كيف أصبحت شركة جوجل رئيسًا لتحرير العالم؟
على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر شهر فبراير الماضي، بدأت بعض شركات التكنولوجيا الأمريكية على وجه الخصوص، اتخاذ إجراءات عقابية ضد روسيا، وهي سياسية من شأنها فرض حصار معلوماتي حول روسيا.
وبحسب المعلومات المتاحة حتى الآن، أوقفت 21 شركة تقنية عالمية، تقديم خدماتها داخل الأراضي الروسية بشكل رئيسي، وبعضها قرر تعطيل خدماته داخل بيلاروسيا وأوكرانيا، بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير.
وتسعى معظم الشركات، وأغلبها أمريكية الجنسية، إلى الالتزام بالعقوبات التي فرضتها واشنطن وعواصم غربية على موسكو.
ويأتي على رأس تلك الشركات «جوجل وأمازون ومايكروسوفت وIBM»، والتي أعلنت عن وقف تسجيل مشتركين جدد في خدماتهم السحابية الموجهة لقطاع الأعمال داخل روسيا وبيلاروسيا.
كما أشارت «أمازون» في بيان رسمي إلى عدم ارتباطها بأي عقود عمل بالحكومة الروسية، كما أنها لا تمتلك خوادم هناك، إلى جانب ذلك فإنها أوقفت تسجيل أي عملاء جدد.
كذلك انضمت شركات «جوجل» و«IBM» إلى صفوف شركات الخدمات السحابية المنسحبة من السوق الروسي، معلنة إيقاف تسجيل أي عملاء جدد هناك.
وتوقع تقرير لشركة «IDC» الإحصائية، نشرته الأسبوع الماضي، تأثيرا محدودا على خروج مقدمي الخدمات السحابية من السوقين الروسي والبيلاروسي، وذلك لأن نصيبهما مجتمعين من السوق الأوروبي لتكنولوجيا المعلومات هو 5.5%، بينما يشكل 1% فقط من السوق العالمي.
كما اتخذت شبكة الفيديوهات «يوتيوب» قرارًا بحظر قنوات وسائل الإعلام المدعومة من الحكومة الروسية عالميًا، بعد أن كانت المنصة قد أوقفتها داخل الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي.
وأوضحت منصة الفيديوهات الشهيرة أنها ستقوم كذلك بحذف كافة أنواع المحتوى الذي ينكر ويهوّن من التأثير المدمر للحرب الروسية على أوكرانيا.
وحظرت شبكة «يوتيوب»، المملوكة لشركة جوجل، قنوات وسائل الإعلام الروسية، وأوقفت إمكانية تربحها من الإعلانات، كما أوقفت إمكانية استخدام القنوات منصاتها الإعلانية المختلفة لترويج فيديوهاتها بشكل واسع أمام المستخدمين.
وكانت «جوجل» قد عطلت في وقت سابق عمليات شراء التطبيقات عبر متجرها «بلاي ستور» في روسيا، إلى جانب وقف عمليات شراء العناصر الافتراضية داخل الألعاب والتطبيقات المحملة من متجرها، وذلك بعد وقفها لخدمة الدفع «Google Pay» الشهر الماضي.
على الرغم من ذلك، فإن «جوجل» أوضحت أن متجرها مازال متاحًا أمام مستخدمي أندرويد داخل روسيا، حيث مازال بإمكانهم تحميل التطبيقات المجانية، وكذلك الاستمتاع بالعناصر الافتراضية التي قاموا بشرائها في وقت سابق.
وكانت الشركة قد قررت حظر التطبيقات الخاصة بوسائل إعلام روسية محلية من متجرها «بلاي ستور».
كما حظر موقع البحث الشهير «جوجل»، المواقع الروسية الشهيرة الناطقة بالعربية، إلا أن محاولة حظر موقع «سبوتنيك» الإخباري الروسي انتهت بالفشل، إضافة لموقع «روسيا اليوم» الذي كثيرًا ما كانت عبارة «موقعنا يتعرض لهجوم كبير» تزين افتتاحيته.
وقبل يومين أعلن مجلس «الدوما» الروسي (البرلمان) أن محرك البحث «جوجل»، حذف قناة المجلس على موقع الفيديوهات «يوتيوب»، الذي يحفل بقدر كبير من المواد التي تعالج الحرب وتطوراتها وتداعياتها.
كما أخبرنا بعض المتعاملين مع شركة «جوجل»، أن الشركة أخبرت عملاءها بأن أي تعاطف أو أخبار من شأنها تعظيم دور روسيا، سيكون للشركة رد فعل في منع إعلانات جوجل للموقع الإلكتروني، فضلًا عن عدم اختيار الموقع ضمن نطاق البحث في الصفحات الافتتاحية.
