صلى عليه الشعراوي.. ما لا تعرفه على الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق
تحل اليوم الأربعاء، السادس عشر من مارس ذكرى وفاة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، المولود في قرية بطرة بمحافظة الدقهلية الخميس الموافق 13 جمادى الآخرة سنة 1335 هـ 5 إبريل 1917.
ويعتبر شيخ الأزهر الراحل رجل المواقف العظيمة والشامخة والخالدة، دفاعًا عن دينه وقضايا الأمة الإسلامية والمستضعفين في شتي بقاع العالم.
نشأة الشيخ جاد الحق
ولد الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق يوم الخميس 31 من جمادي الآخرة عام 1335 الموافق الخامس من إبريل عام 1917 ببلدة بطرة مركز طلخا بمحافظة الدقهلية، وكانت نشأته دينية خالصة في أسرة كريمة، فوالده كان رجلًا صالحًا معروفًا بالأمانة وحملها، فكان أهالي القرية يودعون لديه أشيائهم الثمينة، خوفًا عليها من الضياع، وقد أثرت هذه النشأة الصالحة علي الإمام الراحل، حيث حفظ القرآن الكريم.
وأجاد الإمام الأكبر القراءة والكتابة في سن مبكرة جدًا في كتاب القرية على يد شيخها الراحل سيد البهنساوي، ثم التحق بالتعليم الإعدادي بالمعهد الأزهري الأحمدي بمدينة طنطا عام 1930، وحصل على الابتدائية الأزهرية عام 1934 والثانوية الأزهرية عام 1939م.
والتحق بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وحصل منها علي الشهادة العالمية عام 1934، ثم حصل على الإجازة في القضاء الشرعي عام 1954، وعين الشيخ جاد الحق فور تخرجه موظفًا قضائيًا بالمحاكم الشرعية في يناير 1964، ثم أمينًا للفتوى بدار الإفتاء عام 1953 فقاضيا بالمحاكم الشرعية عام 1954، وفي عام 1956 عين قاضيًا بالمحاكم بعد إلغاء ثورة يوليو للمحاكم الشرعية، ثم رئيسا للمحكمة عام 1971م.
وعين الشيخ جاد الحق مفتيا للديار المصرية في أغسطس 1978م، وبعدها بعامين اختير عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، وفي الرابع من يناير عام 1982م عين وزيرًا للأوقاف المصرية وبعدها بشهرين، في مارس عام 1982م عين شيخًا للأزهر ليصبح الإمام الثاني والأربعين للأزهر، وفي سبتمبر عام 1988م تم اختياره رئيسًا للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.
مواقف خالدة كان للإمام الراحل الشيخ جاد الحق مواقف جريئة وشجاعة وصريحة في الكثير من القضايا والمشكلات المحلية والدولية تمسك فيها بموقف الإسلام، انطلاقا من رسالته الكبرى كشيخ للأزهر وإمام للمسلمين، منها:
قضية القدس
شغلت قضية القدس حيزًا كبيرًا من عقل وقلب الإمام الراحل، وكان يذكر بها في كل المواقف والمناسبات، مؤكدًا أن القدس ستظل عربية إسلامية إلي قيام الساعة رغم أنف الإسرائيليين.
وعندما قرر الكونجرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أصدر الإمام الراحل بيانا صريحا وواضحا أدان فيه العدوان الصهيوني المستمر علي القدس، والقرار الأمريكي، وقال: «إن أمريكا تزعم أنها صديقة كل العرب، وهي أصدق في صداقتها بإسرائيل تؤيدها وتدفعها لمزيد من العدوان علي العرب وحقوقهم، وتساعدها في وضع العراقيل نحو إتمام عملية السلام التي تتظاهر بدعمها، لكنه دعم غير عادل فهو دعم للمعتدين الظالمين واستهانة وهدم لقرارات منظمة الأمم المتحدة.
