عادل مهنا لـ«النبأ»: أتوقع انقسام العالم بعد 10 سنوات من الآن.. وتداعيات الحرب مستمرة حتى صيف 2023
مازال يعانى الاقتصاد العالمي وخاصة المصري من تداعيات خطيرة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وسط تخوف كبير لدى العالم ومصر، لا سيما حدوث أزمة كبرى في توفير السلع الإستراتيجية للمواطنين، خاصة القمح ومنتجات الغاز والبترول والطاقة، واتخذت الحكومة المصرية مؤخرًا، عددا من القرارات الاقتصادية الهامة كان لها تأثير على ارتفاع الأسعار وهو ما تسبب في نشوب غضب شعبي، ولكن الحكومة قابلت ذلك بصدور قرارات هامة تخص زيادة الرواتب وغيرها من القرارات التي تصب في صالح المستثمرين، والقرار الأهم إعلان الحكومة بعمل أكبر تقشف في الموازنة الجديد للدولة.
وللوقوف على تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على مصر والعالم، أجرت «النبأ» حوارا مفتوحا مع الدكتور عادل مهنا أستاذ الاقتصاد الدولى بالجامعة الأوربية بباريس، والذي كشف خلاله تقييمه لوضع الاقتصاد المحلي المصري بعد اشتعال الحرب، ويرى «مهنا» أننا سنكون أمام عالم اقتصادي جديد ما بين 2025 و2030، موضحًا أن العالم سوف يبدأ بتغيرات على مستوى التسليح، وأن الهيمنة الدولارية على الاقتصاد العالمي ستنتهي.. وإلى نص الحوار
ما تقييمك لوضع الاقتصاد المصرى حاليًا خاصة بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية؟
أولًا نحن على مشارف تغيرات اقتصادية متوقعة على المستوى العالمي، والتوقعات المستقبلية للوضع الاقتصادي عالميًا أصبحت صعبة للغاية، وعلى أساس ذلك دور الحكومة المصرية أن يكون لديها توقعات ماذا سيحدث مستقبلًا، بالنسبة لتأثيرات الحرب من الجانب الاقتصادي، والحكومة كان لديها كافة السيناريوهات لمواجهة تلك التداعيات، وخلال هذا الفترة المشكلة بالنسبة لوضع الاقتصاد المصري أنه دائمًا يكون رد فعل وليس فعل، فالحكومة ليس لديها سياسة اقتصادية طويلة الأجل بل تعتمد دائمًا على سياسة اقتصادية قصيرة الأجل، ولذلك يكون دائمًا اقتصادا لمواجهة الأزمات ورد فعل لها كما حدث في كورونا والحرب الأخيرة، فلا بد أن تكون الرؤية الاقتصادية المستقبلية خلال العشر سنوات المقبلة، ولكن الاقتصاد المصري حاليًا قادر على امتصاص الأزمات التى ليس لمصر دخل في وقوعها، فمصر قادرة على امتصاص الأزمة والعودة مجددًا، فالنمو الاقتصادي في الوقت الحالى جيد.
كيف ترى ارتفاع الدين الداخلى والخارجي لمصر في الوقت الحالى؟
لا توجد دولة في العالم دون مديونيات، وهذا موجود لدى دول غربية ولكن الخطر عدم القدرة على دفع تلك المديونيات، فالخطر هو تخطي ما نطلق عليه الخطوط الحمراء في الديون، ويجب على مصر ألا تعيد التجربة التى مرت بها اليونان، عندما تخطت الديون الداخلية والخارجية، والحكومة المصرية مطالبة بمراجعة مستمرة لنسبة الديون وهناك معدلات يجب الحفاظ عليها، والبنك المركزى حريص على عدم تخطيها، والتخوف من سوء إدارة موضوع الديون من قبل الحكومة.
كيف تقيم القرار المصري بتعويم الجنيه وهل الخطوة الأخيرة من زيادة الفائدة قرار صائب رغم تداعياته الاقتصادية على المواطن؟
قرار الحكومة بتعويم الجنيه المصري كان له ردود فعل قوية وجيدة من قبل قطاع رجال الأعمال والمستثمرين، وكل التحليلات الاقتصادية أيدت قرار التعويم، حيث أحدث القرار استقرارا في قيمة الجنيه المصرى مقارنة بالدولار، وما يحدث اليوم من تعويم جديد ما تسبب في غضب الشارع المصري، يؤكد أن القرار المصري مؤقت وخطوة ملزمة للحكومة، فهناك حدث اقتصادي عالمي والحكومة لا تستطيع فيه الخروج عن السياسة النقدية العالمية، والمؤشرات تشير إلى أن التغيرات في قطاع الصرف حاليًا تقلبات قصيرة الأجل، ولا تدعونا للقلق أو تدعونا لمطالبة البنك المركزي المصري بمراجعة سياسته النقدية.
