هل تعجل الأزمة الأوكرانية بتتويج الصين أكبر اقتصاد في العالم
في كلمته في افتتاح دورة دراسية لمدرسة الحزب الشيوعي الصيني في يناير عام 2021، بعد عام من اندلاع وباء وفيروس كورونا في مدينة ووهان وسط الصين، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى التحديات الناتجة عن الوباء، واضطرابات سلسلة التوريد، وتوتر العلاقات مع الغرب.
واستنتج أن "العالم يمر بوقت مضطرب لم يسبق له مثيل في القرن الماضي".
وبدا واثقا مما كان يعنيه للصين "الوقت والزخم في صالحنا. هذا هو المكان الذي نظهر فيه قناعتنا ومرونتنا وكذلك تصميمنا وثقتنا".
ومع انتشار الفيروس في العالم كله، بدا جليا عدم قدرة المجتمعات الغربية على تنظيم مواطنيها بسرعة حول هدف واحد على العكس من الصين، التي أظهرت أنها لا تزال إلى حد كبير مجتمعا ثوريا، فقد نجحت بكين في تعبئة المجتمع الصيني كجيش واحد، يمكنه أن يسقط كل شيء آخر بسرعة يواجهه ويسير في اتجاه واحد، وبدت الصين والحزب الشيوعي الصيني مستعدين لمواجة الوباء بشكل فريد.
يقول برونو ماسيس، في مقتطفات من كتاب "الجغرافيا السياسية في نهاية الزمان: من الجائحة إلى أزمة المناخ"، "سواء كانت النتيجة متوقعة أو مفاجئة تماما، أنهت الصين عام كوفيد من نواح كثيرة أقوى مما بدأت.
ومع اقتراب الحزب الشيوعي الصيني من الذكرى المئوية لتأسيسه في يوليو 2021، كانت رواية التجديد الوطني قد وصلت إلى ذروتها، حيث كان الوباء بمثابة خلفية لقوس القوة والفخر الصيني المتصاعد".
والأكثر من ذلك، إنه تم "قبول التنافس مع الولايات المتحدة بشكل متزايد وحتى الاحتفاء به"، كما يقول، مشيرا إلى ان الاجتماع بين كبار دبلوماسي الصين والولايات المتحدة في ألاسكا في مارس عام 2021 كان "رمزا جليا للثقة الصينية والجسارة"، حيث عمد كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيه تشي حينها إلى انتهاج نبرة غير معهودة موبخا نظرائه الأمريكيين وألقى محاضرات عليهم، كان الاتجاه السائد في تلك اللحظة كما تقول العبارة الدارجة بين مسؤولي الحزب، "شرقا صاعدا وغربا متراجعا".
وتكررت نفس النبرة في خطاب ألقاه في أبريل عام 2021 عندما قال وزير الخارجية وانغ يي إن "الديمقراطية ليست كوكاكولا" في إشارة إلى المشروب الأمريكي ذي النكهة الواحدة،" إذا ساد نموذج واحد فقط، أو حضارة واحدة على هذا الكوكب، فإن العالم سيفقد حيويته ويخلو من النمو".
وتجلت شواهد القوة الصينية أيضا فيما بدأ ككارثة بالنسبة للصين وتحول فيما بعد إلى فرصة استراتيجية ونقطة تحول نادرة في تدفق التاريخ فيما يتعلق بالاحتجاجات في هونغ كونغ، التي كان ينظر إليها العديد بأنها تحمل تهديدا للاستقرار السياسي في البر الرئيسي. فقد استطاعت بكين في النهاية أن تقول كلمتها وسنت ما يلزم من قوانين وتشريعات لحماية الأمن الوطني لهونع كونغ وتصدت بقوة للتدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية.
ورغم الوباء، كانت الصين في عام 2020 من الاقتصادات القليلة التي سجلت نموًا إيجابيًا بنسبة 2.3 بالمئة، فيما كانت جائحة كوفيد-19 تضرب سائر انحاء العالم، وإن كان هذا المعدل هو الأدنى منذ أربعة عقود. غير أن الصين عادت بقوة وسجلت نموًا سنويًا بنسبة 8.1 بالمئة في 2021، وهو الأعلى منذ ما يقرب من عشر سنوات على الرغم من أزمة العقارات وبعض الانتشارات المتفرقة للوباء. وكانت بكين تهدف إلى تحقيق نمو بنسبة 6 بالمئة عام 2021. ويواجه الاقتصاد الصيني في العموم "ضغوطا ثلاثية" ناجمة عن انكماش الطلب وضغوط على سلاسل التوريد وخفض التوقعات.
