رئيس التحرير
خالد مهران

«الأفروسنتريك» تستعد إلى العودة للأصول.. مؤامرة بأيادٍ مشبوهة تهدد الهوية المصرية وتشعل غضب المواطنين

المصريون القدماء
المصريون القدماء يحصون أعداد الأسرى الأفارقة

- يعتقد الأفروسنتريك أن المصريين لونوا المقابر باللون الأبيض لتزوير التاريخ وكسروا أنوف التماثيل لإخفاء ملامح الأنف الأفريقي
- أحد المنظمين: المؤتمر لم يتم إلغاءه بل تأجيله حتى أبريل المُقبل
- مدير آثار مكتبة إسكندرية: الأفروسنتريك يأملون كسب واحترام أصحاب البشرة البيضاء الذين استعبدوهم بالاستيلاء على حضارتنا
- أستاذ تفاوض دولي: إدعاءات تاريخية عبثية تلعب على وتر الأقليات واستقطابهم واستغلال مشاكلهم لضرب ثوابت المجتمع المصري وتقسيمه
- بسّام الشماع: نفرتيتي ما لهاش أصل وبعض الجنوبيين حكموا مصر
- عالم مصريات: أنا مع عقد المؤتمر والأفروسنتريك ليسوا لصوص حضارة


«#اوقفوا_مؤتمر_أسوان»، لم تكن تلك كلمات وسم عادية إنما كانت انتفاضة واضحة من المصريين ضد حربًا على الهوية المصرية من قِبل حركة المركزية الأفريقية «الأفروسنتريك»، والذي يدعي أن الحضارة المصرية القديمة أسسها الأفارقة السود، وأنهم هم المصريين القدماء الحقيقيين، عبر مؤتمر عالمي معنون بـ«العودة إلى الأصول»، وكان مُقرر عقده في محافظة أسوان في محاولة منه لاستقطاب الجنوب المصري، لا سيما النوبيين باعتبارهم أصحاب بشرة سمراء، مستغلين قضية تهجير النوبيين، دون كلل أو ملل من باب أنه «لو اخترعت كذبة كبيرة وأصريت على تكرارها كل يوم بإلحاح فسيصدقك الناس في النهاية».

مؤتمر أسوان المشبوه

"انضم إلينا لسماع محاضرات ساحرة بخصوص التاريخ الأفريقي"، هكذا أعلن المنظمون للمؤتمر، الذي كان مُقرر عقده في 25 و26 فبراير الجاري، موعد انطلاقه تحت إشراف منظمة «HAPI» الأمريكية للتكامل والتعاون الاقتصادي (أي حابي إله النيل)، ومركز «IKG cultural resource center» البحثي، وشركة سياحية أمريكية تُدعى «Akhet» مقرها في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، والمؤسسات الثلاثة جميعهم «أفرو أمريكان» -أمريكان من أصول أمريكية- وتقوم شركة السياحة بالإشراف على رحلة المشاركين في المؤتمر من الولايات الأمريكية إلى مصر وتنفيذ برنامج المؤتمر، فيما مهمة تمويل المؤتمر والإشراف على فعالياته والجولات الميدانية والمحاضرات موكلة مُسندة إلى منظمة «HAPI» ومركر «IKG».

لي بيكر: المركزية الأفريقية فلسفة تمكينية مضادة للهيمنة تُشكك في الاعتبارات المعرفية وتستند إلى الحقائق الثقافية الأوروبية

«الأفروسنتريك» اتخذت من المؤتمر وسيلة لترسيخ أفكارها داخل مصر، من خلال مجموعة محاضرين ينتمون إليها، ويزعمون أن الأفارقة السود الحاليين هم أحفاد المصريين القدماء، وأن المصريين الحاليين أحفاد المحتلين لمصر (الهكسوس والرومان والعرب والفرس وغيرهم) عبر تاريخها، ولا علاقة لهم بالحضارة المصرية القديمة.
لم يجد المصريون سوى مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن غضبها، وللمطالبة بإلغاء المؤتمر من خلال إطلاق عدة وسوم، عبروا خلال عن رفض المؤتمر خاصةً ومزاعم «الأفروسنتريك» عمومًا.