أما بالنسبة لتعويم الجنيه وقرار التعويم الأخير الحكومة كانت مضطرة له، فهناك تخوف لدى المستثمر من السوق المصري، فكان لا بد من الحكومة اتخاذ إجراءات مطمئنة للمتعاملين في السوق المصري ومن بينها القرارات الأخيرة.
كيف تقيم قرار الحكومة بعمل أكبر تقشف في موازنة 2022/2023 لمواجهة تداعيات الحرب؟
التقشف مسألة يجب تناولها بحظر شديد لأنه ليس كل تقشف يؤدي إلى تحسن العملية الاقتصادية، بالعكس برامج التقشف قد تكون سلبية في وقت ما، ومسألة التقشف غير مطلوبة عالميًا في الوقت الراهن، وخاصة في مسائل السلع الغذائية مثل القمح والبترول، وباقي المواد الاستراتيجية، ولكن موازنة الدولة سوف تواجه أزمة مستقبلية في حالة استمرار الحرب، وسوف توجه بشكل كبير نحو تحقيق نوع من التوازن لتلبية مطلبات السوق المصري خاصة من السلع الأساسية.
هل تجميد الاستثمارات الروسية ورجال الأعمال الروس بدول أوروبا فرصة لمصر لجذبهم في السوق المصري؟
بالتأكيد هدف أوروبا والولايات المتحدة السعي نحو عزل بوتين وروسيا عن الساحة العالمية الاقتصادية، وهذا اعتقاد خاطئ لأن الساحة العالمية لا تقتصر على الاستثمار في أوروبا وأمريكا، الساحة العالمية تضم الصين التي ستكون خلال عشر أو عشرين عامًا بحد أقصى الأقوى اقتصاديًا، وروسيا لن تصبح في عزلة بفعل العقبات الاقتصادية، هناك بدائل للاستثمارات الروسية والسوق المصري قادر على استيعاب رجال الأعمال الروس، خاصة وأن السوق السياحي كان مقصد الاستثمار الروسي مؤخرًا، ولكن هناك أمورا تتوقف على جذب رجال الأعمال الروس لمصر، منها أن مدى قدرة السوق المصري على استيعاب للمستثمر الروسي. ثانيًا أن الروس لديهم فكر ونظرة مختلفة في البيزنس تختلف كليًا عن أوروبا وأمريكا، فلا بد من الحكومة عن الدراسة والعمل على كيفية جذب فكر البيزنس الروسي.
والمشكلة الأخرى التى ستواجه مصر بخصوص الاستثمارات الأجنبية، أنه بسبب الحرب الحالية سيؤدي ذلك إلى قيام كثير من الدول لفرض كثير من التخوف وفرض قيود وأنطوائية عند الخروج للاستثمار بالخارج، لأن كل دولة تتوقع حدوث أزمات بداخلها؛ مما سيؤدي إلى تقليص الاستثمارات الخارجية، ولكن على أرض الواقع نؤكد أن مصر لديها كل المؤشرات لجذب الاستثمارات الخارجية والأجنبية حيث توجد البنية التحتية وغيرها.
هل الاقتصاد المصري قادر على تحمل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية؟.. وإلى متى؟
الإجابة تتوقف على فترة الحرب، فكلما طالت الحرب هناك أزمة فى استيراد مصر من السلع الخارجية مثل القمح، وسلع أخرى، والإجابة على السؤال يتوقف على متى ستنتهي الحرب، وعلى أي حال كل التقارير الدولية لا تبشر بالخير لوقت انتهاء الحرب وتداعيات الأزمة اقتصاديًا، فعلى الحكومة أن تعمل على أن تداعيات الحرب على الاقتصاد المصري سوف تستمر حتى صيف 2023، فالتقارير الدولية تؤكد أنه لن يكون هناك انفراجة للوضع اقتصاديًا قبل ذلك، يجب على الحكومة أن يكون لديها رؤية اقتصاديًا، وبالتالي لن تحدث انفراجة اقتصاديًا لمصر قبل 18 شهرا على الأقل، وخلال تلك الفترة متوقع حدوث أي أزمات اقتصاديًا مفاجئة للاقتصاد المصري والعالمي أيضًا.
