بالتفاصيل.. تحركات أمريكا لضم الهند لحلف «عزل روسيا»
شهدت الساعات القليلة الماضية نشاطا سياسيا ودبلوماسيا مكثفا بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية، في ظل سعي واشنطن إلى عزل روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، لا سيما حلفاؤها أو ما تطلق عليهم «الديمقراطيات».
محادثات بين بايدن ومودي
أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الإثنين محادثات "صريحة" عبر الفيديو، حيث أشاد الرئيس الأمريكي في بداية الاجتماع الافتراضي ب "العلاقة العميقة" بين البلدين وأعرب عن رغبته في "مواصلة المشاورات الوثيقة" في ظل الحرب في أوكرانيا.
وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، وصفت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين ساكي، في مؤتمرها الصحفي، عقد مؤتمر بالفيديو بين الرئيسين بأنه «بنَّاء ومثمر» بين الزعماء، الذين ناقشوا الصراع في أوكرانيا واعتماد الهند المستمر على الخام الروسي.
وتابعت ساكي: «ما فعله الرئيس.. هو توضيح تأثير مسار عقوباتنا، ونحن نتوقع من الجميع الالتزام بهذه»، وأضافت: «أوضح الرئيس أيضًا أنه لا يعتقد أنه من مصلحة الهند تسريع أو زيادة واردات الطاقة وسلع أخرى أيضًا»، في إشارة إلى استثمار الهند في أنظمة الدفاع الجوي العسكرية الروسية إس -400.
وأوضحت ساكي: «تستورد الهند فقط حوالي من 1 إلى 2% من طاقتها من روسيا، وقد أوضحنا أيضًا وأوضح الرئيس بايدن أننا سنكون سعداء لمساعدتهم في تنويع ذلك أيضًا»، ولدى سؤالها عما إذا كان مودي قد أعطى أي التزام لتقليل أو إلغاء مشتريات النفط الروسي، قالت ساكي: «سأدع رئيس الوزراء مودي والهنود يتحدثون عن ذلك، لقد كانت دعوة بناءة، وكانت محادثة مثمرة، إنها علاقة ذات أهمية حيوية للولايات المتحدة والرئيس، لن أعتبرها دعوة للخصم».
من جانبه، وصف رئيس الوزراء الهندي الوضع في أوكرانيا بأنه "مقلق للغاية"، مشيرا إلى أن الهند تدعم المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا التي تنظر لها واشنطن بكثير من التشاؤم.
بلينكن يناقش مع وزير الخارجية الهندي الحرب الأوكرانية
وناقش وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع نظيره الهندي، سوبرامنيام جايشانكار، العديد من القضايا من بينها الحرب الأوكرانية وأزمة الغذاء، والتعاون في مجال الأمن السيبراني.
وقال أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع سوبرامنيام جايشانكار، في واشنطن، إن الولايات المتحدة مستمرة في دعم الشعب الأوكراني لمواجهة العدوان الروسي، مشيرا إلى أن الهجوم الروسي تسبب في أزمة غذاء عالمية.
وتابع خلال المؤتمر،الذي شارك فيه أيضا وزيري الدفاع بالبلدين، في إطار حوار "2+2"، أننا نعمل مع الهند للحفاظ على استقرار سلاسل الغذاء العالمية، ووقعنا اتفاقًا مع الهند بشأن تبادل المعلومات والتعاون في مجال الفضاء، ونعزز تعاوننا في مجال الأمن السيبراني وشراكة تبادل المعلومات في القطاعات العسكرية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إنّه "من المهمّ أن تحضّ كلّ الدول، وبخاصة تلك التي تتمتّع بتأثير" على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "على إنهاء الحرب".
وأضاف "من المهمّ أيضًا أن تتحدّث الديموقراطيات، بصوت واحد للدفاع عن القيم التي نتشاركها".
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الهندي، سوبرامنيام جايشانكار،: ناقشنا مع المسؤولين الأمريكيين سبل تطوير منطقتنا، معربا عن معارضة بلاده للهجوم الروسي على أوكرانيا، داعيا لحل الأزمة بالسبل الدبلوماسية.