رسوم على جدران المعابد تظهر المصري القديم يؤسر أفارقة سود

من هم الأفروسنتريك؟

أوائل القرن الـ19 ظهرت فكرة المركزية الأفريقية لأول مرة، في إحدى الصحف التابعة لـ«الأفرو أمريكان»، والتي ربطت آنذاك بين الأفارقة السود والمصريين القدماء، ومع مرور الوقت لا سيما مع ظهور حركة الحقوق المدنية ردًا على العنصرية ضد الأمريكان من أصل أفريقي وتهميشهم، وفقًا لما ذكرته جامعة جوهانسبرج.

في خمسينيات القرن الماضي، بدأت «الأفروسنتريك» على يد المؤرخ السنغالي، شيخ أنتا ديوب، والذي كان يزعم أن كل ما أنجزته الحضارة الأوروبية يعود إلى مصر القديمة، والتي كان يقصد بها، الأفارقة السود، زاعمًا أنهم أحفاد المصريين القدماء الأصليين، وأن السكان الأصليين لمنطقة شمال إفريقيا بأكلمها، بما فيها مصر والممالك المغربية ومملكة نوميديه بالجزائر، وقرطاج التونسية، والأندلس، من أصحاب البشرة السوداء، وتمت إبادتهم على يد الأوروبيين بالعصور الاستعمارية القديمة، وفقًا لكتابه المعنون بـ«The African Origin of Civilization»، أي «الأصول الزنجية للحضارة المصرية».

ومع ستينيات القرن الماضي، لم يفوّت رموز «الأفرو-أمريكان» حينها الفرصة، ولذلك تبنّى الناشط الإسلامي، مالكوم إكس، المُدافع عن حقوق الأمريكيين الأفارقة، فكرة تزعم أن الأفارقة السود هم بُناة الحضارة المصرية القديمة.

ويتداول المنتمين لحركة «الأفروسنتريك» اليوم فيما بينهم، عبر المنصات الإلكترونية التي يروجون فيها لأفكارهم، تسجيلات صوتية منسوبة لمالكوم إكس، يقول فيها: "كل هذه البقايا المنتمية للحضارة المصرية القديمة بجوار النيل، والتي صدمت الرجل الأبيض، تعود إلى الرجل الأسود".

مالكوم إكس: البقايا المنتمية للحضارة المصرية القديمة والتي صدمت الرجل الأبيض تعود إلى الرجل الأسود

توغل وتأثير المركزية الأفريقية

ورغم استغلال الفرصة والالتفاف حول فكرة المركزية الأفريقية، إلا أن مصطلح «الأفروسنتريك»، لم يتلبور حتى ثمانينيات القرن الماضي، إلى أن جاء الباحث موليفي أسانتي، وعرفه بأنه "مصطلح هدفه الأساسي التركيز على دراسة التاريخ من وجهة نظر أفريقية".

وظلت «الأفروسنتريك» سنتريك مجرد فكرة، وقتًا كبيرًا إلى أن تحولت إلى تيار فكري وثقافي داخل أمريكا ينتمي إليه عدد من الأكاديميات والمدارس والمجلات والجمعيات، ويتبعه العديد من الأفارقة والسود ذوي الأصول الأفريقية من كل دول العالم، وانتشرت بين الجاليات الأفريقية في أوروبا، والأفارقة بجنوب الصحراء ولدى الأقليات من أصحاب البشرة السوداء في شمال إفريقيا ودول منطقة الشرق الأوسط.

تدشين حركة «الأفروسنتريك» في بداية الأمر كن يهدف إلى حماية حقوق أصحاب البشرة السوداء ومناهضة العنصرية ضدهم بكل دول العالم، إلا أنها تحولت عن هدفها الرئيسي إلى العمل على القضاء على الجنس الأبيض بشمال إفريقيا، لا سيما المصريين الحاليين والأمازيغ، باعتبار أن شمال إفريقيا هي موطنهم الأصلي، الذي يسعون إلى استرداده من المحتلين، وأن جميع حضارات الشمال الأفريقي هي في الأصل حضارة زنجية بناها أصحاب البشرة السوداء، إلا أنها تمت سرقتها من قبل العرب والأمازيغ.