ولكن ما أكبر الآثار الاقتصادية للحرب الحالية؟
الآثار تتوقف على وقت انتهاء الحرب، الصراع بصفة عامة والتقارير الدولية من بنك دولى وصندوق النقد، تحصر الآثار في خمس تداعيات، أولها حدوث صدمة تضخمية كبرى في المواد الغذائية، وخاصة القمح ومواد الطاقة وخاصة البترول والغاز. ثانيًا اتجاه دول العالم إلى الإغلاق والعمل على زيادة قدرتها العسكرية؛ مما يوثر على تباطؤ الاقتصاد العالمي الخاص، أيضًا قضية التحويلات باستبعاد روسيا من السويفت سوف تكون لها آثارها أيضًا، فمصر سوف تتأثر بالتراجع في أعداد السياح، لتراجع معدل وصول السياح الروس والأوكران، وكارثة خطيرة أخرى على مصر إذا استمرت الدول في اتباع سياسات إحمائية وتخوف فتح الحدود والتعامل مع الشركات الروسية الأوكرانية وغيرها، فسيؤدي ذلك إلى تراجع توريد السلع الغذائية لمصر.
الآثار الأقوى اقتصاديًا سوف تأتي من روسيا، فهى مهيمنة على التجارة العالمية الخارجية، وخاصة في السلع الغذائية مثل القمح، فروسيا من أول الدول المصدرة للقمح والغاز الطبيعي والبترول، وبالتالى تستطيع بطريقة إيجابية أو سلبية بالتأثير على الاقتصاد العالمي فيما يتعلق بملف الأغذية والسلع الاستراتجية، وهنا تأتى أزمة وتداعيات الحرب.
فلو افترضنا أن النزاع سيتنهي بعد 3 أو 6 أشهر مثلًا، فلا يتوقع انتهاء الصدمة التضخمية الاقتصادية فيما يتعلق بالسلع الاستراتيجية، ولكن الأهم هنا وبشرة خير لنا أنها صدمة تضخمية اقتصادية مؤقتة، لكونها نابعة نتيجة أزمة طارئة وليست أزمة اقتصادية أساسية، فالأزمة لن تستمر لسنوات.
وبالتالى لو افترضنا انتهاء الأزمة قريبًا، فالتأثير لن يدوم وسينتهي بصيف 2023، في الوقت نفسه مستبعد تمامًا عودة الأسعار لطبيعتها في مصر قريبًا، ولكن قد يحدث ذلك مع حلول صيف 2023.
وماذا عن أزمة القمح؟
لو تحدثنا عن القمح على سبيل المثال، لن يكون هناك ندرة أو شح في القمح، لأنه مازال هناك مخزون، ولكن المشكلة ستكون في وجود صدمة تضخمية فى جانب العرض من القمح بجانب زيادة الطلب، وإذا حدثت تقلبات مناخية في زراعة القمح وأثر ذلك على زراعة القمح، فالأمور سوف تزداد تعقيدًا، وأوكرانيا خامس مصدر للقمح عالميًا، وأول مصدر للذرة، فزراعة القمح تتم في الجزء الغربي من كييف، والمحصول يتم حصده مع نهاية الصيف، وهناك 7 ملايين طن في أوكرانيا جاهزين للتصدير، طبقًا للتعاقدات مع الدولة، ولكن نتيجة للظروف الأمنية والحرب هذا المخزون مازال محجوزًا في أوكرانيا، وذلك سيؤثر على العرض، وبالتالى ارتفاع أسعار القمح، لو فرضنا أن النزاع استمر لفترة معينة، ووضعت روسيا هيمنتها على القمح الأوكراني، فهل المستثمرون والدول سوف تقوم بالتعامل مع الجانب الروسي، وهل روسيا سوف تنفذ التعاقدات، التوقعات تشير إلى أنها ستنفذ إتمام التعاقدات لتفادي مزيد من العقوبات.
