الوساطة المصرية في الأزمة الأوكرانية أمر وارد
الدكتورعزت سعد سفير مصر السابق في موسكو في حوار لـ«النبأ»: بوتين ليس مجنونًا وعلى العرب استغلال الحرب الروسية الأوكرانية
قال الدكتور السفير، عزت سعد، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشئون الخارجية، وسفير مصر السابق في روسيا الاتحادية، ومحافظ الأقصر السابق، إنه على العرب استغلال الأزمة الأوكرانية وبلورة ألية للأمن الجماعي العربي، والاستعداد لاتفاق نووي جديد مع إيران، مشيرًا إلى أن الوساطة المصرية بين موسكو والغرب أمر وارد.
وأضاف «سعد»، في حواره لـ«النبأ»، أن بوتين ليس مجنونا كما يزعم الغرب وأن أهداف روسيا في أوكرانيا «نبيلة»، مؤكدًا على أن الرئيس الروسي لن يتوقف قبل السيطرة على كييف بالكامل، مشيرًا إلى أن الرئيس السيسي يسعى لتعزيز العمل العربي المشترك وإضعاف نفوذ إيران وتركيا وإسرائيل في المنطقة.. وإلى تفاصيل الحوار
كسر الخط الأحمر الذي وضعه بوتين في 2007 سبب الحرب في أوكرانيا
في البداية ما هي مسببات وجذور الأزمة الأوكرانية ؟
بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1992 كان هناك اتفاق شفوي بين آخر زعيم سوفيتي حينذاك، ميخائيل جوربانشوف، والقادة الغربيين، على عدم تمدد حلف شمال الأطلسي «الناتو» شرقا، خاصة وأن حلف وارسو سقط وتفكك، وروسيا قبلت هذا الوضع على مضض، على أمل أن تقوم مع الوقت بتغييره، ويكون هناك نوع من التفاهم مع الطرف الآخر، لكن الطرف الآخر وهو حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أخذ هذا الموضوع باستخفاف، ولم يتم أخذ هواجس روسيا بنوع من الجدية، روسيا الاتحادية فشلت في الاندماج في الهياكل الأوربية، سواء جماعة أوربية أو الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو، وبدأت في القيام بمساعي مكثفة في إنشاء هياكل موازية في الفضاء السوفيتي السابق، هذه الهياكل الموازية للهياكل الأورو أطلنطية مثل كومنولث الدول المستقلة ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوربي الآسيوي، لكن هذه الاتحادات لم تكن ناجحة بالقدر الكافي.
وفي 2005 بدأت روسيا الاتحادية في تسديد ديونها والاستثمار في مؤسسة عسكرية قوية وتحديث ترسانتها النووية، وفي 2007 عندما تمت دعوة الرئيس بوتين لمؤتمر ميونخ لسياسات الأمن، أشار في خطابه أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان الكارثة الجيوسياسية الأكبر في القرن العشرين، هذا الخطاب تم تفسيره من قبل الدول الغربية على أن بوتين يسعى إلى استعادة الاتحاد السوفيتي السابق، لكن الحقيقة أن الرجل يعلم أن استعادة الاتحاد السوفيتي مسألة مستحيلة، كل ما يطالب به أن يكون له نفوذ في الدائرة المحيطة به، وأنه يجب على الغرب أن يتقبل روسيا كما هي.
بوتين دائما ينظر للديمقراطية بالمفهوم الغربي على أنها غطاء لتغيير النظام وتأليب الشعوب على الحكام
لكن الولايات المتحدة الامريكية تؤكد أن انضمام دولة ما لعضوية حلف الناتو هو تعزيز للديمقراطية والسوق الحر والنظام الليبرالي الدولي، لكن بوتين دائما ينظر للديمقراطية بالمفهوم الغربي على أنها غطاء لتغيير النظام وتأليب الشعوب على الحكام، ولديه من الأسباب ما يبرر وجهة نظره، وفي 2007 وضع بوتين مسألة توسيع النيتو شرقا خط أحمر، وكان المقصود بذلك دولتين هما، جورجيا وأوكرانيا، لأن هاتين الدولتين جوار مباشر لروسيا وتربطهما بروسيا علاقات ثقافية وتاريخية ودينية قديمة، لكن في العام التالي لمؤتمر ميونخ قام جورج بوش الابن بدعوة جورجيا وأوكرانيا لحضور قمة حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، في بوخاريست في أبريل 2008 من أجل ضمهما لعضوية الحلف، اعترض على هذا المستشارة الألمانية حينذاك ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي، فتوقف الموضوع، لكن في الإعلان الصادر عن قمة بوخاريست كان هناك فقرة تشير إلى إمكانية انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى عضوية الحلف.