إن الأزهر الشريف يرفض هذا القرار الظالم من أمريكا، التي تسعي في إتمام عملية السلام، ولكن هذا القرار أكد أن دعاة السلام صاروا دعاة للغدر والاغتيال للأرض والعرض والمقدسات لا يرعون حقا للغير، ولا يدعون إلي خير، وإنما يسعون في الأرض فسادًا.
ورفض الإمام الراحل سياسة التطبيع مع إسرائيل ما استمرت في اغتصابها للأرض العربية، وكان مما قاله: «لا سلام مع المغتصبين اليهود، ولا سلام إلا بتحرير الأرض العربية»، ورفض زيارة المسلمين للقدس بعدما أفتي بعض العلماء بجواز ذلك بعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993م بين السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات والحكومة الصهيونية بقيادة إسحاق رابين، وأعلنها الإمام الراحل بعزة المؤمن الذي لا يخشي إلا الله.
«إن من يذهب إلي القدس من المسلمين آثم آثم.. والأولي بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلي القدس حتي تتطهر من دنس المغتصبين اليهود، وتعود إلي أهلها مطمئنة يرتفع فيها ذكر الله والنداء إلي الصلوات، وعلي كل مسلم أن يعمل بكل جهده من أجل تحرير القدس ومسجدها الأسير».
وعلى أثر هذا النداء القوي من الإمام الراحل دعا البابا شنودة بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في مصر هو الآخر المسيحيين لعدم زيارة القدس.
وكان للإمام الراحل موقف واضح وقوي من رفض التطبيع فقد رفض أن يستقبل الرئيس الإسرائيلي عيزرا وايزمان إبان زيارته للقاهرة، وبعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993، مما سبب حرجا شديدا للحكومة المصرية وللرئيس الصهيوني.
تمسك بحكم الإسلام
يعتبر موقف الإمام الراحل من المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الذي عقد في القاهرة عام 1994 من المواقف الخالدة والشجاعة للإمام الراحل وأعاد فيه للأزهر مكانته ومقامه الرفيع من القضايا الدولية باعتباره حامي حمي الإسلام والمدافع عنه ضد محاولات التغريب.
وأريد من قاهرة الأزهر أن تصدر قرارات تناقض تعاليم الإسلام والأديان السماوية، وتعتدي علي عفاف البشر وكرامة الإنسان، فقد تناقلت وسائل الإعلام المختلفة ونشرت الصحف العالمية قبيل انعقاد المؤتمر وثيقة المؤتمر، والتي تتضمن إباحة الشذوذ الجنسي بين الرجل والرجل وبين المرأة والمرأة، وإباحة الزنا، وحمل الصغيرات العذارى والحفاظ علي حملهن وإباحة إجهاض الزوجات الشرعيات الحرائر.
وفور علم الإمام الراحل بخطوط تلك المؤامرة الخبيثة أمر العلماء والمختصين داخل الأزهر الشريف وخارجه بقراءة الوثيقة جيدًا ودراسة ما فيها وتقديم تقارير عنها، ثم اجتمع بمجمع البحوث الإسلامية عندما تأكد من صدق ما تناقلته وسائل الإعلام حول وثيقة المؤتمر لمناقشة وثيقة المؤتمر، وأصدر بيانا شديد اللهجة والصراحة يرفض وثيقة المؤتمر، لأنها تخالف شريعة الإسلام، وأكد البيان أن الإسلام لا يقر أي علاقة جنسية بغير طريق الزواج الشرعي الذي يقوم بين الرجل والمرأة، كما يحرم الإسلام الزنا واللواط والشذوذ، ويحرم إجهاض الجنين ولو عن طريق الزنا، وأهاب البيان بالأمة الإسلامية عدم الالتزام بأي بند أو فقرة تخالف شريعة الله.