وكانت وزارة الشئون الخارجية الهندية قالت:إن" الهدف من إجراء حوار "2+2" هو طرح رؤية وتقديم توجيه استراتيجي لزيادة دعم العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الحوار سيساعد على إتاحة فرصة لتبادل وجهات النظر بشأن التطورات الإقليمية والعالمية المهمة، وكيفية العمل معا لمعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وقال وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ إن الولايات المتحدة تدرك أن الهند وروسيا "حليفان طبيعيان" وتحافظان على علاقات مستقرة.
وذكر الوزير في تصريح لصحيفة "هندوستان تايمز" خلال زيارة للولايات المتحدة، أن بلاده في الوقت نفسه، لن تسمح لعلاقتها مع دولة ثالثة أن تؤثر سلبا على "المصالح الوطنية الأساسية للولايات المتحدة".
وقال سينغ بهذا الشأن: "لا أعتقد أن روسيا ستؤثر على العلاقات بين الهند والولايات المتحدة. والولايات المتحدة تعلم أن الهند وروسيا هما حليفان طبيعيان لبعضهما البعض وأن علاقتنا مستقرة للغاية. وستتأكد الهند أيضا من عدم تأثر المصالح الوطنية الجوهرية للولايات المتحدة بسبب علاقتنا بدولة أخرى في العالم".
كما استبعد سينغ تأثير الصراع في أوكرانيا على استعداد الهند لأمنها القومي، مشيرا إلى أنه لا يوافق "على أنه ستكون هناك أي مشاكل لأمننا القومي. الهند ليست دولة ضعيفة. الهند لديها القوة لضمان أنه ما إذا كانت هناك مشكلة، فيمكنها التعامل معها. لكن بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، نريد السلام".
ولدى سؤاله عما إذا كانت الهند تفكر في زيادة تنويع مشترياتها الدفاعية بعد أن شنت روسيا عملية خاصة في أوكرانيا، قال سينغ: "انتظروا وراقبوا!".
موقف الهند من الأزمة الأوكرانية
اتسمت خطوات الهند دبلوماسيًا بشأن أوكرانيا في الأيام القليلة الماضية بالحذر الشديد وكأنها تسير على حبل مشدود، وهي تحاول موازنة علاقاتها مع موسكو والغرب.
ولم يذكر بيان دلهي الأول في مجلس الأمن الدولي اسم أي دولة بشكل مباشر، لكنه أعرب عن أسفه لعدم الاستجابة لدعوات المجتمع الدولي لمنح الدبلوماسية والحوار فرصة.
وقبل تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار للأمم المتحدة لإدانة الغزو، واجهت الهند دعوات من روسيا، والولايات المتحدة، وأوكرانيا "لفعل الشيء الصحيح".
لكن قرار الهند بالامتناع عن التصويت أثار تساؤلات، خاصة في الغرب، بشأن إن كان ينبغي لأكبر ديمقراطية في العالم أن تتخذ موقفًا أوضح.
وقد اثار موقف الهند من الأزمة الأوكرانية انزعاج الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى لتشكيل تحالف دولي لعزل روسيا سياسيا واقتصاديا على خلفية تدخلها العسكري في أوكرانيا، لا سيما بعد أن قامت الهند بشراء ملايين البراميل من النفط الروسي بسعر منخفض في شهر فبراير الماضي، حيث كانت دول أخرى تكثف العقوبات على البلاد بسبب غزوها لأوكرانيا، ما أثار انتقادات من الولايات المتحدة والعديد من الحلفاء.
وعن موقف الهند من الأزمة الأوكرانية، تقول الخبيرة الأمريكية المتخصصة في الشؤون الاستراتيجية إيرينا تسوكرمان، إنه "من المؤكد أن روسيا تتطلع إلى ضم الهند وأي دولة أخرى يمكن أن تجدها في دائرة نفوذها تحت أي ذرائع، ومع ذلك فإن حياد الهند بأزمة أوكرانيا ليس بالضرورة مؤشرا على قرار نيودلهي بالعودة إلى معسكر روسيا بالكامل".
وأضافت تسوكرمان في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الهند في موقف لا تحسد عليه، فهي تحاول تحقيق التوازن بين العديد من التهديدات والمصالح والأولويات المختلفة أثناء التعامل مع موقف مخيب للآمال من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. الهند محاطة بقوتين نوويتين هما باكستان والصين، وقد كانت الأولى حليفا وثيقا للولايات المتحدة لسنوات عديدة، واستفادت بشكل كبير من إمدادها بالأسلحة".