بوتين دخل أوكرانيا لكي يرسخ فكرة أن روسيا لم تعد مستعدة تحت أي ظرف أن تسمح بوجود الناتو على أراضيها
وفي أغسطس 2008 حدث ما لم يكن الغرب يتوقعه، وهو قيام حرب الأيام الخمسة في جورجيا واعتراف روسيا باستقلال إقليمي ابخازيا وأستيا الجنوبية كدولتين مستقلتين، وفقدت جورجيا حوالى 30% من مساحتها، بوتين في هذه الفترة اعتقد أن رسالته وصلت للغرب، وأن الخط الأحمر الذي وضعه في 2007 سوف يتم احترامه، لكن هذا لم يحدث، وفي 2013 حدثت أزمة أوكرانيا، وتم إسقاط نظام الرئيس فيكتور يانيكوفيتش بواسطة الغرب بزعم أنه موال لروسيا رغم أنه جاء بانتخابات حرة أشرف عليها الاتحاد الأوربي.
وحدث انقلاب على الرئيس الشرعي فيكتور يانيكوفيتش وكان رد الفعل الروسي إعادة ضم شبه جزيرة القرم لروسيا ثم دخول القوات الروسية في شرق أوكرانيا لنصرة المواطنين الأوكران من أصول روسية، وفي 21 فبراير الماضي اعترف الرئيس بوتين باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس كدولتين مستقلتين ذات سيادة والتوقيع على معاهدة للدفاع والتعاون المشترك، نفس السيناريو الجورجي، ثم في 24 فبراير الماضي، بوتين لم يكتف بالتدخل في الإقليمين لكنه دخل أوكرانيا لكي يرسخ فكرة أن روسيا لم تعد مستعدة تحت أي ظرف من الظروف أن تسمح بوجود الناتو على أراضيها.
كيف يفكر بوتين؟
القوات الروسية على مشارف كييف، وبوتين مُصر تمامًا على أن تحقق هذه العملية أهدافها، والتي من أهمها جعل أوكرانيا دولة محايدة، ونشر صواريخ هجومية في دول جوار روسيا، كلها ترتيبات يمكن التوصل إليها من خلال معاهدات بين روسيا ودول الحلف، وبوتين غير راغب وغير مهتم بالحوار إلا مع طرف واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه ينظر للأوربيين وللرئيس الاوكراني زيلينسكي على أنهم لعبة في يد أمريكا.
بوتين لن يتوقف قبل السيطرة على كييف بالكامل والسيناريو السوري يتكرر في أوكرانيا
الآن بوتين وضع مجموعة من الشروط لوقف الحرب تتمثل في نزع سلاح أوكرانيا وعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ووقوفها على الحياد.. وفي نفس الوقت أوكرانيا ترفض هذه الشروط وتعتبرها استسلاما كما أن القادة الأمريكيين والغربيين يؤكدون دائما على أنهم لن يسمحوا لبوتين أن ينتصر في هذه الحرب.. تعليقكم؟
استراتيجية الغرب الآن تقوم على خطين متناقضين، الأول هو حشد أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية والإنسانية لدعم أوكرانيا على أمل صد الهجوم الروسي، الخط الآخر هو محاولة منع التصعيد والدخول في مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف الناتو الذي ما زال يؤكد على أنه لن يدخل الأراضي الأوكرانية لمواجهة روسيا، بدليل أن الحلف يرفض فرض حظر جوي فوق الأراضي الأوكرانية بناء على طلب الرئيس زيلنيسكي المتكرر، خشية الدخول في مواجهة مباشرة مع أقوى قوة نووية في العالم وهي روسيا، التي تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم.
هل سيناريو هزيمة بوتين في أوكرانيا وراد؟
العملية ليست أبيض وأسود، المعركة ما تزال مستمرة، وهناك عقوبات غير مسبوقة تم فرضها على روسيا، لكن نحن ليس في وضع يسمح لنا معرفة مدى تأثير هذه العقوبات على الجانب الروسي، وربما يكون الرئيس بوتين قد وضع الصين في الاعتبار على أساس أنها ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وربما توفر له نوعا من البديل للعقوبات الاقتصادية.
