بين التصعيد والتهدئة.. الأزمة الأوكرانية والدائرة الجهنمية
لا تزال الأزمة الأوكرانية تفرض نفسها بقوة على الساحة العالمية، رغم أنها بدأت عام 2014، إثر اندلاع الخلاف بين كييف وموسكو بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وتبع ذلك اندلاع حرب في شرق أوكرانيا مع الانفصاليين الموالين لروسيا الذين يعتبر الكرملين الراعي العسكري لهم.
وقد تراوحت الأزمة منذ بدايتها، بين التهدئة والتصعيد، والحشد العسكري والتحركات الدبلوماسية، والحرب النفسية والحصول على ضمانات ومكاسب سياسية وتنازلات، وبالتالي الدخول في دائرة مفرغة، لا أحد يعلم شكل نهايتها، هل تنتهي بالتوصل لأتفاق يحقق أهداف الطرفين، أم بمواجهة عسكرية تقضي على الأخضر واليابس، فما زالت أمريكا والغرب يتهمون روسيا بالتخطيط لغزو أوكرانيا، فيما تنفي روسيا هذه المزاعم الغربية.
فالأزمة التي بدأت عام 2014 ثم هدأت وخفتت، بدأت تعود للواجهة من جديد في نوفمبر 2021، عندما طلبت واشنطن توضيحات من روسيا بشأن تحركات "غير عادية" لقواتها على الحدود الأوكرانية، بعد أن حشدت موسكو في نيسان/أبريل نحو 100 ألف جندي على الحدود.
الأزمة الأوكرانية.. أزمة متجددة بين روسيا والغرب
وكما تقول مروة أحمد سالم، باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في بحث بعنوان « أوكرانيا: أزمة متجددة بين روسيا والغرب»، أن الأزمة الأوكرانية تتجه في التوقيت الحالي إلى أحد مسارين: الأول، هو التصعيد، الذي يستند إلى استمرار الحشود الروسية.
والثاني، هو التهدئة، التي بدت مؤشراتها في القمة المغلقة التي انعقدت بين الرئيسين بوتين وبايدن وأسفرت عن إجراء اتصالات بين الأطراف المعنية بالأزمة.
وكانت القمة الأخيرة بين بوتين وبايدن قد حملت مؤشرات بتمسك الطرفين بموقفهما ومساعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيجاد حلول دبلوماسية في الوقت نفسه. فبالنسبة للأخيرة، فإنها تعمل في هذا الملف وفقًا لسياسة الترغيب والترهيب، حيث أعلنت رفضها التام لما يسمى بـ "الخطوط الحمراء الروسية"، وأشارت إلى أن الرد في حالة الغزو سيكون باتجاهين: يتمثل الأول، في فرض عقوبات اقتصادية على غرار منع روسيا من نظام السويفت المصرفي الذي تدفع به الدول أثمان الطاقة الواردة منها.
وينصرف الثاني، إلى تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بالاضافة إلى مواصلة الوجود العسكري الأمريكي على الجانب الشرقي لحلف الناتو. لكن واشنطن قللت في الوقت نفسه من احتمالات التورط في تدخل عسكري مباشر بين أوكرانيا وروسيا، وأكدت على رغبتها فى إيجاد حل دبلوماسي، ومع استمرارية الاتصالات في ظل هذه الأزمة تسعى الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا إلى الضغط على أوكرانيا بقبول قدر من الحكم الذاتي فى دونباس التي تخضع فعليًا لسيطرة الانفصاليين المدعومين من روسيا، ويذكر أن هذه المقاطعة تضم نسبة أعلى من الناطقين باللغة اللروسية وترفض أوكرانيا أى تغيير بمنح المنطقة حق النقض للسياسات العامة وهو بمثابة تحدي ستواجهه الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد يتسبب هذا الحل فى العديد من الصراعات الداخلية ويقدم مبررًا إضافيًا لتدخل روسيا. كما أكدت الاتصالات التي أجريت مع فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا على تمسكها بموقفها الخاص بالحل الدبلوماسي، بالتوازي مع اتصالات أخرى مع ألمانيا وحدها لبحث عقوبات باهظة على روسيا في ظل تعاقدها على خط غاز مع روسيا، حيث تمثل الأخيرة المصدر الرئيسى لـ90% من احتياجات الغاز الطبيعى فى دول الاتحاد الأوروبى، وكل هذه المؤشرات لا تبشر حتى الآن باحتمالات تسوية سريعة للأزمة.