وتابعت الخبيرة الاستراتيجية: "كانت الهند مدعومة تاريخيا من قبل الاتحاد السوفيتي وروسيا، وبدأت في السنوات الأخيرة فقط بالانتقال إلى المعسكر الموالي للغرب بشكل أكثر صراحة لا سيما فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية وقضايا الدفاع، ردا على التهديدات المتزايدة من المتطرفين المدعومين من جانب باكستان وكذلك من عدوانية الصين، كما كان تقارب روسيا من الصين عاملا لا تستطيع الهند أن تتجاهله أيضا".
ولفتت تسوكرمان إلى أن الهند "ابتعدت مؤخرا عن الاعتماد على الأسلحة الروسية، وأصبح أكبر مورديها فرنسيين وإسرائيليين، رغم أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على إمدادات الأسلحة الروسية (حوالي 70 بالمئة)، لذا فهي غير قادرة على قطع العلاقات بموسكو".
واعتبرت أن "ما يميز العلاقات الهندية الروسية ليس فقط عمليات بيع الأسلحة، لكن أيضا البرامج المشتركة لأنظمة الأسلحة المختلفة المنتجة في روسيا أو بالاشتراك معها، التي تم شراؤها وتطبيقها بالفعل، حيث منحت موسكو الهند امتيازات خاصة فيما يتعلق بالدفاع، مثل دمج الأسلحة المصنوعة محليا في الطائرات المقاتلة والسفن البحرية، بينما لم تسمح الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا بحدوث ذلك حتى الآن".
وأوضحت أن "الهند قلقة أيضا من الرسائل الصادرة عن الناتو بشأن أوكرانيا في أعقاب العمليات العسكرية الروسية، حيث أعرب الحلف عن أنه ليس لديه مجال للتهاون في حالة استخدام روسيا للأسلحة الكيميائية في أوكرانيا. كذلك أكد المعهد الوطني للعلاقات الدولية أن تحدي الهند لروسيا في هذه القضية، سيجعلها لا تخسر فقط حليفا دفاعيا قيما لا يوجد بديل مكافئ له بين الدول الغربية حتى الآن، لكنها ستعرّض نفسها لخطر خلق عدو ثالث (بعد الصين وباكستان) في حين أن الدول الغربية بعد (خيانتها) لأوكرانيا لا يمكن الاعتماد عليها للدفاع عنها".
ووفق تسوكرمان فإن "إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا ترحب بشكل خاص بالهند خارج مجال الدفاع. ولم تتبن الهند كبديل اقتصادي وتقني للصين، كما كانت المشاركة الدبلوماسية محدودة أيضا. إذا أرادت الدول الغربية أن تخاطر الهند بأمنها ومصالحها من أجل مشاركة أوسع وأعمق استراتيجيا مع الغرب، فعليها أن تظهر ما يجب أن تكسبه الهند منها من خلال العمل، وليس مجرد الوعود الفارغة في المناسبات الاحتفالية. تحتاج الدول الغربية أيضا إلى إثبات أنها حلفاء موثوقين أكثر من روسيا، وهو ما يدحضه بشدة مثال أوكرانيا وأفغانستان في الوقت الحالي، عندما يحدث ذلك سيكون للدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم الحافز لبدء تغيير الوجهة والمجازفة لاستكشاف آفاق جديدة تتجاوز ما تعتبره حاليا آمنا ومفيدا لمصالحها".
ويقول مايكل كوغلمان، نائب مدير مركز ويلسون للأبحاث، إن موقف الهند ليس مفاجئًا لأنه يتوافق مع استراتيجيتها السابقة.
ويضيف أن دلهي "لا تبدو مرتاحة لما يحدث في أوكرانيا، ولكن ليس من المرجح أن تغير موقفها".
ويقول: "إنها ببساطة لا تستطيع فعل ذلك في الوقت الحالي بسبب احتياجاتها الدفاعية والجيوسياسية"، مشيرا إلى أن دلهي قد اختارت بعض الكلمات القوية في مجلس الأمن الدولي لإظهار عدم ارتياحها للوضع في أوكرانيا.
