رئيس التحرير
خالد مهران

ما قد يحدث فى ليبيا غدا

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

لم يكن هناك من هو مستعد أن يتحمل مسئولية إعلان تعطيل الانتخابات الرئاسية والنيابية المتزامنة فى ليبيا خشية أية عقوبات دولية تلحق به.

ظل قرار التعطيل معلقا على فراغ المسئولية دون إعلان رسمى حتى بعد أن فات الموعد المقرر.

كان ذلك تعبيرا عن فشل ذريع لحق الخطة الأممية لانتشال ليبيا من حربها الأهلية الممتدة على مدى أكثر من عشر سنوات منذ إطاحة نظام العقيد «معمر القذافى».

لم تتحدث حكومة الوحدة الوطنية إلى شعبها، ولا كان لديها ما تقوله، باستثناء ما ألمح إليه رئيسها «عبدالحميد الدبيبة» من أنه باق فى السلطة لتصريف الأعمال!

كان ذلك تعلقا بالسلطة أكثر من الالتزام بالدور الذى يخوله الإشراف على الانتخابات وضمان حسن سيرها.

بفشل خارطة الطريق انتهى دور «الدبيبة»، الذى اختير فى (21) سبتمبر (2021) رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية.
فقد الدور قيمته ومعناه وبقى المنصب مطروحا على جدول أعمال المنازعات الداخلية الطاحنة.

على الأغلب لن يزكى البرلمان أية أدوار مستقبلية لـ«الدبيبة»، وقد يرشح رجلا آخر لرئاسة الحكومة، وتعود الحياة السياسية الليبية إلى نقطة الصفر، برلمان شرعيته مشكوك فيها، وحكومتان تدعيان تمثيل الشعب الليبى، وموارد نفطية تنهب وأمن يتبدد مجددا.

أزمة شرعية البرلمان سوف تزداد وطأتها بعد تعطيل الانتخابات، فدوره كان قد انتهى بانتظار نتائج الانتخابات وإعلان تشكيل برلمان جديد.

هو الآن مدعو للانعقاد للنظر فى خارطة طريق جديدة، رغم أنه لم يكن له دور فى صياغة خارطة الطريق السابقة!
لم يكن لدى الممثلة الأممية «ستيفانى وليامز» بدورها ما تقوله، كأنه ليس من صميم دورها أن تتابع إجراءات الانتخابات وضمان نزاهتها وتعبيرها عن الإرادة الحرة للشعب الليبى باستثناء أنه يجب إجراؤها «فى الظروف المناسبة»!

بدا ذلك التصريح تعبيرا عن حالة شلل سياسى.
ما الظروف المناسبة إذن لإجراء الانتخابات؟.. وهل يمكن أن تعقد فعلا بعد شهر على ما دعت المفوضية الوطنية للانتخابات إذا لم تكن الظروف مناسبة؟
الأهم من ذلك كله.. ليبيا إلى أين؟
إنها لحظة انكشاف كامل أمام المخاطر المستجدة.

لم يكن من حق المفوضية الوطنية للانتخابات إعلان تأجيلها، ولا من حقها إعلان موعد جديد، فدورها إجرائى لا سياسى.

حلت إداراتها ولجانها الفنية دون الرجوع إلى أى مستوى سياسى أو برلمانى، وهذا يتجاوز أية صلاحية وأدوار منسوبة لها.

كان مثيرا أن تتحدث عن «قوة قاهرة» تعطل إجراء الانتخابات فى موعدها دون أن تذكر ما هى بالضبط؟!
بعبارات عامة أرجعت استحالة إجراء الانتخابات إلى «التداخل القائم بين المعطيات السياسية والأحكام القضائية بشأن أهلية المترشحين».

كانت تلك من المعضلات التى انطوت عليها العملية الانتخابية المفترضة وأنذرت مبكرا بفشلها.

لم يكن ممكنا تأسيس أية شرعية دون مصالحات واسعة توحد مؤسسات الدولة، ولا هو من الممكن إجراء انتخابات عامة بمنطق الإقصاء والاستبعاد.

طوت إسبانيا صفحة حربها الأهلية التى استهلكتها بين عامى (1936) و(1939) بانتخابات حرة ونزيهة أفضت إلى صعود الاشتراكيين الطرف الخاسر فى تلك الحرب.
هذا مثال للتجارب الديمقراطية بعد حروب أهلية.