في المقابل، تمسك الرئيس بوتين بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بتقديم تأكيدات موقعة تستبعد أي توسع لحلف الناتو ليشمل أوكرانيا وجورجيا وتحد من النشاط العسكري بالقرب من حدود روسيا، بل وصرح بأن أى اتفاق ملموس يجب أن يستبعد أى توسع إضافي لحلف الناتو باتجاه الشرق ونشر أنظمة أسلحة تشكل تهديدًا لروسيا، وهنا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء اتصالات مع أطراف الأزمة وأشارت إلى استبعاد ضم أوكرانيا لحلف الناتو خلال العقد القادم، وستظل استمرارية الاتصالات مؤشرًا إيجابيًا رغم ضعفه، إلا أنه يوضع في الاعتبار وذلك لاحتمالية تأثيره على مسار الصراع.
وفي النهاية، من المتوقع استمرار التواجد الروسي على الحدود وزيادة الدعم العسكري الغربي والأمريكي لأوكرانيا مع استمرار المباحثات والاتصالات بين الأطراف، إلى أن يتنازل أحد الأطراف عن موقفه مقابل الحصول على بعض الامتيازات، وإلا فالصدام سيكون قادمًا لا محالة.
معضلة انضمام أوكرانيا وجورجيا للناتو
يقول الخبراء، أن انضمام أوكرانيا المحتمل لحلف شمال الأطلسي ومن بعدها جورجيا من شأنه أن يفرض نوعا من الحصار على روسيا وسيكون بمثابة إعلان الهزيمة.
طرح إذا تحقق فسيكون الأسوأ بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل سيكون كابوسا لرجل يسكنه هاجس طويل الأمد نابع من مرارة تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي، خلال فترة حكم سلفه بوريس يلتسين في التسعينيات.
مسار طويل من الأحداث يفسر الشراسة التي يطالب بها الروس اليوم بالضمانات الأمنية وبالأساس وقف توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا، أي منع انضمام أوكرانيا.
إصرار جعل بوتين يطالب بحسم فوري لملف يدرك أن مراكمة الزمن فيه لا تمضي لصالح روسيا، ولذلك قال الثلاثاء، خلال مؤتمر صحفي إن المناقشات حول انضمام أوكرانيا إلى الحلف مستمرة (..) ولو حصل ذلك حتى بعد عدة أعوام، عندما تكون أوكرانيا مستعدة لهذه الخطوة، فمن المحتمل أن يكون الأوان عندها قد فات بالنسبة إلينا. لذلك نريد حسم هذا الموضوع الآن، في أقرب الآجال، ضمن عملية تفاوضية وبطرق سلمية".
في المقابل، فإن انضمام أوكرانيا المحتمل للحلف وربما من بعدها جورجيا، يضرب إرادة روسيا بشكل كبير، لأنه يعني حصارها وهزيمة إرادتها مقابل انتصار واشنطن وحلفائها، ولذلك فإن ما يريده بوتين اليوم من منع كييف من الانضمام للناتو هو إعادة النظر فى الترتيبات المنبثقة إبان ضعف روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ضعف يتجسد بالنسبة له في انضمام الدول التي كانت أعضاء بحلف وارسو لـ "الناتو" والاتحاد الأوروبي، التكتلين اللذين يرى في توسعهما -خصوصا الأول- تهديدا لأمن روسيا، ولذلك تطالب الأخيرة بعدم توسع الحلف شرقا أي عدم انضمام أوكرانيا بالمقام الأول، لأن خطوة مماثلة ستغلق الباب بوجه جورجيا.
من هنا، يدرك بوتين أن اللعبة باتت بيده نوعا ما، وأن تعزيزاته العسكرية على حدود أوكرانيا نجحت نوعا ما في الضغط على الغرب، ما جعله يقدم مقترحات الضمانات الأمنية، والتي تنص بالأساس على عدم توسع الناتو شرقا.
فالروس الذين يوحدهم الشعور بالغبن، وهم الذين يعتبرون أنفسهم منذ ما قبل الثورة الروسية والاتحاد السوفيتي دولة كبرى يحق لها أن تُحترم، يسعون لسد الثغرات التي يمكن أن تقطع عليهم الطريق، من ذلك الدول الصغيرة المتاخمة لهم مثل بلدان البلطيق الصغيرة الثلاث والتي ابتلعتها روسيا القيصرية ومن بعدها الاتحاد السوفيتي.