ويقول الدبلوماسي الهندي السابق أنيل تريغونيات، الذي خدم في موسكو، وفي ليبيا حيث أشرف على إجلاء المواطنين الهنود عندما اندلع الصراع في عام 2011، إن هناك حاجة إلى ضمانات السلامة من جميع الأطراف في النزاع لإدارة عملية إجلاء ناجحة.
ويضيف: "لا يمكن للهند أن تتخذ جانبًا في مواجهة قد تعرض سلامة مواطنيها للخطر. وهي ترى، علاوة على ذلك، الصورة الشاملة التي تنطوي على إبقاء القنوات مفتوحة مع الجميع".
وأضاف: "لم تنتقد الهند روسيا بشكل مباشر، لكن هذا لا يعني أن الهند تغض الطرف عن معاناة الأوكرانيين. لقد تبنت نهجًا متوازنًا. وتحدثت بقوة عن وحدة الأراضي في مجلس الأمن الدولي، وكان من الواضح أنها تهدف إلى تسليط الضوء على محنة أوكرانيا". لكن إذا استمرت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في فرض عقوبات شديدة على روسيا، فقد تجد الهند صعوبة في مواصلة التعامل مع موسكو.
ويبدو أن الولايات المتحدة تتفهم موقف الهند في الوقت الحالي، لكن لا توجد ضمانات بأنها ستستمر في فعل ذلك.
وعندما سُئل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن موقف الهند لم يقدم إجابة محددة. وقال "سنجري مشاورات مع الهند بشأن أوكرانيا. لم نحسم هذا الأمر بشكل كامل".
ولا تزال قضية العقوبات على شراء صواريخ إس-400 تلوح في الأفق. إذ قدم قانون عقوبات في مواجهة أعداء أمريكا في عام 2017 يستهدف روسيا وإيران وكوريا الشمالية بعقوبات اقتصادية وسياسية. كما يحظر على أي دولة توقيع صفقات دفاعية مع هذه الدول.
ولم تكن واشنطن قد وعدت بأي تنازل حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا، ويعتقد الخبراء أن القضية يمكن أن تصبح ورقة مساومة بين الهند والولايات المتحدة.
ويمكن لموسكو في الوقت نفسه استخدام نقاط الضغط الخاصة بها ومن بينها تعزيز العلاقات مع عدو الهند اللدود باكستان إذا رأت تغييرًا في استراتيجية دلهي.
وكانت روسيا قد تقبلت علاقات الهند المتنامية مع الولايات المتحدة في العقدين الماضيين، أما أوكرانيا فخط أحمر لا تريد أن تتخطاه دلهي.
ويقول كوغلمان إن نقاط التحول هذه لن تتحقق إلا إذا طال الصراع في أوكرانيا، وانتهى الأمر بخلق عالم ثنائي القطب.
ويضيف: "دعونا نأمل فقط في ألا يحدث ذلك. ولكن إذا حدث، فإن السياسة الخارجية للهند ستكون أمام اختبار قاس".
إذا اتبعت الهند الولايات المتحدة بشكل أعمى
كتب الباحثان الصينيان تشوانغ قنهوا وما شياولين مقالة رأي في صحيفة "تشاينا دايلي" الصينية، الصادرة في اللغة الإنجليزية، قالا فيها إن غالبية الدول الغربية وحلفاءها انتقدت روسيا لأنها أمرت بتنفيذ عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا واتخذت كل الإجراءات الممكنة لاحتواء روسيا، باستثناء المشاركة المباشرة في الصراع (العسكري) ضد موسكو. وقد وضعت هذه التطورات الهند، التي كانت تربطها تقليديًا علاقات ودية مع روسيا ولكنها في السنوات الأخيرة بدأت تتجه نحو الولايات المتحدة، في مأزق.
ورأى الكاتبان أنه مع ذلك، يبدو أن الهند نأت بنفسها عن المعسكر الغربي وتبنّت ما يمكن وصفه بموقف مؤيد لروسيا بشأن الأزمة الأوكرانية. بفضل علاقة الهند الفريدة مع روسيا، لم يؤدِ الصراع الروسي الأوكراني إلى اندلاع موجة مناهضة لروسيا في الهند. على العكس من ذلك، فقد يمثّل ذلك فرصة نادرة للهند لتغيير استراتيجيتها الدبلوماسية.