هل يمكن لبوتين أن يستخدم السلاح النووي في هذه المعركة؟
أشك، الغرب يحاول تقديم بوتين على أنه رجل مجنون، وهذا غير صحيح، لأن الجميع يعلم أن استخدام السلاح النووي مسألة ذو حدين، أهداف روسيا نبيلة، وهناك جذور لهذا الصراع، لكن مشاهد اللاجئين والأطفال والجوانب الإنسانية تعطى صورة سلبية عند الرأي العام العالمي عن روسيا وأهدافها.
أمريكا والغرب يخشون من مواجهة أكبر قوة نووية في العالم وبوتين لن يذهب للقدس للقاء الرئيس زيلينسكي
لكن هناك حديثا في وسائل الإعلام الغربية على أن الجانب الروسي يتكبد خسائر مادية وبشرية فادحة في الحرب؟
هذا نوع من الدعاية، لا سيما وأنه لا توجد مصادر مستقلة تؤكد هذا الكلام.
الطرفان بدأوا يستعينون بالمقاتلين الأجانب ويفتحون الباب للمتطوعين من كل مكان.. هل نحن أمام حرب بالوكالة وتكرار السيناريو السوري؟
ممكن، هذا موجود، ومن بدأ هذه القصة الجانب الأوكراني، وتبعه الجانب الروسي، وقبل العملية العسكرية بأشهر كان يتم الحديث بأن هناك تفكيرا غربيا بإيفاد مقاتلين إلى أوكرانيا لمحاربة الانفصاليين في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، بالتعاون مع القوميين الأوكران، التي تطلق عليهم روسيا النازيين الجدد، بحيث لا يكون هناك حرب نظامية، وبالتالي نحن أما سيناريو يشبه إلى حد كبير ما حدث في سوريا.
الإعلام الغربي وبعض القادة الغربيين يتحدثون أن الهدف من الحرب هو التخلص من بوتين.. هل يستطيع الغرب التخلص منه؟
شيطنة بعض الزعماء ليس بجديد، فقد تم من قبل شيطنة الرئيس العراقي صدام حسين، والآن تتم شيطنة زعيم كوريا الشمالية أيضا، المواطن الغربي هو ضحية إعلام لا يقول الحقيقة، والدليل أنه تم حظر وسائل الإعلام الروسية في أمريكا والغرب، في الوقت الذي يتحدث فيه الغرب عن حرية الإعلام وحرية الصحافة.
تصوير الحرب على أنها مواجهة بين الديكتاتوريات والديمقراطيات غير صحيح
الإعلام الغربي والقادة الغربيون يصورون الحرب في أوكرانيا على أنها معركة بين الديمقراطيات والديكتاتوريات.. ما رأيك في ذلك؟
هذا غير حقيقي بالمرة، هو مواجهة بين نظام دولي يتأكل، وهو نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبين نظام بازغ جديد بدأت ملامحة تتجسد يقوم على تعددية الأقطاب.
الرئيس الأوكراني اقترح عقد قمة أوكرانية روسية في القدس بوساطة إسرائيل.. تعليقكم؟
معروف أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي يهودي ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وأشك كثيرا أن يذهب بوتين إلى القدس، لأن بوتين ينظر إلى زيلينسكي على أنه رئيس لحكومة غير شرعية.
وما تقييمكم للموقف الإسرائيلي من الأزمة الأوكرانية؟
الموقف الإسرائيلي واضح جدًا، ويقوم على إظهار تأييد كامل للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الضامن لأمن إسرائيل، وفي نفس الوقت الحرص الشديد على عدم إغضاب روسيا، لأن الجانب الإسرائيلي ينظر على أن دعم روسيا لإسرائيل في المرحلة القادمة مهم وأساسي لأنه مرتبط بالوجود الإيراني في سوريا، وأنه دون موافقة روسيا على العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي من حين لآخر ضد القواعد الإيرانية في سوريا لن تستطيع إسرائيل أن تفعل أي شيء حيال تعاظم قوة ونفوذ إيران في المنطقة، من هذا المنطلق يحاول الجانب الإسرائيلي القيام بدور الوسيط، وهذا الدور لا يخلو من مصلحة خاصة.