وتوالت تعريفات «الأفروسنتريك»، بعد تحولها إلى تيار أو حركة ملموسة، وأبرز تلك التعريفات الذي أطلقه، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة بنسلفانيا، لي بيكر، وينص على "المركزية الأفريقية فلسفة تمكينية مضادة للهيمنة تُشكك في الاعتبارات المعرفية، التي تستند إلى الحقائق الثقافية الأوروبية"، ولكن في أحيانٍ كثيرة خرجت تلك الفكرة عن مسارها، وتبنّى عدد من أتباعها، وجهات نظر متطرفة، وفقًا لما ذكرته جريدة «واشنطن بوست».

بوستر مؤتمر العودة إلى الأصول

ما علاقة مصر بمعتقدات الأفروسنتريك؟

يعتبر المنتمون والقائمون على حركة «الأفروسنتريك»، أن مصر كانت أمة سوداء، وأن الحضارة المصرية القديمة كانت أساس التاريخ والثقافة الأفريقية، التي يعتبرونها مهد الحضارة العالمية؛ ولإثبات مزاعمهم، يركّزون على تاريخ الأُسر النوبية والكوشية من تاريخ مصر القديمة، ولذلك يمكن تسميتهم المتمركزين حول مصر، وليس «المركزية الأفريقية»، وفقًا لما ذكرته جريدة «واشنطن بوست».

وسائل تحقيق أهداف الأفروسنتريك

وينظم القائمون على حركة «الأفروسنتريك» من أجل الوصول إلى هدفهم الرئيسي في مصر، رحلات دراسية للآثار المصرية القديمة، ويعدون أفلامًا وثائقية لنشر مزاعمهم بأن المصريين الحاليين، ما هم إلا أحفاد المحتلين لمصر القديمة وأنه لا بد من طردهم من مصر وعودة الأفارقة السود إلى أرض أجدادهم، فضلًا مشاركتهم في البعثات الأثرية، على رأسهم رئيس الجمعية الأمريكية لترميم مقابر جنوب العساسيف، أنطوني براودر، حسب مجلة «Soutout Atlanta» «شوت أوت أتلانتا».

"جئت باحثًا عن جزء من تاريخي الضائع كأمريكي من أصل أفريقي، وعن جذور أجدادي، وإعادة كتابة التاريخ الحقيقي لمصر وإفريقيا"، وتلك الكلمات لطالما صرح بها، أنطوني براودر، الذي زار مصر عشرات المرات وأسهم في العديد من الاكتشافات الأثرية بالأقصر، والتي ذكرها في وكالة الأنباء الألمانية.

ما تفعله  «الأفروسنتريك» كان له تأثير كبير لدى الأفارقة والأمريكان أصحاب البشرة السوداء، ما جعلهم يتخذون من مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة للحديث عن مزاعمهم، من خلال نشر صور تماثيل وبرديات ونقوش مصرية قديمة، مُفبركة، بعد التعديل عليها بتغميق ألوان التمثال للون الأسود، وأبرز تلك الصور المزيفة، صورة لتمثال أبوالهول، وعدّلوا في أنفه من خلال تركيب أنف تشبه أنوف الأفارقة أصحاب البشرة السوداء، وزعموا أن الغُزاة العرب كسروا أنفه لإخفاء أصله الزنجي.

موليفي أسانتي: استبدال المركزية الأوروبية بمركزية أفريقية، هو استبدال جريمة بأخرى واستبدال أصولية بمثلها

تذاكرة للحضور وترويج للفكرة

استنكر المصريون استغلال مباراة مصر والسنغال في نهائي كأس الأمم الأفريقية، في الترويج للمؤتمر، على اللافتات الدعائية التي تلتف حول الملعب.