وأوضحت الباحثان أنه بالمقارنة مع الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، فإن بيان الهند بشأن العملية العسكرية الروسية الخاصة مثير للاهتمام للغاية. لم تعارض القيادة الهندية بشكل مباشر العملية العسكرية الروسية الخاصة ولم تحذُ حذو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إدانة موسكو. بل شددت القيادة الهندية على ضرورة عودة الأطراف المعنية إلى الحوار والدبلوماسية لإنهاء الصراع.
وأضاف الكاتبان أن "الهند، التي نصّبت نفسها زعيمة للعالم النامي، حريصة على تغيير النظام الدولي الحالي لتصبح عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على الرغم من أن موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف وقادة روس آخرين كانت غامضة في مناسبات مختلفة بشأن محاولة الهند أن تصبح عضوًا دائمًا في مجلس الأمن. وغالبًا ما دعمت موسكو نيودلهي من خلال التزام الصمت عندما كانت الأخيرة في وضع غير مؤاتٍ في المجتمع الدولي بشأن قضايا مثل نزاع كشمير، والصراعات الدينية.
وخلص الباحثان إلى أنه "إذا اتبعت الهند الولايات المتحدة بشكل أعمى، فستظل دائمًا في وضع التبعية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وسيكون ذلك ضارًا بطموحات الهند الإقليمية. كما سيكون من الصعب على الهند تطوير صناعاتها وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية سريعة. وهذا ليس من الصعب على القيادة الهندية أن تدركه".
وختما مقالتهما بالقول: من هنا، فإن عكس السياسة الموالية للولايات المتحدة بشكل مناسب وزيادة التعاون مع روسيا والصين ودول أخرى بطريقة براغماتية هو خيار، على الأقل خيار مرحلي، يجب على الهند النظر فيه بجدية لحماية مصالحها الوطنية ورفع مكانتها الدولية.
التوازن الحرج.. الاعتبارات الحاكمة لموقف الهند من الأزمة الأوكرانية
تحت هذا العنوان كتب « محمد سينان سيخ»، على موقع «المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة»: امتد التدخل العسكري الروسي لأوكرانيا لأكثر من شهر الآن، حيث ضربت القوات الروسية العديد من المدن الأوكرانية. وفي ظل هذه الأحداث، أدانت عدة دول مختلفة هذه الأعمال، وصوتت في الأمم المتحدة من أجل الوقف الفوري لأعمال روسيا العدائية، بينما امتنعت الهند عن التصويت عدة مرات. وقد فسر البعض هذا الموقف بأنه دعم ظاهري من الهند لموسكو، على الرغم من إدانة الهند للتدخل الروسي بطرق غير مباشرة؛ ما أثار تساؤلات حول الاعتبارات الحاكمة لموقف الهند من الحرب الروسية - الأوكرانية، ومدى صحة الانطباعات عن دعم الهند للجانب الروسي.
وأضاف: على مدى تاريخ الهند الحديث، اتبعت سياستها الخارجية المنهج الذي رسمه جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند، حيث رفض نهرو أن يتم استدراج دولته إلى إحدى كتلتي الحرب الباردة: الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي. وهذا الإصرار على البقاء بعيدًا عن الطرفين قد سهّل تشكيل كتلة عدم الانحياز، والتي ضمت العديد من الدول مثل مصر ويوغوسلافيا.
وتابع: ومع ذلك، كان لا بد من التخفيف من هذه المثالية إلى حد ما نظرًا لحداثة عهد دولة الهند خلال حقبة الحرب الباردة، فلقد كانت بنيتها التحتية الحيوية، مثل العلاقات الدفاعية والتجارية، لا تزال قيد التطوير. علاوة على ذلك، كانت الهند في أوائل السبعينيات عرضة للتهديد جراء تزايد توطد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما سهلته باكستان، مما أدى إلى تعزيز العلاقات بالكامل. ولقد دفعت هذه الأسباب –إلى جانب العديد من العوامل الأخرى – الهند إلى توقيع معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفييتي لضمان الحماية السوفييتية لها في حالة قيام الصين أو باكستان بالتدخل العسكري فيها.