والإنتاج العالمى من القمح يصل 760 مليون طن، لو فرضنا مفيش إنتاج جديد سيكون المخزون صفر لأن كل دولة سوف تعتمد حينها على الاحتياطي الاستراتيجي من القمح ولن يكون هناك فاقد للتصدير، والمخزون الاستراتيجي للدول التى تعتمد على استيراد القمح أمامها 3 أشهر وعليها بعد ذلك الحصول على قمح بأي طريقة وأي سعر، وبالتالى يؤدي إلى ارتفاع التكلفة على الموازنة الدول.
وهناك حالة من القلق سوف نعيشها حتى صيف 2023، وفي الظروف الحالية هل تستطيع أوكرانيا زراعة محصول القمح بالصيف القادم، وتفي بوعدها في تلبية متطلبات المستوردين للقمح، وهناك دراسات تؤكد أنه في حالة استمرار النزاع سيتم استبعاد أوكرانيا كاملًا من السوق العالمي للقمح، والموضوع سوف يستمر لحد صيف 2023.
وماذا عن أزمة الغاز والبترول؟
يظل الغاز والبترول ورقة رابحة في يد الروس، أوروبا لن تستطيع الاستغناء عنهم، وهناك دول مثل قطر ونيجيريا والجزائر والنرويج، أكدوا عدم قدرتهم على تعويض السوق الأوروبي بديلًا للغاز الروسي نظرًا لارتفاع تكلفة النقل، فرنسا على سبيل المثال تعتمد على 20% من الغاز الروسي، أوروبا بصفة عامة تعتمد على 40% من الغاز الروسي، وحتى مع العقوبات أوروبا ستكون مضطرة للتعامل مع روسيا في الغاز والبترول.
ما تأثير استبعاد روسيا من نظام سويفت وتأثير ذلك عالميًا؟
أى دولة سوف تقف ضد روسيا سوف تُصنف بالدولة الغير صديقة المعادية، فروسيا سوف تبدأ في انتقاء الأصدقاء، وهذا ما حدث مع مصر مؤخرًا بإعلان السفير الروسي تحمل توفير كافة السلع وخاصة القمح وتوريد ما كانت تستورده من أوكرانيا من القمح، ومصر تلعب على تلك الورقة جيدًا مؤخرًا.
ونظام السويفت يكفي تحويل 11 مليار دولار في العالم، واستبعاد روسيا يعني أزمة بشأن الشركات الروسية المستثمرة في مسائل المدفوعات، واستبعادها مزعج بالنسبة لتحويل الأموال، فروسيا بها 5 ملايين أوكراني يقومون بتحويل أموالهم للدولة الأم أوكرانيا، وهناك مواطنون آسيويون أيضًا يقومون بتحويل أموالهم، هذا يضر بروسيا، ولكن هذا الأمر سيجعل بعض الدول التي تريد أن تخرج من تحت عباءة الدولار، بالبحث عن خلق نظام اقتصادي جديد سويفت جديد، بعيد عن الدولار يكون قائم على عملات أخرى، ومن ضمن العملات المرشحة بدور الدولار العملة الصينية، وفرنسا تأثرت بالنزاع والحرب، فهناك 500 شركة فرنسية تعمل في روسيا، والعقوبات البنكية سوف تؤثر على الشركات الفرنسية.
ما شكل العالم اقتصاديا بعد انتهاء الأزمة وتوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
سنكون أمام عالم اقتصادي جديد في 2025 أو 2030، هذا العالم سوف يبدأ بتغيرات، وتوقعاتنا تصل على سبيل المثال لعودة ألمانيا للتسليح وعودة فرنسا للاهتمام وإعادة تنظيم الجيش، ودول كثير معروف أنها حلفاء لأمريكا، سوف تخرج من الحلف الأمريكي والبحث عن تحالف اقتصادي جديد، دول كثيرة سوف تكون منظمات بديلة لصندوق النقد والبنك الدول، وممكن بعد 10 سنوات من الآن، سوف تنتهي الهيمنة الدولارية على الاقتصاد العالمي.
وهنا دول كثيرة سوف تلجأ بالاعتماد على عملات بديلة للدولار في التعامل، وبالنسبة لمنظمة التجارة العالمية توقعاتنا تقول إنه سيكون خلال 10 سنوات منظمة بديلة لها اقتصاديًا، تضم دول ذات اتجاه معين اقتصاديا، العالم سوف ينقسم.