محاولات لإسكات الصوت الروسي
إلى ذلك، يقول الدكتور ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن هذه محاولات لإسكات الصوت الروسي في هذه الأزمة والتي تبدو واضحة للعيان، ولا تحتاج جهدًا كبيرًا لإثباتها.
وأضاف، أن الغرب يخوض غمار تلك الأزمة متسلحًا بأدوات إعلامية واتصالية فائقة القدرة والتأثير، سيسخر كل طاقته لهزيمة روسيا في الإعلام، وبينما هو يمضي في استراتيجيته تلك، سيطوي عالم وسائط «التواصل الاجتماعي» الرائجة تحت أجنحته، وسيوفر للوسائط التقليدية الفرص اللازمة لشن معركتها الدائمة ضد «النموذج الشمولي» للخصم الروسي، وسيستخدم أدواته القانونية والتنظيمية من أجل تأميم المجال الاتصالي الدولي لصالح روايته وقضيته في تلك الحرب وما وراءها من استراتيجية ضد روسيا البوتينية.
وأشار «عبد العزيز» إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية جعلت بعض المراكز الحية في الدول الغربية تستشعر الخطر من خطوة ما وصف بـ«الخلل الكبير»، بسبب سيطرة شركات التقنية الأمريكية الكاسحة على تكنولوجيا الاتصالات العالمية.
خطة الدول الأوروبية لتقليل النفوذ الأمريكي
ولفت إلى أن بعض الدول الغربية ربما راحت تحسب عواقب تلك الأزمة في حال وقع الصدام بين بعض دول المعسكر الغربي ذاته وبين الجانب الأميركي، الذي أظهر قوة وهيمنة استطاعتا تكسيح الخصم الروسي، ودقتا أجراس الإنذار في عواصم أوروبية في الوقت ذاته.
وأوضح الخبير الإعلامي، أنه قبل أسبوعين، توصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى مسودة اتفاق جديد، سيدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، وهو الاتفاق الذي وصفه الجانب الفرنسي بأنه أهم تنظيم في العقود الأخيرة للأسواق الرقمية، ويهدف إلى وضع حد لاستغلال الشركات الرقمية الأميركية العملاقة موقعها المهيمن على الصعيد العالمي.
ولفت «عبد العزيز» إلى إدراك الأوروبيين كون تلك الشركات العملاقة تستغل وضعها الاحتكاري ونفاذها الفائق في أسواق الاتصال من أجل تحقيق أهداف محددة من خلال ممارسات تضر بقوانين المنافسة، مشيرًا إلى أنه ستكون لتلك الحرب ارتدادات عالمية وتنظيمية فائقة الأهمية، وفي رأس قائمة تلك الارتدادات ما سيظهر من محاولات غربية في الأساس لتحجيم هذه الآلة الرقمية الجبارة، التي أثبتت الحرب الأوكرانية أنها مرهونة بالكامل لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، وإنفاذ رؤاها في الأزمات والتفاعلات الدولية.
اتهام جوجل بالاحتكار
لم تكن هذه أولى حروب «جوجل» أو السيطرة الأمريكية ضد نفوذها، ففي فبراير 2020، اشتكت أكثر من 30 شركة متخصصة في خدمات السفر؛ بينها «تريب أدفايزر» و«إكسبيديا»، ضد شركة «جوجل»، لدى هيئة مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، بتهمة المنافسة غير المشروعة.
واتهم الشاكون في رسالة «جوجل»، باستغلال الموقع المهيمن لمحرك البحث التابع لها لإطلاق خدمات خاصة بها والترويج لها على حساب جهات فاعلة في القطاع.
وخاطبت الشركات المفوضة الأوروبية لشؤون التنافسية بهذه الرسالة: «نشهد حاليًا محاولة من جوجل لتوسيع هيمنتها على السوق محركات البحث إلى أسواق منفصلة مرتبطة بخدمات وساطة متخصصة في إيجارات العطلات».
وبحسب المعلومات المتاحة حول الأزمة، فإن مجموعة جوجل الأمريكية العملاقة تعطي موقعًا تفضيليًا لخدماتها في نتائج البحث العامة، وقد حُكم على «جوجل» بدفع غرامة قدرها 2.6 مليار دولار في عام 2017، على خلفية هذه القضية، غير أن المجموعة تنفي بصورة قاطعة الاتهامات الموجهة إليها.