واستطرد: وعلى الرغم من سقوط هذه المعاهدة في التسعينيات نتيجة لتفكك الاتحاد السوفييتي، وقّعت الهند معاهدة أخرى مع روسيا (ولكن من دون وجود الضمان الأمني هذه المرة). ولقد أدت كل هذه العوامل إلى إقامة الهند علاقات تجارية ودفاعية مهمة مع روسيا، لدرجة أنه في مرحلة ما، استوردت الهند ما يزيد على 70٪ من احتياجاتها من الإمدادات الدفاعية من روسيا.
وفي الوقت نفسه، بذلت الهند جهودًا كبيرة لتنويع سياستها الخارجية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، فأقامت علاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها، مثل دول الخليج وإسرائيل والعديد من الدول الأخرى في جنوب شرق آسيا. وبمرور الوقت، نجحت الهند في تحقيق التوازن بين علاقاتها مع روسيا وبين علاقاتها المتنامية مع الولايات المتحدة. ولكن هذا التوازن بين الدول صار على المحك الآن، بسبب الأزمة الأوكرانية.
هناك عدة أسباب وراء ما فعلته روسيا في أوكرانيا. ومن دون الخوض في تفاصيل الأمر، يكفي الإشارة إلى الحدود المشتركة بين أوكرانيا وروسيا وأن رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي يهيمن عليها الغرب إلى حد كبير، كانت من أهم الخطوط الحمراء التي دفعت روسيا لاتخاذ مثل هذه الخطوة الجذرية. ونظرًا لهذا الجانب من ديناميكية الحرب، مارست الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الضغوط على دول مختلفة لدفعها لاتخاذ موقف ضد روسيا. وعلى الرغم من تصويت الدول بأغلبية ساحقة ضد أفعال موسكو في الأمم المتحدة، رفضت الهند التصويت ضدها.
وهناك عدة اعتبارات وراء الموقف الهندي تتمثل في: أولها، أن العلاقات الطويلة بين الهند وروسيا (والاتحاد السوفييتي آنذاك) – التي ذكرناها من قبل – أدت إلى توطيد الصداقة والاحترام المتبادل بين الطرفين. ثانيًا، على الرغم من تراجع واردات الهند الدفاعية من روسيا بسبب محاولة الهند لتنويع مواردها، فإن وارداتها من روسيا لا تزال تقترب من 50٪ من إجمالي واردات الهند الدفاعية، مما يجعل موسكو عنصرًا بالغ الأهمية في الحسابات الأمنية بالهند.
ثالثًا، أن كم الواردات الدفاعية ليس الأمر الأهم، بل إن نوعية الأسلحة هو الأهم الذي يصنع فارقًا، فالهند تستورد صواريخ أرض-جو من طراز S-400 من روسيا، وهو أمر شديد الأهمية بالنسبة للهند للدفاع عن نفسها ضد أي هجمات من الصين أو باكستان. لذا، قررت الهند المضي قدمًا في شراء هذه الأسلحة على الرغم من تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات (لم تُنفذ) ضد روسيا.
رابعًا، كان إجلاء أكثر من 20 ألف طالب هندي علقوا في أوكرانيا هو العامل الملح الذي صعّب من معارضة الهند لروسيا، كما زادت وفاة طالب هندي في مدينة خاركيف من الضغوط على الهند، التي اضطرت إلى التفاوض مع كل من روسيا وأوكرانيا لضمان توفير ممر آمن لمواطنيها.
خامسًا، اتخاذ الهند موقفًا داعما للغرب وإعلان معارضتها موسكو سيحتم عليها التعامل مع التهديد المتمثل في ميل روسيا نحو باكستان ردًا على موقفها. وهو الموقف الذي لا ترغب فيه الهند حيث ستضطر إلى مواجهة باكستان والصين (الموالية بالفعل لروسيا). علاوة على ذلك، كانت موسكو دائمًا مؤيدة لموقف الهند بشأن كشمير، وهي حقيقة لا يمكن للهند تجاهلها نظرًا لأن روسيا تمتلك حق النقض في الأمم المتحدة.