روسيا أمريكا والغرب.. ضمانات متبادلة
وترى صحيفة "الخليج" الإماراتية في افتتاحيتها أن كلا من روسيا وأوروبا تريدان "ضمانات" من الجانبين.
وتقول إنه تم تجاوز أزمة الصواريخ الروسية في كوبا عام 1962 بإعطاء كوبا "ضمانات أمنية أمريكية بعدم غزوها كما حصل في السابق، كما سحبت الولايات المتحدة صواريخ نووية من تركيا مقابل سحب الصواريخ الروسية من الجزيرة".
وتقول إنه "عندما تطالب روسيا اليوم بضمانات أمنية موثقة، لأنها تشعر بأن أمنها بات مهددا جراء توسع حلف الأطلسي باتجاه حدودها الغربية، ومحاولات ضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي ونشر قوات أطلسية في دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي السابق، إنما هي تمارس حقها الطبيعي في حماية أمنها، لشعورها بأن الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة تسعى لمحاصرتها، تمهيدا للانقضاض عليها من الداخل في الوقت المناسب".
وترى أن "الموقف الأوروبي واضح وهو العمل على حماية القارة وتجنيبها ويلات الحرب، وهي تدرك تماما أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال ضمانات أمنية متبادلة بينها وبين روسيا، وهو ما يجري العمل عليه.. وذلك يحتاج إلى جهد وثقة متبادلة".
وفي مقال له في "الشرق الأوسط" اللندنية، يرى سمير عطا الله تشابها بين الأزمة الأوكرانية وبين أزمة المحادثات النووية مع إيران.
ويرى أن بوتين "نشر 127 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا، كي يعيد الإمبراطورية السوفياتية إلى ما كانت عليه، لكنه سوف يعيد إلى روسيا موقع الدولة العظمى"، وأن إيران تسعى إلى أن "يقر لها الغرب بمكانة الدولة الكبرى؛ الباقي تفاصيل".
ويقول: "كما يخوض بوتين حروب الجوار مباشرة كإحدى وسائل الضغط، تشن إيران حروب جوارها العربي للهدف نفسه. ومن يقرأ بعض 'أدبيات' الصحف الإيرانية الآن، سوف يذهله مدى الاستعارات والعبارات الإمبراطورية والتشديد على العبارات والمصطلحات الفارسية، والإصرار عمدا على ذلك".
ويضيف: "المكسب الأهم لبوتين ولإيران، ليس خارجيا بل هو داخلي. كلما تأزمت في الخارج أمكن قمع المعارضة في الداخل، وإثارة المشاعر القومية. لذلك، تستخدم الصحف الروسية المؤيدة لبوتين أشد التعابير عنفا. فالحلف الأطلسي سرطان يجب استئصاله".
ويشير إلى أنه رغم أن أوكرانيا أصبحت خارج الاتحاد السوفيتي منذ ثلاثين عاما، "لكن من الصعب على بوتين أن يتقبل ذلك. إنه يجد روسيا محاصرة بالأطلسيين من كل جانب، وهذا أفضل شعار يمكن أن يرفعه أمام مواطنيه: روسيا ليست مجرد دولة عادية، كانت وستظل 'دولة عظمى'".
خمس أجندات على معسكرين
ويقول الخبراء، أن هـناك خـمس أجـندات فـي هـذه الأزمـة تـتوزع عـلى مـعسكريـن، وكـل اجـندة تـبحث عـن تـأمـين الحـد الادنـى مـن مـصالـحها.
فـفي المـــعسكر الأول، الأجـــندة الـــروســـية واضـــحة وصـــريـــحة فـــهي تـــريـــد إبـــعاد نـــفوذ واشـــنطن وحـــلف شـــمال الأطـــلسي إلـــى ابـــعد مـــدى عـــن حـدودهـا وعـن الـدول الـسوفـياتـية الـسابـقة.