ومنذ الإعلان عن المؤتمر خصصت المؤسسات الثلاثة المشرفة على عقده، موقعًا إلكترونيًا لحجز تذاكر الحضور، بقيمة 50 دولارًا للتذكرة الواحدة، وراح المُحاضرين المُقرر مُشاركتهم في المؤتمر، والداعمين لهم يروجون له عبر حساباتهم الخاصة على موقع التدوينات المُصغرة «تويتر».

ونشروا مقطع فيديو يُظهر رئيس الجمعية الأمريكية لترميم مقابر العساسيف، «أنطوني براودر» وهو أهم مُحاضر في المؤتمر وأحد رموز «الأفروسنتريك» الحاليين، يقدم شرحًا أمام الأهرامات لمجموعة من شباب الأفارقة، يزعم فيه أن الأهرامات المصرية بناها الأفارقة أصحاب البشرة السوداء، ولذلك فيجب عليهم العودة إلى أرض أجدادهم.

كما دوّنت الدكتورة سولانج أشبي، والتي كان مُقرر مشاركتها كمُحاضرة بالمؤتمر، تدوينة، اتهمت فيه أجداد المصريين الحاليين –العرب حسب زعمهم- باغتصاب التاريخ الأفريقي لمصر، قالت فيها: "ماذا عن أهل النوبة وارثهم؟ ماذا عن نزع أملاك أهل النوبة وتهجيرهم قسريًا بسبب بناء السد العالي؟ ماذا عن اغتصاب واستيلاء العرب لتاريخ إفريقيا الذين استولوا على مصر سنة ٦٤٢ ميلاديًا؟"، بيد مزاعهم بأفريقية الحضارة المصرية القديمة، كحطوة نحو تجهيز «الأفروسنتريك» والداعمين لأفكارها، لليوم الذي يغزون فيه مصر ويحررونها من المصريين باعتبارهم محتلين –حسب مزاعمهم- وإعادتها إلى الأفارقة السود.

والقوة التي يستند إليها تيار المركزية الأفريقية والقائمين عليه، نابعة من دعم الكثير من تيارات يسارية عِدة تحت شعار «الصوابية السياسية»، بالإضافة إلى أساتذة وأكاديميين داخل أمريكا، وفي أوروبا بأكملها، فضلًا عن تبني السواد الأعظم من مشاهير العالم من أصحاب البشرة السوداء لأفكار التيار؛ للدرجة التي جعلت بعض المتاحف تتخلى عن فكرة تخصيص جناح خاص للمصريات، واستبداله بجناح معنون بـ«التاريخ الأفريقي» بدلا من «التاريخ المصري القديم»، إرضاءً لحركة «الأفروسنتريك» وأيدلوجيتها، الأمر أثار مخاوف المصريين.

حجز تذكرة حضور المؤتمر بـ50$

الحضارة المصرية بنظر الأفروسنتريك

يزعم الأفروسنتريك، أن المصري القديم أصله نوبي أو كوشي، أو السودان، ويحاولون استقطاب أهل النوبة وكسب دعمهم، من خلال تصدير فكرة أنهم يعالمون بدونية داخل وطنهم مصر، من قِبل المحتلين -المصريين الحاليين- رغم أنهم أصحاب الأرض الأصليين، وأن المصريين الحاليين لا علاقة لهم بالعِرق المصري.

كما يزعمون أن الملكة «تي» زوجة الملك «أمنحتب الثالث» بالأسرة الـ18، بأنها مصرية قديمة بملامح أفريقية وبشرة سوداء، وأن الأهرامات السودانية أقدم من الأهرامات المصرية بـ2000 عام.

أنطوني براودر: الأهرامات المصرية بناها الأفارقة السود يجب عليهم العودة إلى أرض أجدادهم

وذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، والذي سخر منه السواد الأعظم من علماء المصريات، بزعمهم أنَّ علماء المصريات الحاليين قاموا بتلوين المقابر باللون الأبيض؛ لتزوير التاريخ، وأنَّ أنوف التماثيل المكسورة محاولة منهم لإخفاء ملامح الأنف الأفريقي.