وكان لبيان مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الإمام الراحل فعل الزلزال القوي الذي أجهض المؤامرة الغربية التي تستهدف تحطيم الأخلاق الإسلامية الراسخة والتردي في هوة الفساد الجنسي، وقد سارعت الحكومة المصرية والقيادة السياسية المصرية بتبني بيان شيخ الأزهر، وأصدر الرئيس الأسبق حسني مبارك بيانه الذي أكد فيه أن مصر المسلمة لن تسمح للمؤتمر بأن يصدر أي قرار يصطدم مع ديننا وقيمنا، وخرج المتآمرون من قاهرة الأزهر يجرون أذيال الخيبة والفشل الذي لاحقهم في المؤتمر التالي، الذي عقد في مدينة بكين بالصين، وكان الفضل في ذلك لعزم وصلابة الإمام الراحل الشيخ جاد الحق الذي رفض وثيقة مؤتمر بكين مؤكدا أن هدف واضعي الوثيقة هو تدارك ما فاتهم في مؤتمر القاهرة.
وتصدى الإمام الراحل لقرار وزير التعليم المصري بمنع الحجاب في المدارس المصرية والابتدائية وضرورة موافقة ولي أمر الطالبة في المرحلة الإعدادية والثانوية علي ارتداء ابنته الحجاب، وأصدرت لجنة الفتوي بالأزهر برئاسة الإمام الراحل بيانا أعلنت فيه أن القرار الوزاري يخالف الشريعة الإسلامية ونصوص الدستور، واستند المحامون المصريون لهذه الفتوي عند التقاضي أمام المحاكم ضد وزير التعليم المصري حتي تم إلغاء هذا القرار، وعاد الوزير إلي رشده بعد حكم القضاء بإلغاء هذا القرار.
نهضة الأزهر
شهد الأزهر الشريف في عهد الإمام الراحل نهضة كبيرة لم يشهدها في عهد من قبله.. فقد انتشرت المعاهد الأزهرية في كل قري ومدن مصر، كما لم تنتشر من قبل، فحين تولي الإمام الراحل مشيخة الأزهر عام 1982م كان عدد المعاهد الأزهرية لا يزيد عن ستمائة معهد، وبلغت عدد تلك المعاهد في عهده ستة آلاف معهد وبضع مئات، فقد زرع الإمام الراحل المعاهد الأزهرية في قري مصر، كما تزرع النخيل في الصحراء.
ولم يقف جهد الإمام الراحل علي نشر المعاهد الأزهرية في مصر، بل حرص علي انتشارها في شتي بقاع العالم الإسلامي، فأنشأ معاهد أزهرية تخضع لإشراف الأزهر في تنزانيا وكينيا والصومال وجنوب إفريقيا وتشاد ونيجيريا والمالاديف وجزر القمر.. وغيرها من البلدان الإسلامية.
وفتح الإمام الراحل باب الأزهر واسعا أمام الطلاب الوافدين من الوطن الإسلامي وخارجه، وزاد من المنح الدراسية لهم حتي يعودوا لأوطانهم دعاة للإسلام.
ونجح شيخ الأزهر الراحل في فتح فروع لجامعة الأزهر في جميع أنحاء مصر وعقدت الجامعة في عهده لأول مرة مؤتمرات دولية في قضايا طبية وزراعية وثقافية مهمة تحدد رأي الأزهر والإسلام فيها.
وفاة الشيخ جاد الحق
توفي الإمام الراحل قبيل فجر الجمعة 25 من شوال 1461- بعد أن فرغ فضيلته من مراجعة أوراق الأزهر وبريد الجهات الرسمية الأزهرية والبريد الوارد لمكتبه من كافة أنحاء العالم.
ويروى أنه مات متوضئًا وهو يشرع لأداء الصلاة في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الجمعة، حيث شعر بدوار مفاجئ فجلس علي سريره ليستريح، ولكنه فارق الحياة بعد لحظات، وكانت وصيته أن يدفن بجوار مسجده الذي بناه في قريته بطرة، وأن يشهد غسله ويؤم صلاة الجنازة عليه الشيخ محمد متولي الشعراوي، وتم تنفيذ وصية الإمام الراحل، حيث صلي الجنازة عليه الشيخ الشعراوي الذي نعاه بقوله: لقد تعلمنا منه ألا نعصرن الدين، بل ندين العصر، فعصرنة الدين تعني أنه غير كامل حاشا لله.