كـما تـريـد إعـادة احـياء امـجادهـا كـمنافـس قـوي لـلولايـات المتحـدة عـلى زعـامـة الـعالـم. وعـليه يـدرك الـرئـيس الـروسـي فـلاديـمير بـوتـين جـيدًا أن الـتلويـح بـالـحسم الـعسكري هـو اقـوى بـكثير مـن حـسم عـسكري يـقال إنـه فـي مـتناول الـيد. فـمن خـلالـه قـد يسـتطيع أن يـصل إلـى مـا يـريـد، بـينما اسـتعمال الـقوة سـيؤدي إلـى خـسائـر جـسيمة تـتنوع بـين مـا هـو مـيدانـي وبـين المـقاطـعة والـعقوبـات الـدولـية الـقاسـية، والأهـم طـبعًا خـسارة نـهائـية لـلجار الأوروبـي الـذي لا يـزال يـراهـن عـلى حـوار صـادق يـؤدي إلى أفضل العلاقات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية مع موسكو. امـا فـي المـعسكر الـثانـي، فـالـحاضـر الأكـبر هـو الأجـندة الأمـيركـية الـتي تهـدف بـوضـوح إلـى مـحاصـرة روسـيا ومـمارسـة اقـصى ضـغط عـــليها لـــتحجيمها وتـــقليص نـــفوذهـــا والـــتأكـــيد عـــلى زعـــامـــة الـــولايـــات المتحـــدة الـــعالمـــية.
وفـــي هـــذا الإطـــار وفـــي حـــال انـــفجار الأزمـــة فـــي اوكـرانـيا سـتتكبد واشـنطن خـسائـر كـبيرة تـضرب أجـندة مـصالـحها الـحيويـة.
فـأولًا، هـي لـن تسـتطيع الـدفـاع عـن كـييف عـسكريـًا، وهـذا الأمـر بـديـهي فـي مـنطق الإسـتراتـيجيات الـعسكريـة إذ أن الـقوى الـعظمى لا تـتواجـه بـشكل مـباشـر فـي بـينها إلا فـي الحـروب الـعالمـية والـشامـلة. وبـالـتالـي عـدم الـقدرة عـلى الـدفـاع عـن اوكـرانـيا وتـحقيق أنـتصار واضـح فـي هـذه الأزمـة سـيكون لـه تـأثـير سـلبي عـلى مـكانـة وزعـــامـــة الـــولايـــات المتحـــدة الـــعالمـــية.
ثـــانـــيًا، والأهـــم أن المـــارد الـــصيني المـــنافـــس الجـــدي لأمـــريـــكا عـــلى زعـــامـــة الـــعالـــم، قـــد يســـتفيد مـــن انخراط واشنطن في هذه الأزمة لتعزيز مكانته الدولية وتوسيع نفوذه ومزاحمتها بشكل جدي على هذه المكانة العالمية. كــما أن هــناك اجــندة حــلف شــمال الأطــلسي، هــذا الحــلف الــذي تــأســس عــام ١٩٤٩ كــمنظمة ســياســية هــدفــها الأســاســي كــما ذكــر امـينها الـعام الأول الـلورد إسـماي "إبـقاء الـروس خـارجـًا، والأمـيركـيين داخـلًا، وإسـقاط الألمـان"، قـبل أن يـتحول فـي عـام ١٩٥٥ إلـى مــنظمة دفــاعــية تــقف بــوجــه حــلف وارســو وتــدافــع عــن الأوروبــيين مــن الخــطر والمــد الــسوفــياتــي. وبــالــتالــي مــن الــبديــهي أن نجــد الحــلف فــي أي مــواجــهة مــع روســيا وأن يــكون ســببًا فــيها.
فــأجــندة الحــلف واضــحة الا وهــي الــتوســع عــلى حــساب مــوســكو وضــم المــزيــد مــن الــدول الــسوفــياتــية الــسابــقة الــى مــعسكرهــا، هــذا فــيما يــظن بــعض قــادة الحــلف أن هــكذا أزمــات قــد تــعيد الــيه بــريــقه الــذي فــقده فــي الــسنوات المــاضــية.