كما نجح لبنان فى طى صفحة حربه الأهلية بين عامى (1975) و(1990) بمصالحات وأنصاف حلول ليس من بينها الإقصاء والاستبعاد فى الانتخابات العامة.
وهذا مثال آخر من عالمنا العربى.

فكرة الإقصاء والاستبعاد منعت موضوعيا إمكانية التوصل إلى «قائمة نهائية» للمترشحين فى الانتخابات الليبية، ولا بمباشرة الحملة الانتخابية.

هكذا فشلت الانتخابات قبل أن تبدأ.
لم يكن الإقصاء والاستبعاد خيارا لطرف واحد، الأطراف المتنازعة حاولت كلها بدرجات مختلفة ووسائل متعددة أن تملى إرادتها المسبقة على مليونى ونصف المليون ليبى لهم حق الانتخاب فيمن يتولى منصب رئيس الجمهورية.

بافتراض أن الانتخابات أجريت فعلا بلا دستور أو قواعد قانونية متوافق عليها فإنها مشروع حرب أهلية جديدة، الطرف الفائز ربما يعتقد أنه قد حصل على تفويض بتصفية الحسابات القديمة من موقع السلطة، والطرف الخاسر سوف يسارع برفع السلاح.

هكذا أعلن «خالد المشرى» رئيس المجلس الأعلى للدولة أنه لن يعترف بنتائج الانتخابات إذا أفضت إلى فوز المشير «خليفة حفتر» أو «سيف الإسلام القذافى» ملوحا باستخدام العنف لمنع هذين الاحتمالين
.
كان مستلفتا أنه يتحدث بصفة انتفت بعد انتخاب «محمد المنفى» رئيسا للمجلس الرئاسى، يلتقى مسئولين دوليين ويتداول معهم باسم مؤسسة غير موجودة قانونيا لكن من يقف خلفها من جماعة «الإخوان المسلمين» حاضرون فى المشهد بتمركزات مسلحة داخل العاصمة طرابلس.

أحد أسباب «المشرى» فى طلب الإقصاء خشيته من خسارة جماعته الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة، كما حدث من قبل فى انتخابات (25) يونيو (2014)، التى أسفرت عن اكتساح الشخصيات الوطنية والمستقلة مقاعد البرلمان.
ثم كان لافتا فى تصريحاته تأكيده على أن السلطات المنتخبة وحدها من تحدد بقاء القوات التى جاءت ليبيا بقرار من حكومة «فايز السراج» ــ قاصدا القوات التركية والمرتزقة المجلبون من سوريا.

المعنى أنه إذا لم تكن هناك انتخابات، ولا سلطات منتخبة، فإن بقاء تلك القوات أبدى رغم الإجماع الدولى على ضرورة سحبها قبل أية انتخابات لضمان سلامتها ونزاهتها.

لم تكن الفوضى المسلحة فى طرابلس بالاستنفار العسكرى وإغلاق الطرقات قبل الموعد الانتخابى من مصادفات الحوادث، فقد كانت مقصودة لمنع الانتخابات، أو جعل كلفتها باهظة، والعودة إلى الحرب الأهلية محتملة.

يعود فشل خارطة الطريق الأممية إلى تصميمها ذاته، الذى تصور أن الانتخابات وحدها تؤسس لشرعية دون أن تستند إلى حقائق دستورية وأمنية.

إذا لم يجر إصلاح دستورى بتوافق وطنى واسع وتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية وتفكيك الميليشيات فإن أية خارطة طريق جديدة لا تقدر على إجراء أية انتخابات.

هذا كله فوق طاقة المجلس النيابى، وأية أشباه مؤسسات أخرى ماثلة فى المشهد، إذا لم تستند على إرادة دولية أكثر جدية وحزما فى إنفاذ قراراتها.

فى اللحظة الراهنة القوى الدولية الكبرى مشغولة بما يحدث فى أزمتى أوكرانيا والمشروع النووى الإيرانى المتفاقمتين باحتمالات الانزلاق إلى مواجهات عسكرية.
الأزمة الليبية مؤجلة إلى حين إشعار آخر.
هذه مأساة أخرى.

نقلا عن "الشروق"