وبحسب كُتب التاريخ وعلماء المصريات، إن كسر أنوف التماثيل، كان طقسًا دينيًا لدى المصري القديم؛ لاعتقاده أنها تتنفس، ولذلك كان يكسر أنفها لحجبها عن الحياة، وكانت طريقة أو طقسًا دينيًا في مصر القديمة.

كما يعتبرون أن الأثيوبيين –الأحباش- أصحاب الدم النقي، لأن أثيوبيا لم تُحتل، وهذا ما جعلهم يقدسون حاكم أثيوبيا أسود البشرة.

دراسة.. الـDNA للمصريين يؤكد 73% ذوي أصول مصرية قديمة

وتحاول «الأفروسنتريك»، جاهدة لإثبات أن جذور المصريين الحاليين تعود إلى عرب الجزيرة، لنزع الهوية المصرية عنهم، وهذا يخالف الأبحاث العلمية والدراسات الجينية وتحليل الحمض النووي، للمصري الحالي ومومياوات المصري القديم، التي أكدت جميعها أن أصول 73% من المصريين الحاليين تعود إلى المصري القديم.

ورغم أن الأبحاث والتحاليل أنصفت المصري الحالي وأثبتت هويته المصرية، إلا أن هناك مخاوف بشأن قُدرة العلماء المنتمين إلى «الأفروسنتريك»، على قُدرتهم على التلاعب في قراءات تحاليل الحمض النووي، بشأن مجموعة الجينات المتوارثة من طرف واحد «الهابلوجروب» الشمال الأفريقي لحمض الـDNA.

دراسة تكشف أن 73% من المصريين الحاليين ينتمون إلى المصري القديم

معارضة مصرية ومطالبة بالإلغاء

انتفض المصريون وأعربوا عن غضبهم ورفضهم لإقامة مؤتمر أسوان لحركة الأفروسنتريك، ووصفوه بالمشبوه، وشاركوا في الرد على مزاعم تيار المركزية الأفريقية، عبر وسم #اوقفوا_مؤتمر_أسوان، مستنكرين صمت الجهات المسؤولة، تجاه تلك الحرب على الهوية المصرية، من قِبل الحركة التي وصفوها بـ«لصوص التاريخ»، والذي اعتبروه ينتهج نهج الحركة الصهيونية، المغتصبة للأراضي الفلسطينية.

وأعاد مؤتمر «العودة إلى الأصول»، الذي كان مُقرر عقده في أسوان، إلى الأذهان، مؤتمر «تيودور هرتزل»، في مدينة بازل السويسرية، عام 1897م، والذي كان حجر الأساس في مشروع احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية، والتي بدأت أيضًا بمطالب بحقهم المزعوم في أرض الدولة الفلسطينية.

وأعرب المصريون عن مخاوفهم من المحاولات المُمنهجة لتيار المركزية الأفريقي، وأشاروا خلال الوسم الرافض للمؤتمر، إلى أن أصل أزمة سد النهضة تكشف أن أيدولوجية «الأفروسنتريك»، لا سيما وأن الأثيوبيين يعتبرون أن لا حق للمصريين في المياه باعتبارهم دُخلاء على القارة الأفريقية، كما أشاروا إلى تصريحات الرئيس الأوغندي التي تزعم أن المصريين الأصليين هم سكان جنوب أثيوبيا، فضلًا عن تصريحات الرئيس الكونغي التي وصف فيها الأهرامات بأنها عمل «أسلافنا المشتركين»، وأن سكان وسط إفريقيا جذورهم مصرية.

واعتبر كثير من المصريين أن تصريح الرئيس السنغالي، خلال الأيام القليلة الماضية، بتردد كلام شيخ أنتي ديوب، أحد رموز «الأفروسنتريك»، والذي له تمثال في العاصمة السنغالية «داكار»، وحوله تماثيل لعدد من الملوك المصريين القدماء، مثل نفرتيتي ورمسيس الثاني وأخناتون بعد صبغهم باللون الأسود، وفقًا لما سرده المصريون على وسم #اوقفوا_مؤتمر_أسوان

وتُظهر الرسومات الموجودة على جُدران المعابد المصرية القديمة، تعامل المصري القديم مع أصحاب البشرة السوداء المحتلين، وامتهانه والتقليل منه باعتباره مغتصب، وهي الصور التي تداولها المصريون على الوسم الرافض للمؤتمر.

