ماذا وراء ارتفاع أسعار النفط؟
مع اندلاع أتون الحرب في أوكرانيا تخطّت أسعار نفط خام برنت وغرب تكساس WTI حاجز 100 دولار للبرميل لأول مرّة منذ عام 2014، ومن المتوقع أن تستمر هذه التأثيرات على الأقل على المدى المتوسّط على أسواق الطاقة بالنظر إلى دور موسكو كثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي وإحدى أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم.
قفزت أسعار النفط بأكثر من 27 دولارًا للبرميل منذ بداية العام وسط تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، ويخشى الآن أن تؤدي موجة العقوبات الدولية على روسيا إلى المزيد من المشاكل في الإمدادات المتراجعة أصلًا.
ولكن موجة الصعود في أسعار النفط هذه لم تكن وليدة هذه الأزمة، فبالنظر إلى الرسم البياني لسعر الخام نلاحظ أنها قد بدأت في الربع الأخير من عام 2020، بعد أن بلغت الأسعار أدنى مستوياتها التاريخية حتى دون مستوى الصفر في بعض العقود الآجلة، فيما بلغ خام برنت أدنى مستوى له في عشرين عام عند 15،90 دولار للبرميل مع تفشي جائحة كرونا وإغلاق الاقتصاد العالمي.
منذ ذلك الوقت، ارتفع السعر بأكثر من 576% ليصل فوق مستوى 100 دولار الحالي وبسرعة فاقت أغلب التوقعات، فيما يلي سنقوم باستكشاف أهم الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع الكبير.
طلب قوي على النفط والطاقة
في الأشهر الماضية شهدت مختلف أسواق الطاقة العالمية طلبًا قويًا على الرغم من ارتفاع حالات الاصابة بفيروس كورونا في جميع دول العالم وسط دلائل على أن متغير أوميكرون لا يشكّل خطرًا كبيرًا، وبالتالي لم يتم اتخاذ أي اجراءات غلق وتقييد لحركة الناس والتجارة، فلم تتراجع بذلك مستويات أحجام الطلب على الطاقة كما كان متوقعًا في البداية.
إذا نظرنا مثلًا إلى نشاط قطاع النقل الجوي فإنّه لا يزال أقل بكثير من مستويات ما قبل الوباء، إلا أن هذا القطاع يعرف ارتفاع مضطرد على وقود الطائرات. كما تعرف أسعار الديزل زيادة في الطلب وكذلك وقود التدفئة وسط ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والنقل والوقود الصناعي. ومن المتوقع أن يواصل السفر الجوي انتعاشه في عام 2022، كما أنه من المتوقع ازدياد الطلب على الوقود خلال موسم العطلة الصيفية في نصف الكرة الشمالي.
نقص الإنتاج والإمدادات
عرفت إمدادات النفط العالمية الكثير من الانقطاعات غير المتوقعة في بعض الدول المنتجة لها مثل ليبيا وكازاخستان والإكوادور، وهو ما زاد من تعقيد وضعية الإمدادات العالمية المتراجعة أصلًا، والتي من المستبعد أن تتحسن في القريب العاجل. بسب تراجع حجم الإنتاج العالمي.
في أمريكا الشمالية، تتعرّض شركات النفط الصخري إلى ضغوط من المستثمرين ونشطاء البيئة، لذلك تقوم بحفر واستغلال عدد أقل من الآبار عما كانت عليه قبل الوباء للحد من زيادة العرض. ويقول المسؤولون التنفيذيون في الصناعة أنهم يحاولون عدم ارتكاب نفس الخطأ الذي ارتكبوه في الماضي عندما ضخّوا الكثير من النفط في السوق، مما أدى إلى انهيار الأسعار عام 2014.
التحالف الذي يعرف باسم أوبك +، بين منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) بقيادة المملكة العربية السعودية وحلفاؤها بقيادة روسيا، يجدون صعوبات في استعادة مستويات حجم الانتاج السابقة قبل بداية العمل بالاتفاق المبرم بينهم لتخفيض الإنتاج إلى مستويات قياسية عندما تراجع الطلب خلال الموجة الأولى لفيروس كورونا في 2020.
فخطة أوبك+ كانت تقتدي بأن يتم زيادة حجم الانتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا شهريًا، لكن الزيادة الفعلية في الإنتاج كانت أقل من ذلك، مع تعثّر بعض المنتجين وخاصة روسيا، ثاني أكبر منتج في أوبك +، ونيجيريا في زيادة انتاجها إلى المستويات المطلوبة بسبب نقص الاستثمارات وبعض المشاكل التشغيلية.
بعض الدول القليلة ذات الوزن الثقيل في أوبك وهي السعودية والإمارات والعراق لديها القدرة على زيادة الإنتاج. لكن حتى هذه الدول فأن قدراتها الإنتاجية الاحتياطية هي عند أدنى مستوى لها منذ سنوات، وهي ليست كافية لتعزيز الثقة بين المستثمرين في أسواق الطاقة وغير قادرة على تعويض أي تعطّل مفاجئ في الامدادات، خاصة عندما نعرف أن المخزونات الاستراتيجية العالمية من النفط الخام وصلت إلى دون مستويات ما قبل الوباء وهي تستمر في التراجع.
التوترات الجيوسياسية
أسواق النفط حسّاسة جدًا للتوترات الجيوسياسية خاصة عندما تشمل الدول المنتجة والمصدرة. لذلك عندما يسوء الوضع السياسي والأمني في الدول المنتجة للنفط كما حدث مؤخرًا في كازاخستان، فإن أسعار النفط تندفع نحو الأعلى.
تأثرت أسعار النفط بالتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط بين المملكة العربية السعودية وحليفتها الإمارات العربية وإيران، خاصةً بعد الهجوم بطائرة مسيرة الذي شنته جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران على الإمارات.
وطبعًا مع انتقال الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى مرحلة المواجهة المسلّحة، فإن هذه التوترات الجيوسياسية هي أكبر عامل يدعم ارتفاع أسعار النفط الخام، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن انتعاش الطلب وعودته إلى مستوياته العادية قد تم فعلًا تسعيره في السوق.
المضاربين في أسواق المال
بالإضافة إلى أساسيات العرض والطلب التي تحرّك أسعار النفط والتطورات الجيوسياسية، هناك أيضًا تأثير المضاربين من كبار المستثمرين في أسواق الطاقة العالمية ووول ستريت.
يعتقد بعض المحللين أنه بمجرد وصول سعر النفط إلى مستوى 90 دولارًا للبرميل، فإن ذلك جعل المتداولين في وول ستريت متحمسين للمراهنة على المزيد من الارتفاع في أسعار النفط التي تخطّت في النهاية مستوى 100 دولار للبرميل.
ويشير المحللين إلى قيام المستثمرين في النفط بإنشاء محافظ عقود الفروقات للشراء على النفط الخام - عقد يمنحهم الحق في شراء النفط بسعر وقت إبرام العقد - عندما انخفض سعر النفط مع بداية الوباء.
العديد من صناديق التحوّط وغيرهم من كبار المستثمرين ينتظرون بصبر لجني ثمار المراهنات السابقة وقد يدفعون أسعار النفط لترتفع أكثر حتى يتمكنوا من ممارسة خيارات الشراء التي تضمنها لهم تلك العقود الخاصة والتمتّع بالحق في شراء النفط الخام بسعر أقل بكثير من سعر السوق الحالي.