إسرائيل تبحث عن مصلحة خاصة من الوساطة في الأزمة الأوكرانية وأردوغان يبحث عن دور وبوتين لن يعطيه فرصة للوساطة
الكثير من الدول أبدت رغبتها في الوساطة بين روسيا والغرب منها الصين وتركيا وإسرائيل وقطر. كذلك ألمح الرئيس السيسي للرئيس بوتين القيام بهذا الدور في الاتصال الهاتفي الأخير الذي تم بينهما.. كيف ترى ذلك؟
في البداية لا بد من التأكيد على أن أي وساطة لن تتم إلا بعد موافقة أمريكية، عندما ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت إلى روسيا وألمانيا وغيرها من المؤكد أنه تشاور مع أصدقائه الأمريكيين، ولا أظن أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تقبل بوساطة صينية، لأن ذلك سيكون اعترافا واضحا بنفوذ كبير لبلد اسمها الصين تمقتها الولايات المتحدة الأمريكية، النقطة الأهم هي أن بوتين لن يقبل أي وساطة قبل أن يقوم بتعظيم أوراقه، وأن يبدو لكل ذي عينين وخاصة للجانب الغربي أن كييف باتت تحت سيطرته بالكامل.
وماذا عن الوساطة التركية؟
معروف عن أردوغان أنه يبحث عن دور ويعتقد أن لديه بعض الأوراق، لكن أشك أن يعطيه بوتين هذه الفرصة، لأن بوتين يعلم أن الطائرات المسيرة التي تستخدمها أوكرانيا ضد القوات الروسية كلها تركية، وفي الحرب التي حدثت بين أرمينيا وأذربيجان كان هناك دور مشبوه لتركيا في هذه الحرب.
الوساطة المصرية في الأزمة الأوكرانية أمر وارد وتصويت القاهرة على قرار الجمعية العامة كان متوازنًا إلى أبعد حد
وماذا عن الوساطة المصرية؟
وارد، علاقة مصر بروسيا وأوكرانيا ممتازة، وقبل الأزمة مباشرة قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة كل من روسيا وأوكرانيا، لكن الآن ليس أوان الوساطة، ولو هناك وساطة فلن تكون بين بوتين وزيلينسكي أبدًا، ستكون بين بوتين وبايدن، زيلينسكي بالنسبة لبوتين لا يعدو أن يكون مجرد لعبة أو رجل لا يعتمد عليه.
هل تصويت مصر في الأمم المتحدة لصالح قرار إدانة الضربات العسكرية الروسية على أوكرانيا يمكن أن يكون له تأثير على العلاقات المصرية الروسية؟
تصويت مصر على قرار الجمعية العامة كان متوازنًا إلى أبعد حد، رغم أنه أيد إدانة العملية وشجبها بأقصى العبارات، لأن مصر مؤمنة دائمًا بمبادئ القانون الدولي وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، لكن في نفس الوقت البيان القوي الذي أصدره ممثل مصر في الأمم المتحدة لشرح نمط التصويت المصري كان من القوة والموضوعية بحيث كان فيه نوع من الارتياح لدى الجانب الروسي، والرئيس السيسي قام بعمل اتصال هاتفي بالرئيس بوتين، ويجب وضعه في الاعتبار.
روسيا حتى الآن لا تعتبر ما تقوم به في أوكرانيا غزوا أو احتلالا.. كيف ذلك؟
بوتين يعرف أن أوكرانيا دولة مستقلة وذات سيادة، ودائما يؤكد على وحدة الشعبين الروسي والأوكراني، ومن هذا المنظور لا يريد تسمية التدخل غزو أو حرب، هو يريد أن يؤكد على أن الهدف من هذا التدخل هو لحماية حقوق الأوكران من أصل روسي في شرق أوكرانيا ومحاربة القوميين والنازيين الجدد كما يسميهم.
إيران يحكمها رجل دين متشدد سيكون في يده ثروة هائلة وعلى العرب الاستعداد لاتفاق نووي جديد مع إيران
ما هي تداعيات هذه الأزمة على النظام العالمي؟
هذه العملية تؤشر على أنه ليس لدى روسيا استعداد للتراجع عن موقفها الجيوسياسي ونفوذها في منطقة أوراسيا، وأن هناك حالة من الاستقطاب الشديد، فالولايات المتحدة الأمريكية تستخدم وسائل قسرية لإجبار أكبر عدد ممكن من الدول للوقوف بجانبها حتى يبدو الطرف الآخر منعزلًا، الطرف الآخر ربما لا يملك الوسائل والآليات الذي يستطيع بها استقطاب آخرين، ولكن هو يتوقع أن هناك دولا لديها مبادئ ومثلا تجعلها تتخذ مواقف قريبة منه.