معارضة عالمية طفيفة

ورغم محاولات فرض أفكار تيار المركزية الأفريقية «الأفروسنتريك»، إلا أن هناك محاولات رفض على استحياء من بعض الأساتذة الأمريكان، ووصفوه بالتوظيف الأيدولوجي، وتزييف الحقائق التاريخية، عبر عدد من الصحف الأمريكية.

"النظرة المصرية واليونانية القديمة للون البشرة، لم تكن نتاج إرث من التمييز العنصري، كما هي الحال في الولايات المتحدة الأمريكية الحديثة، وعليه فإن مصطلح أسود وأبيض، هما ببساطة متاع ثقافي خيالي من مجتمعنا، لا يمكن فرضه إلا بشكل مصطنع على المجتمع المصري القديم"، حسب عالم المصريات في المتحف الميداني للطبيعة، فرانك جيه يوروكو.

واعتبر الباحث موليفي أسانتي، أن استبدال المركزية الأوروبية بمركزية أفريقية، هو استبدال جريمة بأخرى واستبدال أصولية بمثلها، وفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.

تغريدة لأفرو-أمريكان تدعي تزييف شكل التماثيل

إلغاء أم تأجيل المؤتمر المشبوه!

الرفض والشديد والواسع الانتشار من المصريين لخرافات حركة «الأفروسنتريك» ولمؤتمرها، أجبر اثنين من أكبر المحاورين به، إلى إعلان إلغاءه، ودوّن «أنطوني براودر»، في تدوينة عبر «تويتر»، في 9 نوفمبر الجاري، إلغاء المؤتمر، كما دوّنت «سولانج أشبي» إلغاءه أيضًا، فضلًا عن تأكيد موقع بيع التذاكر للإلغاء.

والغريب أن الموقع الإلكتروني لمركز «IKG cultural resource center» البحثي، أحد المُشرفين على المؤتمر، تم غلقه بعد إعلان إلغاء المؤتمر، بدعوى إجراء إصلاحات.

وأعلنت صفحة القومية المصرية أنها ستنظم مؤتمر «One Egypt»، للرد على ادعاءات الأفروسنتريك، يوم 17 مارس المقبل، بالجريك كامبس بالقاهرة، والدخول مجاني، كما سيتم إذاعتة بث مباشر من المؤتمر على الفيسبوك واليوتيوب، وسيكون باللغة الإنجليزية، وبمشاركة نخبة من الآثاريين والمثقفين.

ولكن سرعان ما تحولت الفرحة إلى غضب مرة أخرى، بعدما نشر أحد منظمي مؤتمر أسوان، مقطع فيديو يعلن خلاله أن المؤتمر لم يتم إلغاءه، وإنما تم تأجيله إلى شهر أبريل، وأنه لا بد للمصريين أن يرضحوا لوجودهم بطريقة أو بأخرى، وأنه هناك مؤتمر آخر يجري الآن، في غرب إفريقيا وما بعدها، من شبكات تواصل النوبة ومصر القديمة بوادي النيجر، ويُمكنكم حجز تذاكرم.

ومازال صمت الجهات المسؤولة يثير علامة استفهام كبيرة لدى المصريين، وسط إعلان عقد وإلغاء وإعادة الإعلان مرة أخرى عنه، إلا أن البعض يتكهن أن اهتمام الدولة المصرية، خلال السنوات الماضية، بالحضارة المصرية القديمة أفضل رد، على التيار العنصري وادعاءاته المشبوهة.

