الخطاب المضاد
لافتٌ المقال الذى كتبه أحد أبزر رموز الحقوق المدنية الأمريكية جيسى جاكسون فى موقع Fortune الإثيوبى عقب رفض الأخيرة التوقيع على اتفاقية ملء سد النهضة فى أمريكا منذ حوالى شهرين، وأشار إلى أن إثيوبيا تريد بناء السد لتخرج الاستعمار المصرى، وصور إثيوبيا باعتبارها دولة راغبة فى التنمية والخروج من الفقر وأن مصر تقف حائلا أمام هذه الرغبة.
وانتقد جاكسون أداء وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولى فى الضغط على الحكومة الإثيوبية من أجل التوقيع على اتفاق تفاهم مع مصر، وشبهه بما سبق أن قامت به بريطانيا من منع الدول الإفريقية من الحصول على حقوقها فى المياه، كما صور الأمر وكأن هناك ضغوطا «استعمارية» لمنع إثيوبيا من بناء السد ومحاربة الفقر وتحقيق التنمية.
هذا المقال مثل مئات المقالات والتقارير التى كتبت فى مواقع وصحف كبرى مؤثرة تحاول أن تستثمر تصاعد حركات الدعم العالمى لحقوق السود فى أمريكا وأوروبا وبمشاركة جماعات ضغط إثيوبية لوضع مصر فى نفس كفة من يقمعونهم، خاصة أن هذه الحركات لم تقتصر فقط على محاربة العنصرية إنما تحدثت عن تهميش الأفارقة وضعف الرعاية الصحية وارتفاع نسب الفقر والبطالة بينهم، وتحاول أن تربط بين بناء السد والقضاء على هذه الأوضاع فى إثيوبيا كنموذج «ملهم» للأفارقة.
وقد انشغل البعض أكثر مما يجب بالمواقع الإثيوبية العربية، ولكنها فى الحقيقة ليست الأهم ولا الأخطر لأن الخطاب الإثيوبى الذى يقدم للعالم بلغته وصل لنواب الكونجرس وبعض من دوائر صنع القرار فى أمريكا، ويحتاج لخطاب مصرى مضاد يضع أولا قواعد صارمة على أى مفردات يمكن أن ينجر لها بعض الإعلاميين أصحاب السوابق فى الإساءة للشعوب، خاصة مع وجود حركة ترجمة إثيوبية نشطة لكل ما يقال فى الإعلام المصرى وحتى مواقع التواصل الاجتماعى، لأنها هذه المرة ستعتبر إساءة عنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء ستخسرنا كثيرا، ويجب ثانيا أن يكون هناك خطاب مصرى يبتعد عن أى استعراض للقوة العسكرية والسياسية ويحرص على إبراز أن مصر لم تكن دولة مستعمرة (بفتح التاء) بل هى اكتوت بنار الاستعمار وأنها قادت التحرر الوطنى فى إفريقيا كما يجب أن تركز فى خطابها على مفردات الحفاظ على السلم العالمى والتنمية والمنافع المتبادلة يقوم به فرق عمل متخصصة تجوب العواصم المؤثرة فى إفريقيا وأوروبا وأمريكا، وأخيرا يجب أن يحضر التاريخ الفرعونى فى الخطاب المصرى بدءا من جملة مصر هبة النيل حتى تفاصيل علاقة المصريين بالنيل منذ أيام الفراعنة.
تحتاج مصر إلى حملة سياسية ودعائية وقانونية مؤثرة تختلف جذريا عن الخطاب المحلى حتى يمكن خلق بيئة داعمة أو على الأقل محايدة تجاه أى تحرك مصرى خشن من أجل الدفاع عن حق الوجود فى المياه.
نقلا عن "المصري اليوم"