهاب الديني عنفًا ودموية كانت الأولى سنة 1971 قبل حرب أكتوبر وكان قائد التنظيم الذي قام بالعملية هو صالح سرية الذي نجح في تجنيد عدد من طلبة الثانوية العسكرية الذين خططوا للاستيلاء على السلاح الموجود بالمدرسة ثم الاتجاه إلى مقر الاتحاد الاشتراكي حيث كان الرئيس السادات يجتمع مع معاونيه وخطفهم وطالبتهم بتطبيق شروط سياسية معينة وإلا قتلوهم واستولوا على السلطة.



وفي ليلة التنفيذ نجح طلبة الثانوية العسكرية في الاستيلاء على كل السلاح الموجود بالمدرسة وخرجوا إلى الشارع في طريقهم إلى حيث كان السادات مجتمعًا ولكن المحاولة اكتشفت وتصدت لهم قوات من الجيش والشرطة العسكرية ودارت معركة بالرصاص قتل فيها العشرات من الجانبين وتم إجهاضها والقبض على صالح سرية وعدد من أعوانه أحياء وتقديمهم لمحاكمة عسكرية عاجلة حكمت عليهم جميعًا بالإعدام ونفذ الحكم.



وكانت المحاولة الثانية سنة 1976 عند اكتشاف تنظيم إرهابي باسم «التكفير والهجرة» بقيادة متطرف يدعى شكري مصطفى، كان على درجة عالية من الهوس والاعتقاد المطلق بأن ما ينفذ هو بأمر الله الذي لن يتخلى عنه أبدًا وبعد القبض عليه مع بعض أعوانه إثر ارتكابهم أعمالًا إرهابية قدموا للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام وكان واثقًا أن الله معه وينقذه في آخر لحظة وعندما وقف على المشنقة ولف الحبل حول عنقه نظر لعشماوي ساخرًا وقال: «سترى يا كافر أن الحبل سينقطع» ولسوء حظه لم ينقطع الحبل وتم إعدامه وكان الفكر التكفيري لسيد قطب هو المرجع الأوحد لفكر شكري مصطفى.



أما المحاولة الثالثة فكانت عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في 6 أكتوبر 1987 حيث قامت عدة مجموعات إرهابية كبيرة عالية التسليح والتدريب بمهاجمة عدة مراكز للشرطة لإشاعة الذعر والفوضى في البلاد والاستيلاء على الحكم وسط هذه الفوضى.



وكانت أخطر حلقة في هذه المؤامرة هي اقتحام عدة مئات من الإرهابيين مبنى محافظة أسيوط ومديرية الأمن بها والاستيلاء عليه لعدة أيام ودارت معركة ضارية قتل فيها أكثر من مائة ضابط وجندي من شرطة محافظة أسيوط ولم يتم القضاء على المحاولة الإرهابية إلا بتدخل مروحيات الجيش وقذف الإرهابين المسيطرين على مباني المحافظة بالقنابل والصواريخ.