أشهر المحاضرين يعلن إلغاء المؤتمر

دس السم في العسل

"كل محاولات الأفروسنتريك مرفوضة، فالحضارة المصرية عريقة، لذلك يحاولون سرقتها"، بهذه الكلمات بدأ مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، حسين عبدالبصير، حديثه مع «النبأ الوطني».

"المصيبة الكُبرى تتمثل في توصيات المؤتمر، والتي بالطبع ستنص على أن الحضارة المصرية هي حضارة الأفارقة السود، وأن مصر مصر موطنهم الأصلي، وعليه فإنهم بُناة الحضارة المصرية، ويحق لهم العودة إلى الأصل، وفقًا لعنوان المؤتمر، ولم تقف الكارثة عند التوصيات أو إعلانها وحسب، بل تتخطها إلى أن يكون هناك ترتيبات لحصولهم على دعم من مؤسسات بعينها، والتي قد تطالب مصر بقبول التوصيات، وندخل في نفس الدوامة التي يُعاني منها الفلسطينيين الآن بعد اغتصاب أراضيهم على يد الكيان الصهيوني"، وفقًا لـ«عبدالبصير».

ويرى مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن ادعاءات حركة المركزية الأفريقية، محاولة منهم لإيجاد أصول وحضارة لهم تتفوق على الحضارة الأمريكية والأوروبية التي لطالما استحقرتهم، ولم يجد أمامه سوى الحضارة المصرية القديمة ليحاول سرقتها باعتبارها أعظم حضارة في العالم، آملين كسب واحترام أصحاب البشرة البيضاء والذين استعبدوهم بالولايات المتحدة الأمريكية.

"الشركة السياحية الأمريكية خدعت الجميع وزعمت تنظيم جولة سياحية، لفوج من السياح أصحاب البشرة السوداء، إلا أنها دست السم في العسل، بتنظيم ذلك المؤتمر، ولو كان معروف أنه مؤتمرًا من البداية وأنه يمثل أهداف تيار المركزية الأفريقية بالطبع كانت الدولة سترفضه"، وكان ذلك رد الدكتور حسين عبدالبصير، على استنكار المصريين، لصمت وزارة الآثار والجهات المسؤولة.

الدكتور حسين عبدالبصير

أحلام أبي ودعوة للانقسام

" للأسف هناك بعض النوبيين يحملون اتجاهات ضد الوحدة، لا سيما وأن النوبة تنقسم إلى جزئين جزء في مصر والآخر في السودان، وهناك جهات تمول المؤيدين لفكرة انفصال النوبة عن مصر والاستقلال كدولة، ولكن النوبة جزء من مصر على مدار التاريخ المصري القديم"، حسب تعليق مدير متحف الآثار بمكتبة الأسكندرية، على تأييد بعض النوبيين لأفكار التيار.

وأشار الدكتور حسين عبدالبصير، إلى أن النسبة الأكبر من المنتمين إلى الأفروسنتريك من «الأفرو-أمريكان»، لافتًا إلى مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما المعنونة بـ«أحلام أبي»، والتي ذكر فيها أنه بحث عن أصله المصري القديم وفقًا لوصية والده، إلا أنه لم يتوصل إلى ما يثبت أن والده الكيني الأصل، حفيد المصري القديم كما زعم.

واختتم «عبدالبصير» حديثه مع «النبأ الوطني»، بالإشارة إلى أن القائمين على تيار المركزية الأفريقية، أساتذة مشهورين ولهم ثقل وتأثير كبيرين، بالإضافة إلى مواقع إلكترونية وصفحات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، مُقترحًا الأفضل إقامة مؤتمر علمي للرد على هؤلاء المدعين بلغاتهم، من قِبل المختصين في علم المصريات، مُضيفًا: "عايزين يعملوا لنفسهم وطن على قفانا". 

المصريون واعون جدًا

"تيار الأفروسنتريك قديم جدًا، والمصريون واعون جدًا، ويستطيعون تمييز أعدائهم"، بهذه الكلمات بدأ، أستاذ التفاوض الدولي، الدكتور حسن وجيه، حديثه مع «النبأ الوطني»، معربًا عن ثقته في الشعب المصري في التصدي لعبث حركة المركزية الأفريقية.