وأجبرت الطريقة التي خرجت بها الصين من الوباء بسرعة أكبر من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الاقتصاديين على إعادة النظر في توقعاتهم للحظة المصيرية عندما يتفوق الاقتصاد الصيني على منافسه الأمريكي في الحجم. وتوقع مركز اليابان للأبحاث الاقتصادية سابقا أن يحدث الانعكاس في عام 2036 أو بعد ذلك. ويعتقد الآن المركز أن الصين يمكن أن تنتزع تاج أكبر اقتصاد في العالم في وقت مبكر من عام 2028.
ويوافق مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال في لندن على توقعات عام 2028 بدلا من توقعات سابقة قدرها في عام 2033.
وترافقت سياسة "صفر كوفيد" التي سمحت بالقضاء على الوباء بسرعة في كلفة اجتماعية واقتصادية باهظة حيث لم يعد نشاط قطاع الخدمات بعد إلى مستوى ما قبل الجائحة، غير أن الانتعاش في الصين ساعد في جذب تدفق رأس المال وقوة اليوان وزيادة حجم الاقتصاد الصيني بالدولار.
وعلى وقع استمرار الوباء والأزمة الروسية-الأوكرانية والتحديات الأخرى، قال رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، في افتتاح الاجتماع السنوي للبرلمان يوم السبت، إن الحكومة حددت هدفها للنمو الاقتصادي لعام 2022 عند نحو 5.5 في المئة.
وبينما يعد معدل العام الحالي المستهدف هو الأقل منذ تسعينيات القرن العشرين، حيث لم يقل المعدل عن 6 بالمئة، إلا أن الصين حددت المعدل الذي تستهدفه للعجز في ميزانيتها لعام 2022 عند نحو 2.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي من 3.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي.
واعترف لي بشكل غير مباشر بتأثير الحرب الروسية على أسعار النفط والقمح والسلع الأخرى، قائلا "تظل مرتفعة وعرضة للتقلبات"، مضيفا "كل هذا يجعل بيئتنا الخارجية متقلبة وخطيرة وغير مؤكدة".
وترى صحيفة وول ستريت جورنال الشهيرة أن تحديد الصين هدفها للنمو الاقتصادي عند حوالي 5.5 بالمائة للعام 2022 يمثل "سقفا مرتفعا نسبيا" وسط سلسلة من التحديات في الداخل والخارج.
ونقلت عن خبراء اقتصاد قولهم إن هذا في الواقع يمثل ارتفاعا أثقل بكثير من هدف الناتج المحلي الإجمالي للصين للعام 2021، بالنظر إلى التشوهات الإحصائية المتعلقة بكوفيد في العام الماضي والرياح المعاكسة المتزايدة التي تواجه الصين.
وقالت الصحيفة، إن البنك المركزي الصيني يمكن أن يقدم على المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة الرئيسية، "مع كون التضخم يمثل مشكلة في الصين أقل مما في الغرب". ونقلت عن إيريس بانغ، كبيرة الاقتصاديين الصينيين في بنك أي أن جي، قولها إن الصين ستقوم بتحول محتمل "باتجاه ضخ المزيد من الاستثمارات في الطاقة الخضراء، مما سيساعد البلاد على تحقيق أهدافها المناخية على المدى الأطول، مع رفع الناتج المحلي الإجمالي على الأجل القصير "متزايد".
وبالنظر إلى إمكانية تجاوز الاقتصاد الصيني لنظيره الأمريكي في المستقبل القريب، فإن هذه التوقعات بالطبع تعتمد بشكل كبير على التطورات في الولايات المتحدة. وقد نما الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 5.7 بالمئة خلال عام 2021، في أقوى وتيرة نمو سنوية منذ عام 1984.وانكمش أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 3.4 بالمئة في 2020، تحت ضغط جائحة كورونا.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي إلى 4 بالمئة في 2022، مقابل 5.2 بالمئة وفق توقعاته في أكتوبر الماضي.
ومع ذلك، حذر الاقتصاديون من أن الوضع لا يزال غامضا بصورة كبيرة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وخاصة بشأن كيفية استجابته لصدمة محتملة في قطاع النفط، الذي ارتفع سعره كثيرا خلال الأيام الماضية.
ويعتقد كثيرون أن المخاطر تنحصر بشكل كبير في تباطؤ النمو وارتفاع التضخم، فيما قد يضيف فرض حظر كامل على النفط الروسي مزيد من النتائج القاتمة.
وقفزت أسعار المستهلكين بالولايات المتحدة في يناير 2022 أكثر من التوقعات إلى 7.5 بالمئة على أساس سنوي في يناير 2022، بعد ارتفاعه بـ 7 بالمئة سنويا في ديسمبر 2021، وفقًا لبيانات وزارة العمل الأمريكية. وارتفع مؤشر التضخم الذي يتم تتبعه على نطاق واسع بنسبة 0.6 بالمئة في يناير 2022 على أساس شهري. والسؤال هو من ينمو بطريقة أكثر استدامة قد يحسم هذه المنافسة.