أؤيد تطوير التعليم شرط النهوض بالمعلم
حينما طلب المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس مجلس الشيوخ عصر يوم الإثنين الماضى، من الأعضاء التصويت على بعض تعديلات قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، رفعت يدى تأييدا للتعديلات رغم إدراكى المسبق لرفض لجنة التعليم بالمجلس لهذا القانون، وهو ما تم ترجمته إلى رفض المجلس للقانون فى نهاية المناقشات الساخنة.
لى تحفظات كثيرة على مشروع تطوير التعليم، وكتبتها فى هذا المكان أكثر من مرة، وقلتها للوزير المحترم د. طارق شوقى، لكنها ليست التحفظات التى من أجلها يعارض كثيرون مشروع التطوير.
كان يمكن أن أصمت طالما أن العاصفة شديدة، وغالبية الزملاء والأعضاء والنواب المحترمين، قد رفضوا التعديلات من حيث المبدأ، وكان يمكن أن أشارك فى حملة الانتقادات الواسعة النطاق المستمرة ضد الدكتور طارق شوقى ومشروعه للتطوير، لكن لو فعلت ذلك، فسوف أشعر أننى خنت نفسى وضميرى.
اعتقد ان غالبية المعترضين على مشروع القانون يختزلون المشكلة فى الثانوية العامة فقط، وفى النظام التراكمى، ويريدونها أن تكون سنة واحدة فقط، وليست بالنظام التراكمى من ثلاث سنوات، كما فعلت دول كثيرة تقدمت كثيرا فى نظام تعليمها، وكما يحدث فى نظام الـig البريطانى الذى يتغنى بمزاياه الجميع.
مشروع تطوير التعليم كما فهمته مباشرة من وزير التعليم فى لقاءات كثيرة، ينسف فكرة التعليم القائم على الحفظ والتلقين، ويدعو الطلاب إلى التفكير والاعتماد على أنفسهم، وتغيير الطريقة القديمة التى نعلم جميعا نتيجتها.
وزير التعليم تحدث أمام مجلس الشيوخ صباح الإثنين الماضى مطولا، وقال إن الثانوية العامة التى صارت مربط الفرس وبيت الداء، وكله يخدم عليها، وليس على التعليم. واختزال الثانوية فى الحصول على الشهادة قتل التعليم، وصار الأمر يشبه رغبة من يريد الحصول على رخصة قيادة سيارة من دون أن يتعلم القيادة أو حتى يرغب فى تعلمها، والنتيجة الحتمية مزيد من الحوادث والضحايا. الوزير قال أيضا إن معظمنا يريد السكوت على شىءغير منطقى.
الوزير يستغرب أن يدفع الطالب 200 جنيه ثمن حصة مدتها ساعة واحدة فى السنتر ولا يريد أن يدفع مثلها خلال عام كامل رسوما فى المدرسة الحكومية أو رسوم الامتحانات. أو يدفع مبلغا هزيلا مقابل إعادة الامتحان فى مادة أو أكثر رسب فيها أو لتحسين مجموعه، فى حين أن الدولة تقوم بتوفير المناهج المطورة على المنصات الإلكترونية والتابلت مجانا عبر محتوى إلكترونى رقمى، لكن غالبية أولياء الأمور يفضلون السناتر والدروس الخصوصية، فأين هو منطق الجباية؟!
الوزير يقول إن التطوير سيقضى على ظاهرة الغش التى يمارسها 85% من الطلاب، وسيوفر للدولة 1.3 مليار جنيه تكلفة تنظيم الثانونية العامة بالصورة المعتادة خصوصا لعملية التأمين.
جوهر مشروع الوزير هو تحطيم صنم الثانوية العامة، حتى يبدأ المجتمع فى تطوير التعليم وليس أن ننحشر جميعا فى امتحان واحد، يحدد مصير الإنسان طوال حياته.
وأشعر أن غالبية الاعتراضات فى المجتمع على نظام تطوير التعليم تنصب على ضرورة المحافظة على النظام القائم، لأن الناس بطبيعتها تخشى التطوير والتغيير والتجديد، ولا تريد أن تجرب شيئا لا تعرفه.
ورغم تأييدى المبدئى لنظام تطوير التعليم، كى يختار الطالب نوع التخصص الجامعى الذى يحبه ويفضله وليس الذى يجبره عليه مكتب التنسيق، فقد قلت للوزير أكثر من مرة إن التطوير لابد أن يتواكب معه تطوير المدرس والمدرسة والمنهج. أظن أن معظم المناهج تم تطويرها، لكن لا يمكن الحديث عن التطوير الحقيقى من دون وجود مدرس مؤهل، يتلقى راتبا معقولا حتى لا يفكر فى السنتر، ووجود مدرسة بها فصول تسع كل الطلاب، ونعلم أن العديد من فصول الثانوية العامة لم تعد موجودة عمليا لأن الطلاب يذهبون للسناتر. ولا يمكن الحديث عن تعليم أونلاين من دون وجود بنية تكنولوجية حقيقية. التطوير يحتاج إلى منظومة متكاملة، ومن المهم أن نبدأ لكن بشرط أن تكون خطواتنا محسوبة ومجربة، حتى لا نتفاجأ بمشاكل ضخمة، وأن نكون أكثر واقعية.
أنا مع وزير التعليم فى مشروعه الطموح، لكن بشرط أن ينهض بالمدرس والمدرسة.
صحيح أننى أيدت مشروع التطوير، لكن فى نفس الوقت سعدت كثيرا أن مجلس الشيوخ شهد مناقشة سياسية ساخنة، وأعتقد أن جلسة يوم الإثنين الماضى، هى الولادة الفعلية لمجلس الشيوخ، ولو استمرت المناقشات بنفس الطريقة، فأعتقد أن كثيرا من المشكلات سيتم حلها. وهذه النقطة ساعود إليها لاحقا إن شاء الله.
نقلا عن "الشروق"