لــكن انــفجار الأزمــة فــي أوكــرانــيا ســيكبد الحــلف عــلى مــا يــبدو خــسائــر كــبيرة، فــفي حــال عــدم تــدخــله عــسكريــًا لـلدفـاع عـن أوكـرانـيا )الـتي يـريـد ضـمها الـيه( سـيفقد الحـلف جـوهـر وجـوده وتـتأثـر عـملية تـوسـعه وذلـك لأنـه سـيفقد صـفة الـحامـي مـن الـدب الـروسـي. امـا فـي حـال تـدخـله الـعسكري المـباشـر وهـو أمـر مسـتبعد، ومـهما كـانـت نـتائـجه فهـذا سـيؤدي إلـى انـقسامـات عـميقة
بداخله تؤثر على وجوده خاصة من بعض الدول الأوروبية التي لها اصلًا الكثير من التحفظات تجاهه. امــا أجــندة اوكــرانــيا الــيوم فــهي مــعقدة أكــثر مــن اي وقــت مــضى، إذ يــسعى الــرئــيس فــلاديــمير زيــلينسكي لــلمحافــظة عــلى الــسيادة الـكامـلة عـلى بـلاده وعـلى وحـدتـها بـالإضـافـة إلـى عـدم خـسارة اجـزاء اخـرى مـنها عـلى غـرار مـا حـصل عـام ٢٠١٤، ولهـذا فـهو يـريـد أن يخــرج الــبلاد مــن المــنطقة الــرمــاديــة والــذهــاب بــها بــشكل كــامــل إلــى مــنطقة المــعسكر الــغربــي. لــكن هــناك مــن يــعتقد أن انــفجار هــذه الأزمــة ســيؤدي وبــشكل حــتمي إلــى خــسائــر جــمة لــكييف تــبدأ بــانــهيار نــهائــي لــوحــدة اوكــرانــيا ولا تــنتهي بــخسارة جــزء اســاســي مــن أراضيها في شرق البلاد.
واخــيرا هــناك الأجــندة الأوروبــية والــتي عــلى الــرغــم مــن الــتبايــن الــكبير فــي وجــهات الــنظر داخــل الإتــحاد الأوروبــي حــولــها فــلا يــزال الــتيار الــسيادي المــؤثــر فــيها وعــلى رأســه فــرنــسا والمــانــيا يــأمــل أن يــحافــظ عــلى الــسيادة الأوروبــية وســيادة اوكــرانــيا بــالتحــديــد عــبر الــحوار الجــدي، كــما يــأمــل أن يــبعد شــبح الحــرب عــنها، وأن يــحافــظ عــلى عــلاقــته مــع روســيا ويــطورهــا عــبر الــحوار ايــضًا لمــا فــيه مــن مــصلحة كــبيرة لــلطرفــين.
هــذا الــتيار يــعلم جــيدًا أن نــتائــج انــفجار الأزمــة الأوكــرانــية ســتكون كــارثــية عــلى الــقارة الــعجوز، فــاولًا هــذه الأزمــة هــي عــلى اراضــيها وهــذا يــعني دمــار هــائــل وخــراب وتــداعــيات إنــسانــية واقــتصاديــة كــبيرة وعــودة عــقارب الــساعــة الــى حــقبات ســيئة لا تــريــد الــعودة الــيها بــأي شــكل مــن الاشــكال.
ثــانــيًا يــدرك هــؤلاء أن الــسيادة الأوكــرانــية عــلى كــامــل اراضــيها لا يــمكن الــحفاظ عـليها عـسكريـًا بـل بـالـحوار والـدبـلومـاسـية وأن اي اسـتعمال لـلعنف سـيؤدي حـتمًا إلـى خـسارة تـاريـخية لهـذه الـسيادة. ثـالـثًا والأهـم، يـــدرك الأوروبـــيون أن انـــفجار هـــذه الازمـــة يـــعني بـــشكل مـــباشـــر الـــقطيعة مـــع مـــوســـكو وخـــسارة شـــراكـــات كـــبيرة ســـياســـة واقـــتصاديـــة واجـتماعـية مـعها.
واخـيرًا، يـتخوف الأوروبـيون وبـشكل جـدي مـن تـداعـيات انـفجار هـذه الأزمـة عـلى الـوحـدة الأوروبـية وعـلى مـا تـبقى من النفوذ الأوروبي أقله داخل حدوده الجغرافية.
يـقول نـيكولـو مـاكـيافـيلي فـي كـتابـه الأمـير" نـصنع الحـرب مـتى نـريـد، ونـنهيها مـتى نسـتطيع"، وعـليه يـدرك جـميع الـلاعـبين أن تـفجير الأزمــة الأوكــرانــية هــو اسهــل الأمــور واســرعــها، لــكنهم يــعلمون جــيدًا أنــه فــي حــال اشــتعلت فــلا أحــد قــادر عــلى اخــمادهــا أو أن يــبقى بـعيدًا عـن حـرائـقها. لـذا، يـصعد الجـميع إعـلامـيًا وجـماهـير ًيـا وسـياسـيًا، ويـطلقون التهـديـدات الـواحـدة تـلو الأخـرى، وهـم يـبحثون فـي الوقت عينه عن مخرج لائق يظهرون فيه جميعًا بثوب المنتصرين ويتفادون خسائر كبيرة لا قدرة لهم على تحملها حاليًا.