القدم تغلب القلم!
لاتزال الدنيا تتحدث عن لاعب البرتغال كريستيانو رونالدو، الذى أزاح زجاجات كوكاكولا من أمامه فى مؤتمره الصحفى، ودعا إلى شرب الماء بدلًا منها، فقامت دنيا العالم من وقتها ولا تريد أن تقعد إلى هذه اللحظة، رغم أنه ربما لا يقصدها ولا يتعمدها!
وكانت الخسائر الهائلة التى أصابت شركة كوكاكولا من وراء ما قام به هى السبب فى الضجة التى لا تريد أن تهدأ من يومها.. والغريب أن آخرين راحوا يقلدونه فيما فعل، مع اختلاف محتوى الزجاجات التى أزاحها كل واحد منهم من أمامه، فكان ذلك مما أطال أمد الضجة بين الناس!
ولم أجد فيما جرى ما يدعو إلى الدهشة لأنه من الطبيعى أن يحدث ما تابعناه، ولأن ما حدث هو من نوع تحصيل الحاصل، ومن نوع القول بأن حاصل جمع اثنين زائد اثنين يساوى أربعة!
الذى أثار دهشتى أن الخطوة التى أقدم عليها رونالدو تزامنت من حيث توقيتها مع ذكرى مرور ١١ سنة بالضبط على رحيل جوزيه ساراماجو، أديب البرتغال الأعظم، الذى رحل فى مثل هذا الشهر من عام ٢٠١٠، والذى حصل على جائزة نوبل فى الأدب، فكان أول أديب برتغالى يحصل عليها فى ١٩٩٨، بعد أن حصل عليها نجيب محفوظ بعشر سنوات كاملة!
كان ساراماجو واحدًا من أمراء الكلمة فى العالم، وحين غادر الدنيا فإن بلاده أعلنت الحداد الرسمى على رحيله، وكان ذلك من علامات مكانته فى البرتغال وفى غيرها طبعًا!
كل منهما.. رونالدو وساراماجو.. يحمل الجنسية البرتغالية، وينتمى إلى البلد الذى يجاور إسبانيا على المحيط الأطلنطى، والذى كان مسرحًا لاغتيال القيادى الفلسطينى عصام سرطاوى.. ولكن ما أبعد المسافة بين صاحب قدم ملأ الدنيا وشغل الناس لمجرد حركة تلقائية من جانبه، وبين صاحب قلم حاز أرفع جوائز الأدب فى العالم، فلم يتذكره أحد فى يوم رحيله ١٨ من هذا الشهر، اللهم إلا زميلنا الأستاذ ماهر حسن فى زاويته «زى النهارده»، التى يحررها يوميًا على الصفحة الثانية من هذه الجريدة!
كان توفيق الحكيم قد لاحظ هذا المعنى منذ وقت مبكر، فكتب يرحمه الله مبشرًا بعصر القدم الذى يحل فى محل عصر القلم!.. ولكن القلم إذا كان قد خسر جولة، فإنه أبدًا لن يخسر المعركة الطويلة لأن الله تعالى قد أقسم به فى القرآن!.
نقلا عن "المصري اليوم"