وأخيرًا، هناك أيضًا حافز اقتصادي يحكم الهند، فمع ارتفاع أسعار النفط على الصعيد الدولي، من المرجح أن تقع الهند تحت ضغوط محلية بسبب وصول أسعار الوقود إلى مستويات لم تشهدها الهند من قبل، خاصة مع توقعات استمرار ارتفاع الأسعار. لذا، قد يخفف شراء الهند النفط من روسيا عن مواطنيها، الذين عانوا أشد المعاناة تحت وطأة التضخم.
ولكن يبدو أن موقف الهند قد أثار حفيظة بعض الشخصيات السياسية البارزة في جميع أنحاء الغرب، فعلى سبيل المثال، وصف الرئيس الأمريكي بايدن مؤخرًا موقف الهند من أوكرانيا بأنه مرتعش، كما طالب المسؤولون البريطانيون الهند باتخاذ موقف أشد صرامة ضد روسيا.
ولا يعني هذا أن الهند لم تعارض التدخل العسكري في أوكرانيا على الإطلاق، ففي العديد من الخطب، أوضحت الهند أهمية وحدة أراضي الدول وسيادتها، بل وقدمت كذلك مساعدات طبية وإنسانية كبيرة لأوكرانيا. بيد أن الغرب لم يرحب في حياد الهند، وازداد استياؤه من موقفها كما يتضح من التصريحات المذكورة أعلاه.
ولقد أدركت الهند هذه المشاعر، فعقدت عدة اجتماعات رفيعة المستوى، منها اجتماعات مع رئيس الوزراء مودي ووزير الخارجية سوبرامانيام جاياشانكار. ولقد وصف شاشي ثارور، السياسي الهندي المعارض، موقف الهند بشأن هذه القضية بأنه تطور قليلًا بمرور الوقت. وبعد حل القضية الأكثر إلحاحًا، ألا وهي إجلاء الطلاب الهنود، من المحتمل أن تعدّل الهند موقفها (ولو قليلًا) بشأن قضية أوكرانيا.
علاوة على ذلك، لا تستطيع الهند أيضًا إقصاء القوى الغربية التي أقامت معها علاقات قوية على مدى العقدين الماضيين. أضف إلى ذلك ضم الهند للمجموعة الرباعية، وهي مجموعة تتكون من الهند والولايات المتحدة واليابان وأستراليا، بهدف موازنة نفوذ الصين في بحر الصين الجنوبي، وهو عامل آخر مهم يجب وضعه في الاعتبار.
كما أوضح خبراء الأمن، فإن موقف الهند من أوكرانيا يعتمد على عوامل متعددة تدفعها لموازنة مصالحها الخاصة في كل من الكتلة الروسية والكتلة الغربية. وتلعب ديناميكيات التجارة والاقتصاد والدفاع دورًا بالغ الأهمية في تعزيز وضع الهند في المنطقة. ولقد حاولت الهند أيضًا التأكيد على أنها لن تصبح أداة في يد القوى الغربية في المنطقة، خاصة وأنها تحاول رسم مسار لها لتصبح قوة عظمى.
وعلى الرغم من تفهم الدول الغربية في البداية موقف الهند، فإنها بدأت تعبر عن استيائها من حياد الهند. وعلى الرغم من قدرة الهند على التعامل مع هذه المشاعر حتى الآن، إلا أن الاختبار الحقيقي لموقفها وحيادها سيكون إذا تصاعد العنف الروسي وتفاقمت الأزمة وأدت إلى المزيد من التداعيات الأمنية. وسيكون من المثير للاهتمام حينها متابعة طريقة تعامل الهند مع الضغوط الممارسة عليها.
وفي النهاية، تظل الهند في المنظور الغربي قوة يمكنها مواجهة النفوذ الصيني في جنوب آسيا، وسوقًا كبيرة قادرة على تحقيق منافع اقتصادية هائلة، ما يمنح الهند تمتلك قوة تفاوضية وقدرة على البقاء على الحياد. ولكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ هذا ما ستظهره لنا الأيام القادمة. أما الآن، تأمل الهند في تهدئة الأزمة، واستقرار الأجواء العالمية خوفًا من اتخاذ أي طرف رد فعل متطرف يدخل العالم في مرحلة لا تحمد عقباها.