وصل الأمر ببعض المنتمين إلى حركة «الأفروسنتريك» في أمريكا، إلى السفارة المصرية، والمطالبة بجزء من دخل السياحة في مصر، بدعوى أن مصر تجني الأموال تلك، من عرض توت عنخ آمون للسياح، وهو جد الأفارقة السود، حسب القصة التي يرويها «وجيه»، حينما كان يدرس في واشنطن.

ويرى أستاذ التفاوض الدولي، أن الحل الأمثل لذلك الموضوع، واللغط الدائر حوله، يكمن في ضرور أن تبت الجهات الأمنية المسؤولة، بأن لا تسمح بعقد أية فعاليات من هذا النوع؛ لما تمثله من خطور على استقرار الأمن داخل مصر.

خرافات الأفروسنتريك، -وفقًا لوصف وجيه- تخلو من أي منطق، ولن تجد رواجًا لدى المصريين الأوفياء، رغم أنها تحاول استقطاب الأقليات وتلعب على وتر أزماتاهم ومعاناتهم، وهذا مفعلته مع النوبيين، لكسب تأييد بعضهم، باعتبار النوبة جزء لا يتجزء من حضارة الأفارقة السود.

واختتم «وجيه»، حديثه مع «النبأ الوطني»، بالتأكيد على تلك الادعاءات التاريخية، ما هي إلا عبث، مُضيفًا أن اللعب على وتر الأقليات واستقطابهم واستغلال مشاكلهم، سبب رئيسب لضرب ثوابت المجتمع المصري، وتقسيمه؛ لتحقيق أغراضه هو ويقمون بضرب لثوابت، مطالبًا بضرورة الرد على تلك الادعاءات ردود علمية، دحضها.

الدكتور حسن وجيه

أنا مع مؤتمر الأفروسنتريك

"أنا ضد منع مؤتمر الأفروسنتريك"، بدأ عالم المصريات، بسّام الشماع، حديثه مع «النبأ الوطني» بهذه الكلمات، معتبرًا أن المنع ليس حلًا منطقيًا، وأن المنع ربما يزيد الأزمة سوءًا.
"الأفروسنتريك ليسوا لصوص حضارة، كما يرى المصريون، وإنما ينقسمون إلى أنواع، منهم من يأتي إلى مصر لمشاهدة الآثارة المصرية القديمة حُبًا فيها، والآخر جاء لبحث عن تاريخه وأصوله، وفقًا لمزاعمه، وفقًا لبسّام الشمّاع.

ويرى، لا توجد أمة أو شعب نقي بنسبة 100%، وجميع الأمم اختلطت بأخرى ووقع بينهما تزاوج، مثلما حدث بين المصريين والهرب –مثلًا- وهذا لا يعني على الإطلاق، الزعم بأن المصريين الحاليين محتلين وأنهم ليسوا أصحاب البلد الحقيقيون، مُشيرًا إلى أن بعض الجنوبيين من النوبيين والكوشيين، شاركوا في الحضارة المصرية القديمة.

نفرتيتي ما لهاش أصل

"الملكة نفرتيتي ما لهاش أصل وأتحدى"، تلك المعلومة ليست صادمة للمنتمين للأفروسنتريك وحسب، إنما صادمة للمصريين أيضًا، فهي رد غير متوقع على مزاعم تيار المركزية الأفريقية بأن نفرتيتي، أصلها أفريقية ذات بشرة سوداء، حسب أستاذ علم المصريات، بسّام الشماع.

واختتم «الشمّاع» حديثه مع «النبأ الوطني»، بأنه لا بد من إقامة مؤتمر يجمع أساتذة الآثار والتاريخ من أقسام وكليات الجامعات المحتلفة، للرد على ما تروج له، حركة «الأفروسنتريك»، مُضيفًا، أنه مُستعد للمشاركة في الرد على مزاعم التيار، في حالة كان حقًا يدعى أن المصريين الحاليين لصوص حضارة.

الدكتور بسام الشماع