كيف ستؤثر هذه الحرب على التواجد الروسي في الشرق الأوسط وخاصة في سوريا وليبيا والبرنامج النووي الإيراني؟
ممكن أن يكون هناك تأثير، لكن هناك ملفات مثل الملف السوري والملف النووي الإيراني يحتاج إلى تعاون الجميع، لأن موضوع منع الانتشار النووي في العالم مسئولية الدول الخمس ومن مصلحتها، كما أن ذلك سوف يتوقف على نهاية هذه المعركة، فالطرف الذي سوف يخرج منتصرا من الحرب في أوكرانيا ربما سيكون له بعض المكاسب أكثر، مع الأخذ في الاعتبار أن موارد روسيا الاقتصادية ليست في ضخامة الموارد الأمريكية أو الصينية، لذلك دائما تقيد من سياسة روسيا الخارجية وتجعلها أكثر اعتمادا على أطراف أخرى، لذلك دائما نقول أن الموارد الاقتصادية والتكنولوجية خارج القصة النووية.
الرئيس السيسي يسعى لإضعاف نفوذ إيران وتركيا وإسرائيل في المنطقة
كيف يستغل العرب هذه الأزمة لصالحهم؟
أنا واثق من أن العرب جميعا لم يكونوا يتمنون هذه الحرب، ولكن عليهم أن يستخلصوا منها أن التنسيق المشترك والعمل العربي المشترك أصبح ضرورة، وأن هناك ثلاث قوى إقليمية غير عربية وهي، إيران وإسرائيل وتركيا، كل قوى لها أجندتها الخاصة التي لا تتفق مع الأجندة العربية، ولذلك على كل الدول العربية أن تدرك أن دولة عربية واحدة لا تستطيع مواجهة أي من هذه القوى، وبالتالي التنسيق المشترك ومحاولة بلورة آلية للأمن الجماعي العربي أصبحت ضرورة، وزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة للمملكة العربية السعودية وحديثه في هذا الإطار في منتهى الأهمية، ليس فقط من أجل الأزمة الأوكرانية، ولكن هناك مفاوضات في فينا بخصوص البرنامج النووي الإيراني، والتي توشك على التوصل لاتفاق نووي جديد ورفع العقوبات عن إيران، وهذه الدولة الدينية التي يحكمها رجل دين محافظ متشدد سوف يجد تحت يده ثروة هائلة وإمكانيات قوية جدًا.
لا اعتقد أنه سوف يستخدمها فقط في إعادة بناء بلده، بالتالي لا يجب أن نتوقع أن تغير إيران من سياستها بعد التوصل لاتفاق نووي جديد، رغم الحوار الذي أطلقته مع أكثر من دولة عربية، لأن هذا النظام بطبيعته أيديولوجي ديني يتصور أن أمنه القومي لا يقف عند حدود إيران وأنما يمتد حتى باب المندب، ووكلاؤه هم أدواته لتنفيذ سياسته الخارجية، والهدف من الجهود المصرية التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي هي تعزيز العمل العربي المشترك وإضعاف نفوذ هذه القوى الإقليمية غير العربية التي لها أجندات لا تتفق بالضرورة مع مصالحنا كعرب.
أمريكا ودول الخليج أدركوا أن معادة إيران ليس من مصلحتهم وإسرائيل تعارض أي تقارب بين طهران والرياض.. لهذه الأسباب
كيف ترى مصير اتفاقيات السلام مع إسرائيل أو ما بات يعرف باتفاقيات إبراهيم التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع عدد من الدول العربية؟
الاتفاقيات الإبراهيمية قامت على تفكير ترامب وهو إمكانية إنشاء تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران، وهذا لم يحدث، الآن بعض الدول العربية التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل كان موقفها من الأزمة الأوكرانية أقرب لروسيا من الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك حوار بين السعودية والإمارات وتشجيع الإدارة الأمريكية على توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، وبالتالي دول الخليج وحتى مصر ترغب في التعايش مع إيران على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة واحترام الشأن الداخلي، لكن إسرائيل تصر على تغيير النظام الإيراني، وتعتبر الاتفاق النووي مع إيران تهديدا وجوديا لها.
لماذا تعارض إسرائيل أي مفاوضات أو تقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية؟
ليس هناك مفاوضات بين إيران والمملكة العربية السعودية، ولكن هناك حوارا، إسرائيل تريد أن تحشد أكبر عدد ممكن معها من العرب ضد إيران، ولكن دول الخليج أدركت أنه ليس من مصلحتها معاداة إيران، والولايات المتحدة الأمريكية نفسها فهمت أنه ليس من مصلحتها معاداة إيران، وإسرائيل فهمت أن هناك سقفا لدى الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها في مواجهة إيران، وأن هناك تحولا في الموقف الأمريكي تجاه إيران.